الأديب العراقي إياد عبد المجيد لـ24: في الطفولة لم نعرف الكذب ولا الخداع
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
"ذاكرة الطفولة" زاوية نضئ فيها على طفولة أديب عربي، نصغي لأول تجاربه ورؤاه، أول أفراحه وأحزانه، وتتسرب لأطراف الأصابع، عبر النتاج الأدبي بين لحظة وأخرى.
زادي الأول من المعرفة كان في مكتبة الوالد.
يقول الأديب والناقد العراقي الدكتور إياد عبد المجيد إبراهيم: "تحتل الطفولة في حياتي معان عميقة، ومشاعر فياضة حين أستذكرها، أشعر بالراحة النفسية العميقة، ويتغير مزاجي، بل يحلو لي أن أرتاد الأماكن التي عشت فيها تلك المرحلة من حياتي، وكنت أفعل ذلك لما كنت قريباً من تلك الأماكن، أما بعد أن بعدت الشقة بيني وبينها، صار الحنين والحلم بها مؤلماً، كل شيء عالق منها في ذاكرتي، فالتعلق بالأرض يكبر معنا كلما أخذ بنا الزمن وزادت أيام الغربة، فالوطن احتضن طفولتنا التي عشنا فيه أجمل حياتنا، واكتسبنا في المراحل الأولى مهاراتنا الأساسية، وامتلأت قلوبنا بحب أرضه".
ويضيف "لعل أبرز ذكريات الطفولة، اللعب مع الأتراب والأقران، ألعاب شعبية بسيطة ورثناها جيلاً بعد جيل، أتذكر في قريتي الغافية على ضفاف شط العرب، القريبة من الخليج، لعبة كرة الطائرة التي كنا نلعبها في البساتين، فنشد الشبكة التي نعملها من خيوط (الجنفاص، عند نخلتين متقابلتين من نخيل البستان، في مساحة تسمى البشتكة تشكل الجداول حدودها وهي على شكل حدوة حصان مفتوحة من طرف واحد، كانت كرتنا التي نلعب بها نصنعها من الجوارب وقطع القماش نجمعها مع بعضها لتكون مستديرة، نتقاذفها بيننا مسرورين، حتى إذا سقطت في الجدول القريب ثقلت بالماء وبات اللعب بها صعباً، فضلاً عن أن التراب يعلق بها فيزيدها وزناً، كلّ ألعابنا في الطفولة صنعناها بأيدينا كالطائرة الورقية، وسيارة التيل التي نعملها من الأسلاك المعدنية، ذات المقود الممتد بأحد الأسلاك بقصبة طويلة، وألعاب أخرى تغمرنا فيها الفرحة، وتنعشنا البراءة".
عالم مخمليويتابع "في الطفولة لم نعرف الكذب ولا الخداع، ربما خصاماً بسيط لم يدم سوى يوم أو يومين نحلم بالممكن وننتظر غير الممكن، وحين كبرنا كبرت معنا أحلامنا وتغيرت فبعضها تحقق، وبعضها ظل هدفاً جاهدنا من أجله، مازلت أتذكر أسماء من عشت معهم طفولتي في الشارع والقرية والبستان والمدرسة، هي أسماء لن تتكرر، بعضهم رحل، وترك لنا ذكريات لن تنسى، أتذكر كل شيء فيها حتى تلك الضحكات، والنكات التي تحمل روح الدعابة ونقاء السريرة، أتذكر عزام وزهير وسلام وصلاح وأحمد الذي كان يعشق السينما في طفولته، ويتفاخر علينا حيث يصعد للمدينة ويعود ليحكي لنا قصة فلم لطرزان وغيره، كنا ننصت لسرده وانفعاله، وأحياناً ينقل لنا المشهد بحركات تسرنا وتضحكنا من شدة اهتمامه، كنت أشعر به وهو يقص علينا ما كانت تسرده لنا جدتي لأبي، التي نلتف حولها عند موقد النار في الشتاء، وهي تقص لنا حكايات فيها من الخيال ما يرعبنا أحياناً، ويشوقنا لنهاياتها، وقد بدأت معنا تقص علينا قصص الأنبياء، كانت تقية ورعة، وأحاديثها شجرة نقاء وارفة الظلال، ذات أغصان تحمل لنا المتعة والدهشة، كنا نفرح بها حين تزورنا، وتبقى معنا بضعة أيام نهاية كل شهر كما عودتنا، وكبرنا ونحن نستذكر حكاياتها وطريقة سردها العجيبة، ونبرتها التي تدخلنا معها إلى عالم مخملي تزين فيه قلوبنا بالحب والأمل والعذوبة".
روح الحياةوعن والدته ووالده يقول إبراهيم: "أمي نبع المحبة والحنان جعلت من طفولتنا حياة للروح وروحاً للحياة، كانت أنفاسها عذبة، ترضينا نحن أبناءها السبعة، وتغدق علينا محبتها بصفاء قلب ونقاوته وصدقه، علمتنا الحب، تنظر إلى أعيننا وهي تترجم معاني الأمومة الجميلة فتذيب قلوبنا في ابتساماتها وتعاملها، وعدم تذمرها تفكر فينا، ماذا نعمل؟ وكيف ندرس ونلعب ونأكل؟ تعطينا كامل مشاعرها حباً ونبادلها احتراماً وتعلقاً، أمي التي كانت تحمل معاني اسمها في الصفاء والطيبة مع الأهل والجيران، كم كانت تفرح بي وبأخوتي وهم يضيفون أصدقاءهم، وتهبنا في هذه اللقاءات من روحها الباذخة الطهر، لم تتثاقل من شيء يعزز محبتنا مع أصدقائنا أو مع بعضنا، كم كانت تخشى علينا لو مرضنا أو تأخرنا، كانت تستشرف مع أبي المعلم الدؤوب الذي غرس في نفوسنا نحن أولاده، وطلابه حب العربية، وبنى منذ طفولتنا هويتنا وساعدنا في تشكيل شخصيتنا، كان يعيش معنا حياتنا، وتجاربنا وأحداثنا، ويدفعنا لاستشراف المستقبل، سعدت جداً يوم كنت في السنة الخامسة في المدرسة حين دخل علينا الصف الدراسي، ليدرسنا التاريخ الإسلامي، تغيرت نظرتي له، وكبر اعتزازي، من أب معلم في البيت إلى أب معلم في المدرسة، يوماً ما كنت أقف أمام شهادة جدارية له معلقة في غرفة الاستقبال ببيتنا، بتوقيع مدير دار العلوم الدينية في الأعظمية ببغداد فهمي المدرس، التي درس فيها أبي، وحين كبرت بعد ذلك عرفت من هو فهمي المدرس، الأستاذ والأديب الكبير، وعرفت قيمة هذه الشهادة التي صرت أعتز بها كلما تقدمت في دراستي، فصرت أطمح أن أكون مثله، أستشرف المستقبل بنظرة تفاؤلية، أتصالح أحيانا مع ذاتي، أقوي نفسي وأتفاءل".
زاد المعرفةويضيف "زادي الأول من المعرفة كان في مكتبة الوالد، دواوين الشعر، قرأت في البدء المعلقات السبع، وبعض الشعراء مثل المتنبي، وحافظ إبراهيم، قبل أن أدرسهم في المدرسة أو الجامعة لاحقاً، كان يعجبني أن أقرأ أمام أبي ليصحح لي أخطائي ويعلمني إلقاء الشعر، حتى صرت أقرأ قصيدة العلَم كل خميس في الطابور الصباحي لجميل صدقي الزهاوي :
عش هكذا في علو أيها العلم فإننا بك بعد الله نعتصم
فكان لهذا التدريب والإلقاء الأسبوعي أثره في حياتي مستقبلاً، صيرني خطيباً على مستوى المحافظة فيما بعد، خطيباً للمناسبات الوطنية والثقافية والأدبية، وزادت استعانتي بأبي لما دخلت الجامعة، وجدته يحفظ القرآن الكريم، ويربط تفسيره بالشعر الجاهلي، ويكتب الشعر كان يأنس بنا، ونحن نسمع له ما ينظمه، نظم ألفية في النصح والإرشاد، وفي أسماء الله الحسنى، وله شعر في المناسبات والأهل وكان يؤرخ لكل مولود من الأحفاد، حسب حساب الجمل، صرنا نفخر به شاعراً ونقلده، نكتب ويقرأ لنا ويصحح، ويقسو لو تكرر الخطأ، أو لحن بعضنا عند القراءة، يا لجمال تلك الأيام التي تزيدنا فخراً بوالدنا والزمن الجميل، لقد كنت أفخر وأتباهى أمام أقراني بما أحفظه من شعر الوالد أمام أصدقائي، حتى صار بعضهم يعود إليه ويسترشد به في الكتابة، ويحب التقرب إليه".
ويختم "كنت أحتفل مع أصدقائي بالعطلات الرسمية بزيارة المكتبة العامة في القضاء الذي نعيش فيه، وكانت وقتها مكتبة حديثة، كنت من أصدقاء المكتبة، وتوطدت علاقتي بأمينها، كتبت عنها مقالات نشرت في الصحف أدعو للاهتمام بها ورفدها، كان قريباً منها يسكن صديقي وأستاذي فؤاد الكبان، المثقف الواعي المحب للكتاب والقراءة في شتى فنون المعرفة، هو مرشدي الأول أزوره في بيته معجباً بمكتبته، يضعني عند مصادر لم أعرفها من قبل، ثم صرت أزور محلات بيع الكتب في المحافظة يرشدني لشراء بعض الكتب في اهتماماتي الأدبية، في وقتها كنت أصدر مجلة ورقية أخطها بيدي اسمها الأمل، أقوم بتحريرها وكتابتها أسبوعياً، كان فؤاد يشرف عليها ويقرأها ويوجهنا، بل ويكتب معنا ولكن باسم مستعار، وكثيراً ما كان يعقب على ما ينشر، كانت تجربة الأمل بالنسبة لي تجربة رائدة وأنا لما أبغ الـ 16 من عمري، استطاعت أن تجعلني متحمساً للقراءة، والنقد ومتابعة المجلّات التي تصدر شهرياً مثل الآداب، والأقلام، وآفاق عربية، والعربي، ومازلت أحتفظ بالأعداد الأولى من الستينيات، ما كنت أحب الخروج من هذه العوالم فكأني لو خرجت منها خرجت من الجنة، وفي الجامعة بدأت المشاركة في الفعاليات الأدبية وقضيت سنواتي الأربع لا أريد مغادرتها، أنشر على الجدار الحر قصائدي، ويعارضني البعض، وينقدنا البعض الآخر، وهذه التجربة هي التي شجعتني للنشر في الصحف البصرية، وعرض علي مدير تحرير جريدة الخليج العربي، أن أعمل معهم مراسلاً ثقافياً ورياضياً للفعاليات التي يزخر بها القضاء، ونشرت العديد من اللقاءات والأخبار وتحوّلت بعدها إلى الثغر والحياة البصرية، وتعرفت على أدباء المدينة، وترسخت علاقتي بأساتذتي في الجامعة، وأصبح بعضهم صديقاّ لي، اتسعت رحلة الكتابة، وانطلقت أسافر إلى العاصمة، لتبدأ مرحلة متطورة أخرى من حياتي".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
وهج الأصالة.. فعاليات سياحية وتراثية بقلعة بهلا احتفاءً بالعيد الوطني الـ 54 المجيد
احتضنت قلعة بهلا على مدى أربعة أيام متتالية، تزامنًا مع إجازة العيد الوطني الـ54 المجيد، سلسلة من الفعاليات والبرامج السياحية والثقافية تحت شعار "وهج الأصالة"، والتي نظمتها شركة مراسيم للسياحة المشغّلة للقلعة، وشهدت توافد أعداد كبيرة من السياح من مختلف ولايات ومحافظات سلطنة عمان.
وازدانت القلعة بفعاليات متنوعة ومعارض حرفية سلطت الضوء على التراث العريق لولاية بهلا، حيث تضمنت المعارض عروضًا حية لحرف تقليدية مثل صناعة الفخار، والسعفيات، والحلوى العمانية، والنسيج، وصناعة الزيوت العطرية، بالإضافة إلى منتجات المرأة الريفية والأسر المنتجة، وكان من أبرز الفقرات عرض حي لحرفة الزيجرة، التي تحاكي الطريقة التقليدية القديمة لاستخراج الماء من الآبار.
وتخللت الاحتفالات أجواء مفعمة بالحيوية، حيث صدحت فرقة الفنون الشعبية بأهازيج الرزحة والعازي، وقدمت عروضًا لفن المبارزة بالسيف. كما شهد المسرح المفتوح بالقلعة أنشطة متنوعة شملت مسابقات ثقافية وترفيهية، وفقرات فنية، وألعابًا جذبت اهتمامًا كبيرًا، خاصة من الأطفال.
وجسدت الفعاليات بقلعة بهلا مزيجًا متناغمًا بين الأصالة والمعاصرة، مما جعلها وجهة مثالية للسياح والمحتفلين بهذه المناسبة الوطنية المجيدة.