لجريدة عمان:
2024-09-16@19:12:09 GMT

هل أصبح البنك المركزي الأوروبي أقوى مما يَجِب؟

تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT

هل أصبح البنك المركزي الأوروبي أقوى مما يَجِب؟

"لا شيء ممكن بدون الناس. ولا شيء يدوم بدون المؤسسات"، هذا ما قاله جان مونيه أحد الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي. تنامِي دورُ البنك المركزي الأوروبي من بدايات متواضعة كحارس لعملة ناشئة (اليورو) إلى واحد من أعظم القوى في السياسة الأوروبية ربما كان سيدهش كبير التكنوقراطيين نفسه (مونيه). فبعد مرور 25 عاما على تأسيسه أصبح البنك شديد البأس بحيث يواجه الآن سؤالا قاسيا هو: هل يعرف متى يتوقف (عن التمدد)؟ البنك المركزي الأوروبي فريد في أنه لا يخضع لسلطة سياسية ولا يوجد له نظير مالي (بمعنى أنه كمؤسسة نقدية لا توجد مؤسسة مالية نظيره أو مقابلة له مسؤولة عن الشؤون المالية كالضرائب والإنفاق الحكومي والسياسات المالية بشكل عام في الاتحاد الأوروبي - المترجم).

استقلال البنك مُكرّس في معاهدة أقرب إلى أن تكون دستورا للاتحاد الأوروبي. وتفويض البنك يضع استقرار الأسعار في مقدمة اهتماماته. هذا فيما يوجه جزء آخر من التفويض واضعي السياسات بدعم "السياسات الاقتصادية العامة للاتحاد الأوروبي" والتي تشمل النمو والتوظيف وذلك على نحو شبيه بالتفويض المزدوج لبنك الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي). لكن ربما يمكن أيضا تمديده ليشمل السياسات المناخية أو تقليل مخاطر العلاقات مع الصين. على مدار تاريخه تولى مسئولو البنك المركزي الأوروبي مهاما إضافية. وفي حالات عديدة اضطر هؤلاء المسؤولون إلى القيام بذلك. ففي وسط اضطراب السوق خلال أزمة الديون السيادية في أوائل العشرية الثانية طمأن رئيس البنك وقتها ماريو دراغي المستثمرين واعدا إياهم بعمل "كل ما يلزم" لحماية عملة اليورو. وفي أثناء جائحة كوفيد-19 وتحت قيادة كريستين لاجارد رئيسته الحالية اشترى البنك المركزي الأوروبي ديونا عامة (حكومية) بقيمة 1.7 تريليون يورو (2 تريليون دولار) لإزالة الشكوك حول سيولة حكومات البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. أتبعت لاجارد ذلك الإجراء بإعلان برنامج شراء سندات آخر في العام الماضي عندما هدد التضخم برفع أسعار الفائدة على السندات الإيطالية إلى عنان السماء.

إذن لقد صار البنك المركزي الأوروبي فعليا مقرض الملاذ الأخير لحكومات بلدان منطقة اليورو على الرغم من أنه رسميا ليس كذلك. ويبذل البنك قصارى جهده لتأكيد أن برامجه الخاصة بشراء السندات الحكومية تقترن بشروط. في الواقع من أجل الالتفاف حول الحظر الذي تفرضه معاهدة الاتحاد الأوروبي على تمويل الحكومات (بشكل مباشر) يلزم مسؤولي البنك تسويغ شراء السندات على نحو يتَّسِق مع أهداف سياسته النقدية والتقيّد بالقواعد المالية للاتحاد الأوروبي وتأكيد الحاجة إلى استدامة الدين السيادي. على هذا النحو "يجب أن يكون محامو البنك المركزي الأوروبي من بين المحامين الأكثر ابتكارا في العالم (للحلول أو المخارج القانونية)،" كما يقول ساندَر توردوار كبير الاقتصاديين بمركز الإصلاح الأوروبي. فبدلا من أن تتجه الحكومات إلى البنك المركزي التماسا للعون - كما يمكن أن يحدث في أي مكان آخر خلال الأزمات - يفرض البنك المركزي الأوروبي على الحكومات اتباع "سياسات اقتصاد كلي مسؤولة" حسب تعبير فرانشيسكو باباديا المسؤول السابق بالبنك. الآن تدفع الاعتبارات الجيوسياسية البنك المركزي الأوروبي نحو دور أكثر حساسية. لنأخذ خطوط تبادل العملات على سبيل المثال. (خطوط تبادل العملات هي اتفاقيات بين البنوك المركزية تسمح لها بتبادل عملاتها لمدة محددة سلفا من أجل مقابلة احتياجات السيولة في الأجل القصير بسوق العملات الأجنبية وتثبيت الاستقرار في الأنظمة المالية خلال أوقات الضائقة المالية- المترجم). فالبنك هو الذي يقرر إنشاءها. (في حال قرر البنك المركزي الأوروبي إنشاء خطوط تبادل عملات يدخل في اتفاقيات مع البنوك المركزية الأخرى خارج منطقة اليورو لتسهيل تبديل اليورو بعملة البنك المركزي الشريك لمقابلة احتياجات السيولة المحتملة ودعم الاستقرار المالي- المترجم.) مثلا إذا كانت البنوك الأوروبية في حاجة ماسة للدولار يمكن أن يبادل البنك المركزي الأوروبي عملة اليورو بالعملة الأمريكية مع بنك الاحتياط الفدرالي. بولندا والمجر عضوان كبيران في الاتحاد الأوروبي لا يعتمدان اليورو عملة رسمية. لكن بولندا (بخلاف المجر) هي التي تستفيد من خط مبادلة عملات محدود مع البنك المركزي الأوروبي. يقول شاهين فالي الباحث بالمجلس الألماني للعلاقات الخارجية وهو مركز أبحاث آخر: إن حصول أوكرانيا على خط مبادلة للعملات مع البنك على سبيل المثال يجب أن يكون قرارا مشتركا بواسطة وزراء مالية الدول الأعضاء في الاتحاد وليس البنك المركزي الأوروبي وحده. على نحو شبيه بذلك يشكل البنك المركزي الأوروبي صوتا قويا في الجدل الدائر حول ما يجب أن يحدث لأصول البنك المركزي الروسي المجمدة. فهو يفضل تركها على حالها وعدم التصرف فيها. كما يعارض أيضا وعلى أساس قانوني محاولات إعادة تحويل بعض حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي والتي يمكن استخدامها كاحتياطيات بالعملة الأجنبية إلى بنوك التنمية. بيد أن البنك لا يستجيب للتحديات فقط. يمكن رؤية ذلك في تشجيعه على استخدام وقبول اليورو. وهذا شيء لا ينادي به تفويضه بوضوح. وكما ذكرت كريستين لاجارد لمجلة الإيكونومست مؤخرا "إذا كان هنالك المزيد من التجارة باليورو سنكون بحاجة إلى تقديم السيولة التي تدعم تلك التجارة. اليورو كعملة دولية قوة للاستقرار."

إحدى الطرق التي يخطط بها البنك لتعزيز دور اليورو استحداث عملة رقمية. فهي ربما من شأنها تيسير معاملات التجارة العالمية. في هذا الجانب مضى البنك إلى أبعد مما ذهب إليه بنك الاحتياط الفدرالي الذي لا يزال بعيدا عن إصدار عملة رقمية وأكثر قلقا بشأن الموافقة السياسية على إصدارها. التغير المناخي مجال آخر يؤدي فيه البنك المركزي الأوروبي دورا. فهو باعتباره المشرف المصرفي الرئيسي للاتحاد الأوروبي يتوجب عليه تقييم المخاطر الناشئة. يقول فرانك إيلدرسون عضو المجلس التنفيذي للبنك "لم يعد تحول أزمة المناخ إلى مصدر للمخاطر المالية مجالا للخلاف. وهكذا أصبحت ضمن تفويضنا تماما."

يوضح اختبار ضغط "إجهاد" مناخي أجراه البنك ونشرت نتائجه في 6 سبتمبر أن تسريع الانتقال إلى الموارد المتجددة سيقلل مخاطر ائتمان المصارف في الأجل المتوسط. وهكذا ستنعكس أفكار التحول إلى الموارد الخضراء باطراد على سياسات البنك في إدارة المخاطر وشراء السندات وضمانات الاقتراض. ترى لاجارد أن هنالك المزيد الذي يمكن أن يكون ضمن تفويض البنك. تقول " كل الأجسام الأوروبية من البرلمان الأوروبي إلى الدول الأعضاء ملتزمة بالأهداف المناخية لاتفاقية باريس." إحدى السياسات التي يدور حولها النقاش نسخة خضراء (تتسق مع المطلوبات المناخية) من عمليات الإقراض التي يستهدفها البنك المركزي الأوروبي. هذه العمليات استخدمت حتى الآن كأدوات للسياسة النقدية بقصد تشجيع المؤسسات المالية على إقراض الشركات والعائلات. قد يعني وضع اعتبار للأهداف المناخية عند تسليم الأموال أن البنك ينفذ سياسة مناخية على نحو مباشر. وهذا ما يتجاوز أية مهمة يمكن أن يفكر بنك الاحتياط الفدرالي في القيام بها (البنوك المركزية عادة ما تشغل بالها بالسياسة النقدية وليس بالسياسة المناخية - المترجم).

الخطورة في كل هذا أن البنك المركزي الأوروبي ينفذ أعمالا تزيد عن تلك التي يلزمه القيام بها. وليست هنالك رغبة لدى الحكومات الوطنية لتقييده وتحديد مجال لا يتعداه. في الواقع قد يتيح هذا التمدد سبيلا لتحقيق أشياء لا يمكن أن ينفذها الساسة خوفا من رد الفعل الشعبي. وربما البلدان الأعضاء إدراكا منها لتزايد نفوذ البنك ترشح ساسة سابقين لمجلس المحافظين. فالرئيسة نفسها كريستين لاجارد سبق أن تولَّت حقيبة وزارة المالية في فرنسا ونائبها لويس دي جويندوس كان وزير مالية إسبانيا. مع ذلك كلما خاطر البنك بالدخول في مجالات إشكالية زادت مخاطر تآكل شرعيته. أما الآن فالساسة ومسؤولو البنوك المركزية الوطنية سعداء بما يفعله. لكن السؤال هو: هل سيبدأ المواطنون يوما ما في الاعتراض على ذلك؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البنک المرکزی الأوروبی الاتحاد الأوروبی للاتحاد الأوروبی البنوک المرکزیة فی الاتحاد یمکن أن على نحو

إقرأ أيضاً:

محافظ البنك المركزي: عدد المصارف الرقمية في العراق سيكون أكبر من الدول المجاورة

محافظ البنك المركزي: عدد المصارف الرقمية في العراق سيكون أكبر من الدول المجاورة

مقالات مشابهة

  • المالية النيابية تدرس تعديل قانون البنك المركزي وانشاء صندوق سيادي
  • ارتفاع مبيعات الحوالات الخارجية في مزاد البنك المركزي العراقي
  • وزير المالية: فرص كبيرة لتعميق التعاون مع الاتحاد الأوروبي
  • وزير المالية: نتطلع إلى زيادة استثمارات دول الاتحاد الأوروبي في مصر
  • مصرفيون لـ(السوداني): تبعية البنك المركزي للسيادي تنهي سيطرة المالية عليه
  • البنك المركزي العراقي يبيع أكثر من مليار دولار خلال اسبوع
  • محافظ البنك المركزي: عدد المصارف الرقمية في العراق سيكون أكبر من الدول المجاورة
  • الجديد: على مجلس الرئاسي لإدارة المصرف المركزي التوقف عن الكذب
  • “المركزي الروسي” يخفض سعر الدولار ويرفع اليورو أمام الروبل
  • أصبح صفراً.. المركزي يُعلن إطفاء الدين العام