سوق الخان بلبنان.. شريان تجاري ينبض منذ 7 قرون
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
منذ 658 عاما، لا يزال "سوق الخان" الشعبي في منطقة حاصبيا جنوبي لبنان يحافظ على نشاطه المعتاد، حيث ينصب سكان المنطقة بسطاتهم (عرباتهم) التي يعرضون عليها بضائعهم كل ثلاثاء.
أنشئ السوق عام 1365م على يد الوالي أبو بكر باشا (الشهابي) من أجل إيواء القادمين من أنحاء مختلفة، مثل جبل عامل والعرقوب (لبنان) والجولان (سوريا) وبلاد الحولة وصفد (فلسطين)، إلى البقاع اللبناني من الناحية الشمالية.
على جانبي الطريق، وبالقرب من الخان التاريخي، يعرض التجار والباعة كل ثلاثاء ما لديهم من منتوجات ومأكولات وبضائع ومواش وطيور، إما في أكشاك من القرميد، أو في ظل شجر الكينا والسرو.
ويأتي الباعة والسائقون على حد سواء من مختلف المناطق اللبنانية إلى سوق الخان الشعبي، ولا سيما في الصيف، حيث يعج بالسياح الأجانب والعرب والمغتربين.
وأعيد ترميم السوق في 2002 بتمويل من جمعية "ميرسي كورب" الأميركية، وبالتعاون مع بلدية حاصبيا، وكذلك ترميم وتأهيل قسم من الخان الأثري، الذي يقع بين السوق الشعبي ومجرى نهر الحاصباني، في منطقة تبعد عدة كيلومترات عن الحدود اللبنانية السورية الفلسطينية.
متنفس تاريخي لفلسطين وسورياهذا ما يؤكده المؤرخ الشيخ غالب سليقة، لوكالة الأناضول، قائلا إن "سوق الخان الأثري الأكبر والأفضل في جميع المناطق، إذ إنه كان وما زال الشريان الحيوي للاقتصاد الصناعي والزراعي والتجاري".
وذكر سليقة أنه "في الماضي كانوا يتعاملون بطريقة تبادل البضائع وليس بالنقد، وكان هذا السوق المتنفس الطبيعي من شمال البقاع إلى وادي الذهب في الحولة شمال فلسطين، والجولان السوري ووادي التيم وجبل عامل، وكان يقام السوق 3 أيام، الاثنين والثلاثاء والأربعاء".
وأضاف "الخان بني عام 1365م من قبل الأمير أبو بكر الشهابي، إذ كان سابقا يعدّ نزلا، حيث كانت تستريح قوافل التجار والمسافرين بخيلهم وماشيتهم بالإسطبلات الموجودة فيه".
وتابع "بقي سوق الخان الشعبي مقصدا للتجار والباعة والمتسوقين، ولم يتوقف إلا فترة قصيرة إبان الاحتلال الإسرائيلي (1982ـ2000)".
ولفت المؤرخ سليقة إلى أن "هذا الخان موقع أثري جميل، واليوم تستخدمه بلدية حاصبيا لإقامة المهرجانات في باحته، أما سوق الخان الشعبي فهو متنفس طبيعي لجميع الناس".
واعتبر أن "ترميم الخان الأثري لم يكن في المستوى المطلوب، بل كان عليهم أن يرمموه بالحجارة الطبيعية المكسوة بالكلس الطبيعي، واليوم لا أحد يهتم بعمرانه وهو منسي".
وناشد وزارة السياحة وبالتعاون مع بلدية حاصبيا تسليط الضوء على هذا الخان، الذي "يعدّ من الأماكن السياحية الأولى في لبنان".
ذاكرة الزائرين والبائعينمن جهته، قال فارس جبور مختار بلدة كوكبا المحاذية لسوق الخان "منذ الصغر كل ثلاثاء نأتي إلى هذا السوق الشعبي الذي تغيرت معالمه بعد ترميمه".
من جانبها، عبّرت ريبيكا كيتال، أسكتلندية متزوجة من لبناني، عن سعادتها بالتعرف على هذا السوق الشعبي، "الذي يوجد فيه كل شيء حيث يأتي إليه الناس من مختلف المناطق".
وأشارت إلى أنها وزوجها لم يكونا يعرفان أن هناك خانا أثريا ملاصقا للسوق.
من جهتها، قالت منى صادق "أعيش في ألمانيا منذ 30 عاما، وهذه المرة الأولى التي أزور فيها سوق الخان". وأضافت "بصراحة أتينا إلى السوق لأنه قيل لنا إن اللحم المشوي لذيذ جدا هنا".
وتابعت "لا أعرف شيئا عن تاريخ السوق، ولهذا السبب أتينا لاستكشاف ذلك".
بائع الألبسة لطفي أيوب، من مدينة النبطية (جنوب)، يشكو من حركة البيع الخفيفة قائلا "الوضع سيئ جدا لجميع الناس".
واستذكر أيوب روايات أجداده عن الخان، إذ كانوا يقولون له إنه "كان للخيل والماشية وعرض البضائع".
الشابة ميساء كزيلا، من بلدة حاصبيا، تبيع وشقيقتها أساور الخرز المصنوعة يدويا، قالت "قررنا المجيء إلى الخان لأنه سوق شعبي، ويأتي إليه الكثير من الناس لأن أسعاره رخيصة ومدروسة، ونحن الجيل الجديد نسعى للحفاظ عليه لما يعنيه لنا".
ويسترجع المزارع راشد أبو راشد (80 عاما)، من بلدة أبو قمحة المجاورة للسوق، ذكرياته مع السوق قائلا إن "الخان القديم كان ممرا واستراحة للقادمين من سوريا إلى فلسطين وبالعكس، وما زال حتى اليوم مقصدا للزوار من مختلف المناطق اللبنانية".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ادعاء إسرائيلي.. تخطيط هجمات البيجر بلبنان "استغرق أكثر من عقد"
ادعى مسؤول كبير سابق في جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي "الموساد"، أن التخطيط لهجمات أجهزة النداء "البيجر" في لبنان التي استهدفت عناصر حزب الله في سبتمبر/ أيلول الماضي "استغرق أكثر من عقد من الزمن".
وقال "أ"، وهو الاسم الأول لمسؤول في "الموساد" لهيئة البث الإسرائيلية، عن استخدام أجهزة "البيجر"، التي تُعتبر تقنية قديمة، لتنفيذ العملية: "الاختيار كان مدروسًا بعناية".
وأردف: "هذا أحد المخاطر التي ترافق أي عملية، عندما هجرت معظم الجهات هذه التقنية، كنا نعلم أن من بقي يعتمد عليها هم الأكثر تورطًا، وهم عناصر حزب الله".
وأضاف: "استغرقت العملية أكثر من عقد من التخطيط، وشملت بناء ثقة مع العميل المستهدف، وتطوير التكنولوجيا، والحفاظ على الوضع القائم لدى العدو دون إثارة الشكوك"، دون مزيد من التفاصيل.
ووفقا له، "استغرق التحضير للعملية عشر سنوات، وكان توقيتها النهائي مثاليًا".
وادعى المسؤول الأمني الإسرائيلي السابق أن "العملية أحدثت تحوّلًا كبيرًا في الساحة الشمالية (الحدود بين إسرائيل ولبنان)، حيث بدأت ضد حزب الله لكنها امتدت لتؤثر على سوريا وإيران والمحور الشيعي بشكل عام".
وقال إن "ما يميز هذه العملية عن غيرها هو استهداف العناصر البشرية بشكل مباشر، على عكس العمليات التي تركز عادةً على أهداف عسكرية مثل الأنفاق والصواريخ".
ورأى أن "هذه العملية غيرت قواعد اللعبة. استهداف العناصر البشرية المؤثرة قلل من عدد المشغلين والقادة، مما خلق عنق زجاجة في عمليات العدو".
مسؤول الموساد السابق ادعى أيضا أن "العملية لم تكن فقط ضربة تقنية، بل استراتيجية، أضعفت القدرات البشرية لحزب الله بشكل كبير".
وشهد لبنان يومي 17 و18 سبتمبر الماضي موجتين من التفجيرات المتزامنة استهدفت الآلاف من أجهزة الاتصال المحمولة، وأبرزها "البيجر" التي يستخدمها عناصر "حزب الله" وجهات أخرى، ما أسفر عن عدد كبير من القتلى والجرحى.
ومنذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يسود وقف هش لإطلاق النار أنهى قصفا متبادلا بين إسرائيل و"حزب الله" بدأ في 8 أكتوبر 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان عن 4 آلاف و61 قتيلا و16 ألفا و656 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص، وتم تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد تصعيد العدوان في 23 سبتمبر الماضي.