سودانايل:
2025-05-03@05:18:18 GMT

الباقر العفيف: التفسير الكيزاني للتاريخ (1-2)

تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT

(علي بن أبي طالب “ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذُلُّوا)

كتب الباقر العفيف مقالة قال هي الأولى في سلسلة منتظرة حمّل فيها الإسلاميين وزر الحرب القائمة التي أرادوا منها "القضاء على ثورة ديسمبر قضاء مبرماً، وإزالة أي أثر لها، ومحوها من الذاكرة". فأضرموها، في قوله، بغير علم الجيش نفسه بطريقتهم التي لا تتحسب للنتائج.

فوقع كبار ضباط الجيش في أسر الدعم السريع الذي لم يطلق رصاصة واحدة تجاههم. وهذه من العفيف وغيره بالطبع رواية الدعم السريع حذو النعل بالنعل عن الملوم بالحرب. وهي رواية لم تتحر حقيقتها أي من دوائر الحرية والتغيير قبل أن يبذلوا هذه الخدمة المجانية للدعم السريع في تلاعبه المتقن بدور الضحية في هذه الحرب.
أحصيت في كلمة العفيف ألفين وسبعمائة وتسعة وعشرين كلمة في الإزراء بالإسلاميين في مقابل مائة واثنين خمسين كلمة عن خروق الدعم السريع (94 في المية). وخصص العفيف هذه الكلمات المحدودة عن الدعم السريع، الجنجويد، لمؤاخذته لوطئه أرض السودان. فانعقدت بخرابه أعاصير الدخان والخراب في سماء مدن كردفان ودارفور وأخلى الخرطوم من سكانها في أول سابقة في التاريخ الحديث. وتجد العفيف استهلك حتى هذا الحيز للجنجويد، على ضيقه، في الاتيان بمشابه تاريخية لهذا الوطء، أو لتوبيخ الإسلاميين لأنه في خاتمة الأمر "كلو منهم". فشبه وطء الخرطوم الحالي بما اقترفته جحافل البدو من "عربان" العبدلاب "ورعاة" الفونج بسوبا عاصمة مملكة علوة المسيحية (1504) التي هي الآن ضاحية بالخرطوم. وأفرغ العفيف في سطر آخر وأكثر إدانته للإسلاميين لأن خراب الحرب هو ثمرة من ثمرات مشروعهم المتوحش: "ذلك المشروع الدخيل الغريب المستورد الذي يمثل أخبث بذرة تبذر في أرض السودان على الإطلاق والذي اتخذ منحى مدمراً منذ أن ظهر زعيمهم حسن الترابي في المسرح السياسي السوداني قبيل أكتوبر 1964".
أتوقف هنا عند مسألتين أحدهما أسلوبية والأخرى تاريخية. فلا أتفق مع الباقر أن "كتال كتلة" على طرافتها هي تعريب صالح نأخذ به ل"serial killer". فلربما قلنا "قاتل مواظب على القتل" أو نحوها حتى يستقيم التعريب. أما النقطة التاريخية فهي عن مشهد الخرطوم خلال هذه الحرب الذي قال أنه يحاكي ما اختزنته الذاكرة التاريخية عن "خراب سوبا" (1504) الذي اقترفته جحافل البدو التي ذكرها بينما المتهم بتخريب سوبا في آخر المباحث الأكاديمية عن هذه الفترة الغامضة في تاريخ السودان، بحسب أحمد معتصم الشيخ، هم القوم الذين عرفوا بالعنج ونسبهم إلى شعب قديم في البجا.
هذه الحرب التي تعركنا عند العفيف يوم من أيام الشؤم على السودان منذ ظهر فينا حسن الترابي في المسرح السياسي بعد ثورة أكتوبر كما تقدم. وأحصى تلك الأيام عددا: حل الحزب الشيوعي (1965)، فض ليلة العجكو بجامعة الخرطوم بالعنف (1968)، الحكم بردة محمود محمد طه (1968)، محاولة فرض الدستور الإسلامي (1968)، فتنة أبا (1970)، هجوم "المرتزقة" (1976)، "نقض اتفاقية أديس أبابا" (1983)، قوانين "سبتمبر" (1983)، "تحريض الجيش على الحرب" بعد ثورة 1985، انقلاب يونيو (1989) وعواقبه مثل الجهاد في الجنوب.
ثم عرج لأيام كريهة لهم على السودان بعد ثورة 2018 نناقشها لاحقاً. وكل ما جاء أعلاه عن الإسلاميين حق إلا من إعفاء شركاء لهم فيها كانوا أشد حرصاً منهم وفتكاً. فجاء الإسلاميون كتنظيم إلى حل الحزب الشيوعي متأخرين عن الزعيم الأزهري وحزبه الوطني الاتحادي ممن حنقوا على حزب نافسهم في دوائر الخرطوم فكاد يغلبهم. واتهم العفيف الإسلاميين بالضلوع مع مؤسسات فقهية رسمية وبعض قيادات الطائفية "في مؤامرة إصدار حكم بردة الأستاذ محمود محمد طه عن الإسلام". وقد أوليت دور الإخوان في ردة طه الأولى والثانية ومقتله في 1985 التفاتة خاصة في فصلي عنه في كتابي "هذيان مانوي: القضائية الاستعمارية والصحوة الإسلامية، 1898-1985" (بريل 2008) ولم أجد لهم، بجانب الخصومة الفكرية الشعواء المتبادلة، جرماً لا في حكم الردة ولا في المقتل. فلم يزد الترابي عن القول لأنصاره حين عرضت المسألة في 1968 أن طه يهرف بما لا يعرف فلا تنشغلوا به. وقال صادق عبد الله عبد الماجد أيضاً إن الإسلام لأرحب من ملاحقة مثله بما لوحق. ونصحت "الميثاق الإسلامي" أن يواظب الإخوان على كشف سوءة عقيده متى ظهرت وأين، وألا يلتفتوا إلى ما عداه. وأجمل عبد الوهاب الأفندي عنهم إنهم ممن شمتوا على مصائب الجمهوريين، أو طربوا لها، بعد الواقعة. وشددت في فصلي عن طه على أن خصومه الاشداء كانوا في المؤسسة الدينية من قضاء شرعي وشؤون دينية وعلماء الجامعة الإسلامية. كما أنني لا أرى عيباً في عرض جماعة منتخبة من الشعب مشروعاً للدستور الإسلامي على جمعية تأسيسية على أنني معارض مستميت له. فالأفدح أن يأتيك به ديكتاتور طاغية بليل كما فعل الرئيس نميري في سبتمبر 1983 أربك به حتى الإسلاميين الذين كان أقصى أمانيهم ليومهم أن يطابقوا بين القانون الوضعي في البلاد والشريعة كما فصل ذلك منصور خالد في "نميري وتحريف الشريعة". أما نقضهم لاتفاقية أديس فقول على العواهن. فدور جوزيف لاقو، الذي وقع على الاتفاقية عن القوميين الجنوبيين، في الحنث بعهد أديس واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. وقال بونا ملوال بعد الرماد الكال حماد أنهم شركاء في نقض الاتفاقية لأنهم صمتوا طويلاً عن انتهاكات نميري لها حتى طربقها على رؤوسهم.
وجاء الباقر إلى شؤم الإسلاميين بعد الثورة بما جاء به عن شؤمهم قبلها وهو أن يلبسهم الجرم وحدهم غاضاً الطرف عن شركائهم. بل جاء في سيرتهم الكئيبة بعد الثورة بشؤم نسبته إلى غير الإسلاميين أرجح وأوثق من نسبته لهم. وهذا يفرغ الواقعة التاريخية من الاصطراع. ويهبط بها من دراماها في مجتمعها وزمانها ومكانها إلى خطيئة من ورائها شيطان لابد.
ونواصل

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

أولويات ما بعد الحرب في السودان

كغيري من اصحاب الراي نشرت عدة مقالات حول اعادة التعمير في السودان بعد هذه الحرب، وستظل الافكار والاقتراحات تتداول الامر حتى تتشكل خارطة طريق جيدة يساهم فيھا كل السودانيين بصورة ايجابية كل في مجاله وبما يستطيع، ابتدأ من كل الخبراء واصحاب القرار نزولا الى ابسط مواطن يمكن ان يساهم مع جيرانه في نظافة الحي.
بالطبع ھناك مناطق تأثرت بالحرب أكثر من غيرها وتحديدا اقليم دارفور والعاصمة المثلثة الخرطوم واقليم الجزيرة، ولكن لا ينبغي التركيز فقط على الخرطوم، وداخل الخرطوم يجب تقديم تأهيل المرافق الصحية الخدمية، خلافا لما تقوم به سلطة الامر الواقع اليوم، عندما أعلن أحد المسؤولين غير المسؤولين حقيقة بأن اعادة اصلاح القصر الجمهوري بالخرطوم سيوفر لھ مبلغ مليار و800 مليون دولار ، !!!
بالطبع ھناك مناطق تأثرت بالحرب أكثر من غيرها وتحديدا اقليم دارفور والعاصمة المثلثة الخرطوم واقليم الجزيرة. وللعلم ھذھ الثلاث مناطق تضم ما لا يقل عن نصف سكان السودان اي حوالي 20 مليون مواطن ، منهم أكثر من 10 مليون أصبحوا لاجئين في دول الجوار او نازحين في بقية اقاليم السودان.
في انتظار الشراكات الدولية والتعاون الدولي والمساعدات الدولية وغيرها. ينبغي التركيز على أن رجوع هذه الاعداد من اللاجئين والنازحين مرتبط في المقام الاول بوقف إطلاق النار اي وقف الحرب والامن من النيران العدوة او الصديقة بما فيھا المسيرات، ثم توفر الأولويات او الحاجات الطارئة وھي مياه صالحة للشرب والغذاء ثم المأوى
بالنسبة للمياه، مؤقتا يمكن استخدام صهاريج مياه جماعية، استخدام أجهزة تنقية المياه في الاحياء والقرى، الاستفادة من مياه النيل والترع والابار، بالنسبة للغذاء يمكن تطوير التكايا الموجودة الى مراكز لتوزيع الخبز والمواد الغذائية الأساسية مثل العدس وغيرھ.، نقطة الغذاء تستدعي توفير الوقود كالكهرباء والجازولين وغيرها لتشغيل المخابز الاهلية والمطاحن، وهنا يمكن ان يستفاد من الواح الطاقة الشمسية باعتبار تركيبها آمن وأسرع.

بالنسبة للمأوى بعد حملات التنظيف الأولية يمكن ان يكون هناك نقاط لتوزيع الخيام والبطاطين وما شابھھا.
من المؤكد ان الجانب الصحي له نفس الأهمية القصوى لتفادي انتشار الامراض والعدوى ، خاصة مع وجود كثير من الجثث المتحللة في اماكن مكشوفة او غير مرئية . والجانب الصحي يبدا بالنظافة كما ذكرنا، ويمكن البدء بإيجاد وحدات طبية متنقلة محملة بالطعوم واللقاحات والاسعافات الأولية، والقيام بالتطعيم ضد الامراض المعدية كالكوليرا.
ضمن برنامج النظافة ونشر الامن ، يمكن الاستفادة من أجهزة الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي والمدارس ومنابر المساجد في التوعية والارشاد في كيفية التعامل مع بقايا الحرب من شظايا والغام وقنابل غير متفجرة واجسام معدنية غير مألوفة للمدنيين، والتذكير بضرورة عدم لمس اي جسم معدني غريب، وعدم التعامل مع الجثث متحللة وغيرها مما قد يجده العائدون الى أحيائهم، وتفادي المباني المتهدمة والمهجورة. كما ينبغي على السلطات المحلية ومجالس الاحياء الاهتمام بالنظافة وذلك من خلال حملات يومية لجمع الاوساخ والتعامل معها بصورة صحية.
في خط مواز لكل ما سبق يجب الاهتمام بنشر الآمن بتكوين دوريات من شباب الحي او القرية ليتناوبون الحراسة الليلية واستعمال أجهزة انذار بسيطة كالصافرة والهاتف المحمول للتبليغ عن أي خطر بالمكان،
فرض الامن. بواسطة الشرطة والبوليس وعدم ترك المجموعات والجماعات المسلحة التي شاركت بصورة او بأخرى في الحرب لفرض أحكامها وقراراتها عبر السلاح الذي تحمله على المواطنين وذلك لتفادي تجدد تصفية الحسابات بين الافراد والجماعات كما وقع في الأسابيع الماضية من اعدامات فردية وجماعية دون محاكمات بل لمجرد اتهامات من افراد لأخرين بأنام متعاونين مع مليشيا الدعم السريع.
بعد ان يسود شيء من الهدوء النسبي في الأحياء والقرى يجب مباشرة الالتفات للتعليم لأنه من أھم روافع رفع الوعي واعادة بناء اللحمة الاجتماعية الوطنية بين الاطفال والتلاميذ والطلاب. كما يمكن الاستفادة من الخيم كمدارس مؤقتة
ما سبق كان على المستوى المحلي اما على مستوى الدولة فينبغي التواصل مع المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وافرعھا منظمات مثل اليونسكو و الايسسكو واليونسيف والفاو ومنظمة الصحة العالمية وغيرها .ومنظمات الھلال الاحمر والصليب الاحمر ومنظمات المجتمع المدني وغيرها للمساعدة في اعادة تأھيل البنية التحتية و الكھرباء؛ وتأهيل مرافق المياه كحفر الابار والعناية بالصحة بتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية
واخيرا على المدى المتوسط والطويل يمكن الاستفادة من تجارب دول اخرى في اعادة الاعمار مثل العراق ورواندا وغيرها.
ان اعادة الاعمار تبدأ بإيقاف الحرب ونشر الامن وبداية الاستقرار والتعاون الدولي ولعل قبلهم جميعا يأتي الاتفاق على التوافق الوطني

abdelgadir@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • السودان: قوات الدعم السريع تجدد قصف الخرطوم والأبيض
  • الدعم السريع يقصف القصر الجمهوري وتضارب حول السيطرة على مدينة النهود
  • أولويات ما بعد الحرب في السودان
  • حرب السودان في عامها الثالث: الجيش يتقدم وانتهاكات جديدة بواسطة الدعم السريع
  • قواتالدعم السريع تستهدف القصر الجمهوري في الخرطوم بالمدفعية بعيدة المدى
  • الدعم السريع يقصف القصر الجمهوري في الخرطوم بمدفعية بعيدة المدى
  • قوات الدعم السريع تقصف القصر الجمهوري بمدفعية بعيدة المدى
  • قوات الدعم السريع تقصف القصر الجمهوري بمدفعية بعيد المدى
  • قوات الدعم السريع تقصف القصر الجمهوري في الخرطوم بمدفعية بعيدة المدى  
  • مصدر عسكري: قوات الدعم السريع تقصف القصر الجمهوري في الخرطوم بمدفعية بعيدة المدى