حدود وقيود التحرك الأردني على الحدود السورية
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
احتل الملف السوري وأزمة اللجوء أكثر من ثلثي خطاب الملك عبد الله الثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ محذرا من تقاعس المجتمع الدولي عن الإيفاء بالتزاماته تجاه اللاجئين في بلاده سواء عبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، أو عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA)، فالأعباء انتقلت إلى حكومته التي ترزح تحت مديونية طائلة ومعدلات نمو منخفضة وبطالة مرتفعة.
تحذيرات العاهل الأردني لم تقتصر على مخاطر اللجوء والعجز عن توفير بيئة مناسبة لهم في بلد بلغ تعداد اللاجئين فيه 3 ملايين ونصف المليون، أي ما يقارب ربع سكان المملكة الأردنية، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بالإشارة إلى التدهور السياسي والأمني في كل من سوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة.
القيود الجيوسياسية
في مقابل صعود اليمين الإسرائيلي الفاشي وتنامي المقاومة والمواجهات بين الاحتلال والشعب الفلسطيني؛ ظهرت مؤشرات إسرائيلية على إمكانية نقل الصراع وتصديره إلى دول الجوار، سواء عبر إجراءات أمنية بحجة مكافحة تهريب السلاح، أو عبر إجراءات سياسية لفرض حلول على حساب دول الجوار الإقليمي -خصوصا الأردن- ديموغرافيا واقتصاديا، مهددا بذلك بتفاقم الأعباء السياسية والأمنية على عمّان.
تصريحات الملك عبد الله الثاني فتحت الباب مجددا للجدل حول إمكانية إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بالتعاون مع الولايات المتحدة أو بدونها؛ فهل سيتجه الأردن نحو إنشاء منطقة عازلة أم يكتفي بالإجراءات المتبعة والدعوات المتواصلة للنظام السوري لتحمل مسؤولياتها إلى جانب روسيا وإيران؟
فالأعباء القادمة من الغرب نتيجة التطرف الصهيوني والفشل الأمريكي في ضبط سلوك اليمين الفاشي الإسرائيلي؛ لا تقل خطورة عن الجبهة الملتهبة على الواجهة الشمالية من الحدود الأردنية السورية، وصولا إلى المثلث الحدودي (الأردني السوري العراقي/ السعودي)؛ حيث فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في تمرير استراتيجيتها مستعينة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) للسيطرة على الحدود العراقية- السورية، وهي المحاولة التي انتهت إلى انقسام وتشرذم خطير بين المكونين العربي العشائري والكردي الانفصالي المتطرف داخل الكيان المصطنع المسمى قوات "قسد".
المحاولة الأمريكية لخلق حزام حدودي بين العراق وسوريا قادت إلى نتائج عكسية بإطلاق موجة نزوح من شرق الفرات بسبب الجرائم وحملات القمع والتهجير التي استهدفت فيها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وقوات حماية الشعب الانفصالية (YPG)؛ العشائر العربية شرق الفرات، موجة قابلة لأن تتطور من نزوح إلى لجوء نحو الأراضي الأردنية والعراقية مستقبلا.
حالة التدهور لم تقتصر على شرق الفرات؛ إذ شملت محافظة السويداء التي شهدت توترا واحتجاجات يتوقع أن تفضي لموجة نزوح ولجوء كبيرة، بالقرب من الحدود الأردنية، في ظل غموض أمريكي وترقب أردني تحركه سياسات خفض التصعيد والتفاهمات والصفقات المبرمة مع طهران مؤخرا.
حدود التحرك الأمني والسياسي الأردني
الاضطرابات داخل الأراضي السورية والموقف الأمريكي الغامض برز بشكل واضح في خطاب الملك عبد الله الثاني أمام الجمعية العامة؛ ففي خطابه حذر عبد الله الثاني من إمكانية تطور قواعد الاشتباك على الحدود الشمالية إلى مواجهة شاملة بالقول: سنحمي بلدنا من أي تهديدات مستقبلية تمس أمننا الوطني جراء الأزمة السورية.
تصريحات الملك عبد الله الثاني فتحت الباب مجددا للجدل حول إمكانية إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بالتعاون مع الولايات المتحدة أو بدونها؛ فهل سيتجه الأردن نحو إنشاء منطقة عازلة أم يكتفي بالإجراءات المتبعة والدعوات المتواصلة للنظام السوري لتحمل مسؤولياتها إلى جانب روسيا وإيران؟
لم تصمد التكهنات والتساؤلات طويلا، فخلال زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني، اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، إلى مديرية أمن الحدود يوم الخميس (21 سبتمبر/ أيلول)؛ أكد ضرورة إنفاذ توجيهات الملك لحماية البلاد من أية تهديدات مستقبلية تمس الأمن، من خلال "توظيف التكنولوجيا في عمل القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، وبما يخدم منظومة أمن الحدود لمنع عمليات التسلل والتهريب"؛ بحسب ما نقلت وكالة الانباء الأردنية الرسمية (بترا)، مستبعدا بذلك إطلاق عملية واسعة أو انشاء منطقة عازلة.
زيارة رئيس الأركان بيّنت حدود التحرك الأردني الذي لن يتجاوز الحدود الأردنية، وسيعتمد على إدارة أمن الحدود والتكنولوجيا والمسيّرات للتعامل مع عمليات التهريب، وما يرتبط بها من جريمة، فالمراهنة على الحلفاء الغربين الذي تقاعسوا عن القيام بواجبهم الإغاثي تجاه اللاجئين للقيام بمهمات عسكرية كبيرة، رهان خطر ومن الممكن أن يقود إلى استنزاف وعملية يصعب التحكم في نتائجها وآثارها.
الاعتماد على الولايات المتحدة سيعني بقاء الأردن وحيدا وبدون شراكات مع أطراف الصراع كافة، بما فيها النظام وروسيا وإيران وتركيا، ما سيخلق ثغرة كبيرة في السياسة الأمنية الأردنية قد تبتلع قدرته على المناورة سياسيا واقتصاديا وتورثه هشاشة مزيد من الاعتماد على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ لتفرض عليه فيما بعد تنازلات في ملفات غرب نهر الأردن أو في ملفات محلية
بالرغم من الحسابات الأردنية المعقدة والحذرة التي عبر عنها الملك عبد الله الثاني ورئيس أركانه اللواء يوسف الحنيطي، فإن المخاوف من أن تقود السياسة الأمريكية وحالة التدهور شرق الفرات والسويداء إلى تورط الأردن في عملية عسكرية واسعة لملاحقة المهربين في عمق الأراضي السورية وإقامة مخيمات للنازحين داخل الأراضي السورية؛ تبقى واردة ومحتملة، خصوصا أن أمريكا لا زالت تبحث عن طريقه لإنجاح استراتيجيتها شرق الفرات بعد أن تخلت عن العشائر العربية، وأطلقت العنان للانفصاليين الأكراد لإدارة المنطقة بالتعاون مع النظام السوري وإيران وروسيا، وبما يخدم مصالح الانفصاليين ومشروعهم القائم على تطهير شرق الفرات من العرب.
تورط عمّان جنوب سوريا سيلقي العبء على الأردن الذي سيُترك وحيدا في المواجهة؛ في حال تجاهله لعيوب السياسية الأمريكية وتناقضاتها، أو في حال تجنبه روسيا وإيران والنظام؛ أو الأتراك الذين فعّلوا اتفاقية أضنة للعام 1998، بين النظام السوري وتركيا؛ بما يبرر ويسمح للقوات التركية بتنفيذ عمليات في عمق 5 كم في الأراضي السورية.
ختاما.. الاعتماد على الولايات المتحدة سيعني بقاء الأردن وحيدا وبدون شراكات مع أطراف الصراع كافة، بما فيها النظام وروسيا وإيران وتركيا، ما سيخلق ثغرة كبيرة في السياسة الأمنية الأردنية قد تبتلع قدرته على المناورة سياسيا واقتصاديا وتورثه هشاشة مزيد من الاعتماد على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ لتفرض عليه فيما بعد تنازلات في ملفات غرب نهر الأردن أو في ملفات محلية قيمية تهدد هويته ونسيجه الاجتماعي.
twitter.com/hma36
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اللاجئين سوريا الأمني سوريا الاردن لاجئين الأمن مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الملک عبد الله الثانی شرق الفرات من الحدود فی ملفات
إقرأ أيضاً:
صمت رسمي مثير للاستغراب حيال إنعكاسات الاحداث السورية وتداعياتها
تصاعدت المخاوف في لبنان على المستويات الرسمية والأمنية والشعبية حيال انعكاسات الأحداث والتطورات الجارية في سوريا في ظل الأنباء عن مجازر مروعة شهدتها مناطق الساحل السوري منذرة باقتتال أهلي طائفي ولو أن آخر المعلومات تحدثت عن تراجع نسبي في الاشتعال الحاصل. ولعل ما زاد وتيرة المخاوف اللبنانية تمثّل في موجات النزوح الجديدة للسوريين الهاربين من جحيم الاقتتال الأهلي في الساحل السوري بحيث كانت مناطق عكار وجبل محسن في طرابلس مقصداً لألوف النازحين كما أن مناطق البقاع الشمالي "تأهلت" لتلقي دفعات مماثلة جديدة. وقدرت الأعداد الأولية للنازحين الذين وصلوا إلى عدد من البلدات العكارية وحدها بنحو عشرة آلاف نازح حتى البارحة.
وكتبت" النهار": بإزاء هذا الخطر الداهم الجديد بدا من المستغرب للكثير من الأوساط المعنية أن يلتزم كبار المسؤولين اللبنانيين الصمت المطبق فيما يفترض أن يرتب هذا التطور المثير للقلق استنفاراً على مختلف المستويات وخطة عاجلة لمنع تلقي لبنان كالعادة النتائج والتداعيات الأشدّ سلبية لمجريات التقلبات السورية. ذلك أن تداعيات الأحداث السورية عادت تثير المخاوف من تسرب تداعياتها الأمنية إلى لبنان إذ تتهم السلطات السورية الحالية "حزب الله" بالتورط مع فلول النظام الأسدي في الصراع. وأمس اتهم مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام السورية، علي الرفاعي، إيران و"حزب الله" بالوقوف وراء زعزعة الأمن في البلاد من خلال "فلول النظام السابق" وذلك تعليقاً على الاشتباكات الدامية التي وقعت بين القوات الأمنية وعدد من المسلحين الموالين للرئيس السوري السابق بشار الأسد، في الساحل السوري.
ولا يقف الأمر عند التطورات السورية وحدها إذ أن التصعيد الإسرائيلي في الجنوب وعبره بات يثير عوامل ريبة كبيرة في الأهداف التي ترمي إليها إسرائيل لجهة عرقلة وحشر السلطات اللبنانية في خانة الاستفزاز والإحراج في وقت لا تجد فيه المراجعات اللبنانية الضاغطة على الولايات المتحدة الأميركية أي استجابة مناسبة لردع التصعيد الإسرائيلي. ولذا ستكتسب الأيام الطالعة دلالات بارزة لجهة رصد ومعاينة كيف سيتصرف المسؤولون اللبنانيون في مواجهة التحدي المزدوج الذي دهم العهد والحكومة بعد شهرين فقط من انطلاقتهما وبدء مواجهة الأولويات والاستحقاقات الداخلية كالتعيينات وغيرها.
وكتبت" الديار": بيّنت الاحداث الاخيرة وبخاصة المجازر التي شهدها الساحل السوري، ان النيران السورية كامنة تحت الرماد، وان الانفجار في حال حصل سيكون كبيرا ويودي بالمنطقة ككل.
ولعل اولى الانعكاسات السلبية للتطورات السورية على المشهد اللبناني، هي توافد آلاف النازحين السوريين الجدد الى شمال لبنان، هربا من المجازر والقتل والتنكيل، خاصة بعدما تحولت الحدود بين البلدين مشرعة، مع تدمير «اسرائيل» المعابر الشرعية، وعدم قدرة الجيش المنهمك في اكثر من مهمة ، على التصدي لموجات النزوح الكبيرة، التي تهدد باغراق البلدات اللبنانية ذي الغالبية العلوية ، بغياب اي دور لمفوضية اللاجئين والمؤسسات والمنظمات الدولية الانسانية.
وتقول مصادر نيابية معنية بالملف لـ «الديار» ان «التصدي بالقوة للهاربين من ابشع المجازر، وعمليات الاعدام التي تحصل على الهوية غير وارد. فالوافدون راهنا ليسوا نازحين اقتصاديين، انما فقراء علويّون يحاولون انقاذ حياتهم حيث يلجأون الى عكار ، وهو ما يستدعي تحمل المنظمات الانسانية مسؤولياتها لاغاثة الآلاف، الذين باتوا من دون مأوى، بحيث بات نحو 60 شخصا يسكنون في بيت واحد».
وتشير المصادر الى انه «في الوقت عينه لا يمكن للاجهزة الأمنية التخلي عن مسؤولياتها، بحيث ان هناك خشية حقيقية من انتقال التوتر الامني والطائفي الى المجتمع السوري النازح في لبنان، وليس ما حصل في مدينة طرابلس نهاية الاسبوع من اشكالات وتوترات، الا عينة مصغرة عما ينتظرنا، اذا لم يتم الضرب بيد من حديد من قبل الجيش ».
وكتبت" اللواء":ان الرئيس عون يجري الاتصالات اللازمة لمنع وصول اللهيب السوري الى لبنان، وبخاصة بعد الاشتباكات التي حصلت على الحدود الشرقية مع سوريا. وشدد على ضبط الحدود بين البقاع وسوريا لمنع اي توتر اونزوح جديد.