هل نبدأ بكلمات شاعرنا الراحل صديق مدثر حين كتب لكابلي وتغني بها ..
كان بالامس لقانا عابرا
كان وهما كان رمزا عبقريا ؟؟
فقد ضجت الوسايط منذ مساء امس واشتعلت كل منصات التواصل الاجتماعي واخبار الفضائيات .. ليس بمضامين خطاب قائد الدعم السريع حميدتي .. بل بظهوره هو شخصيا علي شاشات الفضائيات ووكالات الانباء وذلك بسبب ما ظلت تتناقله الوسايط في مجملها ومنذ عدة شهور بان الرجل قد اصيب اصابات مميتة واجريت له عدة عمليات جراحية بمستشفي شرق النيل بالخرطوم بحري وانه قد تم دفنه بشرق الحاج يوسف .
وبرغم ذلك فان اعلام المؤتمر الوطني لايعترف بان قياداتهم ارتكبت تلك الاخطاء ولايزال اعلامهم الذي ظل يسوق عضويتهم الساذجة ( بالخلاء) .
كل تلك الاخطاء القاتلة التي ظهرت اثارها الان لانرغب في الاسهاب فيها لان الامر مفهوم ومعلوم لابناء شعبنا ولا يتطلب كثير إضافة.
ولكن ... نعترف هنا كواحد من الاقلام المستقلة المشحونة حبا لهذا البلد ولمستقبل ابنائه ونقول بان اعلام وتاكتيكات قيادات الدعم السريع كانوا اكثر ذكاء من حيث النشر الالتكتروني والوجود الفضائي في نقطة هامة وهي مسألة وفاة قائدهم محمد حمدان دقلو .. فقد كان يؤكدون علي انه علي قيد الحياة ويناقشونه من وقت لآخر .. وفي ذات الوقت كانت هناك قيادات سياسية ذائعة الصيت ظلت تؤكد من وقت لآخر بأن الرجل قد شبع موتا.. للدرجة التي تحدي فيها سفير السودان بليبيا في حوار الجزيرة مباشر معه بأن حميدتي مات منذ عدة اشهر وانه اذا ظهر الي الوجود إلا يكون (بعاتي ) حسب وصفه .. فما رأي سعادته وهو برتبة فريق مهندس وقد كان مشرفا علي بناء كبري الدباسيين وايضا مشرفا علي انشاء المطار الدولي الجديد غرب ام درمان .. فلم تقم للاثنين قائمة( لا الكبري ولا المطار ) فترقي الي سفير من خارج اطار الدبلوماسية كما تفعل الانقاذ دائما وفي حالات عديدة سابقة.
المهم في القول ان حكاية السواقة بالخلاء والتي لا تعرف قوانين مرور حيث لاتوجد طرق مسفلتة او اشارات ضوئية تتحكم في المرور قد اصبحت سمة في اعلام الوسايط . إلي ان فاجأ دقلو الدنيا كلها بخطابه المسجل والذي تم بثه وفقا لترتيبات محددة مع الفضائيات في ذات وقت انعقاد جلسات الجمعية العامة للامم المتحدة السنوية والتي يحضرها قادة الدول حيث سبق بث الخطاب قبل خطاب السودان الرسمي الذي القاه الفريق اول عبدالفتاح البرهان في مبني الامم المتحدة.
ولذلك حينما قلنا ان الدعم السريع لديه ذكاء اعلامي كان متواجدا خلال اشهر الحرب وكان توقيت بث خطاب قائدهم حميدتي بالامس بعد ان اقتنع الناس بان الرجل اصبح في رحاب الله منذ منتصف ابريل الماضي فقد وجدنا العديد من الانتقادات في حساباتنا بالوسايط وصلت لدرجة الاستفزاز واحيانا ( الشتائم) لكننا لا نرمي لها بالا لان رسالتنا التنويرية تجاه شعبنا تتطلب القفز فوق مطبات النقد الهادم.
وفي تقديرنا الشخصي والاستقرائي بان بقاء دقلو علي قيد الحياة سيساعد كثيرا في احتواء هذه الحرب العبثية والتي تعتبر الاولي في تاريخ البشرية ان يتم حرق عاصمة دولة حيث لم يسبقها غير حرق ( نيرون) امبراطور ايطاليا في التاريخ القديم حين قام بحرق عاصمته ( روما) .
فهل يتحول اعلام المؤتمر الوطني الي اعلام وطني حقيقي وصادق ويحاول تغيير خططه الاعلامية بتغذية اوردة صحافته وكوادره الفاعلة واجهزة امنه بثقافة وطنية عالية المقام تساعد في اقرار السلام وان ويعترفوا بثورة الشباب السوداني التي اذهلت البشرية كلها منذ اشتعال شرارتها الاولي في ١٩ ديسمبر ٢٠١٨م في كل المدن وامتدت لست شهور حيث كان المهر غاليا فسالت دماء شبابنا جراء عنف كتائب الظل والامن الشعبي تطبيقا لتوجيهات علي عثمان ( منظر الحركة الاسلامية) حين كان يخاطب البرلمان ذات يوم بعبارة ( Shoot to kill)
والتي رددها مرتين وقد كان نوابه حزبه وقتذاك في حالة وجوم وصمت رهيب فلم يجرؤ احدا للاعتراض او فرملة الرجل الذي يهوي دائما استخدام لغة القتل والابادة .. والنائب الوحيد الذي تحدث بكل جرأة هو السيد علي ابرسي في نقاط محددة بالبرلمان حينذاك.
وكيف ننسي فتوي شيخ عبدالحي يوسف للمخلوع بابادة ثلث الشباب المعتصمين بالقيادة ( ويؤجر الرئيس علي ذلك) اي ان الله تعالي سيكافيء المخلوع علي قتل الشباب المسالم الثائر .
وهنا نؤكد مرة اخري بان وجود حميدتي علي قيد الحياة سيكون له القدح المعلي في توافر الحلول عبر منبر جدة التفاوضي جنبا الي جنب مع الرئيس البرهان تماما مثلما حدث بين دكتور جون قرنق وعلي عثمان في نايفاشا الكينية.
فكل الحروب تنتهي دائما باتفاق سلام متي ما نجح الوسطاء في تذليل الصعاب وازالة ما احتقن في الصدور من قتل وتشريد ونهب واغتصاب وتدمير لبنية عاصمة البلاد وتشريد اهلها بالملايين الي داخل السودان وخارجه مع توقف كامل لدولاب العمل والاقتصاد المنهك اصلا .
فقد كانت لنا في اتفاقية السلام في نايفاشا اسوة حسنة حين انهت اطول حرب افريقية وهي حرب الجنوب التي اندلعت منذ العام ١٩٥٥م حتي العام ٢٠٠٥م برغم ان نتائجها كانت فصل الجنوب.
ولابد من اختفاء عبارات فلول وكيزان وقحت وعملاء ومرتزقة وسفارات من قاموس الاحتكاك السياسي الحالي عبر منصات التواصل الاجتماعي ليحل محلها روح السلام والنظرة الوطنية الثاقبة من اجل استقرار مستقبل هؤلاء الشباب بعد ان ادي الكبار ادوارهم في تفتيت وحدة البلاد وسرقة ثرواته والهروب بها الي الخارج عبر سنوات طويلة حتي قبل انطلاقة الثورة الديسمبرية.
والله المستعان.
bashco1950@gmail.com
/////////////////////
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
عامان من الصمود.. «الحاجة عائشة» وقسوة حرب الخرطوم
عامان من المعاناة في ظل الحرب، عاشها كثير من السودانيين الذين اضطرتهم الظروف للبقاء في مساكنهم بالخرطوم، ولكل منهم قصته مع الصمود تحت هذه الأهوال.
التغيير: فتح الرحمن حمودة
مع اندلاع حرب 15 أبريل 2023م، تحولت العاصمة السودانية الخرطوم إلى ساحة صراع دموي بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى نزوح وتشريد مئات الآلاف من الأسر، بينما بقي آخرون في منازلهم تحت الخطر حتى استعاد الجيش السيطرة مؤخراً بعد نحو عامين من المعارك.
لم تتخيل الحاجة عائشة وهي في الخمسينيات من عمرها أن تعيش في ظل أوضاع إنسانية مأساوية كهذه، حيث توقعت أن تنتهي الحرب خلال أيام لكنها استمرت لعامين ولا تزال مستمرة مفرقة بينها وبين أحبتها وجيرانها- هكذا قالت وهي تروي لـ«التغيير» كيف قاومت قسوة الحرب طوال تلك الفترة.
إصرار على البقاءالحاجة عائشة قالت: لم أغادر منزلي في منطقة بري بالخرطوم حتى استعاد الجيش السيطرة على المنطقة وكنت خلال تلك الفترة بعيدة عن ابني بسبب استمرار المواجهات العسكرية.
وأضافت: قبل انسحاب قوات الدعم السريع تواصلت مع ابني العشريني لأول مرة بعد انقطاع طويل، لم أتمالك نفسي من البكاء وقلت له شمسنا طلعت وأخيراً استطعت التواصل معك وعرفت أنك بخير.
وتابعت: رغم كل ما مررنا به كنت أردد للجيش جملة واحدة تأخرتوا علينا كثيراً لكن الحمد لله أنكم وصلتم.
كان ابن الحاجة عائشة يعيش في نفس المنطقة قبل مغادرتها لاحقاً وعند دخول الجيش إليها لم تستطع أن تتمالك نفسها عند لقائه، وتحكي عن تلك اللحظة قائلة: عندما رأيت ابني بعد هذا الفراق الطويل لم أتمالك نفسي من البكاء وقلت له “يادوب روحي رجعت لي وبري رجعت لينا”.
الخرطوم ظروف صعبةبقيت الحاجة عائشة صامدة في بري منذ اندلاع الحرب حتى يوليو حين اضطرت للانتقال إلى شرق النيل، لكنها كانت تعود من حين لآخر لتطمئن على منزلها وابنها رغم المخاطر الكبيرة التي واجهتها في كل زيارة.
وتتحدث الحاجة عن الأيام الأخيرة قبل دخول الجيش حيث تفاقمت الأزمة الغذائية ولم تكن هناك متاجر مفتوحة ما أجبر السكان على الإفطار في رمضان على الماء فقط ليستطيعوا مواصلة الصيام في اليوم التالي، كانوا يتقاسمون القليل المتبقي لديهم وسط انقطاع الاتصالات والإنترنت مما زاد من عزلتهم ومعاناتهم.
وتضيف: مع استمرار سيطرة قوات الدعم السريع فقدت الاتصال بأسرتي واضطررت لمغادرة منزلي مؤقتاً إلى منطقة قريبة حيث وجدت جيراناً جدد جمعتنا بهم ظروف الحرب القاسية.
وتصف الحاجة عائشة الظروف الصعبة التي واجهها السكان قائلة: بعد خروجنا من منازلنا وانتقالنا إلى أحياء أخرى كان الوضع أسوأ مما تصورنا ولم نكن نعرف مصيرنا وانقطع التيار الكهربائي بشكل مستمر كما انعدمت مياه الشرب مما أجبرنا على استخدام مياه ملوثة تسببت في انتشار الأمراض خاصة بين الأطفال.
فرحة ناقصةومع استمرار المواجهات العسكرية في الخرطوم فإن المدنيين الذين لم يتمكنوا من مغادرتها ظلوا يعانون من انعدام الغذاء والخدمات الأساسية ما زاد من قسوة الحياة اليومية.
وتقول الحاجة إن الحصول على الطعام كان من أكبر التحديات فالمواد التموينية كانت شبه منعدمة “لم يكن لدينا المال الكافي لشرائها.. كنا نعيش على القليل وازداد خوفنا مع اقتراب رمضان لكننا صمدنا وأدينا صيامه رغم المعاناة”.
وعندما استعاد الجيش السيطرة على منطقتها شعرت الحاجة عائشة بفرحة غامرة لكنها لم تكن مكتملة إذ ظلت تخشى من تدهور الأوضاع الأمنية مجدداً.
تقول: “شعرنا بأمان نسبي لكن على الأقل ارتحنا من الفترة القاسية التي سيطرت فيها قوات الدعم السريع على المنطقة”.
وتصف ما عاشته خلال تلك الفترة: “كانت القوات تمارس العنف ضد المدنيين وتنهب المنازل وتعتدي على الجميع بلا استثناء حتى أن بعض الجرائم وصلت إلى القتل حرقاً بعد التعذيب”.
ورغم هذه المآسي تؤكد أن الظروف الصعبة عززت الروابط الاجتماعية بين الجيران حيث أصبحوا أكثر تكاتفاً في مواجهة المحنة.
قصة الحاجة عائشة هي نموذج لمعاناة كبيرة قد يكون عايشها كثير من سكان الخرطوم الذين ظلوا صامدين في منازلهم رغم الظروف القاسية على أمل استعادة حياتهم الطبيعية بعيداً عن الخوف والرعب.
الوسومالجيش الخرطوم الدعم السريع السودان بري حرب 15 ابريل شرق النيل