قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم الحفاظ على الهويات والخصوصيات الثقافية من أبرز التحديات التي تواجه البشرية وتحكم العديد من المجتمعات  والتي لا ترفض التقدم أو التطور بطبيعة الحال، إلا أنها تسعى للحفاظ على خصوصيتها، حتى لا يفقد المجتمع البشري ذلك التنوع الحضاري الذي يجعله أكثر تعايشًا واتزانًا في التعامل مع التعددية والاختلاف.

 

أضاف مفتى الجمهورية من أهم ما يشغل المجتمعات المسلمة اليوم هو أن تؤدي دورًا إيجابيًّا فاعلًا وشراكة حقيقية في تطور وتحضر المجتمع الإنساني المعاصر، وأن تكون مواكبة لذلك التطور الذي تخطى حواجز الزمان والمكان والثقافات المتعددة

 


تابع خلال مفتى الجمهورية كلمته في مؤتمر "منهجية الإفتاء في روسيا ..  لا بد من العمل على فهم الأصول والجذور التراثية التي تنبثق منها الثقافات المتعددة، تلك الأصول التي تتمثل في تراث الأمم وتاريخها، والذي لا يمكن أن تنفكَّ عنه؛ لأنه يمثِّل جزءًا أصيلًا من مكونها الفكري والاجتماعي والسلوكي


أشار فضيلة المفتي في كلمته إلى أن المسلمين شيَّدوا على مدى قرون عديدة تراثًا حضاريًّا يتمتع بالعديد من القيم والمبادئ ذات المرجعية الدينية الوسطية، والتي كانت تحكم سلوك الفرد المسلم شرقًا وغربًا، دون أن تنزع منه خصوصيته الثقافية وعاداته وتقاليده المجتمعية؛ مما جعل منه تراثًا متعدد الأنساق، يتواءم فيه عدد من الأنماط الثقافية المتباينة، التي تجتمع على أصول الإسلام ومبادئه، وتتحاكم في أفعالها وسلوكها إلى شريعة واحدة.


وأوضح أن ذلك قد أدَّى إلى تشييد بناء فقهيٍّ، يمثِّل ثروة تشريعية هائلة، يستعمل فيها المجتهد أدوات الفهم والاستنباط من أجل الوصول إلى الحكم الشرعي في تلك الوقائع التي لا حصر لها، فتكونت من خلال ذلك ثروة فقهية وإفتائية تراعي الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وصار من واجبات التأهيل الفقهي والإفتائي مراعاة المستجدات التي تطرأ على الواقع، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، وهو ما سمِّي في المذاهب الفقهية بالنوازل، وهي التي ضمنت مواكبة الاجتهاد الفقهي للمتغيرات دون إخلال بالثوابت والأصول الكلية للشريعة.

 

 أكَّد فضيلة المفتي أن أيَّ نقطة انطلاق لتجديد الفقه والفتوى في هذا العصر لا بدَّ أن تتأسَّس على فَهْم عميق لهذا التراث العلمي الكبير، وإدراك لأصوله ومعالمه الكلية التي كانت تحكم عقل المفتي والفقيه أثناء ممارسة عملية الاجتهاد أو الفتوى، وأنه ينبغي علينا في هذا الإطار العمل على استقراء ذلك التراث الفقهي من أجل الوصول إلى تجريد المناهج الاجتهادية التجديدية التي تعامل بها العلماء مع الوقائع المختلفة ضمن مجتمعات وثقافات وآفاق متباينة ومتعددة

وأضاف أن تلك المجتمعات تتطلع إلى وجود علماء قادرين على فهم الواقع فهمًا دقيقًا يستوعب الإشكاليات والتحديات التي تواجههم في هذا العصر، ويجتهد في حلِّ تلك المشكلات بطريقة تليق بتراثهم الفكري والفقهي، وهو أمر يتطلَّب جمع كلمة المؤسسات المنوطة بهذا الأمر من أجل صياغة مناهج إفتائية تراعي متطلبات الواقع المعاصر، وطبيعته التي تتَّسم بسرعة التأثير على الأفكار والسلوكيات البشرية، حيث يتَّسع مدى تأثيرها في عصر الذكاء الاصطناعي والتحولات الرقمية، وهو ما يحتاج إلى اجتهاد في معرفة الحكم الشرعي الذي ينبغي أن يتعبد المسلم ربه به، حتى يتعايش مع هذه المستجدات دون أن يفقد هُويته وخصوصيته، أو يمثِّل عائقًا أمام أي تقدم حضاري يخدم البشرية ويعزز أمنها وسلامها

 

الفتوى  أبرز مظاهر التجديد التي يتمتَّع بها الفقه الإسلامي


وفي نفس السياق، أكَّد فضيلة المفتي أنَّ الفتوى هي أبرز مظاهر التجديد التي يتمتَّع بها الفقه الإسلامي، ولا يمكن أن تتحول إلى حالة من الجمود أو قلَّة الوعي التي تؤثر بطبيعة الحال على المجتمعات المسلمة، سواء في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، أو غيرها من المجتمعات التي تمثِّل الأقلياتُ المسلمةُ فيها جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، وإنما ينبغي أن يظهر أثر الفتوى في الحفاظ على استقرار تلك المجتمعات، وتعزيز الاندماج داخل المجتمع الإنساني برؤية فقهية مستنيرة، ومراعاة للخصائص الحضارية والعادات المجتمعية التي لا يرفضها الدين الحنيف، ولا تعارض القيم الأخلاقية المستقرة، وإذا لم تراعِ الفتوى ذلك الإطار الكليَّ تحولت إلى نافذة من نوافذ التشدد الذي يعصف بأمن وسلامة الأمم والشعوب.

وفي ختام كلمته، أشادَ فضيلة المفتي بالجهود التي تبذلها الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية لتعزيز فَهْمِ مناهج الفتوى التي تناسب العصر، وتأهيل العلماء القادرين على استعمال تلك المناهج الإفتائية الرصينة، والتعاون المثمر مع دار الإفتاء المصرية لتعميق التواصل بين المؤسسات الإفتائية المختلفة

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية ابرز التحديات تواجه البشرية الدكتور شوقي علام الهويات فضیلة المفتی

إقرأ أيضاً:

الموارد البشرية تؤكد ضرورة إفصاح المنشآت التي تضم 50 عاملًا فأكثر عن بياناتها التدريبية

الرياض

شددت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على ضرورة إفصاح المنشآت التي تضم 50 عاملًا فأكثر عن بياناتها التدريبية عبر منصة “قوى”.

وأوضحت الوزارة أن القرار يهدف إلى تعزيز الشفافية، ورفع جودة برامج التدريب في القطاع الخاص، وتوفير مؤشرات واضحة لبيانات التدريب على المستوى الوطني، وتحسين أداء وإنتاجية القوى العاملة.

وأشارت إلى أن نص القرار يتضمن إلزام المنشآت التي يعمل بها 50 عاملًا فأكثر بالإفصاح عن البيانات والأنشطة التدريبية، بما في ذلك عدد ساعات التدريب والبيانات المرتبطة بها، وأعداد المتدربين الذين أكملوا التدريب من فئات: «العاملين، والطلاب، والخريجين، والباحثين عن عمل»، وألا تقل مُدة التدريب المفصح عنها عن ثماني وحدات لكل متدرب سنويًا، كما يتعين على هذه المنشآت الكشف عن خططها التدريبية والبيانات والتقارير المتعلقة بنشاط التدريب، وأعداد المتدربين، والميزانية المالية التي ستلتزم بها المنشأة.

وأبانت الوزارة أن إفصاح المنشأة عن بياناتها التدريبية يُسهم في تحقيق قراءة تحليلية دقيقة لمؤشرات التدريب في سوق العمل, مُشددة أن عدم الإفصاح عن البيانات التدريبية سيُعرِّض المنشآت المخالفة للعقوبات المنصوص عليها في القرار.

يُذكر أن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تسعى إلى تحسين المستوى المعرفي والمهاري والتدريبي للقوى العاملة، وتعزيز استقرارها وإنتاجيتها في سوق العمل.

مقالات مشابهة

  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • إحالة أوراق ميكانيكي لـ «فضيلة المفتي» في الشرقية| تفاصيل
  • «مسعود» يناقش التحديات التي تواجه عمل الشركات والحقول والموانئ النفطية
  • المفتي: التعاون بين المؤسسات الدينية والإعلامية السبيل الأمثل لتحقيق وعي متزن
  • أشهر الأمراض التي تواجه مربي الحمام وطرق الوقاية والعلاج
  • محافظ ريف دمشق يلتقي ممثلي الغوطة الشرقية لمناقشة التحديات التي تواجه العمل وسبل تحسين الخدمات للمواطنين
  • مجلس النواب يبحث الصعوبات التي تواجه جهاز «مشروع النهر الصناعي»
  • وزارة “الموارد البشرية” تُشدد على ضرورة إفصاح المنشآت التي تضم 50 عاملًا فأكثر عن بياناتها التدريبية عبر منصة “قوى”
  • انطلاق تصفيات مسابقة فضيلة الإمام الأكبر لحفظ القرآن الكريم بأزهر الشرقية
  • الموارد البشرية تؤكد ضرورة إفصاح المنشآت التي تضم 50 عاملًا فأكثر عن بياناتها التدريبية