تعرف على الدروس المستفادة من معرفة النبيّ محمد لقدرات أصحابه ونفسيّاتهم
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
كان النبيّ (ﷺ) على بصيرةٍ في معرفة نفسيّات أصحابه وقابليّتهم للأمور، فيعرف ما يحبّونه وما يكرهونه، ويحْرِص على علاجِ ما يواجههم في حياتهم، كُلٌّ بحسب استعداده وطاقتِه، وكثيراً ما تتفاوت إجاباته على أسئلتهم وفق حالهم وحاجتهم، وقد يُحذّر أحدهم من أمرٍ، في حين يقدّم غيره إليه؛ لِما يراه من قدرة واستعداد أحدهم، وضعف الآخر عن أدائه.
وما كان ذلك إلا لأنّه وُلد وكبُر معهم، وعاش في بيئتهم وحياتهم، فأدرك مزاياهم الشخصيّة والنفسيّة، فكان يُكلّف كُلّاً منهم حسب حاله، فحققّوا أسمى غايات البطولة في تلك التكاليف بإتقانٍ وكفاءةٍ فائقةٍ، فقد استمال النبيّ (ﷺ) المؤلفة قلوبهم في حُنَينٍ بالمال؛ إذ كانت المادّيّة تستولي على فكرهم، فلم يتشبّع الإيمان بحلاوته في قلوبهم بعد، ومنع الأنصار من الغنائم في حُنينٍ لعلمه بأنّ الحلاوة الإيمانيّة قد بلغت مبلغاً عظيماً في قلوبهم.
وفي يوم أُحدٍ سأل النبيّ (ﷺ) أصحابه من يأخذ السيف منه، فقام عدّة رجال، واختار نبيّ الله أبا دجانة الأنصاريّ رضي الله عنه ؛ لِما كان يعلمه من قوّته وشجاعته، حتّى فلقَ به هام المشركين، فواجبات الشجاعة يتولّاها من هو أهلٌ لها، ومن الصّحابة من لا يقوى على القتال فيُبقيه النبيّ (ﷺ) في المدينة عند النساء؛ كحسان بن ثابت مثلاً.
وذلك لأنه (ﷺ) لا يُحمّل أحداً فوق طاقته، ويراعي قدرات من حوله؛ لذلك كانت سياسته القيادية الحكيمة أن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فكان يبني الرجال في أماكنهم التي يتقنون فيها أدوارهم، والأهمّ من ذلك أنّه كان يُثني عليهم
في مواقعهم بأفضل صفاتهم، ولا يلتفت لِما يعانونه من النقص البشريٍّ.
نجده (ﷺ) يعتذر للصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عندما طلب منه أن يستعمله، بل حذره من خطر ذلك عليه مما عرفه عنه (ﷺ) ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله (ﷺ):}يا أبا ذرٍّ إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرَنَّ على اثنين ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم{ [ رواه مسلم]، وعنه قال: قلت يا رسول الله ألا تستعمِلُني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: }يا أبا ذرٍّ إنك ضعيفٌ، وإنها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامةٌ إلاَّ مَنْ أَخَذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها{ ] رواه مسلم[
رأينا في جيل الصحابة نوابغ وقمم عالية في جميع المجالات وهذه بفضل الله تعالى ثم بفضل تربية النبي (ﷺ) لهم ،وقد وجدنا في الصّحابة الكرام من تفوّق في علمٍ على غيره من إخوانه، فقد كان أقرأهم للقرآن "أبيّ بن كعب"، وأكثرهم علماً بالقضاء "علي بن أبي طالب"، وأعلم خبرة بالمواريث "زيد بن ثابت"، وأعلمهم بالحرام والحلال "معاذ بن جبل"، وأقدرهم على الحفظ "أبو هريرة". وأبرعُهم في المجال العسكري "خالد بن الوليد" وهكذا الكثير..
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
الإصلاح الحقيقي يبدأ بأمور صغيرة ... ردّ الديك
يُحكى عن ملك في غابر الزمان كان يحكم مملكته المتنامية الأطراف بالعدل والقسطاس، ويعطي كل ذي حق حقه، فعاش أهل هذه المملكة في أمان ورفاهية وبحبوحة. وكان يدير شؤونهم بحكمة ودراية أصبحت مضرب مثل لدى القريب والبعيد. وكان يتفقد مملكته دوريًا، ويستمع إلى رعاياه وما لديهم من شكاوى. وبسبب هذه الرعاية لم يكن أحد يتذمر من أي نقص، وكان الجميع يعيشون في سلام ووئام، فعمّ الاستقرار كل أرجاء هذه المملكة المترامية الأطراف، وكان الناس ينامون وأبواب منازلهم مفتوحة. ولم يكن يقع أي حادث يعكّر صفو هذه العيشة الهنية. وكان الجميع سعداء في ظل هذا الملك، الذي لم يجد الزمان بمثله.ففي إحدى المرات رجع الملك المالك سعيدًا من جولة تفقدية، وبعدما اطمأن إلى أحوال الرعية، استدعى ابنه البكر، وأعرب له عن رغبته في أن يوليه على هذه المملكة السعيدة. واشترط عليه أمرًا واحدًا، وهو أن يطلعه دوريًا على أحوال البلاد والعباد. وهكذا كان، إذ تخّلى الملك عن عرشه، وأجلس عليه ابنه بصفته ولي العهد، وتمنى له التوفيق في تولي مسؤولية السهر على راحة الناس واسعادهم.
مهمة الملك الجديد كانت سهلة للغاية. فالبلاد تنعم بالأمان والسلام، وأهلها ينامون ملء جفونهم تاركين أبواب بيوتهم مفتوحة. ومع اطمئنان هذا الملك، الذي ترعرع وملعقة الذهب في فمه، انصرف إلى اللهو والسهر تاركًا أمور الناس لمساعديه، الذين استفادوا من هذا الظرف لتحقيق ما لا يتوافق كثيرًا مع ما أسّس له الملك الأب.
وبعد مرور شهر طلب الملك من ابنه أن يقدّم له جردة حسابية عمّا استجد من تطورات خلال الشهر الأول من تسلمه مقاليد الحكم، فطمأنه إلى أن أمور البلد على خير ما يُرام باستثناء حادثة صغيرة، إذ أن أحد الفلاحين الذي يقطن على أطراف المدينة تعرّض للسرقة، حيث أقدم مجهولون على سرقة ديك من مزرعته. فسأل الملك ابنه: وأنت ماذا فعلت، هل عملت على كشف الفاعل وردّ الديك إلى أصحابه؟ الجواب كان بالنفي، مع شيء من الاستخفاف بما طُلب منه.
وفي نهاية اللقاء – الجردة جدّد الملك مطالبة ابنه بأن يعمل ما في وسعه لكي يرد الديك إلى أصحابه.
وفي الشهر الثاني، وفي بداية اللقاء التقييمي، سأل الملك ابنه: هل نجحت في ردّ الديك إلى أصحابه، فسمع منه الجواب نفسه. ولكن تبيّن للملك الأب أن حوادث السرقة بدأت تتكاثر فما كان منه سوى تكرار ما طلبه في اللقاء الأول، وقال له: اعمل جهدك لردّ الديك إلى أصحابه. إلاّ أن الديك لم يردّ. وهكذا بدأت أحوال المملكة تسوء أكثر فأكثر، وبدأ الناس لا ينامون قبل إقفال أبواب منازلهم بعناية حتى أن البعض منهم قرّر التناوب على السهر لحماية الأرزاق من السارقين، الذين تكاثروا.
ومع كل لقاء بين الوالد وابنه كان السؤال نفسه يتكرّر: ماذا فعلت لردّ الديك إلى أصحابه؟ وكان الجواب هو نفسه: لا شيء. وينتهي اللقاء بالطلب ذاته: ردّ الديك.
وبعدما دبّت الفوضى وتكاثرت أعمال السرقة والنهب في المملكة تيقّن الملك الأبن من مغزى ما كان يطلبه منه والده في كل مرّة كان يسأله فيها عمّا إذا كان قد عمل على ردّ الديك إلى أصحابه.
هي قصة قد تكون مستوحاة من الخيال، ولكن فيها من الحقائق اليومية ما يجعلها عنوانًا لما يمكن أن تكون عليه حال كل مسؤول جديد تُسند إليه مسؤولية إدارة شؤون البلد. فالإصلاح الحقيقي يبدأ بأمور صغيرة وصولًا إلى الأمور الكبيرة.
المصدر: خاص "لبنان 24"