مع كل بداية عام دراسي،  تظهر من جديد مخاوف الأسرة من وزن الحقيبة المدرسية ومدى تأثيرها على صحة الطالب، وتبرز حيرة الأم خاصة والأسرة ككل في شراء حقيبة المدرسة المناسبة لعمر الطفل، وللصف الذي سيلتحق به. وتزيد الحيرة عند سماع حديث المختصين عن مشكلة ثقل الحقيبة المدرسية وآلامها على الظهر، ومن هذا المنطلق تعود من جديد طلبات البعض ودعواتهم إلى تفعيل الحقائب الإلكترونية، لمختلف المراحل الدراسية والاستغناء عن المناهج الورقية التي تكبد طلاب المرحلة الابتدائية عبء حملها، فضلًا عن أنها تكلف البلاد ملايين الريالات سنويًا إلى جانب المتطلبات العديدة من أولياء الأمور لمواكبة التعليم الورقي، في الوقت الذي يعارض فيه البعض هذه الدعوات ويؤكدون أهمية اعتماد الكتاب الورقي في العملية التعليمية.


وأكد بعض المختصين وأولياء الأمور لـ «العرب» أن لكل نظام مميزاته التي لا يمكن الاستغناء عنها، وضرورة المزامنة بين النظامين، حيث أشاروا إلى مساهمة الحقيبة الإلكترونية في تطوير نظام التعليم في البلاد وتحقيق الاستدامة في الاستغناء عن الأوراق، فضلًا عن تعزيز التعليم التفاعلي باستخدام طرق شرح مختلفة على الأجهزة اللوحية بما يحقق تعزيز المعلومة لدى الطالب واستفادته بصورة أكبر، بالإضافة إلى أهمية تعلم الطالب الكتابة والخط، وضرورة أن يبتعد من حين لآخر عن الشاشات التي يفرضها التعليم الإلكتروني.

د. عيسى الحر المرشد التربوي والأسري: الاستفادة من مميزات النظامين

يرى الدكتور عيسى الحر كوتش في العلاقات والأنظمة معتمد، مرشد تربوي واسري أن الحل في التزامن، ويؤكد على ضرورة الاستفادة من الكتاب المدرسي من جهة والتقنيات الحديثة من جهة أخرى، ويشير إلى أن تطبيق مشروع التعليم الإلكتروني يشكل مرحلة جديدة في تاريخ التعليم في دولة قطر، والتوظيف الرائع للتكنولوجيا مما يسهل عملية التواصل بين المعلم والطالب، فضلا عن عكس مستوى الأداء الأكاديمي لكل منهما، مما يسهل عملية المراقبة والتقييم والتطوير.
وقال د. الحر: هذا السؤال يعتبر من أصعب الأسئلة لأن الكتاب الورقي قد سطر قوته كحافظ للعلم وناقل للمعرفة لقرون طويلة من الزمن، وتبقى التكنولوجيا حديثة عهد في هذا الأمر، ولذلك نرى أن الكثير من الأجيال الماضية لن يتقبل الكتاب الإلكتروني، إلا أن هذا الجيل الجديد علاقته في الكتاب الورقي ضعيفة جدا بل قد تكون أحيانا شبه معدومة، ولذلك اصرارنا على ربط العلم بالكتاب الورقي قد يؤثر في تحصيلهم العلمي و الأكاديمي، ومن هنا اصبح من الضروري البحث عن البدائل التي تتناسب مع الأجيال القادمة في نقل العلم وتعزيز المعرفة، وهنا نجد ان التكنولوجيا وفرت كتبا إلكترونية مقروءة وقد تكون صوتية أو قد تكون مشاهدة بالصوت والصورة فهي كفيلة بحفظ ونقل وتعزيز العلم والمعرفة. 
وأضاف: وتبقى هناك خطورة واحدة وهي أن هذه الأجهزة إلكترونية معرضة للعطل والمسح في أي وقت مما قد يدمر هذا العلم والمعرفة، ومن هنا جاءت المدارس الحديثة في العلم ترجح استمرار الكتاب الورقي كأصل وحافظ للعلم والمعرفة ولا تمانع أبدا من نقل هذه المعرفة للجيل الحالي والقادم بكتب إلكترونية تتناسب مع التطور التكنولوجي الحديث. 
ولخص د. الحر كلامه ورؤيته للموضوع قائلا: لا أرى وجود تعارض أو تناقض من أخذ المميزات لكل منهما والاستفادة منهما معا فالكتب الورقية مراجع وأصول والكتب الإلكترونية وسيلة نشر وانتشار.

مواكبة الحداثة ضرورة.. عبدالرحمن المنصوري: أميل إلى التعليم الكلاسيكي

قال عبدالرحمن المنصوري، إنه في مسألة التعليم الالكتروني والمحفظة الإلكترونية يفضل إمساك العصا من النصف، خاصة وأنه تلقى تعليمه بطريقة تقليدية واستعمل الكتاب والقلم، فهو يميل إلى التعليم الكلاسيكي، لكنه في نفس الوقت يدرك جيدا أن التطور ومواكبة الحداثة في التعليم وغيرهما ضرورة وليس رفاهية، وقد يكون لا مفر منه.
وأضاف موضحا: من خلال المعطيات الحالية نجد أن التعليم عبر المنصات سيصبح له شأن كبير بل سيصبح إحدى الركائز التي تقوم عليها العملية التعليمية لأنه يوفر مزايا كثيرة، ولأنه يوفر الوقت والجهد والمال ويسهل التعليم عبر التفاعل بين المتعلم والمعلم، ويمكن من تجاوز عقبات عدم توافر المدارس والتكلفة لبناء مؤسسات تعليمية، فالأمر يحتاج إلى كمبيوتر وإنترنت ولكن هذا لا يلغي التعليم الحضوري، خاصة في الأطوار المتقدمة أو الجامعية والتي لا غنى عنه لا سيما في العديد من التخصصات التقنية والطبية التي تحتاج إلى ممارسة التطبيق والتجريب من طرف المتعلم، فكيف يمكن أن نعود الطفل على التعليم الإلكتروني لنعيده إلى التعليم التقليدي الذي يتطلب أخذ نقاط ومتابعة، وغيرهما، وكيف يمكن الانتقال بين الاثنين إلا إذا عودنا الطفل على النظامين.
وأضاف المنصوري : يبقى العلم والتعلم عملية إنسانية في المقام الأول تقوم على تبادل المعلومات والمعرفة، وهذا بأي شكل من الأشكال سواء عبر الطريقة الكلاسيكية أو الإلكترونية المهم إبقاء العملية التعليمية مستمرة وكسب العلم مستمرا على الأرض. وقد تحقق الحقيبة الإلكترونية العديد من المنافع على مستوى الوزارة والطالب وولي الأمر لاسيما مع توفيرها ملايين الريالات المصروفة كتكاليف الطباعة، فضلًا عن تقليل الأعباء المالية على أولياء الأمور التي تتطلب شراء الدفاتر والأقلام والألوان بصورة مستمرة على مدار العام، إلى جانب إراحة الطالب من العبء البدني الكبير في حمل المناهج الورقية بشكل يومي من وإلى المدرسة لكن تبقى الكثير من التفاصيل التي يجب التنبه لها، وعلى رأسها عدم تعلق الأطفال بالشاشات أكثر واستعمال الدراسة كذريعة وهنا يبرز دور ولي الأمر المهم والمحوري في نجاح مشروع التعليم الإلكتروني بشكل عام ومشروع الأجهزة اللوحية بشكل خاص. 
وتابع: مما لا شك فيه أن نشر ثقافة استخدام الأجهزة اللوحية والكتب التفاعلية في المدرسة سيتطلب بعض الوقت حتى يستطيع ولي الأمر اعتبارها جزءا لا يتجزأ من الحصص الدراسية لابنه، وهذا يتطلب من المدرسة عمل حملات توعوية واجتماعات في المدرسة لأولياء الأمور لتوضيح أهمية دمج التكنولوجيا في التعليم واستخدام الأجهزة اللوحية في الصفوف الدراسية.
وختم المنصوري بالقول: يجب استغلال الإرث الذي تم اكتسابه من جائحة كورونا (كوفيد - 19) والتحول بشكل كامل إلى الحقيبة الإلكترونية دون إهمال توزيع للمناهج الورقية والدفاتر وخلافه من طرق التدريس التقليدية لجعل الطفل يستفيد من مميزات النظامين ويتعود على النظام الإلكتروني هو والأسرة لتأهيلهم للتحول الكامل للتعليم عبر منصات إلكترونية.

د. محمد العنزي: التحول السريع إلى التعلم الإلكتروني

طالب د. محمد العنزي أستاذ جامعي في علم النفس بضرورة التحول السريع إلى التعلم الإلكتروني والحقيبة الإلكترونية، وهوّن من سلبيات النظام واعتبرها لا تذكر. 
وقال: إن العلم يتطور، ومواكبة التطور ضرورة وليست نافلة القول، وظهور مثل هذه الوسائل التي تساعد على سرعة التعلم تجعل العيش أفضل مما كان، خاصة إذا كنا نتحدث عن بعض الأطفال الذين سيتحسن لديهم التعليم باستعمالهم التقنيات الحديثة، لاسيما بالنسبة للذين يعانون من صعوبات التعلم أو بعض الاضطرابات كالتوحد أو غيره، وربما هذا الأمر سيحسن من أدائهم ويحل العديد من المشاكل، 
ولكل وسيلة إيجابياتها وسلبياتها، وكما كان للتعليم التقليدي سلبياته وكانت الكتب تتقطع أو تفقد وغيرهما من السلبيات فللتعليم الإلكتروني سلبياته أيضا، وإذا كانت سلبيته تتمثل في التعلق، ونقصد هنا تعلق الأبناء بالشاشات فأنا لا أعتبر ذلك سلبية، فالأمر يعود إلى تنشئة الأسرة للأبناء، وتعامل الأهل مع هذه الشاشة وهل جعلوها أمرا أساسيا في حياة الطفل، أو تحكمت الأسرة في الوقت المسموح فيه استعمال الشاشات، ووازنت الأمور بين اللهو واللعب والحركة البدنية والتعليم، وهو ما يجعل من السهولة سيطرة الأسرة على الأمر في حال تنظيمها لوقت الطفل، وتقنين استعماله للشاشة.
وأضاف د. العنزي: إن الحقيبة الإلكترونية تعزز التعليم التفاعلي لاسيما مع إمكانية مشاهدة الدرس مرئيًا على عكس المناهج الورقية، ما يرسخ المعلومة لدى الطالب ويجعله يتفاعل معها بشكل أكبر، فضلًا عن سهولة الوصول إلى مصدر المعلومة والبحث عنها مع إمكانية الاطلاع على كافة المناهج واستخدام خاصية القراءة الذاتية أو الشروحات بالفيديو وهو ما يعزز طرق الشرح بشكل كبير وينوعها لدى الطالب. وقال: بات من المهم أن نعتمد بشكل رئيسي على الحقيبة الإلكترونية وتفعيلها لتتوافر بها كافة المناهج للطلبة.
وتابع: من خلال الحقيبة الإلكترونية ستكون أمام المعلم عشرات الطرق لشرح المنهج ويمكن استخدامها بصورة مبسطة وميسرة، حيث أصبح لدى معلمينا في المدارس الخبرة الكافية في تحقيق ذلك، فضلًا عن خبرة ومهارة الطلبة في التعلم مع التعليم الإلكتروني وبالتالي بات التحول مطلبًا ضروريًا في الفترة الحالية، لافتاً إلى أن أي تغيير يحتاج إلى وقت ليتم التعود عليه ويلقى معارضة في بداياته، لكن يتم التأقلم معه مع مرور الوقت.

خالد صالح مدرب تطوير الذات: الدمج يحقق أكبر فائدة للطالب

قال خالد صالح خبير التنمية البشرية وتطوير الذات: العالم يتطور والتقنية أيضا تتطور، وبالتالي وسائل التعليم تتطور وتؤثر على سرعة نقل المعلومة، وطريقة التعلم وتخزين المعلومات، وكل تلك المميزات مطلوبة على أن يكون هناك توازن، ولا يلغى الكتاب، ولا مادة تعليمية وهي الكتابة والخط والنسخ، خاصة أن بعض الطلاب ترتكز عندهم المعلومة بالكتابة وتتفاوت قدرات ومهارات الطلاب ووسائل التعلم المفضلة وهو ما يفرض التنويع والاستفادة من مزايا كل نظام.
وأضاف صالح: كما يجب مراعاة التأثير السلبي للتقنية على صحة الطالب الجسدية من خلال التأثير على الأعصاب، وصحة العيون وقلة الحركة وغيرها، بالإضافة إلى أننا لا نريد لهذه الشاشات أن تأسر أبناءنا وأن يصبحوا منعزلين في عالم افتراضي عن عالمهم الواقعي، خاصة وأن الأجيال الصغيرة في مجملها متعلقة بالشاشات ولا نريد لهذا التعلق أن يزداد بحكم الدراسة عبر الشاشات وخلق مجالات جديدة لتعلق الأطفال بالشاشات، بالإضافة إلى أن التقنية قد حدت كثيرا من حركة الأطفال، ومن الاهتمام بالمواهب، ورعايتها مثل الرسم والخط وغيرها. وأثار الدكتور خالد نقطة أخرى وهي أن التعليم الإلكتروني قد يكون مكلفا وفوق الطاقة المادية للعديد من العوائل لا سيما تلك التي يكون لديها اكثر من ولد فيكون مضطرا لشراء أكثر من جهاز، وهو ما قد يصعب من تعميم هذا النظام في الوقت الحالي.
ولخصّ صالح كلامه بقوله: لا يمكن أن ننكر إيجابيات التعليم عن طريق الأجهزة اللوحية وعلى رأسها تطور التعليم وقدرة الطفل على أن يكون ملما بكل ما هو جديد حوله كما لا يمكن نكران السلبيات، ومن بينها أيضا إمكانية أن يقوم الطالب باستخدام التكنولوجيا بطريقه خطأ ومع ذلك لا يمكن الاستغناء عن القلم والكتاب وأجدى طريقة لتحقيق الفائدة الأكبر للطالب هي الدمج بين النظامين وعدم اعتماد التقنيات الحديثة بصورة تامة.

التطور آتٍ لا محالة.. سعود العجمي: الحل في الجمع بين النظامين

أكد سعود العجمي أن التطور آت لا محالة ولا يجب التخوف منه، واعتبر أن الحقيبة الإلكترونية هي حل من الحلول التي قد تسهل على الطالب عملية الدراسة، وتختصر الجهد والوقت.
 وذكر سعود أنه بالنسبة لأبنائه فإنه يفضل التعليم الذي يجمع بين النظامين الإلكتروني والنظام الورقي، مشيرا الى أن الكتاب الورقي لا غنى عنه، وأننا لن نتخلص من النظام الورقي على الأقل في المستقبل القريب وضرب مثال تفضيل البعض للمطالعة الورقية للكتب والجرائد. 
واستدرك سعود العجمي كلامه بأن الحقيبة الإلكترونية هي داعمة للتعليم ومكملة للكتب، ولا تعني التخلص النهائي من الكتب، وأوضح أن أهمية الحقيبة الإلكترونية لا تقتصر على وجود مصادر التعلم فقط، بل وجود المواد الإثرائية من صوتيات ومرئيات ومكتبة برامج منتقاة بدقة وعناية من قبل خبراء في معايير المناهج، منوها بأنها تتيح الفرصة للتواصل مع المعلم والمدرسة والطالب من خلال نظام إدارة التعلم. وأشار إلى أن الحقيبة الإلكترونية تقلل من الحمولة اليومية للكتب الثقيلة داخل الحقيبة المدرسية، كما تمكن الطلاب من التعلم أينما كانوا وفي أي وقت يشاءون.
وقال: قد يكون النظام الالكتروني القائم على منح الطالب فرصة التعلم عبر جهاز لوحي «تابلت» يتوافر خلاله المنهج الدراسي مفيدا جدا في حال تمت المزامنة مع النظام العادي الذي يعتمد على الكتب المدرسية ويستطيع الطالب عن طريقه عمل الواجبات المدرسية والتواصل مع معلمه بما يخفف من الإرهاق الذي يتعرض له الطلاب خاصة صغار السن منهم جراء حمل الحقيبة المدرسية التقليدية التي تثقل كاهلهم بشكل يثير ضجة دائمة مع بداية كل عام دراسي جديد، وحتى في هذا الخصوص فقد استطاعت بعض المدارس أن تتغلب على مشكلة ثقل وزن المحفظة الدراسية من خلال توفير خزائن للطلبة داخل المدرسة يضعون فيها أدواتهم لتفادي حملها بصورة يومية.
واستدرك سعدود العجمي قائلا: بالنسبة لي كوني ولي أمر فإن التعليم الإلكتروني يعتبر تطورا  بديهيا وطبيعيا، فعلى سبيل المثال بدأنا عن طريق القصة المروية أو الشفهية، ومن ثم القصص المكتوبة، ثم دخلت الرسومات التي ترغب الطفل في المطالعة وصولا الى قصص مبتكرة إلكترونية، وتتطلب تفاعل الطفل وهو التطور الذي سيحدث في مجال التعليم فالتعليم الإلكتروني قد يكون هو المستقبل، لكن في الوقت الراهن لا يمكن التخلي عن الكتاب بصورة نهائية، ويجب التمهيد للمرحلة.

استطلاع «العرب»: 57 % من الآراء ترفض الحقيبة الإلكترونية

نشرت «العرب» على حسابها بموقع «إكس»  استطلاعا للآراء طرحت فيه السؤال التالي: هل تؤيد استبدال الكتاب المدرسي بالحقيبة الإلكترونية؟ 
وجاءت نتائج الاستطلاع في أغلبها رافضة للاستبدال حيث صوّت 57% من المشاركين في الاستطلاع بـ «لا» في حين وافق 37.4% على الطرح» وعلق البعض على الاستطلاع بأن الاستبدال سيحرم الطلبة من التلقي المدون ورقيا والمتابعة الحضورية مع المدرس وجها لوجه والمناقشة، وتبادل المعلومة فيما بين الطلاب والهيبة، من معلميهم والاحترام والتقدير لقائد مدرستهم .
 وذكروا أن كل هذا غير حاضر في الحقيبة الإلكترونية، ومنهم من وصف بأن «التغيير والاستبدال جميل لكنه لن يكون بالسهل ويحتاج إلى وقت وجهد».

 

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: قطر الكتاب المدرسي وزن الحقيبة صحة الطالب التعلیم الإلکترونی الحقیبة المدرسیة فی الوقت فضل ا عن من خلال لا یمکن قد یکون وهو ما إلى أن

إقرأ أيضاً:

قادة المناخ يناقشون تجاوز حدود الأمان إلى منطقة الخطر الحراري: ماذا يعني؟

يحذر العلماء من بلوغ نقاط التحول مع تجاوز درجات الحرارة الحدود الآمنة، لكن القادة يشددون على أن التحرك ما زال قادرا على إعادة الكوكب إلى ما دون واحد فاصل خمسة درجة مئوية.

يقرّ قادة المناخ في العالم بأن ارتفاع حرارة الأرض سيتجاوز حدًا صارمًا وضعوه قبل عشرة أعوام أملاً في إبقاء الكوكب خارج منطقة الخطر، لكنهم لا يعلنون الهزيمة. يعلّق مسؤولو الأمم المتحدة والعلماء والمحللون آمالهم على إعادة درجات الحرارة العالمية في نهاية المطاف إلى ما دون الخط الأحمر الذي حدّدوه في اتفاق باريس لعام 2015، الذي سعى إلى حصر الاحترار عند 1.5 درجة مئوية مقارنة بالعصر ما قبل الصناعي. وتسمّى عملية تجاوز ذلك الحد ثم العودة إلى الأسفل "overshoot"، وفي استخدام علوم المناخ لهذا المصطلح لا يعني الانطلاق متجاوزًا الخط الأحمر بلا رجعة، بل رؤيته في المرآة الخلفية ثم القيام بالانعطاف للعودة إلى درجات حرارة أدنى. وبعد سنوات من اعتبار سقف 1.5 درجة مئوية خطًا لا يجوز تجاوزه، بدأ المسؤولون خلال الأسابيع الماضية يتحدثون عن تقليص مدة ومقدار بقاء الأرض في منطقة الخطر. ويُحتسب رقم 1.5 درجة مئوية على أساس متوسط درجات الحرارة خلال عقد واحد.

ليس هدفًا، ليس غاية، إنه حد

يؤكد كثير من العلماء أنّ تجاوز سقف 1.5 درجة مئوية أمرٌ لا مفر منه؛ ولا يُعدّ هذا السقف مخترقًا إلا إذا ظل متوسط الأعوام العشرة أعلى منه. يبلغ المتوسط الآن نحو 1.3 درجة مئوية، وقد تجاوز العام الماضي وحده بالفعل عتبة 1.5 درجة مئوية. ويحذّرون من أن المشهد لن يكون محمودًا؛ إذ "لدينا خطر حقيقي" لتحفيز تغيّرات لا رجعة فيها في أنظمة الأرض عند اختراق 1.5 درجة مئوية، بحسب يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث المناخ في ألمانيا ومستشار علمي لمؤتمر المناخ السنوي للأمم المتحدة المنعقد حاليًا في مدينة بيليم في أمازون البرازيل. وتشمل تلك المخاطر الانقراض العالمي للشعاب المرجانية والنمو المتسارع لموجات الحر القاتلة، فضلًا عن خطر بلوغ نقاط التحول التي تقود إلى تغيّرات لا رجعة فيها، مثل تجفيف غابة الأمازون المطيرة وذوبان الصفائح الجليدية في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية وربما تعطيل كامل نظام تيارات المحيط الأطلسي، وفق روكستروم والرئيس التنفيذي لمؤسسة "كلايمت أناليتيكس" بيل هير. وقد أثار تقرير خاص للأمم المتحدة في عام 2018 مخاوف مماثلة تُظهر كيف يبدأ نطاق الخطر عند 1.5 درجة مئوية. وقال روكستروم لوكالة "أسوشيتد برس": "في بيليم لدينا أدلة علمية أكثر مما كانت لدينا قبل عشرة أعوام على أن 1.5 درجة مئوية حدٌ فعلي. إنه ليس هدفًا ولا غاية، إنه حد، إنه تخوم". وأضاف: "إذا تجاوزناه، نزيد معاناة الناس ونرفع خطر عبور نقاط التحول".

مرجّح أن يحدث اختراق للسقف

على مدى السنوات الماضية، قال العلماء إن البقاء عند 1.5 درجة مئوية أو دونها ممكن تقنيًا لكنه غير واقعي. ويقدّرون أن الكوكب يسير نحو الاحترار قدره 2.6 درجة مئوية منذ منتصف القرن التاسع عشر، حين بدأت الثورة الصناعية وارتفع حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز. ولسنوات، أصرّ مسؤولو الأمم المتحدة على أن 1.5 درجة مئوية لا يزال حيًا، لكنهم، رغم تمسّكهم بأهمية الهدف، باتوا في الأسابيع الأخيرة يعترفون بأن هذا السقف سيُخترق على الأرجح خلال الأعوام أو العقود المقبلة.

Related العالم استنفد تقريبا ميزانية الكربون: بلغت انبعاثات الوقود الأحفوري مستوى قياسي

قال سيمون ستيل، رئيس هيئة المناخ في الأمم المتحدة، مع انطلاق مؤتمر هذا العام: "العلم واضح: يمكننا ويجب علينا إعادة درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية بعد أي تجاوز مؤقت". وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، متحدثًا في جنيف الشهر الماضي، أكثر صراحةً مع إضافة نفحة أمل، إذ قال: "إن \"overshooting\" بات حتميًا الآن، ما يعني أننا سنمر بفترة، أكبر أو أصغر، وبشدة أعلى أو أدنى، فوق 1.5 درجة مئوية في السنوات المقبلة". وأضاف: "هذا لا يعني أننا محكومون بأن نخسر هدف 1.5 درجة مئوية. لا". وأوضح مسؤولو الأمم المتحدة أن هدف 1.5 درجة مئوية يجب أن يبقى قائمًا حتى بعد تجاوز العالم تلك العتبة لأنه هدف يستحق الإبقاء عليه.

التجاوز المؤقت خيار احتياطي

فكرة "overshoot" هي أن درجات الحرارة ستتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية ثم تُخفض تدريجيًا بمرور الوقت؛ والأمل أن يتراجع ذلك بمجرد أن يتوقف العالم عن ضخ الغازات الحابسة للحرارة في الغلاف الجوي الناتجة عن حرق الفحم والنفط والغاز، إذ ستعمل المصارف الطبيعية للكربون مثل الأشجار والمحيطات على امتصاص التلوث الكربوني وخفض مستوياته، مع التعويل أيضًا على تقنيات جديدة لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء. وعندما تنخفض تركيزات الكربون في الهواء، ستنخفض درجات الحرارة أيضًا في نهاية المطاف، لكن الكثير يتوقف على تقنيات لم تتوافر بعد على نطاق كبير بما يكفي للمساعدة. وقال أوتمار إيدنهوفر، كبير الاقتصاديين في معهد بوتسدام ورئيس المجلس الاستشاري العلمي الأوروبي بشأن تغيّر المناخ: "من دون إزالة ثاني أكسيد الكربون يصبح من المستحيل ببساطة إدارة سيناريو التجاوز المؤقت".

Related عشر سنوات على اتفاق باريس.. الاحترار العالمي لا يزال يتفوّق على الجهود الدولية المبذولةما هو كوب 30 ولماذا يهم ومن سيحضر محادثات المناخ للأمم المتحدة هذا العام؟

ولا يعرف العلماء بدقة متى وأين يبدأ الخطر خلال مرحلة التجاوز، ولا أيهما أشد خطورة: البقاء لفترة أطول فوق 1.5 درجة مئوية، أم الارتفاع إلى مستويات أعلى بكثير من 1.5 درجة مئوية. لكنهم يعلمون أن العالم مرجّح أن يبقى في تلك المنطقة لعقود. ويُظهر أحدث تحليل لعلماء مبادرة "كلايمت أكشن تراكر" أنه إذا فعل العالم كل ما يمكن لخفض الانبعاثات، وهو ما لم يحدث من قبل، فمن المرجّح أن تُخترق عتبة 1.5 درجة مئوية قرابة عام 2030، وأن تبلغ الذروة نحو 1.7 درجة مئوية، وأن لا تعود دونه قبل ستينيات هذا القرن. غير أن المسار الحالي للعالم لا يشير إلى تجاوز طفيف، بل إلى إخفاق كامل، مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة في عام 2100، بحسب بيل هير. وقال روكستروم: "قبل عشرة أعوام كان لدينا مسار أكثر انتظامًا للابتعاد تمامًا عن 1.5 درجة مئوية، عمليًا مع تجاوز منخفض أو معدوم"، مضيفًا: "ها نحن بعد عشرة أعوام وقد أخفقنا".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • هيئة الكتاب تصدر ديوان «الإمساك بالثور الهارب» لـ زهير زقطان
  • قادربوه: تفاجأنا بإبرام عقود مرتفعة للكتاب المدرسي دون موافقة هيئة الرقابة الإدارية
  • أبرزها معلم مساند وتقويم فردي.. ضوابط ”التعليم“ لاختبارات طلاب التوحد-عاجل
  • تريندز وخبراء CSIS يناقشون مخرجات حوار الذكاء الاصطناعي
  • مختصون في الصحة يحذرون من خطر مقاومة المضادات الحيوية
  • استعراض سبل تعزيز التعاون بين جائزة الكتاب العربي والمؤسسات الثقافية السعودية
  • قادة المناخ يناقشون تجاوز حدود الأمان إلى منطقة الخطر الحراري: ماذا يعني؟
  • عالم أزهري: نشر أمور البيت على السوشيال ميديا يخالف تعاليم الدين
  • 600 طالب في «الأكواثلون المدرسي»
  • محرم ومجرم.. أزهري يوجه رسالة لسيدات تنشر أمور بيتها على السوشيال