هيكل «من القمة إلى خلف القضبان».. 90 يوما في سجن مزرعة طرة
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
من القمة إلى ما وراء القضبان، فجأة وجد الأستاذ محمد حسنين هيكل نفسه وسط المئات من رموز النخبة المصرية خلف أسوار السجن فى سبتمبر 1981 ضمن حملة الاعتقالات الشهيرة التى عُرفت بـ«اعتقالات سبتمبر»، قضى نحو 89 يوماً داخل السجن، مع رموز سياسية وفكرية عديدة معارضة للرئيس الراحل محمد أنور السادات، وتحديداً داخل سجن مزرعة طرة.
يروى الأستاذ فى كتابه «خريف الغضب»، يوم اعتقاله فجر الثالث من سبتمبر، مؤكداً أنه كان يعرف أن «السادات» سينقض على كل معارضيه وأن شيئاً ما سيصيبه شخصياً وقد يُخرجه من نقابة الصحفيين ظناً بذلك أنه سيوقفه عن مزاولة مهنته، لكن يؤكد «هيكل» أنه ما لم يكن يخطر بباله أن يتم اعتقاله وفى صدد حملة يقول الرئيس السادات إنه يوجهها لدرء الفتنة الطائفية.
ويوضح الأستاذ تفاصيل بعض ما جرى الساعة الثانية صباحاً يوم 3 سبتمبر 1981، حيث كان فى شقته بمحافظة الإسكندرية بعد عودته من زيارة إلى باريس ومعه ولداه الاثنان سمع أحدهما طرقات على الباب ليجد ضابطى أمن دولة، يطلبان منه فتح الباب فطلب منهما الانتظار إلى الصباح، فرجواه ألا يضطرهما إلى كسر الباب، ليذهب ويوقظ والده الذى فتح لهما وطلب منهما الدخول ليبلغاه بأنه مطلوب لمباحث أمن الدولة، وأعربا عن أسفهما لكنهما لديهما أوامر يتحتم عليهما تنفيذها، وأمهلاه 10 دقائق ليحزم حقيبته.
ويضيف أنه لم يستطع أن يتبين حجم المعتقلين إلا عندما وصل السجن، فإذا به يجد فى ساحة السجن الخارجية أكبر تجمع سياسى كان يخطر على البال، مثل فؤاد سراج الدين وعبدالفتاح حسن وفتحى رضوان وحلمى مراد، وغيرهم من الأسماء البارزة التى ذكرها، مشيراً إلى أن أبواب السجون فتحت على مصراعيها لتستقبل أبرز رموز التيارات الدينية والثقافية والصحفية والدينية آنذاك.
وبيّن الأستاذ هيكل فى كتابه «خريف الغضب»، عن تجربة السجن، أن أكثر ما ساعده فى هذه التجربة على كل شىء هو شعوره بأنه صحفى أولاً وأخيراً على نحو جعله، كما يقول، ينسلخ عن الواقع ويتحول إلى مراقب ومتابع للأحداث، لدرجة أن بعض رفاقه كانوا يندهشون من برودة أعصابه فى هذه الظروف المزعجة.
ويروى أنهم مكثوا فى الزنزانة لمدة 11 يوماً متواصلة، ولم يكن مسموحاً له ومَن معه بتناول الشاى أو القهوة، ووسط حالة من التكدس البشرى كان يقوم ببعض التمرينات الرياضية واقفاً فى زنزانته لتعويض نقص الحركة، ويقول إن المياه التى كانت متاحة لهم كانت محدودة لدرجة أن أحد شبان الجماعات الإسلامية حاول أن يعلمه كيف يستحم بكوب ماء لا أكثر.
وكان كل شخص ينام على مرتبة مصنوعة من المطاط وكانت المراتب متلاصقة تماماً بينما كانت هناك فتحات قضبان فى الزنزانة تدخل الذباب نهاراً والناموس ليلاً لدرجة إطلاقه نكتة أن أسراب القاذفات تغير علينا نهاراً، وأسراب المقاتلات تغير علينا ليلاً، وبعد 4 أيام جاء إليهم عدد من الأطباء وصرحوا لهم بما يحتاجون من أدوية بشرط الإثبات أنهم بحاجة إلى تلك الأدوية.
ويوضح «هيكل» أنه حين اُعتقل كان يتصور أنه سيتم معاملته كمعتقل سياسى، حيث يُسمح للمعتقلين السياسيين بالورق والأقلام والكتب ولهذا جاء ومعه حقيبته، لكنه اكتشف أنه كان غارقاً فى الأوهام، حيث صودر كل ما كان معه ومع غيره، بما فى ذلك الأدوية والمحافظ والنقود والملابس، ولم يسمح لكل شخص إلا بغيار داخلى واحد ومنشفة وفرشاة أسنان دون معجون، إذ إن المعجون اعتبر من الأدوية وكان يجب موافقة الأطباء لإدخاله الزنزانة.
ويقول الكاتب الصحفى الكبير صلاح عيسى فى كتابه الشهير «شخصيات لها العجب»، إن «هيكل» وجد نفسه سجيناً فى إحدى زنازين سجن الاستقبال بمنطقة سجون طره الواقعة جنوب العاصمة المصرية، وحدث الذى لم يكن أحد يتخيله أو يتوقعه، فوجد إلى جواره بعض الذين نازعهم ونازعوه سدانة المعبد، ممن كانوا يسمون آنذاك بـ«مراكز القوى»: «فى 28 سبتمبر 1981، اعتذر هيكل عن الحديث فى احتفال كنا - على سبيل التحدى - قد قررنا إقامته فى ذكرى وفاة عبدالناصر واختفى فى زنزانته، وقال لى أحد الذين يشاركونه سكناها من زملائنا المعتقلين، إنه أخفى وجهه تحت غطائه، واندفع فى بكاء حار، وفى 6 أكتوبر 1981 سمعوا خبر مقتل السادات ورغم المشاعر المتناقضة التى ناوشتهم بعد سماع الخبر، فقد كان هيكل هو الوحيد الذى أغلق عليه باب زنزانته، واندفع مرة أخرى فى بكاء عنيف».
«شقرة»: شهر العسل لم يدم طويلاًوفى هذا السياق، يقول الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس، إن قُرب هيكل من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تسبب له فى مشكلات كثيرة بعد رحيل الأول، وهو كمفكر وأستاذ كبير كان يعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام مع الرئيس أنور السادات الذى كان يستمد شرعيته من نفس الحدث المهم وهو ثورة 23 يوليو، لكن شهر العسل لم يدم طويلاً بين «هيكل» و«السادات» لا سيما بعد حرب أكتوبر 73.
«هيكل» لم يتكيف مع التوجهات الجديدة للرئيسحيث توجه السادات إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأبرم معاهد السلام، وبالتالى إذا أردنا أن نكون أكثر دقة فإن هيكل لم يتكيف أو يتواءم مع توجهات الرئيس السادات الجديدة، وبالتالى كتب ما معناه أن ما حدث يشكل انحرافاً عن مبادئ ثورة 23 يوليو، وصولاً بالخلاف إلى اعتقال «هيكل».
الأستاذ بكى فى زنزانته بعد إعلان اغتيال «زعيم الحرب والسلام»وأضاف «شقرة» أن القبض على «هيكل» وسجنه كانت تجربة قاسية وصادمة له لأنها أتت به من القمة إلى سابع أرض كما يقال، وهو الرجل الذى لديه تقدير كبير من مختلف دول العالم وكتبه تُترجم فجأة يجد نفسه يقبع فى السجن، وقد كان لهذه التجربة تأثيرها على كتابات «هيكل»، لاحقاً تجاه «السادات».
وترجم ذلك فى كتابه الشهير «خريف الغضب»، مشيراً إلى أن المراقبين والمحللين لكتاب خريف الغضب لمسوا نوعاً من الثأر فى الكتاب، وهو نتاج شعور الأستاذ هيكل بأنه تعرض لإهانة شديدة، لا سيما أنه كان قامة وقيمة كبيرة، معرباً عن اعتقاده بأنه لو لم يكن «هيكل» قد اعتقل كان من الممكن ألا يأخذ كتاب خريف الغضب هذا الشكل العنيف فى التناول لسياسات وقرارات الرئيس السادات، أو كما يقال الطابع الثأرى، بل وكذلك الكتابات التى كتبها بعد ذلك عن حقبة السادات.
«مبارك» دعاه إلى الإفطار بعد الإفراج عن المعتقلينوعندما اغتيل «السادات»، أفرج الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك عن جميع المعتقلين ومن بينهم «هيكل»، وتحدث الأستاذ عن علاقته بمبارك فى كتاب «مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان».
وقال إنها فى البداية كانت محدودة وفاترة فى كثير من الأحيان مشدودة ومتوترة: «اعتقالات سبتمبر الشهيرة زجّت بأعداد من الساسة والنقابيين والكتاب إلى السجن، وراح المعتقلون بسجن ملحق مزرعة طرة وكنت بينهم، يتابعون ما يجرى خارج أسوار السجن لكن مصادر المعلومات كانت شحيحة، وذات يوم فى تلك الفترة جاء إلى سجن طرة أحد مشاهير المحامين، وطلب لقاء ثلاثة من المعتقلين على انفراد: فؤاد سراج الدين باشا وفتحى رضوان وكنت أنا الثالث».
ويواصل سرده: «فى غرفة مأمور السجن وقتها العقيد محمود الغنام، التقى المحامى بكل منا على انفراد وكان طلبه أن يسلمه المعتقلون السياسيون فى طرة بيان بتأييدهم لانتخاب مبارك رئيساً والإيحاء فيما يطلب بأن ذلك يسهل خروجهم من السجن دفعة مقدمة والمدهش أن الثلاثة رفضوا الاقتراح».
وبعد ذلك تم الاستفتاء وجرى انتخاب مبارك وتلقى بعدها بأيام رسالة عنه نُقلت إليه عبر تليفون مكتب مأمور السجن من قبل الدكتور أسامة الباز، المستشار الجديد للرئيس مبارك، مؤداها أنه تقرر الإفراج عن المعتقلين السياسيين على دفعات، وأن ذلك سوف يبدأ تنفيذه بعد 40 يوماً من وفاة الرئيس السادات وأن الرئيس الجديد يرجو أن يتحملوا البقاء فى طرة حتى تنقضى هذه المدة، وهى الرسالة التى تفاوتت ردود الفعل حولها.
وذكره «هيكل» فى كتابه: «حين انقضت فترة الأربعون يوماً بدأ الإفراج عنا وارتأى مبارك أن يكون إطلاق سراحنا بعد لقاء معه فى قصر العروبة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: هيكل ملفات الوطن الرئیس السادات لم یکن
إقرأ أيضاً:
حزب ناكر: في عيد الاستقلال نفخر بما قدمه الآباء المؤسسون
أعلن ما يسمى بـ«حزب القمة»، الذي يترأسه عبد الله ناكر، أنهم يفخرون بما قدمه الآباء المؤسسون، تزامنا مع «عيد الاستقلال».
وقال الحزب في منشور له عبر «فيسبوك»: “أعضاء وقيادة حزب القمة يتقدمون ﻷبناء الشعب الليبي بأحر التهاني والتبريكات بمناسبة الذكرى الـ73 لعيد استقلال ليبيا”، وفقا للحزب.
وأضاف “نعرب عن فخرنا بما قدمه اﻵباء المؤسسون وعلى رأسهم المغفور له بإذنه تعالى الملك إدريس السنوسي. عاشت ليبيا حرة موحدة”، بحسب قوله.
الوسومالاستقلال ليبيا ناكر