عبدالله السناوي: موهبة هيكل كانت طاغية ولُقب بعبقري الصحافة العربية
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
قال الكاتب الصحفى عبدالله السناوى إنّ الراحل محمد حسنين هيكل واجه العديد من الصعوبات والصدمات فى حياته إلا أنه أصبح الصحفى الأهم فى القرن العشرين بفضل إصراره على خوض رحلة كفاح طويلة، مر خلالها بمواقف صعبة شكلت شخصيته وأثرت فى مستقبله، مشيرا إلى حرصه على تطوير أدواته المهنية حتى أجاد عدداً من اللغات الأجنبية، فضلاً عن اهتمامه الكبير بتوثيق المعلومات التى يحصل عليها.
وأضاف «السناوى»، فى حواره لـ«الوطن»، أنّ هيكل كان يتابع كل ما يؤثر أو يلمع فى الحياة الثقافية أو الفنية، ودائماً ما كان لديه ضعف إنسانى نحو الشباب ويحرص على لقائهم والتحدث معهم فى أمور الحياة كافة.
كان لديه ضعف إنسانى أمام الشباب.. ويتابع كل ما يلمع فى الحياة الثقافيةلماذا كان الأستاذ هيكل هو الصحفى الأهم فى القرن العشرين؟
- الأستاذ هيكل رحلته لم تكن سهلة أو يسيرة كما يظن البعض، وحرص طوال حياته على نحت اسمه فى الصخر إلى جانب العظماء فى مهنة البحث عن المتاعب، إذ اتجه لمهنة الصحافة فى وقت مبكر من حياته فى سن 19 عاماً، والتحق بجريدة «الإيجيبشيان جازيت»، وكانت صحيفة واسعة الانتشار فى ذلك التوقيت، وتُعد أول تجربة مهنية له، غطى خلالها بعض المعارك التى خلفتها الحرب العالمية الثانية، كما نصحه رئيس تحرير الصحيفة بتدوين كل ما يراه ويحصل عليه من معلومات، ويستعين بما كتبه عقب عودته، لتكون رؤيته طازجة، ويقدم رؤية بانورامية للأحداث وما خلفها من تفاصيل مثيرة ومميزة.
كيف أثّر تدوين أحداث الحرب العالمية على حياة «هيكل»؟
- تغطية «هيكل»، للحرب العالمية أثرت فى العديد من جوانب حياته، ومن ضمنها حرصه على أهمية التدوين وحفظ الوثائق للرجوع إليها عند الحاجة، وعندما اقترب من الرئيس جمال عبدالناصر كان يتمسك بالاطلاع على الوثائق ليستطيع أن يُدلى برأيه عن معرفة وعلم، وليس مجرد اجتهاد صحفى.
هل تعتقد أنه «عبقرى الصحافة العربية»؟
- بالتأكيد، لأن الأستاذ هيكل رغم مستوى تعليمه المتوسط فإنه كان حريصاً على تطوير أدواته بصورة دائمة ومستمرة، إذ حرص على تطوير نفسه والاطلاع على كل ما هو جديد فى عالم الأخبار والسياسية، وأتقن عدداً من اللغات الأجنبية ومن بينها الإنجليزية والفرنسية ليستطيع التواصل والاطلاع على ثقافات مختلفة وجديدة، ليصبح علامة فارقة فى تاريخ الصحافة العربية.
ولا أنسى عندما سألنى فى إحدى المرات عن تعريف «العبقرية»، ولم يكن يقصد بالسؤال الحديث عن نفسه ولكنه أراد أن يشرحها، إذ عرّفها قائلاً: «العبقرية هى اكتمال التقنية مع شىء آخر»، وأن يكون كل شىء دقيقاً ومتقناً يتوخى الكمال بقدر الاستطاعة الإنسانية، لكن التقنية المكتملة وحدها ليست عبقرية.
ما الشىء الآخر الذى امتلكه هيكل بجانب موهبته؟
- بجانب موهبته الطاغية، عشق الانضباط والالتزام فى كل تفاصيل حياته، وكان يلتزم بمواعيده بـ«الثانية»، ويغضب للغاية عندما يتخلف أحد عن موعد معه، لأنه يعتبر أن التأخير خصم من الوقت المتاح أمامه، كما كان يحرص أيضاً على متابعة كل ما هو جديد فى العالم، إذ كان سؤاله اليومى لتلاميذه «إيه الأخبار»، وبرأيى أن مقال «بصراحة» مثال للمقال المعلوماتى.
كيف كانت علاقته بوالده؟
- هيكل لم يتحدث عن والده فى حياته إلا مرة واحدة حينما كان والده «حسنين هيكل» طرفاً فى إحدى القضايا داخل أروقة المحكمة، ليسأله القاضى «هل هناك علاقة قرابة بينك وبين الأستاذ محمد حسنين هيكل»، ليرد الأب بنوع من الاعتزاز قائلاً «ده ابنى»، وأعتقد أن هذا الموقف أثّر فى حياة هيكل الابن كثيراً.
هل كان يتابع الدراما المصرية؟
- لم يتحدث الأستاذ معى كثيراً عند مشاهدته للأعمال السينمائية أو الدرامية ولكنى أعتقد أنه شاهد بعض الأعمال الدرامية دون الإفصاح عنها، وخاصة إذا رشحت قرينته عملاً فنياً لمشاهدته أو مشهداً معيناً لغرض ما.
وماذا عن الأعمال السينمائية التاريخية؟
- لا أعتقد ذلك، لأنه كان يرفض أن تؤثر الدراما على نظرته التاريخية التى كوّنها من المراجع والكتب بنفسه، حيث كان دائماً ما يتابع آخر الإصدارات التاريخية بدقة شديدة، خاصة إذا كانت مؤثرة أو لافتة، وأستطيع أن أقول إنه كان يحب بشكل أو آخر كل ما يؤثر أو يلمع فى الحياة الثقافية أو الفنية، ودائماً ما كان لديه ضعف إنسانى تجاه الشباب، ويحرص دائماً على الالتقاء بهم والتحدث معهم فى كافة أمور الحياة.
هل رأى هيكل نفسه فى الأعمال الفنية التى قُدمت عنه؟
- أعتقد أنه كان لا يهتم بمثل هذه الأمور، لأنه كان دائماً مشغولاً بالعديد من الملفات الأخرى، كما كان يعتقد أن الأعمال الفنية ملك أصحابها.
من الأقرب لـ«هيكل» من رموز الفن؟
- بالتأكيد هناك العديد من الفنانين والمشهورين المقربين للأستاذ، منهم الفنانة فاتن حمامة لصداقته مع زوجها د. محمد عبدالوهاب، والفنان عادل إمام، ونور الشريف، والسيناريست محفوظ عبدالرحمن وأسامة أنور عكاشة.
هل هناك طقوس معينة يتبعها عند الكتابة؟
- كان يحرص على أن يستمع للموسيقى الكلاسيكية عند الكتابة.
مَن الموسيقيون الأقرب لـ«هيكل»؟
- هناك العديد من الموسيقيين ممن تربطهم علاقة جيدة بـ«هيكل»، وكانوا يزورونه فى مكتبه داخل جريدة الأهرام، ومنهم فيروز وعبدالحليم وغيرهما، ولكن أم كلثوم كانت الأكثر ارتباطاً به لأنه كان يرى فيها شهامة الريف المصرى.
كيف كان يتعامل معه المواطن البسيط فى الشارع؟
- دائماً ما كان مُرحباً به داخل مصر وخارجها من كل المواطنين لأن اسمه بارز جداً ومعروف للجميع، ولكن أعتقد أن ابتعاده عن الظهور التليفزيونى لفترة طويلة جعل وجهه غير مألوف بالنسبة للمواطنين البسطاء رغم أنهم كانوا حريصين على قراءة مقالاته ودائماً ما يتأثرون بها، وأظن أن ظهوره بعد ذلك على الفضائيات أحدث اختلافاً كبيراً.
هل هناك مواقف أثرت فيه خلال لقائه المواطنين؟
- فى إحدى المرات قصد المستشفى لإجراء بعض التحاليل الطبية، وعندما رأته إحدى الطبيبات صُعقت من رؤيتها له، لأنها كانت متأثرة للغاية به وبمقالاته، ورفضت أن يدفع قيمة التحاليل الطبية إلا أنه أصر على دفعها كعادته.
علاقته بجيرانه جيدة.. ويحرص على إقامة إفطار جماعى لأهل قريته فى رمضانكيف كانت علاقته بجيرانه؟
- علاقته بجيرانه كانت جيدة، وكان يحرص على إقامة إفطار جماعى لأهل القرية بالكامل فى شهر رمضان المبارك من أجل الاجتماع بهم فى أجواء البهجة والسعادة، كما دفع العديد من المبالغ المالية لمساعدة شباب القرية فى استكمال عملية التعليم بشكل جيد، ومن المواقف التى لا تُنسى يوم وفاته، هو إلقاء أحد شباب قريته كلمة مؤثرة للغاية لتوديعه.
ما تأثير حريق برقاش على «الأستاذ»؟
- بالتأكيد ملأ الحزن قلبه، كان كثير الصمت، لا يشكو جرحاً ولا يبدى ألماً علنياً، خاصة بعدما حُرقت 80% من وثائقه التى لا يوجد لها بديل، بعدما ظن أعضاء جماعة الإخوان بأن لهيكل دوراً فى الإطاحة بهم ليقرروا حرق مكتبته، كما يعد يوم فض اعتصامى رابعة والنهضة يوماً عصيباً فى تاريخ مصر وليس تاريخ هيكل وحده بعدما حرقوا العديد من الكنائس ومؤسسات الدولة آنذاك، وكان قلقاً للغاية على مصر فى ذلك التوقيت.
ما الهدف من احتفاظه بالوثائق؟
- كان يأمل فى ترك النصوص الثرية إلى الأجيال الجديدة من أجل الاطلاع عليها والاستفادة منها، وأعتقد أن روحه قد أُودعت فى تلك الوثائق، إلا أن الحذر لا يمنع القدر وحُرق 80% فى حادث إرهابى مخطط له جيداً وكان المستهدف منه اغتيال هيكل نفسه فى الأساس.
هل بكى عند وفاة مساعده «عبدالرسول»؟
- شخصية هيكل كانت منضبطة فى التعبير عن مشاعر الفرح والحزن فى أغلب الأوقات ولم أره يبكى بشكل مباشر قبل ذلك، وأعتقد أنه تأثر بشدة فى عدد من المواقف فى حياته، ومن بينها وفاة مساعده «عبدالرسول»، الذى يعد رفيق رحلة الصعود، ووفاة شقيقه «فوزى» الذى كان فى مقام ابنه الأصغر، كما بكى بشكل مباشر عندما رأى ابنه الأصغر صورته فى إحدى الصحف مكتوب عليها «الكذاب»، وهذا الموقف أثّر فيه كثيراً، وفى الحقيقة أستطيع أن أصف حياة هيكل بـ«مجموعة من الصدمات»، لمعاصرته جميع المراحل.
هل هناك علاقة صداقة جمعته بأسرة الرئيس عبدالناصر بعد وفاته؟
- بالتأكيد ظلت العلاقة مستمرة بين هيكل وأسرة الرئيس جمال عبدالناصر بعد وفاته، بل وصلت إلى أنهم كانوا يلجأون إليه عند وجود مشكلة ما، من أجل الحصول على استشارته القيمة، وظل هذا الأمر حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وتعد هدى عبدالناصر ابنة الرئيس الراحل الأقرب لقلبه.
كيف كانت علاقته مع جيهان السادات؟
- على الجانب الشخصى كانت هناك علاقة إنسانية وأسرية بينهما وظلت حتى النهاية، إلا أن أفكارهما كانت مختلفة ولم يتفقا فى العديد من القضايا السياسية، وعندما توفيت شقيقة زوجته «هدايت تيمور»، قدمت لها جيهان السادات واجب العزاء ووقفت بجانبها من أول العزاء لآخره وهذا دليل على قوة العلاقة الشخصية بين الأسرتين.
ماذا عن العلاقة بين هيكل وشقيقاته؟
- فى البداية لا بد أن أوضح أن هيكل له 4 شقيقات، ثلاث منهن كن متزوجات لثلاثة أشقاء، ولم تبق على قيد الحياة حتى الآن إلا شقيقة واحدة فقط وهى «مها»، وبشكل عام كانت العلاقة بينهم جيدة، ويعتبرنه رمزاً للعائلة ويقدرنه بشدة.
صف لنا علاقته بأحفاده؟
- هيكل كان شديد التعلق بأحفاده، ويحرص على قضاء بعض الوقت معهم، ولكنه كان يرى أن هذا عالمهم ولابد أن يعيشوه بالطريقة التى تناسبهم، وتعتبر حفيدته «هدايت» الأقرب له.
«الأستاذ» رفض مليون جنيه إسترلينى لتأليف كتاب عن ثورات الربيع العربىهل رفض كتابة مؤلف عن ثورات الربيع العربى؟
- هناك دار نشر أجنبية شهيرة عرضت عليه أن يؤلف كتاباً عن ثورات الربيع العربى مقابل مليون جنيه إسترلينى، ولكننى اقترحت عليه رفض العرض لعدة أسباب، ومن بينها أنه كان لا بد أن يسافر للخارج من أجل الحصول على بعض الوثائق، فضلاً عن أن الكتاب كان سيأخذ منه وقتاً طويلاً فى الإعداد والتحضير، فى ظل وقت عصيب كانت تمر به الدولة ويحتاج الرأى العام لرؤيته، كما أن زوجته نصحته برفض العرض أيضاً، وبالفعل رفضه.
كيف كانت أيامه الأخيرة؟
- فى الحقيقة كانت المسافة بين مرضه الأخير ورحيله عن الحياة قصيرة جداً، وكان يحب أن يغادر الدنيا وهو الحاضر القوى المُهاب، وصرح لى بأنه سيمتنع عن الظهور حين استشعر قرب النهاية للحفاظ على صورته العامة، وطبعاً قال كلمته الشهير لأبنائه: «لا تعاندوا القدر».
هل طلب لقاءك فى أيامه الأخيرة؟
- مُنعت عنه الزيارة فى أيامه الأخيرة لتدهور حالته الصحية بشدة، إلا أننى فى إحدى الليالى تلقيت اتصالاً هاتفياً من زوجته وقالت لى: «هو طلب يشوفك مرتين، أنا بقولك عشان أبرئ ذمتى أمام الله وأمامه»، وللأسف لم تسمح الظروف بتلك الزيارة لتدهور حالته الصحية بشكل كبير.
هدايت تيمورأعتقد أن دورها كان محورياً ومهماً جداً، حيث بذلت جهداً كبيراً فى مهمة بناء متحف هيكل، وحملت هذه المهمة على عاتقها، وجاءت ببعض المصممين من الخارج من أجل أن يخرج المتحف بالشكل الذى يليق بمكانة الصحفى الأهم فى القرن العشرين، وهى الآن، فيما عدا ممارسة الرياضة، تسير على نفس الروتين اليومى الذى كان يتبعه الأستاذ هيكل فى حياته.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: هيكل ملفات الوطن الأستاذ هیکل العدید من أعتقد أن هیکل کان فى حیاته کیف کانت کیف کان أنه کان فى إحدى هل هناک ما کان من أجل إلا أن
إقرأ أيضاً:
إقالة غالانت في الصحافة الإسرائيلية: نتنياهو يقودنا للهاوية
انشغلت الصحافة الإسرائيلية اليوم الأربعاء بقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، والذي سلط الضوء من جديد على الخلافات السياسية داخل حكومة الاحتلال، وأعاد إلى الواجهة أزمة التعديلات القضائية عام 2023.
وبينما أثارت هذه الإقالة عاصفة من ردود الفعل في الأوساط السياسية والإعلامية وخرج الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم ومعارضتهم الخطوة اتسمت عموم ردود فعل الكتّاب والمحللين في الصحف الإسرائيلية بالنقد الشديد لهذه الخطوة، مع تسليط الضوء على أسبابها وتداعياتها.
ونورد في هذا التقرير آراء 3 من أبرز الكتّاب والمحللين في الصحف الإسرائيلية، وهم المحلل العسكري ناحوم برنياع من صحيفة يديعوت أحرونوت، ويوسي فيرتر المحلل السياسي من صحيفة هآرتس، بالإضافة إلى بن كسبيت المحلل السياسي البارز في صحيفة معاريف.
"ماتت الديمقراطية"تناول ناحوم برنياع قرار إقالة غالانت من زاوية حساسة، محذرا من تداعياته على الأمن القومي الإسرائيلي وعلى العلاقة بين الجيش والمجتمع، فضلا عن تأثيره على المكانة الديمقراطية المزعومة لإسرائيل.
ويرى برنياع أن غالانت لم يكن يعارض نتنياهو بشكل شخصي، وإنما كان يعبر عن مخاوف حقيقية تجاه تأثير الإصلاحات القضائية على التماسك الداخلي للجيش وعلى قدرة الجنود على تنفيذ مهامهم.
وكتب برنياع "في حين أن السياسيين قد يتعاملون مع الجيش على أنه مؤسسة خاضعة للقرارات العليا فإن الجنود والضباط يرون في الجيش حصنا لهم، وإقالة غالانت قد تزرع بذور الشكوك والانقسامات داخل هذه المؤسسة".
ويوضح برنياع أن غالانت كان يسعى إلى منع تسييس الجيش، محذرا من أن "الجيش الإسرائيلي هو مؤسسة يلتف حولها الإسرائيليون"، وأن إقالة وزير دفاعه بهذا الشكل قد تؤدي إلى التصدع وتحويل الجيش إلى ساحة للجدالات السياسية.
ويضيف "لقد حاول غالانت حماية المؤسسة العسكرية من تسييس قد يعصف باستقلاليتها ويضعف جاهزيتها القتالية".
كما يتهم نتنياهو بأنه يسعى إلى السيطرة على جميع مفاصل الحكومة دون اعتبار لتحذيرات العسكريين.
ورغم أنه يعتبر أن وزير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس هو "سياسي مخضرم ومتمرس يسبح جيدا في مستنقع مركز الليكود" فإنه يقول إن "إدارة الحرب ليست الوظيفة التي تدرب عليها".
ويضيف "قد يكون الجيش قادرا على الاستغناء عن وزير دفاع، ولكن ماذا سيحدث للاتصالات المعقدة مع وزارة الدفاع الأميركية؟ على افتراض أن كاتس يجلب هناك الحكمة الدبلوماسية نفسها التي جعلته يتشاجر مع كل دولة ممكنة في دوره كوزير للخارجية، فنحن في ورطة".
ويرى المحلل العسكري الإسرائيلي أن "قرار إقالة غالانت قد يؤثر على صورة الحكومة داخليا وخارجيا"، ويتساءل "كيف ستؤمن دول العالم بقوة واستقرار الجيش الإسرائيلي إذا كانت قراراته تتعرض للتغيير والتلاعب وفقا للمصالح السياسية؟".
ويحذر برنياع أيضا من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى المزيد من الانشقاقات داخل الائتلاف الحكومي وتزعزع الثقة الشعبية بقيادة نتنياهو.
ويختم مقاله بتعليق لافت جاء فيه أن "بعض الديمقراطيات تموت بين عشية وضحاها، في حمام دم ديمقراطيتنا تموت ببطء وتدريجيا وبهدوء".
"يقود إسرائيل للهاوية"وفي هآرتس، قدّم يوسي فيرتر تحليلا شاملا لخلفيات وتداعيات إقالة غالانت، مركزا على أن هذه الخطوة تأتي في سياق التحولات السياسية الكبرى التي تشهدها إسرائيل.
ويرى فيرتر أن هذا القرار هو محاولة من نتنياهو للسيطرة على جميع المراكز التي قد تعارض أجندته الإصلاحية.
ويضيف "إقالة غالانت لم تكن مفاجئة، فهي تتماشى مع أسلوب نتنياهو الذي لا يقبل المعارضة الداخلية ويعتبرها تهديدا شخصيا لأجندته".
ويرى فيرتر أن نتنياهو يعتبر الجيش أداة سياسية بيده، ويوضح ذلك بالقول "بدلا من حماية الجيش من التلاعب السياسي يسعى نتنياهو إلى توظيفه كوسيلة لتحقيق مصالحه السياسية، غالانت لم يكن معارضا شخصيا، بل كان يدافع عن مؤسسة الجيش كمؤسسة مستقلة تخدم جميع الإسرائيليين".
كما يعتبر أن غالانت كان "يمثل صوت الضمير في الحكومة، وعندما أقاله نتنياهو فإن ذلك يعني أن الحكومة تخسر صوتا كان يحاول منعها من ارتكاب الأخطاء".
ويقول أيضا إن "قرار نتنياهو إقالة وزير الدفاع هو عمل جنوني يشير إلى الافتقار التام إلى الحكم"، ويصف نتنياهو بأنه "مصمم على الانحطاط، ويقود إسرائيل إلى الهاوية، وكل يوم يقضيه في السلطة هو بائس لإسرائيل ومستقبلها".
كما يتحدث عن الإقالة بأنها "هجوم مباشر على أمن الدولة"، في خضم الحرب من أجل من سماهم "مجموعة من المراوغين والطفيليين في صفيح سياسي نتن".
وأشار فيرتر أيضا إلى أن إقالة غالانت قد تخلق شرخا في المجتمع الإسرائيلي بين من يؤيدون الحكومة ومن يعارضونها، ويقول "لقد خرج الآلاف من الإسرائيليين للتظاهر تعبيرا عن استيائهم، وهذا يدل على أن الشارع الإسرائيلي يرى أن ما يحدث هو تهديد لأمنهم ومستقبلهم".
ويعتبر المحلل السياسي أن هذا الحراك الشعبي هو بداية مرحلة جديدة من الصراع بين الحكومة والمجتمع، وأنه قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي غير مسبوق في حال استمرت الحكومة في تجاهل المطالب الشعبية.
ويضيف أن إقالة غالانت قد تشكل تهديدا للائتلاف الحكومي، إذ قد يجد أعضاء من حزب الليكود أنفسهم مضطرين للاختيار بين التمسك بأجندة نتنياهو أو الانحياز إلى مصلحة الدولة.
وفي هذا السياق، يشير إلى أن "هذا الوضع قد يؤدي إلى انشقاقات داخل الليكود، إذ لا يرغب الجميع في التضحية بثوابت إسرائيل الأمنية والاجتماعية من أجل مصالح سياسية قصيرة الأمد".
ويختم فيرتر مقاله بأن "هذا هو الهدف الوحيد للحرب الذي يهم نتنياهو حقا: الإبحار بسفينة ائتلافه العنصري حتى أكتوبر/تشرين الأول 2026 (موعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة) والوصول إلى هذا التاريخ بعد تجميع الأجزاء المطلوبة لانقلاب متجدد، وهو ما سيتسبب في تفاقم المشكلة".
رئيسا الأركان والشاباك في مرمى النيرانأما بن كسبيت الكاتب والمحلل السياسي الأكثر شهرة في صحيفة معاريف فيبدأ مقاله بتسليط الضوء على الدور الذي لعبه يوآف غالانت في الحرب، مشيرا إلى أن غالانت كان قد اتخذ مواقف حاسمة في التعامل مع الأزمات العسكرية، بما في ذلك القضايا المتعلقة بإيران وحزب الله.
ويعتبر بن كسبيت أن خلافات غالانت السياسية مع نتنياهو بشأن كيفية إدارة شؤون الدولة والأمن قد تزايدت، مما أدى إلى إقالته في لحظة حساسة، مشيرا إلى أن "رئيس الأركان هرتسي هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار باتا في مرمى نيران نتنياهو في سعيه لبناء حكومة خاضعة تماما لصورته واستبعاد أي شخص قد يشكل تهديدا له".
كما تحدث المحلل الإسرائيلي عن توقيت الإقالة، فقال "تم اختيار التوقيت بعناية: عشية الانتخابات الأميركية، وعندما ينتظر الجمهور بفارغ الصبر هجوما إيرانيا"، وهو الأمر الذي يشير -حسب بن كسبيت- إلى أن "نتنياهو كان يهدف إلى إبعاد الأنظار عن قضايا أخرى في إسرائيل، مثل التحقيقات الجارية في مكتبه، والتركيز على الملف الأمني".
وسلط بن كسبيت الضوء أيضا على أن "الإقالة حصلت في خضم تحقيقين مكثفين من الشاباك والشرطة فيما يحدث في مكتب رئيس الوزراء، ففي المقام الأول تم فحص قناة سرقة وتهريب مواد سرية للغاية من المخابرات العسكرية إلى عناصر مقربين من نتنياهو سربوها من أجل القيام بـ"عمليات تأثير" على الجمهور الإسرائيلي، هذا ضرر فوري ومستمر لمصادر الاستخبارات وللحياة البشرية وللجهود المبذولة لإعادة الرهائن، وفقا لمصادر مطلعة على التحقيق".
وأضاف "ويبدو أن التحقيق الثاني -الذي أعلن عن وجوده الآن- يتناول محاولة لإزالة أو تغيير أو حذف البروتوكولات والوثائق والشهادات المختلفة من المكاتب الحساسة للغاية والمواد المتعلقة بالحرب".
ويدعو بن كسبيت كذلك إلى التأمل في الدوافع السياسية وراء هذا القرار، مشيرا إلى أن إقالة غالانت كانت خطوة تهدف في المقام الأول إلى "الحفاظ على التحالف وإدامة تهرب الأرثوذكس المتطرفين من التجنيد".
ويستمر بن كسبيت في انتقاده نتنياهو بالقول "مشكلة نتنياهو الرئيسية مع غالانت هي أنه حاول حماية الجيش منه ومن آلة السم الخاصة به"، في إشارة إلى رغبته في السيطرة على المؤسسة العسكرية لصالح أجندته السياسية.
ولم تقتصر كلمات بن كسبيت على تحليل موقف نتنياهو وغالانت فحسب، بل تناول أيضا دور وزير القضاء غدعون ساعر في هذا الصراع السياسي، إذ يرى أن ساعر -الذي كان في الماضي من أبرز منتقدي نتنياهو- أصبح اليوم أحد أكبر داعميه، ويقول "اتضح أن ساعر قد عكس وعوده ونسيها، وباع ناخبيه وروحه من أجل التجاوب مع التهرب الأرثوذكسي المتطرف".
ويختتم بن كسبيت مقاله بتأكيد أن إسرائيل تمر بفترة من الاضطرابات الداخلية الكبيرة، إذ إن الإقالة تأتي في وقت عصيب للغاية، مما يزيد تعقيد الوضع السياسي والأمني في البلاد.