خلال حوار مطول .. ليندركينغ يتحدث بإسهاب عن الشأن اليمني ويؤكد ” فرصة السلام الحالية في اليمن لم تتح مسبقاً
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
حيروت ـ العربي الجديد:
يصف المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، في مقابلة مع “العربي الجديد” من نيويورك، اللحظة الحالية في الملف اليمني بأنها في غاية الأهمية. ويشدد على ضرورة تضافر كل الجهود واغتنام الفرصة والنافذة المتاحة لتحقيق تقدم في الملف اليمني، على أمل إنهاء الصراع.
وتأتي زيارة المسؤول الأميركي إلى نيويورك لعقد اجتماعات ومباحثات حول اليمن، على هامش اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى، والتي يحضرها قادة العالم وكبار المسؤولين.
* الكثير يدور في اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى في نيويورك. ما الذي تتمنون الخروج به من هنا؟
لدينا أمل في ما يخص مشاركتنا في الاجتماعات التي تجري على هامش اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى بشأن اليمن. وتحتل قضية اليمن أهمية على الرغم من وجود الكثير من القضايا المهمة والمركزية التي تُناقش. وإذا نظرنا إلى اجتماع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي (الأثنين الماضي) نلاحظ أن موضوع اليمن كان حاضراً بقوة، خصوصاً أن قضية اليمن أصبحت ملحّة أكثر، ونعتقد أن السبب يعود لوجود لحظة، أو فرصة للسلام، التي لم تتح لنا خلال السنوات الثماني للحرب.
والإدارة الأميركية، والتي كانت تركز أصلاً على قضية اليمن، تستغل الفرص المتاحة حالياً، وجمع الخيوط للدفع نحو سلام دائم في اليمن، حيث كما تعلمون، زار وفد حوثي رفيع المستوى الرياض، كما شهدنا في إبريل/نيسان الماضي عملية كبيرة لتبادل الأسرى. وجاءت إلى نيويورك (اجتماعات الجمعية العامة) كذلك قيادات الحكومة اليمنية، رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وأتى معه، في تطور جديد، واحد من نوابه (رئيس المجلس الانتقالي) عيدروس الزبيدي. كما التقيا بوزير الخارجية الأميركي (الاثنين الماضي)، وكانت لديه الفرصة للحديث معهما عن أهمية وحدة مجلس القيادة الرئاسي، وعن التزام الولايات المتحدة بإنهاء الصراع، والمسؤولية التي تقع على عاتق الحكومة اليمنية للمضي قدماً في مواقف توافقية، من شأنها أن تسمح للحكومة اليمنية بأن تكون في نهاية المطاف جزءا من مفاوضات يمنية – يمنية بشأن مستقبل اليمن، وهذا هو ما نريد الوصول إليه في نهاية المطاف.
* هل يمكن أن تحدد ما هي المعوقات الرئيسية التي تحول دون التوصل إلى حل، أو جمع الأطراف اليمنية معاً؟
قبل أن أتحدث عن المعوقات، أريد أن يدرك الجميع الفرصة التي أمامنا هنا. عندما انتهت الهدنة بدون تجديد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ولم نرَ عودة إلى الاقتتال، ولم تستأنف الهجمات عبر الحدود، وتستمر فترة خفض التصعيد منذ 18 شهراً، وأعتقد أن هذا يترك أثره على الناس وبشكل إيجابي. كما خلقت بيئة يمكن من خلالها إجراء اتصالات عبر الخطوط المتحاربة، وإنجاز أشياء لم يكن من الممكن تصورها قبل عام، وحتى خلال فترة الهدنة. وهذا يظهر التزاماً من السعودية ومن الحكومة اليمنية بإنهاء الصراع، وكذلك انفتاح الحوثيين على تسوية عن طريق التفاوض. ولا ندري إلى متى ستكون هذه النافذة مفتوحة، ولذلك من الضروري انتهازها الآن.
(فيما يخص المعوقات) الوضع في اليمن معقّد، إنها حرب أهلية، وصراع، بالإضافة إلى قضايا اقتصادية وسياسية تلاحق هذا البلد لسنوات، ولم يتم حلها من قبل أي قيادة، وهناك فرصة من خلال الحوار الآن لمعالجة هذه الصراعات.
وتحدّث العليمي، خلال لقائه مع وزير الخارجية، حول الضغوط الاقتصادية التي تواجهها الحكومة اليمنية. ومن جهتنا نجري محادثات مع المؤسسات المالية الدولية، وما يمكن عمله لمساعدة اليمن للعودة والوقوف على رجليه. ومركزية هذه النقطة قدرات اليمن من الموارد الطبيعية كالغاز والنفط. ألن يكون رائعاً، عندما نتحدث عن الفصل التالي من اليمن، أن يكون من الممكن إعادة تشغيلها، وهذا سيناريو لم يكن متاحاً في السنوات الثماني الماضية.
*هل يعني هذا أنكم تتوقعون تحقيق اختراق قريباً، هل هناك مدة زمنية معينة؟ هل تشعر بتفاؤل؟
لا يمكننا التنبؤ… أرى أموراً لم تكن موجودة من قبل، وغير ذلك، تم اتخاذ خطوات لبناء الثقة لأن أطراف النزاع يتحدثون مع بعضهم البعض. لا يمكن الوصول لمرحلة يطلق فيها سراح 900 سجين من دون أن يكون هناك استعداد عند السعوديين والحكومة والحوثيين لتقديم التنازلات، حتى لو كان ذلك بمساعدة بعض الأطراف الخارجية. ولا يمكن التوصل لاتفاق، وتفريغ 1.1 مليون برميل من النفط من ناقلة “صافر” في منطقة صراع لو لم تتفق فيها الأطراف. وطبعاً لا ندري إلى أين ستؤدي الاتصالات بين الحوثيين والسعوديين، وما ستؤدي إليه كل واحدة من هذه الجولات، لكن حقيقة وجود مفاوضات ومحادثات جزء مما أعتقد أنه يمنحنا بعض الأمل.
*هل ترون أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، وحتى الاتفاقات التي توصلت لها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع إيران أخيراً (حول الأموال المجمدة وصفقة السجناء)، وإن كانت منفصلة عن اليمن، لها انعكاس إيجابي على الأرض في اليمن؟
لقد لعبت إيران على وجه الخصوص دوراً سلبياً في اليمن. ما نأمله ونعول عليه، أن يكون للاتفاق السعودي الإيراني الذي تم التوصل إليه الربيع الماضي، أثر إيجابي في اليمن. وأن يتوقف تهريب المواد غير المشروعة، والتي تنتهك قرار مجلس الأمن، من إيران إلى اليمن، والتي تغذي الحرب. وأن يحث الإيرانيون الحوثيين على التفاوض للتوصل لحل وعدم العودة إلى الحرب. هذان معياران مهمان، نبحث فيهما عن نتائج (ملموسة) والسعوديون كذلك. ونريد أن نرى سلوكاً إيرانياً آخر وأفضل فيما يتعلق بهذا الصراع. هناك طرق ملموسة يمكن للإيرانيين من خلالها القيام بذلك.
وفي الوقت ذاته بالنسبة لنا، سواء من خلال لقاءات الوزير (بلينكن) أو سفري إلى المنطقة ودول مجلس التعاون الخليجي، للتأكد أن الجميع على نفس الصفحة ونتائج تدعم الحكومة اليمنية. والحوار اليمني ـ اليمني ضروري للغاية.
* إذا نظرنا للوضع الاقتصادي والإنساني فإن هناك الكثير من التحديات. ما الذي ترى أنه من الضروري القيام به لتسهيل القضايا الإنسانية، وكذلك الاقتصادية، إلى حين إيجاد حل، فهناك تشابك في المجالين، والشعب اليمني هو من يعاني ويدفع الثمن؟
في نهاية المطاف، لن يتم حل الأزمة الإنسانية في اليمن ما لم يكن هناك اتفاق سلام. ويمكن أن يأتي الوقت في المستقبل ويقدم فيه المانحون دعماً (أكبر) للمساعدات الإنسانية في اليمن، حيث لم يتم تمويل نداء الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية إلا بنسبة ثلاثين في المائة، مما يجعل الولايات المتحدة، وتقديمها 665 مليون دولار لصندوق المساعدات الإنسانية، المانح الأكبر لهذا العام. ونريد أن تُقدم دول أخرى على تقديم المساعدات… ولكننا ندرك أيضاً أن هناك عوامل اقتصادية، دفعت هذا الصراع لمدة ثماني سنوات، ويجب معالجتها. وتتعلق في المقام الأول بتقسيم الموارد وتقاسم الإيرادات.
وفي حوار يمني- يمني يمكن معالجة هذه الأمور بصورة لم تتم خلال السنوات الماضية. ولذلك ندفع بقوة من أجل التحول للانتقال إلى عملية تقودها الأمم المتحدة وتشتمل على عنصرين رئيسيين: وقف إطلاق نار دائم، وبهذا تؤخذ الإيجابيات من الهدنة وجمع للجان العسكرية، والذي حدث بالفعل، حيث التقى ممثلون عسكريون سعوديون وحوثيون وعن الحكومة اليمنية، عندما بحثوا حيثيات عمل وقف إطلاق النار. ثم إذا أضفنا لذلك بداية المحادثات اليمنية – اليمنية، سيكون لدينا بالفعل شيء ما في تلك المرحلة، وهذه يعطي إشارة مهمة للمنطقة والمجتمع الدولي، والأهم من ذلك للشعب اليمني، بأن هذا مجهود حقيقي وسيأتي بنتائج.
*هل هناك أي خطوات، قصيرة المدى يمكن اتخاذها على الصعيد الاقتصادي إلى حين التوصل لاتفاق، يمكن أن تخفف من معاناة اليمنيين؟
إحدى الخطوات الأساسية هي قضية دفع الرواتب للمدنيين الذين لم يحصلوا على رواتبهم لسنوات. ويريد الطرفان، الحوثيون والحكومة اليمنية، رؤية ذلك. وأعتقد أن السعوديين يحاولون المساعدة وطرح بعض الأفكار على الطاولة حول كيفية معالجة هذه المسألة. وهذه أولوية، ونريد أن يحصل الناس على رواتبهم لزيادة القوة الشرائية في اليمن، لكي يتمكن الناس من شراء البضائع في الأماكن التجارية المتاحة والتحول من الاعتماد على المساعدات.
وفي الوقت ذاته النشاط التجاري الطبيعي. لليمن موانئ مذهلة في الجنوب وعلى الساحل الغربي، ويجب استخدامها بشكل كامل وهو غير حاصل حالياً… وكما ذكرت اليمن لديه نفط وغاز وستكون العمود الفقري لإنعاش الاقتصاد اليمني… يتعين على الأطراف القيام ببعض العمل الشاق لتحقيق ذلك.
*فيما يخص ناقلة “صافر” للنفط، تم تأمين أغلب الأموال ونقل النفط إلى ناقلة أخرى. ما هي الخطوات المقبلة؟
من الضروري أن نستوعب هذا الإنجاز، حيث تم نقل 1,1 مليون برميل نفط من ناقلة قديمة إلى ناقلة أخرى… ولو تسرب النفط لكان لذلك تبعات وتدمير للنظم البيئية وصيد الأسماك في اليمن وتأثير عالمي… أعتقد أن التهديد البيئي قد تم استبعاده الآن، من خلال اتحاد عناصر مختلفة من المجتمع الدولي، ونشطاء البيئة، وحكومات، والقطاع الخاص، وبلدان بعيدة جغرافياً عن اليمن ككوريا الجنوبية، اليابان، كندا، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة… ونحن هنا في الجمعية العامة، وهناك قائمة طويلة من الأمور الشائكة، أفغانستان وأوكرانيا وغيرها، وهذه واحدة من الأمور التي تمكنا من حلها.
وما زالت هناك بعض الأمور من بينها التخلص من السفينة القديمة والتي يجب سحبها أو إعادة تدوير أجزاء منها. كما يجب التوصل لاتفاق حول كيفية التعامل مع النفط. ولا تزال الأمم المتحدة تحتاج 22 مليون دولار لإنهاء العملية. وهذه إحدى النقاط التي نتطرق لها هنا في اجتماعاتنا على هامش الجمعية العامة.
نبذة عن تيم ليندركينغ
*عين تيم ليندركينغ مبعوثاً أميركياً خاصاً إلى اليمن في فبراير/شباط 2021. وهو نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون دول الخليج العربية، مكتب شؤون الشرق الأدنى. وكان عمل قائماً بأعمال السفارة الأميركية في السعودية بين عامي 2013 و2016، ومديراً لمكتب باكستان في وزارة الخارجية الأميركية بين 2010 و2013. كما كان للرجل دور بارز في العاصمة العراقية بغداد، مع عمله مستشاراً في السفارة الأميركية هناك، ثم مستشاراً سياسياً لقائد القوات متعددة الجنسيات في العراق، الجنرال تشارلز جاكوبي.
*عمل أيضاً مستشاراً اقتصادياً وقائماً بأعمال السفارة الأميركية في الكويت، ومستشاراً سياسياً في السفارة الأميركية في الرباط، بين 2002 و2006. وكان ليندركينغ بدأ عمله في وزارة الخارجية الأميركية عام 1993، بعد سنوات من عمله في قطاع اللاجئين مع منظمات المجتمع المدني الأميركي والأمم المتحدة، في نيويورك الأميركية، والسودان، وباكستان، وأفغانستان، وتايلاند.
*حاصل على الماجستير في التاريخ والعلاقات الدولية من جامعة واشنطن في 1989، وحصل أيضاً على تنويهات عدة أثناء خدمته في العراق.
المصدر: موقع حيروت الإخباري
إقرأ أيضاً:
اليمن يصعِّد في “يافا” ويرفع الجهوزية لأي تصعيد
يمانيون../
في قلب المأساة الفلسطينية في غزة حيث تتراكم الأوجاع فوق جراح لم تندمل، يتضح مدى تواطؤ العالم في شرعنة وحشية العدو الإسرائيلي، الذي يعيث فساداً في الأرواح والممتلكات دون أدنى مراعاة للإنسانية. فبين صرخات الأطفال النائمين وأمهاتٍ يحتضن أطفالهن الرضع، يشير الواقع المأساوي إلى حقيقة مؤلمة: الموت هنا لا يميز بين براءة الطفولة وحب الأم. الأحياء يجتمعون على الهرب من صواريخ المحتل، ليجدوا أنفسهم في مواجهة قذائف جديدة في العراء، لتبقى جثث الفلسطينيين المتناثرة بمرمى الإهمال، طعاماً للكلاب الضالة.
ومع استمرار القصف العشوائي، يطال الأذى المستشفيات التي تعاني تحت وطأة الضغوط، حيث تتحول سيارات الإسعاف إلى أهداف، والطواقم الطبية تُستهدف في محاولة واضحة لإبادة معالم الحياة. ورغم صدور مذكرة اعتقال دولية بحق بعض مجرمي الحرب الإسرائيليين، يبدو أن الكيان الإسرائيلي مُمعن في جرائمه، مدعوماً بتأييد أمريكا المطلق وتحدٍ صارخ للقرارات الدولية التي فقدت معناها في وجه القوة.
بطائق أمريكية للتعارف
في هذا السياق وفي الوقت الذي يصر فيه البيت الأبيض على دعم المجازر الإسرائيلية بكل الوسائل، يسارع أحد القادة العرب لتبني الرواية الإسرائيلية وموجها اللوم لـ”إسرائيل” عبْر وزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن، ويذهب هذا القائد العربي -في الكواليس- إلى ما هو أبعد من توجيه اللوم، حيث أكد على ضرورة “هزيمة حماس”، مسرّاً لبلينكن: “لن نقول ذلك علناً، لكننا ندعم هزيمة حماس، ويجب على “إسرائيل” هزيمة حماس”.
يحكي القصةَ الكاتب الأمريكي بوب وود ورد في كتابه “الحرب” مضيفا: “وهناك قائد عربي آخر تتبّع خطواتِ القائد الناصح ولكن بالتأكيد لبلينكن: “لا أحتاج إلى حماس بعد الآن، لا أريد عقبات مع أمريكا”. مشيرا إلى أن ذلك جاء على هيئة تأكيد من هذا القائد خلال استقباله توجيهات صريحة حملها بلينكن عن الإدارة الأمريكية مفادها أن “هناك أمرين باسم الرئيس بايدن: أنتم تتعاملون مع حماس بخصوص الرهائن، ونحن نقدّر أهمية وجود قناة للتفاوض”. وأوضح بلينكن في نهاية لقائه به “عندما ينتهي هذا، لا يمكن أن يستمر الوضع كالمعتاد مع حماس. هذا غير مقبول”. في المقابل، لم يكن أمام ذلك القائد العربي من بد إلا أن يؤكد: “أفهم ولن يحدث ذلك. سنبقي القناة مفتوحة الآن لأنكم تجدونها مفيدة. علاقتنا مع أمريكا مهمة جدًا”.
الحوار يكشف عمق الانصياع والولاء الذي يتمتع به هؤلاء القادة للسياسات الأمريكية، حيث يتحولون إلى أدوات لتنفيذ رغباتها. وعلى الرغم من محاولات بعضهم لترويج صورة إيجابية عن موقفهم، إلا أن الواقع يُظهر أنهم يمهدون الطريق للاحتلال ويعمقون معاناة الفلسطينيين.
تصفية القضية الفلسطينية
مع اتساع الفجوة بين القادة الرسميين وإرادة القواعد الشعبية العربية، يظل السؤال عن موقف الأمة العربية ومتى ستستيقظ من غفوتها، يطرق أبواب تلك الإدارات العربية خصوصا التي تُعد نفسها بحذر -من خلال التفاهمات مع الكيان الصهيوني- لتخاطر بفقدان شرعيتها في نظر شعوبها التي تحتج وتُظهر تأييدها للمقاومة بكل أشكالها.
وفي صباح يوم جديد، يقول الكاتب الأمريكي وود ورد- في ذات المصدر- إنه شهد لقاءً جمع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بوزير خارجية إحدى الدول العربية التي تفضل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، خلال هذا اللقاء أكد الوزير العربي لبلينكن أنه “كان ينبغي على ‘…’ أن يعرف أفضل من ذلك. لقد أخبره الجميع بعدم التعامل مع حماس، وكنا جميعاً إلى جانبه في هذا التحذير”. مضيفاً: “حماس هي جماعة الإخوان المسلمين”.
الفزع الحقيقي
في سياق متصل، وفي الوقت الذي تبحث فيه شعوب المنطقة عن إجابة عن السؤال المحير: متى ستستيقظ الأمة العربية من سباتها؟ متى سيتحرك الضمير العربي ليواجه بشاعة الجرائم الصهيونية المرتكبة في غزة وغيرها من الأراضي الفلسطينية؟ وفيما يتضح أن البقاء على الهامش ليس خيارا، فالمقاومة في غزة تستحق الوقوف معها، والتضامن الحقيقي يجب أن يكون بمستوى المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون، تظهر على السطح تساؤلات خطيرة تتعارض مع موقف قوى الإسناد لدعم غزة، كمثل: هل يُعَدُّ إسناد غزة إرهابا؟
هذا السؤال، على الرغم من أنه قد يبدو عابرا بالنسبة للبعض، إلا أن الإجابة عنه تُظهر الفزع الحقيقي، خصوصا عندما تأتي من أحزاب تدّعي أنها تحمل صبغة إسلامية. بل، وتبدو الفاجعة أكبر حين يأتي الجواب من حزب يمني كان يُعَدُّ -حتى وقت قريب- من كبار المستثمرين في قضايا الجهاد لتحرير المقدسات.
قبل انكشاف الأصول المرجعية لذلك المزيج المتناقض من الأفكار والممارسات المستندة إلى السلفية، والانفتاح، والإسلام السياسي، والإخوانية، والدعشنة، وطالبان، وهو ما روج له هذا الحزب في الأوساط اليمنية لعشرات السنين. الحزب نفسه أصبح اليوم يكشف النقاب عن أصول هذا اللفيف المسمى بـ”التجمع” بأنه يتبع إرادة القوى الأمريكية والبريطانية والفرنسية، بل ويظهر وكأنه أحد مخرجات ما يُسمى “الجامعة الإسلامية الكبرى” في “تل أبيب”.
ولماذا لا يكون كذلك؟ خصوصا، وقد أصبح بلا قناع، أداة رخيصة تعمل في فلك أمريكا، يرى ما تراه ويفعل ما تأمره، معبراً بكل حرص عن سلامة سفن الكيان المحتل. وبجل تصرفاته التي تسير وفق ما يملى عليه، يصرخ الخائن العرادة -وهو أحد قيادات هذه الحزب- قائلاً: “أمريكا لم تدمر بلدنا بما فيه الكفاية”!، متوسلاً منها مزيدا من الغارات والدمار. نعم، هذا هو “العرادة” الذي لم يتورع في وصف قصف أمريكا وبريطانيا و”إسرائيل” لموانئ بلده بـ “الضربات الناعمة”، في الوقت الذي يتغنى فيه على الجانب الآخر من البلد -وأعنى المحافظات اليمنية التي ترضخ تحت الاحتلال السعو-اماراتي- بالوطنية!!!.
هذا النفاق المكشوف والولاء الواضح للصهيونية لا يعكس خيانة فردية فحسب، بل يُنبئ عن سياسة عمالة ممنهجة امتدت من “سلطان العرادة” مرورا بـ”عيدروس الزبيدي”، لتعبر عن خيانة عظمى صار لها مشرعون يرددون ذات النداء: “المزيد من الحروب”!، كالخائن “طارق عفاش” الذي لم يكن أقل مرتبة من رفيقيه في مجلس الخيانة، المشكل بتوافق سعو-إماراتي ومباركة صهيو-أمريكية وبريطانية، حيث تعهد بتأمين سفن الكيان الصهيوني.
هذه الدمى المصطنعة والمملوكة كعلامات تجارية حصرية على أربابها، أعلنت أنها على أتم الاستعداد لتقديم العون المطلق للأمريكان والإسرائيليين والبريطانيين في ما يخططون له من توجيه الضربات القاسية بالقوات المسلحة اليمنية قيادة صنعاء. وبالتالي ستبقى تتحرك وفق برامج صانعيها، ولن تمثل اليمن على أي حال.
صنعاء ماضية في دعمها لغزة
في المقابل، ووسط كل هذا الظلام، يَبرُز الموقف اليمني صوتاً استثنائياً في معركة الكرامة. رغم الحصار والعدوان المستمر على اليمن، يواصل اليمنيون -بقيادة صنعاء- تأكيدهم على إسناد فلسطين غير آبهين بالتحديات أو التهديدات. وبرغم المتغيرات، فإن صنعاء ماضية في دعمها لمظلومية الشعب الفلسطيني، في رسالة واضحة أن فلسطين ستبقى بوصلة الأحرار في اليمن مهما تخاذل الآخرون.
في الوقت ذاته، تتزايد التحركات الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية والبريطانية في المنطقة، حيث يبدو أن واشنطن ولندن تسعيان لتعزيز نفوذهما في اليمن، مع التركيز على تعطيل أي دور يمكن أن تقدمه صنعاء لدعم المقاومة الفلسطينية في غزة. زيارة السفير الأمريكي ستيفن فاجن إلى قيادات المرتزقة اليمنيين، تزامنا مع زيارة قائد القيادة الوسطى الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا للمنطقة، تكشف عن تصعيد دبلوماسي وعسكري يهدف إلى إعادة ترتيب أوراق الحرب في اليمن وتحويلها إلى ساحة مواجهة تخدم المصالح الإسرائيلية.
لم تكن زيارات السفير الأمريكي إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المرتزقة مجرد لقاءات بروتوكولية بقدر ما تحمل في طياتها رسائل واضحة لصنعاء. حيث تركزت اللقاءات المتكررة مع قيادات المرتزقة على إعادة إحياء الجبهات الداخلية ضد “أنصار الله”، في محاولة لتشتيت الجهود اليمنية التي باتت تشكل تهديدا فعليا للهيمنة الإسرائيلية في البحر الأحمر، ولتقويض أي دعم عسكري أو لوجستي تقدمه صنعاء لفلسطين.
خلال لقاءاته الأخيرة، أشار السفير الأمريكي فاجن بشكل مباشر إلى “ضرورة العمل على مواجهة التهديدات الحوثية”، ووصف عمليات صنعاء الأخيرة في البحر الأحمر بأنها “تعطيل للأمن الدولي”.
هذا الخطاب يتماهى مع التوجهات الإسرائيلية التي تطالب الولايات المتحدة بمزيد من الضغط على صنعاء، وصولا إلى توجيه ضربات عسكرية مباشرة. وهو ما بات يحدث منذ عملية إسناد اليمن للمقاومة الفلسطينية ضمن معركة طوفان الأقصى. وقد تبادلت أمريكا وبريطانيا الأدوار في قصف المدن اليمنية، كما حدث في الحديدة وصنعاء وصعدة، حيث قاربت الغارات الأمريكية والبريطانية على اليمن ٨٠٠ غارة منذ أكتوبر 2023م.
الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة الوسطى الأمريكية -المعروف بدوره في إدارة العمليات العسكرية الأمريكية في “الشرق الأوسط”- التقى بمسؤولين في السعودية والإمارات لمناقشة “تعزيز التنسيق الأمني”، مع تركيز خاص على الملف اليمني.
ووفقا لتقارير إعلامية، فإن كوريلا ناقش سيناريوهاتٍ لتصعيد المواجهة مع صنعاء، بما في ذلك توفير دعم عسكري واستخباراتي مباشر للمرتزقة، والتنسيق مع “إسرائيل” لضمان تحييد الدور اليمني عن دعم المقاومة الفلسطينية. هذه التحركات تكشف عن مساعٍ أمريكية لإشعال حرب إقليمية تستهدف اليمن تحت ذريعة ما تسميه “مواجهة التهديد الحوثي”، بينما الهدف الحقيقي يتمثل في تأمين المصالح الإسرائيلية، خاصة في البحر الأحمر والممرات البحرية الاستراتيجية.
“إسرائيل” تطالب بدعم غربي عاجل
مع تصاعد الدعم اليمني لغزة، خرجت أصوات صهيونية تطالب بتوجيه ضربة عسكرية “قاضية” ضد “أنصار الله”. التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، ركزت على ضرورة “تحييد الحوثيين” بشكل كامل، تزامنت مع تحركات عسكرية أمريكية وبريطانية في المنطقة.
“إسرائيل” -التي تخشى من تطور القدرات العسكرية اليمنية- ترى في صنعاء تهديدا استراتيجيا طويل المدى، خاصة مع إعلان يمني عن استعداد اليمن لتوسيع نطاق العمليات العسكرية إذا استمرت الجرائم الصهيونية في غزة. وقد نفذت تهديداته بضرب عمق الكيان بأربعة صواريخ خلال أيام أدت لإصابة 30 مستوطنا صهيونيا.
الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي استهدفت أهدافا إسرائيلية خلال الأيام الماضية كانت مؤشرا على القدرات المتطورة التي تمتلكها اليمن، ما دفع “إسرائيل” للمطالبة بدعم غربي عاجل لتجنب سيناريوهات أكثر تعقيدا.
تحضيرات أمريكية واسعة
وفي ظل التحركات الأمريكية والبريطانية المدعومة بالتصعيد الإسرائيلي، يجتمع المرتزقة في الرياض للمرة الثانية خلال أقل من شهر، وسط تحضيرات أمريكية واسعة تحمل إشارات واضحة لحرب إقليمية قد تندلع في أي لحظة. ولكن يظل السؤال الأهم: إلى أين ستصل هذه الحرب؟ خصوصا وأن التصعيد يأتي في وقت تشير فيه التقارير إلى نية واشنطن ولندن تعزيز الدعم العسكري للمرتزقة، بما في ذلك تسليم معدات وأسلحة متطورة.
اللافت في هذا السياق، أن التصعيد والصمود، يُظهران المشهد اليمني كمسرح لتطورات قد تعيد تشكيل المنطقة ، ولكن على العكس تماما لمسار ما رسم له أمريكيا وإسرائيليا في ما أسمي بخارطة “الشرق الأوسط الجديد”.
رغم التصعيد المستمر، تؤكد صنعاء أن أي تحرك أمريكي أو إسرائيلي أو بريطاني -سواء كان مباشرا أم عبر وكلائهم- لن يمر دون رد. إذ يمتلك اليمن أوراق ضغط كثيرة، تشمل التطور التقني العسكري في صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي بالقرب من المصالح الغربية. ما يعني أن التصعيد ضد اليمن قد يدفع الأخيرة إلى إغلاق الممرات البحرية الاستراتيجية، ما يُلحِق خسائر كبيرة بالمصالح الغربية.
تحفة الخاتمة
تتجلى إرادة اليمن القوية في مواجهة العدوان رغم التحديات الجسيمة التي يواجهها اليمن. إذ تؤكد القوات المسلحة من خلال مواقفها أن اليمن لن يكون ساحة مفتوحة للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية. وفي ظل استمرار العدوان على غزة، يبرز دعم صنعاء للمقاومة الفلسطينية كونه دليلاً على مبدئية موقفها، في وقت يختار فيه كثير من الأنظمة العربية التخلي عن مسؤولياتها.
تشير المؤشرات إلى تصاعد التوتر في المنطقة، ما ينبئ بأيام حاسمة قد تفصلنا عن مستجدات كبيرة. إن مستقبل اليمن والمنطقة يظل ضمن دائرة اهتمام العالم، في ظل صراع يتجاوز القضايا التقليدية ليصل إلى مسألة الكرامة والمبادئ.
من مواقف القيادة في صنعاء، يتضح أن الاستعدادات تكتسب زخماً كبيراً، حيث أكد قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أن الجهوزية في أعلى مستوياتها، وأننا حاضرون لمواجهة أي عدو سواء أمريكا أو بريطانيا أو أي جهة أخرى، كما أكد أنه تم تجنيد أكثر من 600 ألف مقاتل خلال معركة طوفان الأقصى فقط. هذه التأكيدات لا تترك مجالاً للشك في استعداد اليمن لمواجهة أي تهديد، مع وعي تام بألاعيب الأعداء المتربصين.
وفي الوقت الذي تكون فيه الأعين مشدودة نحو الرياض، تأتي الرسائل واضحة بأن التحركات تُراقَب بدقة وأن اليد على الزناد. وتبقى النصيحة التي لا تنقطع من صنعاء هي ضرورة التقدم في خارطة الطريق، وترجيح المصالح المشتركة لشعوب المنطقة، مع التحذير من الانجراف وراء التحريض الأمريكي. فبعد عشرة أعوام من العدوان، تظل الدروس حاضرة، مُنبّهة من مغبة التمسك بسياسات لا تخدم سوى مصالح القوى الاستعمارية.
بكل ثقة، يؤكد اليمن أن النصر قريب، مستعداً لمواجهة أي نكوص قد يحدث من الرياض عن التفاهمات، ما قد يُحدث تغييرات جذرية تصب في مصلحة الشعب اليمني.
موقع أنصار الله