على الرغم من أن التفاصيل المحددة للمفاوضات لا تزال غير واضحة المعالم، إلاّ أن تطلع السعودية لإنهاء انخراطها في حرب اليمن يغذي الشواغل إزاء تخليها عن الحكومة المعترف بها دوليا وتجاهل مخاوف وأولويات الأطراف اليمنية الأخرى في ظل تعجّلها لنفض يدها عن الملف اليمني، وهو ما قد يخلق دوامة من حالة عدم الاستقرار في اليمن.

هكذا تحدث خبراء في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، حول الوفد رفيع المستوى الذي يُمثل جماعة الحوثيين الذي زار العاصمة السعودية الرياض، هذا الأسبوع، في أول زيارة علنية من نوعها منذ بدء الصراع.

وكانت المحادثات الثنائية بين السعودية وجماعة الحوثيين، انطلقت بشكل جدّي عقب فشل جهود تمديد الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة العام الماضي، وسرعان ما اكتسبت المحادثات زخماً بعد الانفراجة التي حققتها الوساطة الصينية بين السعودية وإيران في ربيع العام الجاري.

بدأ نوع من الجمود في المحادثات خلال فترة الصيف، إلا أن هذه الزيارة الأخيرة تشير إلى وجود نوع من التقدم في المسار التفاوضي، قد يتكلل باتفاق يُعلن عنه قريبا.

هذا الاتفاق قد يتيح متنفساً لتوفير قدر من المساعدات الاقتصادية ووصول الإغاثة الإنسانية لسكان اليمن العالقين تحت وطأة ظروف قاسية لقرابة عقد من الزمن.

اقرأ أيضاً

اجتماع أمريكي خليجي يبحث ملفات اليمن وإيران وسوريا وخور عبدالله

يقول ماجد المذحجي، إن الحوثيين عادة يميلون إلى انتزاع التسويات الجيدة التي تصب في صالحهم بدون تقديم المقابل، لافتا إلى أن هذا النهج التفاوضي طويل المدى يُراكم المكاسب الجزئية وبدون تقديم تنازل في القضايا الأساسية للنزاع.

ويضيف: "بقدر ما يشكل تواجد وفد حوثي رسمي وبشكل معلن في الرياض اختراقاً مثيراً للاهتمام و فرصة نادرة للدفع بالنقاشات حول السلام إلى الأمام، قد يبدو الأمر من زاوية أخرى تسوية بين الأقوياء يُستبعد منها غالبية اليمنيين، حيث تتملق فيها المملكة خصومها السابقين بالمال والتنازلات، بينما تفرض الجماعة سلام المنتصر في الداخل".

ويتابع: "تُفصح المحادثات السعودية الحوثية عن الثقل الإيراني الفعلي على الحوثيين والذي ساعد في تحسين استجابتهم للمسار التفاوضي، إلا أن أي عائد سياسي لأي اختراق يوقف الحرب في اليمن سيُنسب فضله إلى الصين، وهذا لن يكون مريحاً للولايات المتحدة، كونه يمهد الطريق لدور صيني جديد في منطقة لم يكن فيها نفوذ يُذكر على مدى التاريخ".

ووفق المذحجي، تمنح زيارة وفد الحوثيين إلى الرياض شكلاً من أشكال الاعتراف والندية يسعون إليه (الحوثيون) بشدة، ويبدو خطاب الحوثيين ليّنا وإيجابيا حتى الآن، مضيفا: "كما تأتي زيارة الحوثيين فعلياً وهُم في وضع ضعيف نسبياً، في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية في الداخل".

ويشير كذلك إلى عدد من التحديات المقلقة، وأهمها ألا ضمانة على إمكانية حدوث حوار سياسي بين أطراف الصراع اليمنية، واحتمالية تجدد القتال بعد فترة تكون فيها جماعة الحوثيين قد ضمنت دفع الرواتب لفترة معقولة تكفل إسكات الانتقادات الشعبية في مناطق سيطرتها، وترتيب وضعها عسكرياً للتحرك مجدداً من أجل بسط سيطرتها على مناطق جديدة هامة.

اقرأ أيضاً

تسوية شمالا ونفوذ جنوبا.. هكذا تخرج السعودية عسكريا من اليمن

ويلفت المذحجي إلى أن الإمارات وحلفاؤها هم الطرف الوحيد الذي يستطيع تعطيل هذا المسار، في ظل تهميش دور مجلس القيادة الرئاسي (المدعوم من السعودية) وباقي الأطراف اليمنية.

أما ميساء شجاع الدين، فتلفت إلى أن الحرب هي من شكّلت جماعة الحوثيين وبلورت طبيعتها المتوجسة والمرتابة وبُنيتها العسكرية.

ولم تُوقف الجماعة آلتها العسكرية على مدار تسعة عشر عاماً، وكانت جميع إنجازاتها مرهونة بنجاحاتها العسكرية – وبالتالي، يُعدّ السلام أكبر تحدٍ تواجهه الجماعة منذ نشأتها.

وتلفت إلى أن الحوثيين يواجهون حاليا تحدياً في الحفاظ تماسك الجماعة، في ظل تنامي الخلافات بين أفرادها على الأموال والنفوذ، "فهناك جناح حوثي يميل للتقارب مع السعودية بغية الاستفادة اقتصادياً، في حين ينظر جناح آخر متأثر عقائدياً بإيران لأي تقارب مع السعودية بتوجس عميق".

وتتوقع أن يظهر انقساما بين فئة ظلت تخدم سلطة الحوثيين أثناء فترة الحرب وجنت بذلك ثروة ونفوذا، وبين فئة العائدين من جبهات القتال الذين تعتريهم الغيرة من رؤية من ينعمون بمكاسب دون وجه حق.

اقرأ أيضاً

اتفاق سعودي إماراتي أمريكي على تنسيق الجهود لحل أزمة اليمن

وتشير ميساء إلى أنه "ليس أمام الحوثيين سوى خيارين: الإصلاح الذاتي للتأقلم مع وضع السلام، أو افتعال حرب جديدة"، مضيفة: "يبدو الخيار الأول مستبعدا لجماعة عقائدية لطالما جنت مكتسباتها بقوة السلاح عوضا عن الكفاءة السياسة أو الإدارية".

وتتابع: "الخيار الأخر للحوثيين هو افتعال حرب جديدة، حيث لا يُستبعد في حالة تجدد المعارك القتالية أن نشهد تناميا في نشاط تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في اليمن، وهو ما سيمنح الحوثيين ذريعة لإعادة تشغيل آلتهم العسكرية والعودة إلى البيئة المألوفة بالنسبة لهم".

ويتفق معها حسام ردمان، الذي يقول إنه في حين يبدو الطريق سالكاً الآن أمام الحوثيين لإبرام اتفاق مع الرياض، تتزايد العقبات أمام الدور السعودي في جنوب اليمن.

ويضيف: "تركيز السعوديين المفرط على استرضاء الحوثيين، وتهميش حلفائهم المحليين في معسكر الحكومة الشرعية عزّز القناعة السياسية لدى المجلس الانتقالي الجنوبي بأن الرياض تحترم الخصم صعب المراس أكثر من الصديق الملتزم".

وعليه ومن وجهة نظر ردمان، فإن الطريقة الأنسب لفرض المجلس الانتقالي كلاعب رئيسي في أي مسار تفاوضي مرتقب سيكون بالعودة إلى سياسة الأمر الواقع، حتى وإن كان ذلك يهدد بتصنيف المجلس الانتقالي ككيان مارق من قبل السعودية وحلفائها الغربيين".

اقرأ أيضاً

تهدد 17 مليون شخص.. البنك الدولي يحذر من أزمة تمويل عنيفة في اليمن

ويلفت إلى أن سياق الأحداث أظهر منذ العام الماضي أن المحرك الرئيسي لجهود السلام في اليمن لم يكن التوافقات الوطنية أو المحلية، بل التفاهمات الإقليمية، انطلاقا من التقارب السعودي الإيراني، ومرورا بـالوساطة العمانية.

وعليه، حسب ردمان، فمن المنطقي أكثر أن يتموضع المجلس الانتقالي سياسيا مع داعمه الأساسي (الإمارات) وأن يتبنى سياسة تعطيلية ردّا على إقصاء أبوظبي من المحادثات الجارية.

أما عبدالغني الإرياني، فيقول إن "محاولتنا لضبط مستوى توقعات تحقيق السلام للشعب اليمني، هي خطوة لا تبعث السرور في أنفسنا، لكنها ضرورية لتسليط الضوء على العناصر التي لا تزال مفقودة لإعداد وصفة سلام ناجحة".

ويضيف: "لم تطرح أي من الأطراف المتحاربة داخل اليمن رؤية واضحة للتعايش السلمي، وشهدنا طوال فترة الحرب تمسكهم بأسلحتهم مطالبين باستسلام الجانب الآخر"، لافتا إلى أن الصِيَغ الجاهزة التي تعتمدها الأمم المتحدة لتحقيق المصالحة الوطنية لا تحظى بسجل حافل بالنجاح.

ويتابع: "حتى إن وُجدت الإرادة السياسية للتوصل إلى تسوية واسعة، فإن فرص نجاحها ستظل صعبة".

اقرأ أيضاً

اجتماع ثلاثي.. أمريكا تضغط لحل الخلافات بين السعودية والإمارات منعا لتخريب سلام اليمن

ويلفت الإرياني، إلى أن "السبيل الوحيد لتحقيق التوازن هو خلق وسائل ردع متعددة لتجاوزات الجماعات المسلحة، ومع ذلك، ولا يتضح بعد كيف يُمكن للأطراف الأضعف الدخول في ترتيبات لتقاسم السلطة مع جماعة الحوثيين الأكثر قوة بمراحل".

أما توماس جونو، فيقول إنه "رُغم المزاعم المتناقلة على وسائل الإعلام بأن المحادثات تهدف إلى إنهاء الحرب في اليمن، فإن الرياض والحوثيين لا يتفاوضون على سلام مستدام".

ويضيف: "تحاول السعودية منذ سنوات تقليل التكاليف المترتبة على انسحابها من حرب أصبحت منذ فترة طويلة قضية خاسرة وميئوس منها، وفي حال نجاح المحادثات السعودية- الحوثية، ستكون النتيجة إضفاء طابع مؤسسي على سلطة الحوثيين، وبقاء اليمن كدولة مجزأة في ظل عدم حلّ الدوافع المحلية الجذرية للحرب الداخلية، والدوافع التي أدت إلى ظهور أعمال العنف قبل التدخل السعودي".

ويتابع: "حتى الآن، لا توجد مؤشرات على إمكانية معالجة هذه الأسباب بنجاح على المدى القريب".

يشار إلى أنه منذ مدة، تتكثف مساعٍ إقليمية ودولية لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفدين سعودي وعماني إلى صنعاء، وجولات خليجية للمبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ والأممي هانس غروندبرغ.

اقرأ أيضاً

الحوثيون يغادرون الرياض.. ووساطة أمريكية لتحقيق توافق سعودي-إماراتي حول السلام اليمني

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: اليمن الحوثي السعودية إيران الشعب اليمني التحالف المجلس الانتقالی جماعة الحوثیین اقرأ أیضا فی الیمن إلى أن

إقرأ أيضاً:

الحرب الأميركية على الحوثيين في اليمن ...ستة اسئلة تطرح نفسها

 

تواصل الولايات المتحدة الأميركية غاراتها المكثفة على اليمن، مستهدفة ما تقول إنه مواقع لجماعة الحوثيين، بهدف الضغط على الجماعة وإجبارها على وقف هجماتها في البحر الأحمر.

 

ومنذ 15 مارس/آذار الماضي، شنت الولايات المتحدة مئات الغارات على اليمن، ما أدى لمقتل 217 مدنيا وإصابة 436 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، حسب بيانات للحوثيين.

 

ورغم ذلك، واصلت الجماعة استهداف إسرائيل والسفن المرتبطة بها في البحر الأحمر، وتعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الاثنين، بـ"رد قوي" على الحوثيين، وقال "أريد أن أقول شيئا واحدا للحوثيين ولكل من يرغب في إلحاق الأذى بنا.. أي هجوم ضدنا لن يمر دون رد. سيكون هناك رد قوي".

 

وترصد الجزيرة نت عبر هذا التقرير 6 أسئلة لفهم ما يجري في اليمن ومآلاته وتداعياته على جماعة الحوثيين ومستقبل المنطقة.

 

1- كيف بدأ الصراع؟

 

أعلنت جماعة الحوثي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بدء شن هجمات تضامنا مع قطاع غزة الذي يتعرض لإبادة جماعية من إسرائيل.

 

وبدأت الهجمات على سفن إسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، إضافة إلى استهداف مواقع في إسرائيل بصواريخ ومسيّرات بعضها طال تل أبيب.

 

وشكّلت الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2023 تحالفا يضم أكثر من 20 دولة، أُطلق عليه اسم "حارس الازدهار"، بدعوى الرد على هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.

 

وبدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في 12 يناير/كانون الثاني 2024 شن غاراتها على مواقع للحوثيين في اليمن، وعقب ذلك، توعّدت جماعة الحوثيين بأن "كل المصالح الأميركية والبريطانية أهداف مشروعة لقواتها ردا على عدوانهم المباشر والمعلن على اليمن".

 

واستمرت هجمات الحوثيين وردود الولايات المتحدة وحلفائها حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل في يناير/كانون الثاني 2025، قبل أن يتجدد العدوان الإسرائيلي على غزة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

 

وكان ترامب قد أدرج الحوثيين في قائمة "الجماعات الإرهابية" قبل 3 أسابيع من انتهاء فترة حكمه الأولى، وأخرجتها إدارة جو بايدن من هذه القائمة، وما لبث أن عاد ترامب مع بداية فترة حكمه الثانية لإعادة تصنيف الحوثيين "جماعة إرهابية".

 

2- ما هدف الغارات الأميركية على اليمن؟

 

أعلن ترامب في 15 مارس/آذار الماضي إطلاق هجوم مكثف على الحوثيين، وقال في بيان إعلانه بدء الهجمات "إلى جميع الإرهابيين الحوثيين: وقتكم قد انتهى، ويجب أن تتوقف هجماتكم بدءا من اليوم، وإذا لم تفعلوا فسينهال عليكم الجحيم كما لم تروا من قبل".

 

وأعلنت القيادة الوسطى تنفيذ 300 غارة على اليمن منذ منتصف مارس/آذار، في حين يقول الحوثيون إن نحو ألف غارة استهدفت مناطق متعددة في البلاد.

 

ومنذ بدء 15 مارس/آذار الجاري، أطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيرة على حاملة الطائرات الأميركية "هاري إس ترومان" المتمركزة في البحر الأحمر، كما استأنفوا هجماتهم على إسرائيل.

 

وبعد أن كانت الغارات تستهدف في وقت سابق مناطق محدودة، توسّعت رقعة الهجمات الأميركية لتشمل 12 محافظة يمنية، بما فيها صنعاء وصعدة والحديدة ومأرب والبيضاء وذمار، مستهدفة قواعد جوية وموانئ ومنشآت اقتصادية ومراكز قيادة.

 

وقال رئيس مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية ماجد المذحجي "إن الضربات الحالية تستهدف جسم الجماعة الحوثية مباشرة، وتلحق ضررا بالبنية التي ظلت محمية". وأضاف المذحجي، في حديث سابق للجزيرة نت، "الآن يُستهدف القادة الحوثيون ومقر القيادة، وأماكن غير عسكرية، لكنها ذات أهمية مركزية بالنسبة للحركة".

 

بدوره، يرى الخبير العسكري علي الذهب أن "الرئيس الأميركي اتخذ قرارا بتقويض قدرات الحوثيين عموما، وليس قدرتهم التهديدية فقط"، بهدف إسقاطهم من "محور المقاومة" والقضاء عليهم.

 

3- ما دور إسرائيل في الصراع؟

 

تشكّل الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون باتجاه إسرائيل تحديا لحكومة نتنياهو، ويرى الخبير العسكري اللواء محمد الصمادي أن تلك الصواريخ تحقق الغاية منها، إذ تعطل حركة الملاحة في مطار بن غوريون بتل أبيب، وتدخل الملايين في الملاجئ، وتثير حالة من الهلع والرعب والفزع في الداخل الإسرائيلي.

 

وقال الصمادي للجزيرة إن صواريخ الحوثيين لديها سرعة انقضاضية عالية، خاصة صاروخ "فلسطين 2"، إذ يمتلك قدرة عالية على المناورة والتهرب من وسائل الدفاع الجوي.

 

وأعلن الجيش الإسرائيلي قبل أيام تطبيق نظام جديد للتحذير من الصواريخ التي يطلقها الحوثيون من اليمن، ما يمنح الإسرائيليين وقتا للاستعداد والتوجه إلى الملاجئ.

 

ووفقا للخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى، تواجه إسرائيل معضلتين، الأولى نفسية مع استمرار إطلاق الصواريخ من اليمن بعد وقفها من غزة ولبنان، وهذا يتطلب دخول الملايين إلى الملاجئ، ويخلق حالة طوارئ في ظل أزمة اقتصادية.

 

والمعضلة الثانية التي تواجهها إسرائيل، هي إلى أي مدى زمني سوف تقبل عدم ضرب اليمن بناء على طلب أميركي، وهو ما يفقدها قدرة الردع؟

 

ورجّح مصطفى 3 سيناريوهات لتعامل إسرائيل مع الصواريخ القادمة من اليمن:

 

الالتزام بالموقف الأميركي وعدم الرد على اليمن وتسليم الملف بالكامل لإدارة ترامب.

قيام إسرائيل بشن هجمات جوية على اليمن لكن بكثافة وحِدّة أكبر.

ضرب إيران، وهو السيناريو الأرجح الذي تفضّله حكومة نتنياهو لإضعاف الحوثيين.

 

وفي انتظار أي فرصة للتدخل عسكريا، تشارك إسرائيل في العمليات التي ينفذها الجيش الأميركي عبر مشاركة معلومات استخباراتية، إذ نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين أن إسرائيل قدمت معلومات حساسة عن قائد عسكري كبير من الحوثيين استُهدف في الهجمات الأخيرة.

 

4- ماذا يقول الحوثيون؟

 

قلل زعيم جماعة الحوثيين عبد الملك الحوثي من آثار الهجمات الأميركية الجديدة متوعدا بالتصعيد، وقال "العدوان الأميركي الجديد سيسهم في تطوير قدراتنا العسكرية أكثر فأكثر، وسنواجه التصعيد بالتصعيد، ولن يحقق هذا العدوان أهدافه في تقويض القدرات العسكرية لبلدنا".

 

وحذر الحوثي من أن "حاملة الطائرات والقِطع الحربية الأميركية ستكون هدفا لنا، وقرار حظر الملاحة سيشمل واشنطن طالما استمرت في عدوانها".

 

واعترف المتحدث باسم الحوثيين محمد البخيتي -في حديث سابق للجزيرة- بأن الجماعة تكبدت خسائر مادية وبشرية، دون الكشف عن حجم الأضرار، ونفى فكرة أن تؤثر هذه الخسائر على هجمات الجماعة على حاملات الطائرات الأميركية وإسرائيل، وأكد أن العمليات ستستمر ما لم تنته الحرب في غزة.

 

بدوره، توعد رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط باستهداف شركات الأسلحة والنفط الأميركية "باعتبارها شريكة في الإجرام على أهلنا في غزة"، وأضاف "سيدرك المواطن الأميركي أن ترامب جلب لهم الخزي والخسارة، فليقولوا له لا، وإلا يتحملوا التبعات".

 

وفي مقال بمجلة ناشونال إنترست، يرى رامون ماركس أن الحوثيين تفوقوا على الولايات المتحدة في البحر الأحمر، وأكد أن جهود البحرية الأميركية لم تفلح في منع الحوثيين من إغلاق مضيق باب المندب لما يقرب من عامين، مما أجبر حركة الملاحة البحرية على اتخاذ طرق أطول وأكثر تكلفة.

 

ولفت ماركس إلى أن واشنطن قد اضطرت إلى نشر مجموعات حاملات طائرات قتالية في البحر الأحمر، لكن هذه الجهود لم تكن كافية لحلّ الوضع، كما صعّدت ردها بنشر المزيد من القوة الجوية، غير أن النتائج الأولية تُشير إلى أن هذا قد لا يكون كافيا.

 

بدوره، قال الكاتب الأميركي روبرت ورث، في مقال بمجلة أتلانتيك، إن الضربات ألحقت بعض الأضرار بالآلة الحربية للحوثيين، وقتلت بعض الضباط والمقاتلين، ودفعت الباقين إلى العمل تحت الأرض. لكن القوة الجوية وحدها نادرا ما تحسم الحروب.

 

ونقل عن المحلل الأمني اليمني محمد الباشا قوله إن الحوثيين يتمتعون بميزة المناطق الجبلية النائية والمناطق الوعرة والمعزولة التي تؤمّن لأسلحتهم الحماية. وإذا صمدوا في وجه هذه الحملة المكثفة، فقد يخرجون منها أقوى سياسيا، وبقاعدة دعم شعبية أكثر صلابة.

 

5- هل يمكن أن يتطور الصراع لحرب برية؟

 

يؤكد روبرت ورث أن انتزاع الأراضي من الحوثيين يتطلب حملة برية، وهو ما لا تتضمنه العملية التي أطلقها دونالد ترامب منتصف الشهر الماضي، كما أن الإدارة الأميركية لم تقم بأي محاولات دبلوماسية مع خصوم الحوثيين المحليين في جنوب وغرب اليمن.

 

وقال ورث إن إدارة ترامب أضرت في الواقع حلفاءها اليمنيين من دون قصد "فالحكومة اليمنية المعترف بها شرعيا تعتمد على برامج مساعدات من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي ألغتها إدارة إيلون ماسك، موّلت هذه المساعدات جهدا لتوحيد خصوم الحوثيين، لكن المشروع أُلغي".

 

ويشير الكاتب إلى أن ترامب قد يسعى لاغتيال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي. ومثل هذه الضربة قد تهز الجماعة بعض الشيء، وتمنح ترامب لحظة نصر تلفزيونية، لكن إذا ظن ترامب وفريقه أن بإمكانهم قطع رأس جماعة الحوثي وتجاهلها بعدها، فعليهم إعادة النظر في التاريخ. فجماعة الحوثي -حسب الكاتب- تعرّضت للتدمير عدة مرات خلال العقدين الماضيين، وفي كل مرة عادت أقوى.

 

ويرى ورث أن إيجاد حل حقيقي لمشكلة الحوثيين ليس أمرا سهلا، ويتطلب جهدا منظما لتوحيد أطرف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، التي تنقسم حاليا إلى 8 فصائل مسلحة، ونقل عن مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن وزارة الدفاع الأميركية قد تنجح في هزيمة الحوثيين إذا وفرت دعما جويا للقوات اليمنية البرية، ووفرت الحماية للخليج من انتقام الحوثيين.

 

من جانبها، نقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن مصادر دبلوماسية في وقت سابق قولها إن إدارة الرئيس دونالد ترامب وافقت على شن عملية برية ضد الحوثيين، قد تنطلق من جنوب وشرق اليمن، بهدف السيطرة على ميناء الحديدة.

 

غير أن محرر الشؤون اليمنية في قناة الجزيرة أحمد الشلفي استبعد هذا السيناريو، موضحا أن واشنطن قد تكتفي بتقديم دعم للفصائل المحلية، لكنها لن تزج بقواتها على الأرض، في ظل رفض سعودي وإماراتي لأي تدخل بري مباشر، واستمرار التفاوض مع إيران بشأن ملفات إقليمية عدة.

 

وأكد الخبير العسكري اللواء المتقاعد فايز الدويري أن دخول القوات الأميركية اليمن سيعد مغامرة محفوفة بالمخاطر، لأن الطبيعة الجغرافية الوعرة والشبيهة بأفغانستان ستُفشل أي تدخل بري، مشيرا إلى أن الكتلة السكانية الكبرى تقع في مناطق الحوثيين، مما يجعل أي اجتياح مغامرة غير محسوبة.

 

وأضاف الدويري أن واشنطن قد تلجأ فقط لعمليات نوعية محدودة، عبر وحدات كوماندوز أو إنزال جوي، تهدف لاختطاف أو تصفية قيادات حوثية، لكنه شدد على أن التاريخ العسكري الأميركي يثبت فشله في حروب لا تملك أهدافا سياسية واضحة، بدءا من فيتنام وانتهاء بالعراق وأفغانستان.

 

وأوضح أن الصواريخ الحوثية لا تُطلق من الموانئ وإنما من عُقد جغرافية داخل المرتفعات الجبلية، مما يجعل السيطرة على مواقع الإطلاق شبه مستحيلة عبر إنزال بحري، واستحضر في هذا السياق هجوما سابقا دمر فيه الإسرائيليون منشآت نفطية في الحديدة دون التأثير على مواقع إطلاق الصواريخ.

 

واعتبر الدويري أن الحرب الأميركية في اليمن تمثل نموذجا صارخا "للعنف بلا جدوى"، لأن غياب الهدف السياسي يعني تكرار فشل الولايات المتحدة في حروبها السابقة.

 

6- هل هناك أُفق لحل الصراع؟

 

يتوقع المحلل السياسي اليمني عبد الواسع الفاتكي -في تصريح سابق للجزيرة نت- 3 سيناريوهات لمستقبل المواجهات بين الولايات المتحدة والحوثيين:

 

السيناريو الأول: في حال كانت الضربات الأميركية أكثر تأثيرا على الحوثيين وقدراتهم العسكرية، قد تجبر الجماعة على اتخاذ مسار الهدوء النسبي والتوقف عن استهداف خطوط الملاحة الدولية.

 

السيناريو الثاني: استمرار الحوثيين في التصعيد باستهدافهم السفن في البحر الأحمر وخليج عدن مع هجمات مضادة أميركية، وقد يتوسع ذلك بتدخل عسكري تشارك فيه دول عدة ضد الجماعة.

 

السيناريو الثالث: مرتبط بانفراجة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي يدفع الحوثيين إلى الكف عن استهداف خطوط الملاحة.

ولا يحظى التصعيد ضد الحوثيين بتأييد مطلق داخل الولايات المتحدة، إذ برز تيار يرى أنه يجب على واشنطن أن تنهي فورا نشاطها العسكري ضد الحوثيين، وأن تضغط على الدول الأوروبية والآسيوية للقيام بدور أكثر استباقية في حماية سفن الشحن الخاصة بها.

 

ويأتي النائب الجمهوري توماس ماسي على رأس هؤلاء المطالبين بعدم تدخل بلاده في الدول الأجنبية، وتقليص استخدام الجيش الأميركي في الخارج، وقال ماسي، في تغريدة سابقة، إن الولايات المتحدة ليست ضمن الدول التي تتأثر تجارتها باضطراب الملاحة في البحر الأحمر.

 

وأوضح أن أكثر دول تخسر من تلك الاضطراب هي الصين، فقد خسرت 9.6 مليارات دولار، والسعودية 5.8 مليارات، وألمانيا 3.4 مليارات، واليابان 3.1 مليارات، ثم كوريا الجنوبية 2.7 مليار دولار.

 

وينتمي ماسي إلى تيار الأحرار في الحزب الجمهوري، وهو تيار لا يؤمن بوجود مصالح لواشنطن في التدخل في حروب لا تنتهي بالشرق الأوسط.

 

ويرى جون هوفمان محلل السياسة الخارجية بمعهد كاتو، في تحليل منشور له، أن نهج واشنطن تجاه الحوثيين هو مثال لسوء التصرف الإستراتيجي، وقال "لن تنجح إستراتيجية واشنطن، فهي ذات تكلفة كبيرة وتعرّض حياة الجنود الأميركيين المتمركزين في المنطقة لحماية السفن الأجنبية للخطر، وتخاطر بزعزعة استقرار اليمن، وكذلك استقرار المنطقة الأوسع".

 

وأكد هوفمان أنه "لا توجد مصالح وطنية حيوية للولايات المتحدة على المحك في اليمن تبرر هذا المستوى من التدخل العسكري الأميركي، أو تبديد مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين".

  

مقالات مشابهة

  • ماذا قال ترامب عن احتمالية خوض حرب ضد إيران.. والتطبيع بين السعودية وإسرائيل؟
  • العملية البرية ضد الحوثيين في اليمن.. بين مخاوف السعودية والإمارات والانقسامات في مكونات الحكومة (ترجمة خاصة)
  • ماذا فعل اليمن بالقوة العظمى في العالم
  • الحوثي يحصي أكثر من 1200 غارة أميركية على اليمن منذ منتصف مارس الماضي
  • سألنا الأتراك: “لو أردت الزواج من جنسية عربية، فمن أي بلد تفضل؟”.. شاهدوا ماذا قالوا
  • تصعيد عسكري أمريكي جديد في اليمن.. سنتكوم تنشر مشاهد للاستعدادات العسكرية وجماعة الحوثي تؤكد وقوع غارات جديدة
  • معهد واشنطن يدعو لدعم عملية برية ضد مليشيا الحوثي في اليمن والتنسيق مع الرياض وأبوظبي ..ودعم مجلس القيادة الرئاسي
  • لماذا الأمم المتحدة تقلق من الضربات الأمريكية على مليشيا الحوثي في اليمن؟
  • الرياض.. 1552 زيارة لتقديم العلاج الكيماوي لمرضى الأورام في منازلهم
  • الحرب الأميركية على الحوثيين في اليمن ...ستة اسئلة تطرح نفسها