الوطن:
2024-07-10@05:10:03 GMT

هيكل.. 100 سنة على ميلاد «الجورنالجى»

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

هيكل.. 100 سنة على ميلاد «الجورنالجى»

نجم وحيد.. أو قل إنه «الأوحد».. هكذا ظهر ولمع وتوهج ثم استوى في صدر السماء، آمنا مطمئنا.. مِن موقعه الجديد يستطيع أن يُطل على الدنيا من فوق فيراها جيدا.. يحصى آثار أقدامه المطبوعة على أديم الأرض: هنا وُلد.. وهنا عاش.. وهنا عمل.. وهنا علا صوته.. وهنا كتب كلماته لتنتشر فى جهات العالم الأربع بكل لغات الدنيا، فيرتفع معها اسمه كملك متوج على عرش الصحافة العربية.

«جورنالجي».. كما كان يحلو له أن يسمي نفسه، لا يُشق له غبار، ولا يقف في وجهه منافس.. هنا اصطفى أصدقاءه ومحبيه، كما صنع أعداءه وحاسديه.

صادق الملوك والأباطرة والرؤساء وارتبط بعبدالناصر.. وخلاف في الرأي فرق بينه وبين «السادات»

هنا تعرَّف على الملوك والأباطرة والرؤساء.. وهنا حاور القتلة والخونة وبنات الليل. هنا سافر ليغطى الحرب الأهلية فى اليونان، وحرب الهند الصينية الأولى، و«النار على الأرض المقدسة».. وهنا جلس على مكتب أنيق بجريدة الأهرام ليكتب «بصراحة» كل يوم جمعة.

هنا اقترب من جمال عبدالناصر فصار لصيقاً به.. وهنا اشتبك مع أنور السادات فنال سخطه وغضبه.

هنا أقام فى شقة فاخرة تُطل على نيل القاهرة.. وهنا أُودع زنزانة مظلمة داخل سجن مزرعة طرة، هنا أحب وتزوج وأنجب وشاهد أحفاده.. وهنا أخيراً نام نومته الأبدية التى لا صحوة منها إلا يوم يبعثون.

مائة عام بالتمام والكمال تمر على ميلاد «الأستاذ» محمد حسنين هيكل، أسطورة الصحافة العربية، ولد فى باسوس بالقليوبية فى 23 سبتمبر عام 1923، كان الأب تاجر غلال تمتد أصوله إلى الصعيد، ولم يكن يعرف القراءة، وكانت الأم التى نالت قسطاً من التعليم، تقرأ له كل ليلة سيرة الظاهر بيبرس والأميرة ذات الهمة، دون أن تدرى أن ابنها الكبير يسمع، وأن تلك الحكايات سوف تستقر فى عقله الصغير لتلهب خياله، وتدفعه لأن يختار الصحافة مهنة له عندما يكبر، ففيها الفرصة للحكى الذى سيبرع فيه فيما بعد، وفيها أيضاً إمكانية التنقل من مكان لمكان، وهو ما يتناسب مع إيقاعه السريع الذى تميز به.

ولم يكن دبلوم مدرسة التجارة المتوسطة الذى حصل عليه هيكل عائقاً للعمل بالصحافة، فقد تلقى دراسات حرة فى الجامعة الأمريكية على يد الصحفى الأجنبى سكوت واطسون، قبل أن يعرض عليه الأخير العمل فى جريدة «الإيجيبشان جازيت»، فدخلها للمرة الأولى فى 8 فبراير 1942، هناك تلقى أول دروس المهنة، حين شارك فى تحقيق صحفى عن إلغاء دور البغاء.

ثم رحل إلى العلمين ليشارك فى تغطية معارك الحرب العالمية الدائرة هناك، وحين عاد جاءته الفرصة ليعمل فى مجلة «آخر ساعة» التى كان يصدرها «برنس الصحافة المصرية»، الأستاذ محمد التابعى، ومنها إلى «دار أخبار اليوم» حين طلبه للعمل هناك الأخوان مصطفى وعلى أمين (مالكا الدار)، ولم يلبث أن انتقل إلى «الأهرام» هذه المرة كرئيس تحرير يقود العمل ويوجه المحررين.

ورغم الشهرة التى حققها هيكل لنفسه وقتها عبر موضوعاته الصحفية المثيرة داخل وخارج مصر، فإن جانباً كبيراً من شهرته تحقق بالاقتراب من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حين تعرف عليه قبل ثورة يوليو 1952، واقترب منه بشدة عقب قيامها، فصاحبها إلى رحلاته فى كل الدنيا، وكان بوابته للتعرف على أهم قادة وزعماء العصر.

كما حرر له كتابه الشهير «فلسفة الثورة»، الذى صاغ فيه أفكار عبدالناصر المتعلقة بالوحدة العربية وعلاقة مصر بجيرانها، إلى جانب تحرير بعض مكاتبات الرئيس الخارجية، والتى وصف فى إحداها وعد بلفور المشئوم بمنح اليهود حق إقامة دولتهم على أرض فلسطين بأنه وعد «من لا يملك لمن لا يستحق»، وهو التعبير الذى شاع فيما بعد وصار على كل لسان.

بالإضافة إلى كتابة خطب الرئيس الشهيرة التى كان يلقيها فى المناسبات المختلفة، وأشهرها بالطبع خطاب التنحى الذى ألقاه بعد هزيمة يونيو 1967، معلناً تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية، وهو الخطاب الذى قلب الطاولة تماماً، ودفع المصريين للخروج للشوارع مطالبين ببقاء الرئيس المهزوم، بدلاً من المطالبة برأسه، حسب تعبير جمال عبدالناصر نفسه.

على أن الصحفى الشهير لم يستطع الاحتفاظ بمكانته المقربة من رئيس الجمهورية طويلاً، فقد رحل عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970، وحَلَّ أنور السادات محله، وصحيح أن العلاقة بين الاثنين شهدت شهر عسل تجلى فى انحياز هيكل للسادات فى صراعه مع رجال عبدالناصر والزج بهم فى السجون.

وكذلك كتابة خطاب النصر الشهير الذى ألقاه السادات فى مجلس الشعب بعد 10 أيام من اندلاع حرب أكتوبر عام 1973، إلا أن شهر العسل سرعان ما انتهى حين اختلف الاثنان على الإدارة السياسية لنتائج حرب أكتوبر، ثم تطور الأمر إلى صدام علنى بعدما كتب هيكل رأيه «بصراحة» فى جريدة الأهرام، ما دفع السادات لأن يصدر قراراً بإبعاده عن الجريدة التى قاد العمل فيها لأكثر من 16 عاماً.

تبدو السنوات التالية فى حياة هيكل أهم سنوات عمره، هو الآن فى «الهواء الطلق» لا يملك أى سلطة.. لا وزارة إرشاد يتقلدها كما حدث فى عهد عبدالناصر، ولا جريدة يكتب فيها كما اعتاد، اختار موقع المعارض لسياسات السادات، وكانت وسيلته الوحيدة شقة صغيرة فتح فيها مكتباً مستقلاً ليمارس منه العمل الصحفى، مرسلاً ما يكتبه لصحف العالم ودور النشر فيه، فتترجم مقالاته وكتبه لكل اللغات.

وكان طبيعياً أن يثير ذلك حفيظة الرئيس الذى أصدر قراراً باعتقاله عام 1981 ضمن مجموعة كبيرة من الشخصيات العامة فيما عُرف باعتقالات سبتمبر، ولم يَرَ النور إلا بعد اغتيال السادات فى العام نفسه.

لم يتوقف هيكل عن الكتابة والتعليق ما بقى له من عمر، انتقل إلى منبر جديد حين اختار أن يطل على جمهوره عبر شاشات الفضائيات، تاركاً إرثاً ضخماً من الظهور التليفزيونى يضاف إلى إرثه من الكتب والمقالات، ومواصلاً إسهاماته السياسية والصحفية إلى آخر لحظة فى حياته، وفى الأيام الأخيرة له على فراش المرض شاهده أحد أبنائه وهو يمد يده فى الفراغ محركاً يده بقلم غير مرئى، ليكتب توقيعه، وكأنه يختتم أقواله فى الدنيا تاركاً عليها بصمة 93 عاماً، هى كل حياته على الأرض.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: هيكل ملفات الوطن

إقرأ أيضاً:

السياسة والفن

مما لا شك فيه أن استخدام الفن لأغراض سياسية، يعود بعواقب وخيمة على من ارتضوا لأنفسهم أن يلعبوا هذا الدور، والأمثلة عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر قضية ميمي شكيب، وهي ظاهريا المتعارف عليها بسقوط شبكة دعارة تديرها الفنانة وفريقها من فنانات أخريات، وهذا هو ما كان شائعا إعلاميا، وبثته وألحت عليه أجهزة الإعلام المختلفة تحت شعار الفضيلة، وأنه لا يصح إلا الصحيح؛ إلى أخر هذه الشعارات التي ترضي الوعى الجمعي لرجل الشارع البسيط.

ولكن في حقيقة الأمر هذه الشبكة كانت تحت رعاية الأجهزة المعنية في فترة الرئيس جمال عبد الناصر، وكان من ضمن مهامها الإيقاع بشخصيات عربية تمهيدا للسيطرة عليهم وتوجيههم. وقد كان الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وكذلك أشرف مروان، من زوار هذا الصالون المخملي لميمي شكيب، وقد كان هيكل يرتبط بصداقة بميمي شكيب إلى جانب متابعته للضيوف الكبار المراد متابعتهم من قِبل الدولة.

واستمر هذا إلى أن جاء السادات إلى الحكم، وبالطبع خلافه مع هيكل معروف للقاصي والداني، وقد أراد السادات أن يرسل رسائل إلى هيكل بأن ما كان لن يكون، وأن السادات رجل من طراز مختلف عما قبله، ولهذا بدأ السادات بأولى رسائله إلى هيكل فطرده من رئاسة مجلس إدارة الأهرام، وبذات الوقت أفرج صحيا عن الكاتب الكبير مصطفى أمين؛ في ضربة موجعة لهيكل، ثم أتبعها بالرسالة الثانية، وهي القبض على الشبكة التي تديرها ميمي شكيب صديقة هيكل الحميمة.

وهنا نتوقف عند هذا الحدث الذي دفعت ثمنه فنانة ارتضت ووافقت أن تلعب دورا ليس لها من أجل الحصول على المزيد من المكاسب، أو أجبرت على هذا، لا أحد يعلم على وجه اليقين، ولكن مما لا شك فيه أن النتائج كانت عليها كارثية، فقد تمت المبالغة في الفضيحة من أجهزة الأعلام انتقاما من شخص هيكل.

وقد عانت ميمي شكيب ومجموعتها الكثير والكثير أثناء السجن، حتى براءتها وخروجها من السجن لتواجه شظف العيش بعد أن حوصرت وهُمشت، بل وتم إقصاؤها بمنتهى القسوة، مما استفزها وأثار غضبها، فكانت دائمة التهديد بما كان في جعبتها من أسرار وفضائح، ما أدى إلى إيداعها في مستشفى الأمراض العقلية لمدة سنة، ولكنها لم تصمت، وتضاعف غضبها وانفلاتها بالكلام، مما عجل بنهايتها المأساوية عام ١٩٨٣ بعد أن استفاق الجميع على خبر انتحارها من شرفة منزلها.

وهذه واحدة من مآسي عديدة حدثت، ومنها مع النجم يوسف فخر الدين الذي كان مرتبطا بقصة حب مع نادية سيف النصر، وهي فنانة اشتركت في كثير من الأعمال في فترة الستينيات، ولكنها كانت من ضمن المندوبات اللواتي يستعين بهن جهاز المخابرات، وبالطبع لم يكن يوسف على علم بهذا، وعندما افتضح أمرها له، استغرقته نوبة حزن شديدة، وقبل أن يستفيق منها جاءت له الصدمة التي حطمته، وهي نبأ مصرعها في حادث سير في لبنان. وبالطبع كل هذا كان له بالغ الأثر عليه، فقد لا حظ عدم ترشيحه في أعمال كما سابق عهده، وكذلك ترشيحه لأدوار تافهة تصل إلى حد الكومبارس المتكلم.

وأمام حزنه وحالته النفسية المتدهورة وحصاره بغرض اغتياله فنيا أثر نجمنا يوسف فخر الدين الابتعاد التام والنهائي والانسحاب إلى اليونان ليعمل فيها، مضمدا جراحه التي لم ولن تندمل، وهناك تزوج من أمرأة تكبره سنا، وظل في اليونان حتى رحل عن دنيانا، ومع شديد الأسف والأسى لم يدفن في مصرنا الحبيبة.

وبالطبع وكما ذكرنا، هناك العديد والعديد من هذه المآسي، ولكنها لا يكفيها مقال أو اثنان، ولهذا سنحاول أن نعرض بعضها لاحقا تحت عنوان "الهروب إلى الداخل".

مقالات مشابهة

  • أزمات تواجه كبار أعضاء الحلف.. وانقسام حول العلاقات مع روسيا والصين
  • السودان: بعد سقوط الأقنعة لا للبكاء والعويل
  • محافظ أسيوط يتفقد رفع الاشغالات والتعديات بكورنيش ترعة الابراهيمية ومنطقة السادات
  • محافظ أسيوط يتفقد رفع الاشغالات والتعديات بكورنيش ترعة الإبراهيمية ومنطقة السادات
  • «العرب» ينجون من هيمنة اليمين المتطرف بالانتخابات الفرنسية
  • تخفيض إمدادات الغاز لمصانع الصلب المتكاملة "خطيئة" حكومة مدبولى
  • السياسة والفن
  • د. نادر مصطفى يكتب: حكومة مقرها الشارع
  • التغيير وارتياح الشارع ‏
  • هنا الزاهد بطلة “البحث عن فضيحة” وماذا عن البطل؟