الوطن:
2025-01-05@04:20:07 GMT

هيكل.. 100 سنة على ميلاد «الجورنالجى»

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

هيكل.. 100 سنة على ميلاد «الجورنالجى»

نجم وحيد.. أو قل إنه «الأوحد».. هكذا ظهر ولمع وتوهج ثم استوى في صدر السماء، آمنا مطمئنا.. مِن موقعه الجديد يستطيع أن يُطل على الدنيا من فوق فيراها جيدا.. يحصى آثار أقدامه المطبوعة على أديم الأرض: هنا وُلد.. وهنا عاش.. وهنا عمل.. وهنا علا صوته.. وهنا كتب كلماته لتنتشر فى جهات العالم الأربع بكل لغات الدنيا، فيرتفع معها اسمه كملك متوج على عرش الصحافة العربية.

«جورنالجي».. كما كان يحلو له أن يسمي نفسه، لا يُشق له غبار، ولا يقف في وجهه منافس.. هنا اصطفى أصدقاءه ومحبيه، كما صنع أعداءه وحاسديه.

صادق الملوك والأباطرة والرؤساء وارتبط بعبدالناصر.. وخلاف في الرأي فرق بينه وبين «السادات»

هنا تعرَّف على الملوك والأباطرة والرؤساء.. وهنا حاور القتلة والخونة وبنات الليل. هنا سافر ليغطى الحرب الأهلية فى اليونان، وحرب الهند الصينية الأولى، و«النار على الأرض المقدسة».. وهنا جلس على مكتب أنيق بجريدة الأهرام ليكتب «بصراحة» كل يوم جمعة.

هنا اقترب من جمال عبدالناصر فصار لصيقاً به.. وهنا اشتبك مع أنور السادات فنال سخطه وغضبه.

هنا أقام فى شقة فاخرة تُطل على نيل القاهرة.. وهنا أُودع زنزانة مظلمة داخل سجن مزرعة طرة، هنا أحب وتزوج وأنجب وشاهد أحفاده.. وهنا أخيراً نام نومته الأبدية التى لا صحوة منها إلا يوم يبعثون.

مائة عام بالتمام والكمال تمر على ميلاد «الأستاذ» محمد حسنين هيكل، أسطورة الصحافة العربية، ولد فى باسوس بالقليوبية فى 23 سبتمبر عام 1923، كان الأب تاجر غلال تمتد أصوله إلى الصعيد، ولم يكن يعرف القراءة، وكانت الأم التى نالت قسطاً من التعليم، تقرأ له كل ليلة سيرة الظاهر بيبرس والأميرة ذات الهمة، دون أن تدرى أن ابنها الكبير يسمع، وأن تلك الحكايات سوف تستقر فى عقله الصغير لتلهب خياله، وتدفعه لأن يختار الصحافة مهنة له عندما يكبر، ففيها الفرصة للحكى الذى سيبرع فيه فيما بعد، وفيها أيضاً إمكانية التنقل من مكان لمكان، وهو ما يتناسب مع إيقاعه السريع الذى تميز به.

ولم يكن دبلوم مدرسة التجارة المتوسطة الذى حصل عليه هيكل عائقاً للعمل بالصحافة، فقد تلقى دراسات حرة فى الجامعة الأمريكية على يد الصحفى الأجنبى سكوت واطسون، قبل أن يعرض عليه الأخير العمل فى جريدة «الإيجيبشان جازيت»، فدخلها للمرة الأولى فى 8 فبراير 1942، هناك تلقى أول دروس المهنة، حين شارك فى تحقيق صحفى عن إلغاء دور البغاء.

ثم رحل إلى العلمين ليشارك فى تغطية معارك الحرب العالمية الدائرة هناك، وحين عاد جاءته الفرصة ليعمل فى مجلة «آخر ساعة» التى كان يصدرها «برنس الصحافة المصرية»، الأستاذ محمد التابعى، ومنها إلى «دار أخبار اليوم» حين طلبه للعمل هناك الأخوان مصطفى وعلى أمين (مالكا الدار)، ولم يلبث أن انتقل إلى «الأهرام» هذه المرة كرئيس تحرير يقود العمل ويوجه المحررين.

ورغم الشهرة التى حققها هيكل لنفسه وقتها عبر موضوعاته الصحفية المثيرة داخل وخارج مصر، فإن جانباً كبيراً من شهرته تحقق بالاقتراب من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حين تعرف عليه قبل ثورة يوليو 1952، واقترب منه بشدة عقب قيامها، فصاحبها إلى رحلاته فى كل الدنيا، وكان بوابته للتعرف على أهم قادة وزعماء العصر.

كما حرر له كتابه الشهير «فلسفة الثورة»، الذى صاغ فيه أفكار عبدالناصر المتعلقة بالوحدة العربية وعلاقة مصر بجيرانها، إلى جانب تحرير بعض مكاتبات الرئيس الخارجية، والتى وصف فى إحداها وعد بلفور المشئوم بمنح اليهود حق إقامة دولتهم على أرض فلسطين بأنه وعد «من لا يملك لمن لا يستحق»، وهو التعبير الذى شاع فيما بعد وصار على كل لسان.

بالإضافة إلى كتابة خطب الرئيس الشهيرة التى كان يلقيها فى المناسبات المختلفة، وأشهرها بالطبع خطاب التنحى الذى ألقاه بعد هزيمة يونيو 1967، معلناً تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية، وهو الخطاب الذى قلب الطاولة تماماً، ودفع المصريين للخروج للشوارع مطالبين ببقاء الرئيس المهزوم، بدلاً من المطالبة برأسه، حسب تعبير جمال عبدالناصر نفسه.

على أن الصحفى الشهير لم يستطع الاحتفاظ بمكانته المقربة من رئيس الجمهورية طويلاً، فقد رحل عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970، وحَلَّ أنور السادات محله، وصحيح أن العلاقة بين الاثنين شهدت شهر عسل تجلى فى انحياز هيكل للسادات فى صراعه مع رجال عبدالناصر والزج بهم فى السجون.

وكذلك كتابة خطاب النصر الشهير الذى ألقاه السادات فى مجلس الشعب بعد 10 أيام من اندلاع حرب أكتوبر عام 1973، إلا أن شهر العسل سرعان ما انتهى حين اختلف الاثنان على الإدارة السياسية لنتائج حرب أكتوبر، ثم تطور الأمر إلى صدام علنى بعدما كتب هيكل رأيه «بصراحة» فى جريدة الأهرام، ما دفع السادات لأن يصدر قراراً بإبعاده عن الجريدة التى قاد العمل فيها لأكثر من 16 عاماً.

تبدو السنوات التالية فى حياة هيكل أهم سنوات عمره، هو الآن فى «الهواء الطلق» لا يملك أى سلطة.. لا وزارة إرشاد يتقلدها كما حدث فى عهد عبدالناصر، ولا جريدة يكتب فيها كما اعتاد، اختار موقع المعارض لسياسات السادات، وكانت وسيلته الوحيدة شقة صغيرة فتح فيها مكتباً مستقلاً ليمارس منه العمل الصحفى، مرسلاً ما يكتبه لصحف العالم ودور النشر فيه، فتترجم مقالاته وكتبه لكل اللغات.

وكان طبيعياً أن يثير ذلك حفيظة الرئيس الذى أصدر قراراً باعتقاله عام 1981 ضمن مجموعة كبيرة من الشخصيات العامة فيما عُرف باعتقالات سبتمبر، ولم يَرَ النور إلا بعد اغتيال السادات فى العام نفسه.

لم يتوقف هيكل عن الكتابة والتعليق ما بقى له من عمر، انتقل إلى منبر جديد حين اختار أن يطل على جمهوره عبر شاشات الفضائيات، تاركاً إرثاً ضخماً من الظهور التليفزيونى يضاف إلى إرثه من الكتب والمقالات، ومواصلاً إسهاماته السياسية والصحفية إلى آخر لحظة فى حياته، وفى الأيام الأخيرة له على فراش المرض شاهده أحد أبنائه وهو يمد يده فى الفراغ محركاً يده بقلم غير مرئى، ليكتب توقيعه، وكأنه يختتم أقواله فى الدنيا تاركاً عليها بصمة 93 عاماً، هى كل حياته على الأرض.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: هيكل ملفات الوطن

إقرأ أيضاً:

كيف جمع جمال عبدالناصر بين أم كلثوم وعبدالوهاب في أغنية إنت عمري؟

في عشرينيات القرن الماضي، اشتعلت الخلافات بين كوكب الشرق أم كلثوم والموسيقار محمد عبد الوهاب، وهما من أعظم رموز الغناء العربي. 

بدأت تلك الخلافات عندما عرض عبد الوهاب تلحين أغنية "غاير من اللي هواكي قبلي ولو كنت جاهلة" لأم كلثوم، لكنها رفضت غناءها، ما دفعه إلى أدائها بنفسه.

 منذ ذلك الوقت، تصاعد التنافس بينهما، فأصبح كل منهما يتسابق لإحياء الحفلات وتقديم الأعمال الغنائية، حتى لُقبا بـ"العدوين". حاولت الصحف والمقربون التدخل للصلح بينهما، لكن محاولات الصلح باءت بالفشل لفترة طويلة.

دور جمال عبد الناصر في إنهاء العداء

تغيرت العلاقة بين أم كلثوم وعبد الوهاب بفضل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. خلال إحدى المناسبات، طلب عبد الناصر منهما تقديم عمل فني مشترك، قائلاً: "لن أغفر لكما عدم اشتراككما في عمل فني واحد حتى الآن".

 وجاء التأكيد من المشير عبد الحكيم عامر، الذي دعا الطرفين للعمل معًا. استجابت أم كلثوم وعبد الوهاب للمبادرة، واتفقا على بدء تعاون فني مشترك.

"إنت عمري".. بداية لقاء السحاب

اختار عبد الوهاب أغنية "إنت عمري" لتكون العمل الأول بينهما، وهو اللحن الذي كان يعمل عليه حينها. أُعجبت أم كلثوم بالأغنية ووافقت على غنائها. وفي أول خميس من فبراير 1964، أُذيعت الأغنية، التي عُرفت بـ"لقاء السحاب"، لتصبح نقطة تحول في تاريخ الموسيقى العربية.

أعمال فنية مشتركة تركت بصمة خالدة

توالت الأعمال المشتركة بين أم كلثوم وعبد الوهاب، وحققت نجاحات باهرة، من أبرزها:

"على باب مصر"

"أنت الحب"

"أمل حياتي"

"فكروني"

"هذه ليلتي"

"أصبح عندي الآن بندقية"

"دارت الأيام"

"غداً ألقاك"

"ليلة حب"

علاقة أم كلثوم بجمال عبد الناصر

كانت أم كلثوم على علاقة وطيدة بالرئيس جمال عبد الناصر، الذي منحها قلادة الجمهورية تقديرًا لدورها الفني والوطني. كانت حاضرة في معظم المناسبات الرسمية، وساهمت في دعم الجيش المصري خلال أزمات تسليحه، حيث تبرعت بمبلغ 10 آلاف جنيه لصالح القضية.

يوم الرحيل.. أم كلثوم تبكي ناصر

في 28 سبتمبر 1970، تلقت أم كلثوم خبر وفاة جمال عبد الناصر أثناء وجودها في موسكو، فأصيبت بصدمة كبيرة. ألغت جميع حفلاتها هناك وعادت إلى مصر في حالة انهيار تام، تعبيرًا عن حزنها العميق على رحيل صديقها وقائدها.

وتحولت العلاقة بين أم كلثوم وعبد الوهاب من تنافس وخصام إلى شراكة فنية أبدعت مجموعة من الأعمال الخالدة التي تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ الموسيقى العربية، بفضل وساطة زعيم أدرك قيمة الفن ووحدته.

مقالات مشابهة

  • كيف جمع جمال عبدالناصر بين أم كلثوم وعبدالوهاب في أغنية إنت عمري؟
  • هيكل خشبي لـ«إكسبو أوساكا»
  • أنشودة البساطة.. محمود حامد يكتب: في حب يحيى حقي
  • بشرى لـ«الوفد»: فيلم «آخر الخط» رحلة فانتازية عبر أسرار الخطايا السبع
  • بين تحدٍ وإنجاز وإخفاق ٢٠٢٤.. صمود انتفاضة الأقصى
  • النموذج السورى
  • المستريحة تتصدر تريند توتير بـ السعودية
  • الحياة الحزبية.. فى مصر
  • مصطفى قمر: فخور بالوقوف لأول مرة على خشبة البالون
  • ممدوح عباس ينهى أزمة تجديد عقد "زيزو" مع الزمالك