هيكل.. 100 سنة على ميلاد «الجورنالجى»
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
نجم وحيد.. أو قل إنه «الأوحد».. هكذا ظهر ولمع وتوهج ثم استوى في صدر السماء، آمنا مطمئنا.. مِن موقعه الجديد يستطيع أن يُطل على الدنيا من فوق فيراها جيدا.. يحصى آثار أقدامه المطبوعة على أديم الأرض: هنا وُلد.. وهنا عاش.. وهنا عمل.. وهنا علا صوته.. وهنا كتب كلماته لتنتشر فى جهات العالم الأربع بكل لغات الدنيا، فيرتفع معها اسمه كملك متوج على عرش الصحافة العربية.
«جورنالجي».. كما كان يحلو له أن يسمي نفسه، لا يُشق له غبار، ولا يقف في وجهه منافس.. هنا اصطفى أصدقاءه ومحبيه، كما صنع أعداءه وحاسديه.
صادق الملوك والأباطرة والرؤساء وارتبط بعبدالناصر.. وخلاف في الرأي فرق بينه وبين «السادات»هنا تعرَّف على الملوك والأباطرة والرؤساء.. وهنا حاور القتلة والخونة وبنات الليل. هنا سافر ليغطى الحرب الأهلية فى اليونان، وحرب الهند الصينية الأولى، و«النار على الأرض المقدسة».. وهنا جلس على مكتب أنيق بجريدة الأهرام ليكتب «بصراحة» كل يوم جمعة.
هنا اقترب من جمال عبدالناصر فصار لصيقاً به.. وهنا اشتبك مع أنور السادات فنال سخطه وغضبه.
هنا أقام فى شقة فاخرة تُطل على نيل القاهرة.. وهنا أُودع زنزانة مظلمة داخل سجن مزرعة طرة، هنا أحب وتزوج وأنجب وشاهد أحفاده.. وهنا أخيراً نام نومته الأبدية التى لا صحوة منها إلا يوم يبعثون.
مائة عام بالتمام والكمال تمر على ميلاد «الأستاذ» محمد حسنين هيكل، أسطورة الصحافة العربية، ولد فى باسوس بالقليوبية فى 23 سبتمبر عام 1923، كان الأب تاجر غلال تمتد أصوله إلى الصعيد، ولم يكن يعرف القراءة، وكانت الأم التى نالت قسطاً من التعليم، تقرأ له كل ليلة سيرة الظاهر بيبرس والأميرة ذات الهمة، دون أن تدرى أن ابنها الكبير يسمع، وأن تلك الحكايات سوف تستقر فى عقله الصغير لتلهب خياله، وتدفعه لأن يختار الصحافة مهنة له عندما يكبر، ففيها الفرصة للحكى الذى سيبرع فيه فيما بعد، وفيها أيضاً إمكانية التنقل من مكان لمكان، وهو ما يتناسب مع إيقاعه السريع الذى تميز به.
ولم يكن دبلوم مدرسة التجارة المتوسطة الذى حصل عليه هيكل عائقاً للعمل بالصحافة، فقد تلقى دراسات حرة فى الجامعة الأمريكية على يد الصحفى الأجنبى سكوت واطسون، قبل أن يعرض عليه الأخير العمل فى جريدة «الإيجيبشان جازيت»، فدخلها للمرة الأولى فى 8 فبراير 1942، هناك تلقى أول دروس المهنة، حين شارك فى تحقيق صحفى عن إلغاء دور البغاء.
ثم رحل إلى العلمين ليشارك فى تغطية معارك الحرب العالمية الدائرة هناك، وحين عاد جاءته الفرصة ليعمل فى مجلة «آخر ساعة» التى كان يصدرها «برنس الصحافة المصرية»، الأستاذ محمد التابعى، ومنها إلى «دار أخبار اليوم» حين طلبه للعمل هناك الأخوان مصطفى وعلى أمين (مالكا الدار)، ولم يلبث أن انتقل إلى «الأهرام» هذه المرة كرئيس تحرير يقود العمل ويوجه المحررين.
ورغم الشهرة التى حققها هيكل لنفسه وقتها عبر موضوعاته الصحفية المثيرة داخل وخارج مصر، فإن جانباً كبيراً من شهرته تحقق بالاقتراب من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حين تعرف عليه قبل ثورة يوليو 1952، واقترب منه بشدة عقب قيامها، فصاحبها إلى رحلاته فى كل الدنيا، وكان بوابته للتعرف على أهم قادة وزعماء العصر.
كما حرر له كتابه الشهير «فلسفة الثورة»، الذى صاغ فيه أفكار عبدالناصر المتعلقة بالوحدة العربية وعلاقة مصر بجيرانها، إلى جانب تحرير بعض مكاتبات الرئيس الخارجية، والتى وصف فى إحداها وعد بلفور المشئوم بمنح اليهود حق إقامة دولتهم على أرض فلسطين بأنه وعد «من لا يملك لمن لا يستحق»، وهو التعبير الذى شاع فيما بعد وصار على كل لسان.
بالإضافة إلى كتابة خطب الرئيس الشهيرة التى كان يلقيها فى المناسبات المختلفة، وأشهرها بالطبع خطاب التنحى الذى ألقاه بعد هزيمة يونيو 1967، معلناً تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية، وهو الخطاب الذى قلب الطاولة تماماً، ودفع المصريين للخروج للشوارع مطالبين ببقاء الرئيس المهزوم، بدلاً من المطالبة برأسه، حسب تعبير جمال عبدالناصر نفسه.
على أن الصحفى الشهير لم يستطع الاحتفاظ بمكانته المقربة من رئيس الجمهورية طويلاً، فقد رحل عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970، وحَلَّ أنور السادات محله، وصحيح أن العلاقة بين الاثنين شهدت شهر عسل تجلى فى انحياز هيكل للسادات فى صراعه مع رجال عبدالناصر والزج بهم فى السجون.
وكذلك كتابة خطاب النصر الشهير الذى ألقاه السادات فى مجلس الشعب بعد 10 أيام من اندلاع حرب أكتوبر عام 1973، إلا أن شهر العسل سرعان ما انتهى حين اختلف الاثنان على الإدارة السياسية لنتائج حرب أكتوبر، ثم تطور الأمر إلى صدام علنى بعدما كتب هيكل رأيه «بصراحة» فى جريدة الأهرام، ما دفع السادات لأن يصدر قراراً بإبعاده عن الجريدة التى قاد العمل فيها لأكثر من 16 عاماً.
تبدو السنوات التالية فى حياة هيكل أهم سنوات عمره، هو الآن فى «الهواء الطلق» لا يملك أى سلطة.. لا وزارة إرشاد يتقلدها كما حدث فى عهد عبدالناصر، ولا جريدة يكتب فيها كما اعتاد، اختار موقع المعارض لسياسات السادات، وكانت وسيلته الوحيدة شقة صغيرة فتح فيها مكتباً مستقلاً ليمارس منه العمل الصحفى، مرسلاً ما يكتبه لصحف العالم ودور النشر فيه، فتترجم مقالاته وكتبه لكل اللغات.
وكان طبيعياً أن يثير ذلك حفيظة الرئيس الذى أصدر قراراً باعتقاله عام 1981 ضمن مجموعة كبيرة من الشخصيات العامة فيما عُرف باعتقالات سبتمبر، ولم يَرَ النور إلا بعد اغتيال السادات فى العام نفسه.
لم يتوقف هيكل عن الكتابة والتعليق ما بقى له من عمر، انتقل إلى منبر جديد حين اختار أن يطل على جمهوره عبر شاشات الفضائيات، تاركاً إرثاً ضخماً من الظهور التليفزيونى يضاف إلى إرثه من الكتب والمقالات، ومواصلاً إسهاماته السياسية والصحفية إلى آخر لحظة فى حياته، وفى الأيام الأخيرة له على فراش المرض شاهده أحد أبنائه وهو يمد يده فى الفراغ محركاً يده بقلم غير مرئى، ليكتب توقيعه، وكأنه يختتم أقواله فى الدنيا تاركاً عليها بصمة 93 عاماً، هى كل حياته على الأرض.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: هيكل ملفات الوطن
إقرأ أيضاً:
الحرس الجديد vs الحرس القديم.. وزير التربية والتعليم يظهر «العين الحمراء» للقيادات داخل الوزارة
حرب باردة تدور رحاها داخل أروقة وزارة التربية والتعليم بين الحرس الجديد الذى يسعى لإثبات جدارته واستحقاقه للاستعانة به، والحرس القديم الذى يريد التأكيد أن وجوده يكفى لأداء الوزارة لرسالتها.
عقب تولى محمد عبد اللطيف ملف وزارة التربية والتعليم والجدل الذى أثير وقتها كان الجميع ينتظر ما سوف يحدث داخل الوزارة، خاصة مع حالات التخبط التى صاحبت الوزراء السابقين، والشكوى المتلاحقة من المواطنين حول تخبطها وعدم قدرتهم على ضبط الأمور والأداء، وهذا ما يدركه الوزير الجديد، ويسعى جاهدا لتغييره وتغيير صورة الوزارة، فكان لا بد من نهج جديد، وطريقة مختلفة لإدارة الأمور.
وبعد أقل من شهرين من عمل الوزير الجديد داخل الوزارة، وبعد تفكير قرر وضع ثقته فى مجموعة من القيادات أبرزهم الدكتور النشيط والدؤوب أحمد المحمدى مساعد الوزير للتخطيط الاستراتيجى والمتابعة فيمكن وصفه بأنه الرجل الثانى فى الوزارة بعد عبد اللطيف فهو المرافق له فى كل الجولات الخارجية سواء فى الزيارات للمدارس أو اللقاءات مع المديريات التعليمية أو غيرها من الاجتماعات، كما أنه يستشيره فى القرارات التى يتخذها الوزير ويبقى المحمدى لساعات كثيرة فى الوزارة لإنجاز الملفات المسئول عنها مما جعلها من أهم القيادات مؤخرا.
أما ثانى القيادات التى تحظى بعلاقة قوية وقريبة جدا فهو محمد عطية وهو صديق الوزير قبل توليه ملف الوزارة، فحينما كان يتولى عطية مسئولية مديرية التربية والتعليم بالقاهرة كان عبد اللطيف هو المسئول عن مدارس نيرمين إسماعيل، وكانت هناك لقاءات متعددة سواء داخل المديرية أو خارجها، ويحظى عطية الآن بثقة الوزير فهو الشخص الذى لا يغيب عن أى اجتماع للوزير وهو المسئول عن الإدارة المركزية التعليمية بالمصروفات.
أما خالد عبد الحكيم مدير مديريات التربية والتعليم بالوزارة فتمكن من كسب ثقة الوزير، خاصة أنه من أقدم القيادات داخل الوزارة وتولى مسئوليات امتحانات الثانوية العامة فى السنوات الأخيرة، واستطاع الوزير بعد تعيين عدد من القيادات من تحجيم دورهم، من خلال الاستعانة بفريق عمل من خارج الديوان.
وطبقا للمعلومات، فإن عبد اللطيف يقوم حاليا بدراسة لإجراء تغييرات هيكلية داخل ديوان عام الوزارة ولكن ينتظر الآن حتى يقوم بالانتهاء من الملفات الهامة التى على رأسها سد عجز المعلمين وكثافة الفصول التى تم حلها بشكل جزئى وليس كليا كما يتردد فالأمر بالفعل تم حله فى عدد من المديريات التعليمية ولكن مازالت هناك فصول تحتوى على ٧٠ و٨٠ طالبًا وهو الأمر الذى يعد عائقًا كبيرًا وإن كانت الوزارة لأول مرة تنجح بالفعل فى تقديم حل جزئى ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من المشكلة خلال السنوات المقبلة.
كما قام الوزير باستبعاد محسن عبد العزيز رئيس الإدارة المركزية لتكنولوجيا التعليم بشكل مفاجئ وقرر تصعيد وليد الفخرانى وهو أحد المسئولين داخل الإدارة منذ سنوات ويمكن وصفه بأنه تلميذ محسن لتعيينه بدلا منه رئيسًا للإدارة، فبحسب المعلومات، فإن الوزير استعان بـ٤ قيادات داخل الوزارة، البداية كانت بالاستعانة باثنتين وهما رشا الجيوشى المنسق الأكاديمى للمدارس الدولية ومى الحداد منسق المدارس البريطانية، و«الغريب» استعان باثنين لإدارة المدارس الدولية والبريطانية رغم قيامه بتجديد الثقة فى إيمان صبرى مساعد الوزير للتعليم الخاص والدولى وهو الأمر الذى أثار تساؤلات حول تداخل العمل بينهن ومن المسئول عن إدارة تلك الملفات هل المنسق العام الجديد أم إيمان صبري؟!
والعائدة مرة أخرى لديوان الوزارة الدكتورة نرمين النعمانى مستشار الفريق التعليمى فى وحدة المدارس المصرية اليابانية، وكانت أول مرة جاءت فيها النعمانى لمنصب وحدة التعاون الدولى خلال فترة تولى الدكتور محمود أبو النصر منصب وزير التعليم وكان والدها محافظا لسوهاج وقتها ولكنها غادرت بعد ذلك إلا أن قام طارق شوقى بانتدابها مرة أخرى لوحدة التعاون الدولى ولكن بعد فترة قام بإنهاء التعاقد واستبعادها من الوزارة. بالإضافة للمستشار القانونى الذى يلجأ إليه وزير التربية والتعليم فى كل القرارات.
فهناك صراع خفى بين عدد من القيادات الوزارة، استطاعت من خلاله شيرين مساعد الوزير والتى تلقب بالمرأة الحديدية داخل الوزارة كسب ثقة الوزير وتكريس ونفوذها بالديوان.