التحالف العُماني البرتغالي ضد الهجوم الإنجليزي الفارسي
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
أثير- نصر البوسعيدي
هل سمعتم عن لعبة المصالح التي تحول عدو الأمس إلى صديق اليوم لغاية محددة ما إن تنتهي حتى يعود العداء مثلما كان وفي بعض الأحيان أشد من السابق؟!
هذا ما تجدونه حاصلا بصورة كبيرة بين الدول التي تجمعهما المصالح الواحدة من أجل هدف واحد وهو القضاء على خصم مشترك على سبيل المثال.
ومن غرائب التاريخ الاستعماري البرتغالي الإسباني في عمان بأنهم وجدوا أنفسهم مجبرين بسبب تحالف الإنجليز مع شاه إيران، بالتحالف مع حاكم نزوى والرستاق وأهل صحار وأميرها الهرمزي الذي هرب من هرمز نتيجة وقوعها تحت الاحتلال الفارسي بمساعدة الإنجليز.
وقد اختار هذا الأمير صحار وبدعم من ملك الإسبان كونها تتبع مملكة هرمز لمئات السنين برفقة مسقط وقلهات وصور وأصبحت منذ عام 1507م تحت إدارة مشتركة بين عائلته والاستعمار البرتغالي.
ومنذ عام 1600م تغير نهج المستعمر البرتغالي الإسباني في الأراضي العمانية، فبينما كانت بداياتهم الوحشية منذ قدومهم في مدن الساحل العماني يتباهون بها في مراسلاتهم التي اطلعت عليها من خلال موسوعة الوثائق البرتغالية في بحر عمان، وجدت بأن هذا النهج قد تغير كثيرا وأصبحوا بقدر المستطاع يحاولون رغم جرائمهم أن يستميلوا عددا كبيرا من الأهالي، وسعوا جاهدا إلى إعطاء الشيوخ نصيبا من بعض الامتيازات المادية برفقة محاولاتهم المستميتة لنشر الديانة المسيحية من خلال حملات التنصير التي حاولوا من خلالها كسب تعاطف الأهالي لبقائهم بشكل أكبر في تلك المستعمرات وبالأخص حينما بدأ الإنجليز والهولنديون بدكهم في المحيط الهندي والمدن التي يسيطرون عليها، أما بالنسبة للخليج ومدن الساحل العماني فكان شاه إيران برفقة الإنجليز أكثر ما عانى منه البرتغاليون وملكهم الإسباني حتى فقدوا هرمز كانت تُعدّ أحد أهم مراكزهم بالمنطقة تقريبا ما بين عامي 1622م، و1623م بيد التحالف الفارسي الإنجليزي، تمهيدا للهجوم على صحار ومسقط وجميع مدن ساحل عمان!
في المقابل لم يكن العمانيون في صحار يأمنون هذا المستعمر الجديد أقصد القوات الفارسية، فقد شاهدوا بأنفسهم العنف والقسوة التي يمارسونها في المدن التي يقصفونها بغية احتلالها، فكانت القاعدة بالنسبة لهم عدوا تعرفه لأكثر من 100 سنة أفضل بكثير من العدو القادم المجهول، لينطبق علينا المثل القائل في ذلك الموقف “عدو عدوي صديقي”، وهذا ما فضله بعض الشيوخ في صحار والرستاق وحاكم نزوى من خلال تحالف برتغالي إسباني عماني يحدث في اعتقادي لأول مرة في تاريخ وجودهم بالمنطقة حينما علموا بزحف القوات الفارسية إليهم!
وأما الوثيقتان؛ الأولى البرتغالية التي وقعت بين يدي من خلال هذه الموسوعة فكانت مهمة للغاية وتحكي لنا تفاصيل أسباب هذا التحالف بين العمانيين والبرتغاليين لحماية مدينتهم صحار من الغزو الجديد في عام 1623م، أي إن الأهالي في مدن عمان وبالأخص صحار يعايشون هذا المستعمر لمدة 116 سنة لحظتها، فتخيلوا معي ماذا حدث في تلك المدة الطويلة من صراعات وتعايش واعتياد وتحالفات من خلال أجيال تعاقبت طوال تلك الفترة التي جعلت من هذا التحالف الذي أتحدث عنه منطقيا واضطراريا للأهالي خوفا ورعبا من مستعمر آخر عُرف بقسوته وجرائمه في الذاكرة العمانية!
ولأن الوثيقة البرتغالية المرسلة عام 1623م من قبل قبطان حاكم قلعة مسقط (الميراني حاليا)، وأمين مالية هرمز لملك إسبانيا طويلة فلن أتناولها كلها، بل أحاول جاهدا بتصرف اختصارها وتبيان الأهم فيها لوصف ذلك التحالف الذي تم بين الأهالي والبرتغاليين لحماية المدينة من الهجوم الفارسي الذي تمكن من احتلال هرمز وخورفكان وجلفار وقتها..
يقول حاكم قلعة مسقط للملك:
” سيدي شجع وصول السفن الإنجليزية إلى كمران خلال هذه السنة، الفرس الذين كانوا يمتنعون عن التحرك خوفا من أسطولنا الذي كنا نتوقع وصوله من جو، فلما تأكدوا من أننا لا نجهز أسطولا انتقلوا خلال شهر فبراير الماضي إلى هذا الساحل (صحار) على متن 11 سفينة وأكثر من 200 طرادة فضلا عن سفينة أخرى اشتروها من الإنجليز، ولأن قلعة صحار أخليت بقرار مشترك بين حاكمها وقبطان سفن كانت تراقب تلك الجهة، فقد قصدها الأعداء وحاصرها 4 آلاف محارب و 600 فارس و1000 رجل انضم إليهم بعد وقت قصير، وكانوا يتوخون صداقة بعض الشيوخ كما تم مع محمد بن ناصر(شيخ لوى)”!
إذًا نرى هنا بأن الهجوم الفارسي كان كبيرا للغاية على صحار، وحاولوا التحالف مع شيوخها لكسبهم لكنهم فشلوا واستطاعوا كسب تحالف شيخ لوى محمد بن ناصر الذي لا أعرف من هو بالضبط؟!
ولنكمل ما كتبه حاكم مسقط للملك يشير فيها إلى نجاحه في إقامة تحالف برتغالي عماني ضد هذا الهجوم في صحار:
“سيدي سارعت منذ علمنا بخبر ذلك الهجوم إلى الرفع من مستوى المراقبة وتكثيف عمليات الترميم في قلعة صحار، وبفضل إقبال الشيوخ المجاورين لنا عليها وإقامتهم داخلها شاع بين الناس أنها أضحت أكثر مناعة وبها من الزاد والذخيرة أكثر مما هي عليه في الواقع، ومن جهة أخرى حاولت منع العدو من تعزيز صفوفه بعد تحالفات جديدة وتجنيد العرب وذلك بالعمل قدر المستطاع على دفع هؤلاء إلى الالتحاق بنا وعلى إثر اتصالات كثيرة التحق بنا أكثر من 15 ألف عربي للمشاركة في الهجوم على الفرس الذين لم يعودوا يجرؤون على الابتعاد عن صحار فلما أضحوا عرضة لهجمات عرب الجبال وكثر القتلى بينهم اضطروا الاستنجاد ببلادهم وطالبوا بمدهم بمزيد من المحاربين، وقد وصلهم أمر الانسحاب من بلاد العرب فالتحقوا بأسطولهم المكون من 11 سفينة و 150 طرادة بينما انتقلت غالبيتهم برا إلى جلفار، ولما وصلت تلك السفن إلى خورفكان التحقت بها المراكب الستة والسفينتان من نوع سنجسيل التي أرسلتها من هذه القلعة للبحث عنها وهاجمتها لأن مصير هذه القلعة مرتبط بمدى سيطرتنا على البحر وبثقة العرب لافي قدراتنا”!
أما الوثيقة الثانية التي أرسلها في التاريخ نفسه أمين مال هرمز للملك الإسباني فتكمن أهميتها في ذكر أقطاب التحالف العناني معهم كحاكم نزوى والرستاق وأهل صحار فقال:
” وفور دخول الفرس القلعة (هرمز) شرعوا في تعزيز دفاعاتها…، ليتسنى لهم في نهاية المطاف التحكم في هذا الساحل، ولأن عربيا من صحار اسمه سعيدا له في هذه المدينة أهل وأقارب يسهل مأموريتهم ونصح الفرس بعد ذلك بالعبور إلى هذا الساحل، فقد شرعنا في اتخاذ كافة الاحتياطات بالتنسيق مع الشيوخ المجاورين لنا وبعض شيوخ صحار وحاكم نزوى وهي أكبر مدن هذه الجهة من بلاد العرب وأغناها، وقد أقنعناهم بضرورة توحيد كلمتهم والوقوف صفا واحدا ضد عدوهم المشترك، ولقد اقتنعوا بعد محاولات كثيرة وبعد أن وعدناهم بمدهم من مال جلالتكم بالمؤونة والذخيرة، لذا ضربوا موعدا مع الرستاق، وهم قوة لم يسبق أبدا لأولئك الشيوخ أن جمعوها حسبما صرحوا به لنا”!
هنا نلاحظ من خلال نص الوثيقتين لتفاصيل ما جرى، وكيف أصبح التحالف البرتغالي العماني كبيرا للغاية ليصل إلى 15 ألف مقاتل لحماية مدينتهم من الغزو الفارسي، فكان هذا التحالف بالنسبة للعمانيين وبعالم لعبة المصالح مقبولا به مؤقتا وهي أفضل الخيارات السيئة لهم خشية من وقوعهم تحت النفوذ الفارسي!
في المقابل ركزوا فيما قاله أمين مال هرمز حينما أشار إلى أن هذه القوة العمانية التي جمعها الشيوخ لم يسبق لها أن تمت من زمن بعيد وهي إشارة تبين لنا كم كنا متفرقين كثيرا بسبب الصراع على السلطة!
ولنواصل هنا ما ورد في الوثيقة الثانية وثيقة أمين مالية هرمز الذي أرسلها لملك إسبانيا والبرتغال الملك فليب الرابع لنشاهد ونتخيل تلك المعركة التي وقعت في صحار وجلفار وخورفكان بين البرتغاليين والعمانيين من جهة ضد القوات الفارسية من جهة أخرى مع حلفائهم الإنجليز، حيث يقول واصفا المعركة:
” جلالتكم، رغم استقرار الأعداء في صحار لم يجرؤوا بعد أن لاحظوا أن الأوضاع تختلف عما توقعوه، واكتفوا بهجمات معدودة، ولقد تسببت لهم الغارات التي نظموها وتفشي الوباء بينهم في موت 400 شخص وحينما علموا بالتحاق العرب (العمانيين) بنا وأننا اصطحبناهم للبحث عنهم، فبدؤوا يشعرون بالحاجة إلى المساعدة، ووصلهم أمر الانسحاب من بلادهم، وحينما وصلت السفن التي أتت لنقلهم من خورفكان صادفتها سفننا فنشبت معركة بين الأسطولين صباح عيد الفصح، ولقد رتبوا أسطولهم المشكل من 11 بطسة و100 طريدة بشكل جيد لكن سفننا عرضتها لهجوم عنيف، وسرعان ما شرعت سفنهم بالفرار وجنحت كلها غير أن تعرض القبطان (القائد البرتغالي) لحريق خطير وإصابته بشظي كادت أن تفقده بصره أوقفت ذلك الهجوم قبل أن يحقق نصرا كبيرا، فعادت سفننا دون أن تتكبد أدنى خسارة بشرية، بينما التحق الأعداء بجلفار، وقد نقلوا معهم شيخ لوى(محمد بن ناصر) الذي قبل بمرافقتهم عن طيب خاطر، لكنه ندم بعد إقامته معهم وحاول الفرار خفية قبل أن يقيموا الحراسة حوله، ومن جلفار أبحروا باتجاه كرمان مما خفف ذلك بعون الله الضغط على هذه القلعة…، سيدي ننفق هنا يوميا على 500 عربي وفارسي من حاملي البنادق وأصبحنا نعتمد عليهم في الدفاع عن المنطقة منذ وصول خبر السفن الإنجليزية ولقد ساعد حضورهم كثيرا في خدمة مصالح جلالتكم لأن جيراننا وأعداءنا معا تأكدوا من كثرة أعداد المدافعين عن هذه القلعة (صحار)، ورغم أهمية السور الوقائي الذي أمرنا نائب الملك بنائه بمدخل المرسى حماية لهذه القلعة، لم يتوفر المال لذلك لأنه غير موجود، لذا يبدو لي أنه من الأفضل أن نحتفظ هنا بـ 50 برميلا من القرفة من الـ100 التي كان من المقرر بيعها في البصرة، لينفق ثمن بيعها في لك البناء ولتغطية باقي الحاجيات”.
من خلال هذه الوثيقة المهمة استطعنا أن نتخيل ما حدث في المعركة وبأن الانتصار البرتغالي مع حلفائهم العمانيين لم يكن وقتها كافيًا نتيجة عدم الانقضاض كليا على الجيش الفارسي في جلفار وخورفكان بسبب إصابة قائد الأسطول البرتغالي، لكن نتائج هذا الانتصار عموما كان بالنسبة لهم كبيرا للغاية مع وجود عمانيين ومعهم وهنا الغريب بعض الفرس الذين أعتقد أنهم كانوا معارضين لحكم الشاه وانضموا بالتالي للبرتغاليين في هذه المعركة، مع ملاحظة أن شيخ لوى محمد بن ناصر ندم كثيرا لتعاونه مع الجيش الفارسي الذين احتجزوه معهم بالإقامة الجبرية في جلفار، ومن المدهش كذلك ملاحظة أن سلعة القرفة وقتها كانت مهمة للغاية وسببا رئيسيا لثراء خزينة المستعمر، بعدما كان الفلفل منذ عام 1507م إلى عام 1600م السلعة الأهم لديهم!
في المقابل عبر حاكم مسقط عن نتائج الانتصار للملك الإسباني في هذه السطور التالية والتي تشير إلى خطورة الوضع في صحار نتيجة تلك الاشتباكات الدائمة بين الفرس ومعهم الإنجليز ضد البرتغاليين وحلفائهم قادة هرمز وشيوخ المنطقة، والذي تسبب بنزوح الأهالي وابتعادهم عن صحار كونها منطقة اشتباك عنيفة بالحرب ولمدة طويلة فقال:
“سيدي، لقد نتج عن هذا الانتصار إعادة الاحترام لنا، فقد أصبح العرب (العمانيون) يجرؤون على المجيء ولو ببطء كما هي عادتهم إلى صحار، ولم يعد هناك داع للتحرك إلى تلك الجهة بحثا عن الفرس بعد أن رحلوا عن المنطقة، وتركوا داخل القلعة أحد أبناء الشيخ محمد بن ناصر (شيخ لوى)، الذي سأستغل وجوده هناك بالطريقة التي تخدم أكثر مصالح جلالتكم”..
ثم أردف قائلا بعدما وصف للملك زيادة عدد سفن الأسطول البرتغالي الإسباني بالمنطقة بعد هذا الانتصار الذي استطاع ولو لفترة من تأمين بعض احتياجاتهم من المال فكتب:
” مكننا ذلك جلالتكم من دفع مصاريف التسيير العادية التي لم تعد إيرادات الجمرك تكفي لتغطيتها بسبب خوف التجار من الإبحار خلال هذه السنة لخطورة الملاحة في هذا المضيق (هرمز) الذي أضحت سفن الأعداء (الفرس والإنجليز) تعيث فيه فسادا…، يتعين أن يحرز هذا الأسطول على انتصار يخدم مصالح جلالتكم، ويضمن حماية هذه القلعة ويمكن من استرجاع هرمز”.
هذه الأحداث عزيزي القارئ تعكس لك مدى الورطة التي عاشها أهلنا طوال فترة الاستعمار الوحشية لمدن ساحل عمان بين جميع الطامعين بها من برتغاليين وإسبان وترك وإنجليز وفرس في الوقت الذي لم نكن حتى ذلك التاريخ أي عام 1623م نملك وحدة وطنية فذة تستطيع توحيد البلاد وطرد المستعمرين من عمان وسواحلها كلها.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: محمد بن ناصر هذه القلعة خلال هذه فی صحار أکثر من من خلال
إقرأ أيضاً:
العثور على 250 سفينة غارقة فيها كنوز ثمينة قبالة الساحل البرتغالي
البرتغال – تم العثور على نحو 250 سفينة غارقة مليئة بالذهب والفضة قبالة سواحل البرتغال. وتحتوي إحداها فقط على ما يصل إلى 22 طنا من الذهب والفضة.
أفاد بذلك عالم الآثار البرتغالي ألكسندري مونتيرو والذي نقلت صحيفة Observador المحلية عن العالم قوله: “نعلم أن حوالي 250 سفينة غارقة فيها كنوز لا تزال في قعر البحر”.
وحسب عالم الآثار فقد تمكن من وضع قاعدة بيانات سمحت له بالتعرف على معظم حوادث تحطم السفن في المياه البرتغالية قبالة سواحل ماديرا وجزر الأزور والقارة، وقد بلغ عددها منذ القرن السادس عشر حوالي 8620 حادثا بحريا. وقال:” أعرف أنه تقع في قعر البحر قبالة طروادة (شبه الجزيرة الواقعة جنوبي لشبونة) سفينة إسبانية Nossa Senhora do Rosаrio تعود إلى عام 1589. وأوضح مونتيرو قائلا:” أجرينا دراسة وعلمنا أن هناك 22 طنا من الذهب والفضة”.
يذكر أن البرتغال كانت واحدة من أكبر الدول الاستعمارية التي كانت لها ممتلكات خارجية في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وجزر الهند الشرقية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. ونتيجة للانهيار التدريجي للإمبراطورية البرتغالية، نشأت دول مستقلة، مثل البرازيل وأنغولا وموزمبيق وغيرها.
المصدر: تاس