بيلينغهام وإرث فلورنتينو بيريز.. كيف توقع زيدان الصفقة منذ عقدين؟
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
"دائما تأتي الصدفة بأفضل ألف مرة مما يأتي به الترتيب".
الروائي حسن كمال
"جودة العمل لا تأتي مصادفة أبدا، فهي نتاج نِيّات حسنة، وجهد صادق، وتوجيه ذكي، وتنفيذ متمرس".
ويليام فوستر (1)
لا تقلق، نحن لا نحاول إرباكك، فنحن نرى التناقض بين المقولتين أعلاه، ونتفهم ما شعرت به؛ تلك الحيرة التي عصفت بذهنك، وأثارت العديد من التساؤلات بداخلك؛ هل نلجأ للتخطيط والعمل بخطوات محسوبة كي نصل إلى ما نريد؟ أم أن الأمر يحدث بالمصادفة؟ على الأرجح، لدينا فكرة عن إجابتك، لكن حينما يتعلق الأمر بفلورنتينو بيريز، فربما تكون مقولة حسن كمال منقوشة على أحد حوائط منزله في مدريد (1).
قد لا يتوافق ذلك مع ما حققه الريال في حقبة بيريز، لكن لنضع في الحسبان أن أكبر إنجازات الفريق في هذه الحقبة -الفوز بدوري الأبطال ثلاث مرات على التوالي- تحققت على يد مدرب "طوارئ". ربما على بيريز أن ينقش أيضا هذه العبارة الأخيرة على حائط آخر بمنزله (2). هذا ليس انتقاصا مما حققه الميرنغي منذ بداية الألفية. في الواقع، هذا لا يتعلق بما حققه الريال في حقبة فلورنتينو أساسا، لأن هذا يعني أننا سنتحدث عن مشروع أو رؤية واضحة للنادي في حقبته، أدت إلى الهيمنة على القارة منذ بداية الألفية.
"فلورنتينو بيريز". (مصدر الصورة: شترستوك)هنا، قد ينبغي لنا تذكيرك أن ريال مدريد لم يتأهل لما بعد ربع النهائي في دوري الأبطال منذ نسخة 2003 وحتى نسخة 2011، ولم يفز بالبطولة منذ 2002 حتى 2014، حتى فاز بها 3 مرات على التوالي في فترة زيدان الأولى، ولم يفز بالليغا حتى في حقبتي بيريز -نتحدث عن 20 عاما تقريبا- إلا في ست مناسبات فقط، فأي مشروع رياضي نتحدث عنه؟
يطرح هذا تساؤلا؛ هل كان بيريز الرجل المناسب لريال مدريد؟ كان هذا السؤال ذاته الذي طرحه جوردون تيفت، محرر "بليتشر ريبورت" (Bleacher report) عام 2009، حينما تحدث عن سياسة بيريز في الانتقالات في فترته الأولى -قبل العودة لفترة ثانية منذ ذلك العام وحتى اللحظة- التي شهدت استقدام لاعبين مثل فيغو وزيدان وبيكهام وروبينيو وغيرهم، دون خطة واضحة لاحتوائهم في هيكل تكتيكي رصين، تاركا الأمر في يد المسكين الذي يقف على الخط أثناء المباريات، ورغم ذلك، تمكن أحد المساكين -ديل بوسكي- بطريقة ما أن يحقق المعادلة الصعبة، ويجد التوازن بين الدفاع والهجوم، محققا لقبي ليغا، والبطولة التاسعة تاريخيا للفريق في دوري الأبطال (3).
بالعودة إلى بيريز، نحن نتحدث عن رجل ترك كلود ماكيليلي يرحل، واحد من أهم ركائز ذلك الجيل، فقط لأن الأخير أراد زيادة راتبه، ولم ير بيريز أن لاعبا أغلب تمريراته كانت جانبية وللخلف يستحق ذلك. أعِد قراءة هذه الفقرة، ثم شاهد الفيديو أدناه، وقد تفهم -أو لا تفهم- رؤية فلورنتينو لكرة القدم، وربما العالم.
هل انتهيت؟ جيد. ما سبق كان ضروريا لكي تعلم أي عقلية نتحدث عنها، لكي تعلم أن سعيه المتفاني لضم كيليان مبابي، دون اعتبار لاحتياجات أخرى في الهجوم والدفاع -سنتحدث عنها لاحقا- هو لمحة من الماضي؛ تكرار لأخطاء حقبته الأولى ذاتها في مثيلتها الثانية، مجرد تكديس للاعبين بارزين، دون الاهتمام بجودتهم أحيانا، أو حاجة الفريق الفعلية إليهم في أغلب الأحيان، وكأنه يدير خطا للتجميع وليس فريق كرة قدم، هذا في رأي صحفي الـ"ESPN"، غابرييل ماركوتي، على الأقل (4).
طبعا أنت تتساءل كيف يمكن أن تحقق عقلية كتلك مثل هذه النجاحات، وهذه هي المفارقة غير المنطقية التي يفرضها علينا شخص مثل فلورنتينو بيريز، لأنه -رياضيا- لا يفكر، بل يفعل أولا، ثم يفكر كيف يستفيد مما فعله، مع أن العكس هو المنطقي؛ التفكير يسبق الفعل! والمثير للدهشة أنه يجني ثمار ما يزرع نوعا ما. لذا كان استقدام جود بيلينغهام امتدادا لهذا التسلسل العشوائي، لكن كيف ذلك وهو هداف الفريق والليغا في وقتنا الحالي؟ هل يكون جود امتدادا للإرث ذاته أيضا؟ (5)
الحاجة أُم الانتقالات
لم يتخيل أحد يوما ربما أن العبارة المنسوبة لأفلاطون ستُستخدم يوما في حديث عن سياسة بيريز بالانتقالات. على أي حال، لن يكون التالي جديدا على مسامعك؛ تُخصص فترتا الانتقالات الشتوية والصيفية كل موسم لتدعيم الفرق بما ينقصها من لاعبين قدر الإمكان، وتُحدد الأولويات حسب الأدوار الناقصة داخل الفريق، تكتيكية كانت أو متعلقة بغرفة الملابس أحيانا (6).
لكن كما جرت العادة منذ بداية الألفية، لم تكن تلك أولوية بيريز، كما تحدث غابرييل ماركوتي، الذي يحكي عن "أخطاء بيريز" في سوق الانتقالات، وهو وصف غير موفق من ماركوتّي، لأن رئيس الميرينغي لا يسعى لتلبية طلبات المدربين ولا هياكلهم التكتيكية من الأساس.
لبّى نموذج بيريز الاقتصادي بعض احتياجات ريال مدريد كـ"نادٍ" بالتأكيد، لكن حينما تنظر إلى ريال مدريد "الفريق"، فربما لن تكوّن الرأي ذاته. (مصدر الصورة: غيتي)ما يبحث بيريز عنه حقا هو -مفاجأة- المال، وبالنسبة له، لا يوجد دعاية أفضل من التعاقد مع لاعب يسلط الإعلام الضوء عليه، وكان الأمر ناجحا في فترته الأولى، إذ إن الرجل رأى أن النادي لا يستفيد ماديا كما يجب، حتى بعد فوزه بنسختين لدوري الأبطال في 1998 و2000، لذلك قرر بيع ملاعب التدريب الخاصة بالنادي في مايو/أيار من عام 2001 للحكومة الإسبانية مقابل 400 مليون يورو، وبدأ في إنفاق تلك الأموال لجلب اللاعبين البارزين حينها، واستغل شعبية كرة القدم بقارتي آسيا وأميركا الشمالية وقام بتسويق هؤلاء اللاعبين، ليس فقط لأسمائهم، بل بصفتهم لاعبين للريال. كان الهدف هو الترويج للنادي بوصفه وجهة للنجوم والبقاء في صورة المنافسة على البطولات الكبرى كل عام بأذهان الجماهير (7) (8) (9).
لم يكن السؤال في احتمالية نجاح الفكرة من عدمها، فقد كان الأمر -فعليا- مسألة وقت، فنحن نتحدث عن أحد العقول الاقتصادية الماكرة، ولكي تعلم مدى نجاح رؤية بيريز الاقتصادية للنادي، فقد ارتفع دخل ريال مدريد المالي في موسم 2021-2022 عن موسم 2000-2001 بنسبة 523%! (10) إذن، لبّى نموذج بيريز الاقتصادي بعض احتياجات ريال مدريد بوصفه "ناديا" بالتأكيد، فقد أصبح اسم النادي مصدر استدامته اقتصاديا، وهذا هو أحد أوجه إرث بيريز، لكن حينما تنظر إلى ريال مدريد "الفريق"، فربما لن تُكوِّن الرأي ذاته.
عطب سيارة البنتلي
فلنعد إلى مبابي، وسعي بيريز للفرنسي بديلا لبنزيما، عوضا عن مهاجم يستطيع التحرك بين الخطوط والربط بين اللاعبين في المساحات الضيقة، كهاري كين، الذي طلبه أنشيلوتي لفريقه وقوبل بالرفض، واكتُفي بالتعاقد مع خوسيلو فقط. طبعا بغض النظر عن الحاجة إلى مدافع بمرجعيات مغايرة لأغلب مرجعيات مدافعي الريال مثلا، التي تقتصر على الاستباق عوضا عن تغطية المساحات. يُخيَّل إليك أننا ذكرنا كل نواقص الفريق أو عيوبه، لكننا لم نبدأ بعد (11).
لدى ريال مدريد 8 عناصر بالدفاع، 4 منهم يلعبون مدافعين مركزيين، ثلاثة منهم تخطوا حاجز الثلاثين، ورابعهم -إيدير ميليتاو- مصاب لفترة طويلة، أي إن ريال مدريد لديه 3 مدافعين مركزيين وأربعة أظهرة للموسم؛ الذي قد يخوض فيه ما يقرب من 50 مباراة، ناهيك بوجود مهاجم واحد فعلي بالفريق عمره 33 عاما، ولم يُدعَّم الفريق كما يجب من أجل لاعب واحد -مبابي- الذي لن يكون ذا فائدة إلا في مرحلتي لعب، نترك حرية التعليق لك.
مدافع ريال مدريد "ايدير ميليتاو" بعد الإصابة. (مصدر الصورة: شترستوك)"لِمَ تطلي طبقة أخرى من الذهب على البنتلي الخاصة بك في حين أنك فقدت المحرك؟".
زين الدين زيدان، متحدثا عن استبدال ديفيد بيكهام بماكيليلي (6)
عندما رحل ماكيليلي عام 2003، وانتُدِب بيكهام، فقد ريال مدريد التوازن الذي كان يوفره وجود كلود في الوسط، فقد المجهود الدفاعي الذي كان يقوم به الارتكاز الفرنسي، وفقد أيضا قدرته الفائقة على حمل الكرة والتقدم بها في المساحات الضيقة، أي إن الفريق لم يفقد توازنه الدفاعي فحسب، بل افتقد أحد حلوله للتقدم بالكرة أمام الخصوم، اللاعب ذاته الذي قال بيريز إن الريال لن يفتقده لأن أغلب تمريراته دون فائدة. بعبارة أخرى؛ تخلى بيريز عن المحرك من أجل طبقة أخرى من الذهب (4).
تلك هي رؤية الرجل للعبة؛ هو يرى فريقا يصدر المتعة والأحلام للعالم، بعيدا عن التوازن التكتيكي وكل هذه الأمور "الفرعية". الريال مثل هارلم غلوبتروترز بالنسبة لبيريز، فريق كرة السلة الترفيهي الذي يمارس الرياضة للترفيه ذاته، أي إنه لا يمارس الرياضة بشكل احترافي، بل من أجل الشهرة فحسب، لا يلعبون مباريات حقيقية على حد وصف ماركوتي، وتلك هي الحلقة المفقودة في رؤية بيريز للكرة؛ أنها "رياضة" ترفيهية، وليست "عرضا" ترفيهيا، يمارسها لاعبون محترفون، وليس بعض المؤدين (4).
حلم منشود؟
"هو أنضج لاعب قابلته في عمر الـ19 في حياتي".
إيدين تيرزيتش (12)
لدى بيلينغهام العديد من المزايا؛ كالسرعة، وسياقة الكرة، والمراوغة، ووعي متميز بالمساحات، مما يجعله لاعباً ذا قيمة كبرى في الثلث الهجومي للفريق. (مصدر الصورة: شترستوك)يافع، ومميز، ورائع حقا. هكذا استهل سفين غولدمان حديثه عن الشاب الإنجليزي في بداية مسيرته مع دورتموند، في مقالة على موقع النادي الرسمي. لم يكن ابن منطقة ستوربريدج اعتياديا في نظر جميع مَن دربوه، واستدل غولدمان على ذلك من مباراة لعبها فريقه، بيرمينغهام، أمام بريستول سيتي خارج الديار، حينما احتُسِبت ركنية للأخير، وارتدت خارج المنطقة نحو جود، بوضع لا يُحسد عليه؛ مواجها لمرماه وهناك لاعبان من خلفه قادمان لافتكاك الكرة منه، فما كان منه إلا أن يخاطر. تظاهر بلعب الكرة في اتجاه ما، ثم حوَّل دفة جسده للاتجاه المعاكس، متخطيا الضغط العكسي، ليبدأ تحولا هجوميا لفريقه. لا تنسَ أننا نتحدث عن لاعب كان يبلغ من العمر 16 عاما آنذاك (13).
لم يجد غولدمان سوى الوصف ذاته بعد ثلاث سنوات تقريبا من تلك الواقعة؛ أنه أنضج من سِنّه، ويبدو محصنا من الرهبة والتردد، لديه الثقة والذكاء، والشخصية القوية، التي لا تجعله فقط لاعبا واعدا، بل تجعله "الشخص" المناسب لفريق مثل الريال، لكن هل هو "اللاعب" المناسب بالفعل في ظل ظروف الميرنغي؟
لأول وهلة، يمكن القول إن لاعبا موهوبا مثله يُعَدُّ الوريث الشرعي للوكا مودريتش أو توني كروس في التشكيل الأساسي للفريق، فلديه العديد من المزايا؛ كالسرعة، وسياقة الكرة، والمراوغة، ووعي متميز بالمساحات، مما يجعله لاعبا ذا قيمة كبرى في الثلث الهجومي للفريق، لكننا نتحدث عن لاعب وسط في المقام الأول، بمعنى أن أغلب أدواره تتعلق بتخطي ضغط الخصم بالخلف ونقل الكرة من الثلث الدفاعي للثلثين الأوسط والأخير، الشيء الذي يفعله مودريتش وكروس بسهولة خادعة للغاية.
هل يقدر بيلينغهام على ذلك؟ ربما مستقبلا، لكن حتى الوقت الحالي، قد يكون لأحد المحللين على موقع "مدريد إكسترا" (Madrid Xtra) رأي مغاير، فقد كتب تقريرا مفصلا عن بيلينغهام في شهر يونيو/حزيران من هذا العام، وذكر فيه ما يميز ويعيب جود في مختلف المراحل الهجومية والدفاعية؛ تحدث عما يميزه تقنيا في تسديداته وتمريراته، ورغم بعض العيوب في الأخيرة، مثل بطئها الناتج عن وضعية جسده المائلة للخلف عندما يمرر، التي تُفقد التمريرة قوتها وسرعتها، فكان ذلك ثانويا بالنسبة إليه (14).
كان ما يفعله جود بالكرة على المستوى الفردي هو محور الاهتمام؛ فلدى جود مركز ثقل مرتفع نسبيا نتيجة لتحركه بالكرة بقامة مستقيمة، وهذا يخل من توازنه تحت الضغط أغلب الوقت ويجعله عرضة لخسارة الاستحواذ، ويتبين ذلك في إحصائيات فقد الكرة (Dispossession) حسب موقع "FBref"، التي كانت من ضمن الأعلى في البوندسليغا في المواسم الثلاثة التي قضاها بدورتموند، بل إنه كان أكثر اللاعبين فقدانا للكرة (62 مرة) في موسم 21-22، وبالمرتبة الرابعة في الموسم الفائت (14) (15).
سلوك بيلينغهام بالكرة تحت الضغط. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)سلوك بيلينغهام بالكرة تحت الضغط. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
نتيجة لذلك، يحتاج جود إلى مساحات كبرى وسياقات تكتيكية بعينها لكي يستحوذ على الكرة ويستغرق كامل وقته في التحكم والتصرف بها، لأنه لا يستطيع الاحتفاظ بالكرة في المساحات الضيقة، بل يُحركها إلى المساحة التي يود المراوغة إليها ويستغل رشاقته لكي يتخطى الخصم، على عكس لاعبين مثل إنييستا ولوكا مودريتش على سبيل المثال. بالتالي، يلجأ جود إلى إيماءات خادعة للخصم لتخطي ضغطه، أو للعب من لمسة واحدة إلى الزميل الذي يتمركز عرضيا، يمينا أو يسارا (Wall pass).
تجميع دورتموند للعب بالناحية اليسرى لإيجاد مساحة لبيلينغهام للتمرير إليه متحررًا من الضغط. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)تجميع دورتموند للعب بالناحية اليسرى لإيجاد مساحة لبيلينغهام للتمرير إليه متحرراً من الضغط. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
سياقة بيلينغهام للكرة إلى المساحة التي يود المراوغة إليها. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
التمريرة الحائطية (Wall pass) بين بيلينغهام وزميله. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
هذه ليست مفاجأة، لأن الأمر يعود لأيامه في بيرمنغهام، فبحسب أحد تقارير موقع "سمارتر سكاوت" (Smarter scout)، الذي قورن فيه جود بأقرانه على مستوى الدوريات الكبرى، مثل ساؤول نيغيز وهويبيرغ ودجبريل سو، لم تتعد نسبة احتفاظه بالكرة (Ball retention) ستة في المئة حينها! (16)
مقارنة بين بيلينغهام ودجبريل سو وإيبو سيسوكو. (مصدر الصورة: Smarter scout)مقارنة بين بيلينغهام ونيغيز وهويبيرغ. (مصدر الصورة: Smarter scout)
لنصدقك القول؛ ثمة شيء مختلف في بيلينغهام لا شك، فهو يبلغ من العمر 20 عاما، وسجل 5 أهداف وصنع واحدا في 5 مباريات في الليغا حتى اللحظة، في فريق غير متزن ولا مكتمل، سواء من حيث العمق أو المراكز التي يفتقدها، وتمكن من تسجيل تلك الأهداف في أوقات حرجة من آخر لقائين لفريقه، أمام سيلتا فيغو وخيتافي.
يمكنك القول إنها بداية تدنو من المثالية، لكن مع ذلك، فهو ليس المنشود لخط وسط الريال، الذي يحتاج إلى خليفة لمودريتش؛ يمتلك المزايا ذاتها من حيث القدرة على الاحتفاظ بالكرة، وأيضا من حيث القدرة على التحكم في النسق حسبما يحتاج إليه الفريق، عوضا عن استقدام لاعب آخر يفضل النسق العالي كتشواميني وفالفيردي.
يمكننا الحديث لساعات طويلة عن التكتيك، وخصائص اللاعبين، وكيفية توظيفهم على أرضية الملعب وفقا لها، وستكون أحاديث شائقة، وبها العديد من الآراء الوجيهة، لكن غالبا ما ينقص تلك الأحاديث عامل مهم؛ الإنسان ذاته. هذا ما يفعله صفوة مدربي كرة القدم؛ يهتمون بالإنسان قبل أي شيء آخر؛ يسألون عن أحواله، يطمئنون عليه، يشاركون في تفاصيل حياته، كي يكسروا ذلك الحاجز بين اللاعب أو العاملين بالنادي والأجواء الجديدة، كي يعتادوا عليها بشكل أسرع.
هكذا يفعل أنشيلوتي على الأقل، وكان هذا العامل الفارق من وجهة نظر خاميس رودريغيز، لاعب الميرنغي السابق، في تطور مستوى لاعبين أمثال فينيسيوس ورودريغو وفالفيردي، وأن الفضل يعود إلى أنشيلوتي وتعامله الأبوي معهم قبل أي شيء آخر؛ يسألهم عن أحوالهم، وعما فعلوه في وقت فراغهم، وهل استمتعوا أم لا. هو يتواصل مع لاعبيه على مستوى شخصي، لأنه يرى الإنسان قبل اللاعب.
صادفني هذا الفيديو بترجمة المتألق @Alaabakeermedia وحديث خاميس رودريغز عن كارلو أنشيلوتي وأعتقد أنّه مثالٌ جيّد لفهم فكرة أنشيلوتي عن كرة القدم:
"كرة قدم غير معقّدة تعتمد على الروابط بين المدرب واللاعبين وبعضهم البعض"pic.twitter.com/8CYmcSy81k https://t.co/SeUMmf7NGr
— نَص تكتيكي (@tactext) September 4, 2023
لا بد أن نفترض أن الشيء ذاته يحدث مع بيلينغهام؛ فتى يافع، ويحاول التأقلم على نادٍ جديد ولغة جديدة، وظروف مغايرة، وغير مستقرة إطلاقا على المستوى الرياضي. من جهته، لطالما حاول أنشيلوتي الموازنة بين إمكانيات اللاعبين المتاحين من جهة، وبين احتياجات الفريق الفعلية من جهة أخرى، وربما كان مركز جود الجديد محاولة جديدة للموازنة، كما سبقه لها ديل بوسكي من قبل.
محل جود من الإعراب
حسنا، لدينا لاعب بشخصية قوية، وذهن حاضر، وسرعة، ومهارة فردية، وتحركات جيدة دون كرة، وحس بالمساحات والنزعة لمهاجمتها، وما يكفي للعب الكرة من لمسة واحدة، ولا يعيبه سوى احتفاظه بالكرة تحت الضغط بسبب بعض العوامل الجسدية. إذن، لِمَ لا نفكر خارج الصندوق؟
تخيل أن ما سبق كان حوارا بين كارلو وابنه دافيدي، يستطلعان فيه مركز بيلينغهام المثالي، لأنه لا يستطيع المساهمة في الثلث الأول أو الثاني إلا بوصفه لاعبا حرا بلا ضغط، ولن يستطيع الخروج بالكرة. في الواقع، لن يستطيع أحد الخروج بالكرة من وسط ملعب مدريد في غياب مودريتش وكروس إلا كامافينغا. يا لها من معضلة، أليس كذلك؟
حسنا، ماذا عن الثلث الأخير؟ لنستدل على ذلك، لدى بيلينغهام 128 لمسة في الثلث الهجومي في 5 مباريات لعبها مع الميرنغي في الليغا، هذا سادس أعلى عدد لمسات للاعب في تلك المنطقة من الملعب في الليغا حتى الآن، ولديه 141 لمسة في الثلث الأوسط، ولإعطائك بعض الوضوح، هذا عدد لمسات أقل من التي يمتلكها توني كروس في الثلث ذاته، مع العلم أن كروس لعب أكثر بقليل من نصف عدد الدقائق التي لعبها جود حتى الآن مع الريال (17).
نزيدك من الشعر بيتا. في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، كتب أليخاندرو أرويو، المحلل بموقع دريبلاب (Driblab)، مقالة عن مستقبل بيلينغهام المتوقع، وأي فريق أنسب إليه من الفرق التي كانت تطارده، مثل ليفربول وريال مدريد ومانشستر يونايتد وغيرهم. في حديثه عن إمكانيات اللاعب، ذكر أرويو جودته في سياقة الكرة والمراوغة بها، التي تبدأ من ثلث الملعب الثاني حتى منطقة جزاء الخصوم (18).
مراوغات وتمريرات بيلينغهام الأمامية وخريطته الحرارية في موسم 21/22. (مصدر الصورة: Driblab)كما تحدث عن أدواره والمساحات التي يشغلها، التي تمتع فيها بحرية المساندة في الثلث الأول والثاني أو التقدم في نصف ملعب الخصم، والبحث عن المساحة والتحرك نحوها، كان تيرزيتش، مدرب بروسيا دورتموند، يستغل ذكاء بيلينغهام في قراءة اللعب والتحرك نحو تلك المساحات، ويمكن الاستدلال على ذلك بهدفه في مرمى إشبيلية في النسخة الفائتة من دوري أبطال أوروبا في ملعب الأخير، ومن تحركاته العمودية في المساحات أمام منطقة جزاء باير ليفركوزن في إحدى مباريات الفريقين في البوندسليغا أيضا.
تحركات بيلينغهام عمودياً في مباراة باير ليفركوزن موسم 21/22. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)هدف بيلينغهام في مباراة اشبيلية في دوري أبطال أوروبا الموسم الفائت، والذي تقدم فيه إلى المساحة الفارغة خلف ظهير اشبيلية واستغل مهارته وسجل. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
تحركات بيلينغهام في المساحات الفارغة في مباراة بلباو. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
تحركات بيلينغهام في المساحات الفارغة في مباراة بلباو. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
يفعل أنشيلوتي الشيء ذاته؛ يستغل سرعته ومرونة جسده وذكاءه في التحرك إلى المساحات المتاحة كما تحدثنا، مثلا عندما كان يتلقى أحد الظهيرين الكرة على أطراف الملعب في مباراة بلباو الأخيرة، يتحرك فينيسيوس أو رودريغو للخلف أو عرضيا لسحب أحد مدافعي بلباو، وإيجاد المساحة المواتية لاختراقات جود.
تحركات فينيسيوس للخلف لسحب مدافع بلباو وإيجاد مساحة لبيلينغهام للتحرك نحوها. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)تحركات فينيسيوس للخلف لسحب مدافع بلباو وإيجاد مساحة لبيلينغهام للتحرك نحوها. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
تحركات فينيسيوس للخلف لسحب مدافع ألميريا وإيجاد مساحة لبيلينغهام للتحرك نحوها. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
تحركات رودريغو للخلف لسحب مدافع بلباو وإيجاد مساحة لبيلينغهام للتحرك نحوها. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
تحركات رودريغو للخلف لسحب مدافع بلباو وإيجاد مساحة لبيلينغهام للتحرك نحوها. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
تحركات رودريغو للخلف لسحب مدافع ألميريا وإيجاد مساحة لبيلينغهام للتحرك نحوها. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
الفكرة العامة هي إيجاد الموقف المناسب لبيلينغهام لكي تختفي عيوبه في استلام الكرة تحت الضغط، عن طريق وضعه في مواقف واحد لواحد، أو مواقف تفوُّق مركزي، يستطيع فيها استغلال سرعته بالكرة، أو ببساطة تفريغ العمق له لكي يخترق الصندوق، ورغم أنه يتموقع تحت ثنائي هجومي -رودريغو وفينيسيوس- على الورق، فإن تحركات هذا الثنائي بدون كرة، وفي أنصاف المساحات في الثلث الأخير، تتيح لبيلينغهام الفرصة لاستغلالها. كل ذلك يفسر أرقام الرجل هجوميا؛ فهو هداف الدوري (5 أهداف)، وأكثر من سدد على المرمى (9 مرات)، وصاحب رابع أعلى معدل أهداف متوقعة دون احتساب ركلات الجزاء (2.1 أهداف)، ومُررت إليه الكرة أماميا 32 مرة، في المرتبة الـ16 بين جميع لاعبي الليغا حتى الآن (19).
تفريغ رودريغو للمساحة في العمق لبيلينغهام للتحرك نحوها، عن طريق تمركزه أمام مدافع ألميريا وتثبيته. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)هدف بيلينغهام الشخصي الثاني في مباراة ألميريا، بالطريقة ذاتها التي يثبت فيها رودريغو المدافع حتى يتحرك بيلينغهام إلى المساحة خلفه. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
مصادفة.. يليها إرث
نحن لا نشكك في جودة بيلينغهام، لكن فكِّر في الجملة التالية؛ أنفق الريال أكثر من 100 مليون على لاعب وسط ليخلف مودريتش مستقبلا، ويشركه المدرب بوصفه مهاجما وهميا يخترق المساحات، بسبب بعض أوجه القصور لديه في الاستلام تحت الضغط! مرة أخرى؛ هذا ليس انتقاصا من موهبة الفتى على الإطلاق، ولكنه تذكير بإرث العشوائية الذي سيخلفه بيريز عندما يرحل عن الريال.
كانت الفقرة السابقة فخا؛ فخ المفارقة اللا منطقية التي يفرضها علينا شخص مثل بيريز؛ الرئيس الذي لا يفكر رياضيا، بل يفعل أولا، ثم يفكر كيف يستفيد مما فعله. هو يرى أن الجانبين الاقتصادي والتجاري يستحقان الاهتمام عوضا عن الرياضي الذي ستتحقق فيه النجاحات لمجرد وجود الجودة، دون اعتبار لعوامل مثل التناغم، أو ما يريده المدرب، أو طبيعة اللاعبين الذين ينتدبهم للفريق ومدى الاحتياج الفعلي لهم.
انتداب فيغو وزيدان وبيكهام ورونالدو وروبينيو، ومن بعدهم كريستيانو وكاكا وألونسو وبنزيما، وتواليا؛ انتداب دي ماريا وأوزيل ومودريتش وكروس وخاميس رودريغيز، مرورا بعدها بكوفاسيتش وثيو هيرنانديز وداني سيبايوس، وختاما بكامافينغا وتشواميني وآردا غولر وإبراهيم دياز، وأخيرا وليس آخرا بيلينغهام، آخر عنقود العشوائية، وإرث المصادفات، في انتدابات ريال مدريد (20).
العديد من المواهب واللاعبين ذوي الجودة، بدون خطة أو هدف سوى استغلال شهرتهم في جلب المزيد من المال، مزيد من الطلاء الذهبي للبنتلي دون الاكتراث بالمحرك، مزيد من تكرار الأخطاء التي تحدث عنها ماركوتي. عبارة زيدان كانت أيقونية، ولا تزال تصف حال النادي في بعض مواسم الانتقالات بعد عقدين كاملين من إطلاقها لأول مرة، ولكننا نتخيل أن العبارة التي قادت بيريز في الحقبتين اللتين ترأس فيهما النادي كانت على لسان مبدع آخر لم يسجل في نهائي دوري الأبطال، ولم يلعب كرة القدم في حياته من الأساس:
"ما يحدث مرة يمكن ألا يحدث ثانية أبدا، لكن ما يحدث مرتين.. يحدث مرة ثالثة بالتأكيد".
باولو كويلو (21)
———————————————————————————————–
المصادر:1- أجمل ما قيل عن الصدفة – المرسال
2- ريال مدريد يفوز بدوري الأبطال الثالث على التوالي – UEFA
3- هل فلورنتينو بيريز صالح لريال مدريد أم لا؟ – Bleacher report
4- بيريز لا يتعلم من أخطاء الماضي – ESPN
5- هدافي الليغا لهذا الموسم حتى الآن – BBC
6- الحاجة أم الاختراع – أفلاطون – Grammarist
7- خلف نجاح ريال مدريد – Bewolfish
8- كيف حول بيريز ريال مدريد إلى عملاق عالمي؟ – Fansided
9- عبقرية رئيس ريال مدريد المشهور بالجدل – Sportskeeda
10- دخل ريال مدريد المالي منذ 1999 وحتى عام 2022 – Statia
11- رد ريال مدريد الصادم على أنشيلوتي حينما طلب التعاقد مع هاري كين – One football
12- تصريحات إيدين تيرزيتش عن بيلينغهام – All football
13- جود بيلينغهام؛ يافع ومميز ورائع – موقع دورتموند الرسمي
14- تقرير عن جود بيلينغهام – Madrid Xtra
15- إحصائيات الاستحواذ في البوندسليغا لموسم 21/22 – FBref
16- هل جود هو الناشئ الأكثر إثارة للاهتمام في عمر الـ16 – Smarter Scout
17- إحصائيات الاستحواذ في الليغا لهذا الموسم – FBref
18- مستقبل جود بيلينغهام – Driblab
19- إحصائيات التسديد والأهداف المتوقعة في الليغا لهذا الموسم – FBref
20- تاريخ تعاقدات ريال مدريد – Transfermarkt
21- رواية الخيميائي لباولو كويلو – Amazon
19- مقولة باولو كويلو الشهيرة – Goodreads
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فلورنتینو بیریز جود بیلینغهام مواقع التواصل بیلینغهام فی دوری الأبطال إلى المساحة فی المساحات ریال مدرید فی مباراة فی اللیغا کرة القدم العدید من نتحدث عن الکرة من فی الثلث حتى الآن تحدث عن على ذلک عوضا عن
إقرأ أيضاً:
الأمن يضبط المتهم بإلقاء "هرة" من أحد العقارات بالقاهرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تمكنت الأجهزة الأمنية اليوم، من كشف ملابسات ما تم تداوله على مواقع التواصل الإجتماعى بشأن قيام شخص بإلقاء "هرة" من أحد العقارات بالقاهرة وضبط مرتكب الواقعة.
فى إطار جهود أجهزة وزارة الداخلية لكشف ملابسات مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الإجتماعى يظهر خلاله قيام أحد الأشخاص بإلقاء "هرة" من طابق مرتفع بأحد العقارات الكائنة بدائرة قسم شرطة البساتين بالقاهرة.
بالفحص أمكن تحديد وضبط المذكور (عاطل - مقيم بالعقار المشار إليه – يظهر عليه علامات الإضطراب النفسى) .
جرى اتخاذ الإجراءات القانونية.