دبلوماسية قطر.. الحوار والحياد وصفتا نجاحها في إنهاء النزاعات
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
الدوحة- في ظل تزايد النزاعات الدولية والتوترات الجيوسياسية في العالم، يبرز دور دولة قطر بوصفها قوة دبلوماسية رائدة في فض النزاعات وتسوية الخلافات الدولية، بل تحوّلت الدوحة إلى واحدة من أهم الفاعلين على الساحتين الدولية والإقليمية في استعمال الدبلوماسية الوقائية والوساطة والمساعي الحميدة كأداة فاعلة في تسوية العديد من الأزمات الدولية.
وجاء الإعلان عن الاتفاق الأميركي الإيراني الذي قضى بتبادل سجناء من البلدين والإفراج عن 6 مليارات دولار من أموال طهران المجمدة في كوريا لأغراض إنسانية، ليسلط الأضواء مجددا على قطر التي قامت بدور محوري في الوساطة بين طهران وواشنطن، وليضيف المزيد من الإنجازات في سجل نجاحات الدبلوماسية القطرية.
ويأتي الاتفاق ضمن نهج قطري من أجل تهدئة ووأد بؤر التوتر في العديد من المناطق بالعالم، حيث قامت قطر على مدى أكثر من 15 عاما بدور الوساطة في عشرات الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، وبفضل وساطتها تم تحقيق نتائج إيجابية ووضع نهايات سعيدة للعديد من الأزمات والمشاكل في المنطقة خلال السنوات الماضية.
ولم يقتصر الدور القطري على الشأن العربي فحسب، بل امتد أيضا إلى قارتي أفريقيا وآسيا، حيث تولت قطر دور الوساطة في نزاعات وقضايا هامة، كان أبرزها الوساطة بين الفصائل اللبنانية في عام 2008، والتوصل لاتفاق الدوحة الذي أنهى أزمة سياسية استمرت 18 شهرا.
وقدمت قطر أيضا الدعم والوساطة في العديد من النزاعات في القارة الأفريقية، مثل النزاع في دارفور بالسودان، والنزاع في جمهورية أفريقيا الوسطى، إضافة إلى نجاح الدوحة في إبرام اتفاقية سلام بين حكومتي جيبوتي وإريتريا لتسوية النزاع الحدودي القائم بينهما، وذلك في مارس/آذار 2011.
وفي عام 2015، تمكنت الدوحة من لعب دور وساطة ناجحة بين قبائل التبو والطوارق في ليبيا، كما نجحت المساعي القطرية في الإفراج عن أسرى جيبوتيين لدى إريتريا ضمن وساطة بين الطرفين.
وفي فبراير/شباط 2020، شهد العالم توقيع اتفاق التسوية التاريخي بين الولايات المتحدة وطالبان في أفغانستان، وتوسطت قطر في المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وبذلت جهودًا حثيثة لتيسير التوصل إلى السلام في أفغانستان، وتم تحقيق تقدم كبير بفضل تلك الجهود.
كما نجحت قطر في عام 2021 في التوسط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين جمهوريتي الصومال وكينيا بهدف تحقيق السلم والاستقرار الدوليين. وقامت قطر بجهود الوساطة في الصومال لحل الخلافات السياسية المتعلقة بالانتخابات، وذلك عبر الحوار والتوافق الشامل بين الأطراف الصومالية.
وتستند إستراتيجية قطر في فض النزاعات على عدة عناصر رئيسية، أحدها هو الوساطة الفعالة، حيث تعمل على تسهيل الحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة، وتبحث عن حلول شاملة ومستدامة، لا سيما في ظل إجادة الدوحة استخدام شبكتها الدبلوماسية الواسعة لجذب الأطراف المعنية وتوفير بيئة ملائمة للتوصل إلى اتفاقات.
دبلوماسية رائدةيقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر محمد المسفر إن الاتفاق الأخير الذي رعته دولة قطر بين الولايات المتحدة وإيران وأفضى إلى عملية تبادل وإطلاق سجناء في البلدين، ليس جديدا على الدبلوماسية القطرية، مضيفا أن الدوحة سبق أن قادت العديد من الوساطات الناجحة لحل أزمات ونزاعات بين دول وكيانات في مناطق مختلفة من العالم.
وفي هذا الصدد، يوضح المسفر للجزيرة نت أن الولايات المتحدة نفذت اتفاقا لتبادل الأسرى مع حركة طالبان الأفغانية عن طريق الوسيط القطري، حيث تم إطلاق أسرى أميركيين لدى الحركة مقابل إطلاق سجناء تحتجزهم السلطات الأميركية في معتقل غوانتانامو.
كما أشار إلى أن قضية الانسحاب الأميركي من أفغانستان وبعد حرب استمرت 20 عاما، والتي أعقبها عودة طالبان إلى سدة الحكم مجددا، تمت بالتنسيق مع الجانب القطري، فقد نجحت الدوحة في إعادة آلاف الرعايا الأميركيين والغربيين من أفغانستان عبر الخطوط الجوية القطرية.
وأشار إلى أن دولة قطر قامت أيضا بجهود الوساطة في أكثر من أزمة بدول مختلفة مثل لبنان وليبيا واليمن والسودان وتشاد، وتمكنت من إيجاد مخرج لأزمات عديدة بفضل دبلوماسيتها الرائدة.
ويرى المسفر أن نجاح هذه الوساطات يرجع إلى عدة أسباب أهمها:
أن قطر تتمتع بالحياد المطلق بين الأطراف المتنازعة. أنها لا تمتلك أي أجندة تعمل على تحقيقها من خلال هذه الوساطات، وإنما هدفها إحلال السلم والأمن الدوليين بين الأطراف المتنازعة دون الوصول إلى صراع مسلح بين هذه الأطراف.ويؤكد أستاذ العلوم السياسية أنه بجانب اعتماد قطر الصدق في نقل المعلومات بين الأطراف المختلفة، والثقة التي اكتسبتها في هذا المجال على مدار الـ20 عاما الماضية، جعلت المتنازعين يثقون في مواقفها وصدقها وأمانتها في حفظ الأسرار ونقل المعلومات بجدارة بعيدا عن الإثارة الإعلامية التي قد تؤدي إلى فشل المحادثات وتعطل النتائج.
ملفات شائكةويشير المسفر إلى أن الصمت والحكمة والإصرار وعدم امتلاك أي أجندة من الوساطة هي محاور وآليات رئيسية للدوحة في دبلوماسية فض النزاعات، مؤكدا أن كل ذلك كلل مجهودات قطر بالنجاح، وحظيت برضا وثقة كل الأطراف واللجوء إليها من أجل إيجاد حلول فيما يتعلق بأي خلافات أو نزاعات أو صراعات، سواء أكانت مسلحة أم غير مسلحة.
ولا يستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر دخول الدوحة على الخط فيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية رغم التشابك والتعقيد اللذين يكتنفان هذا الصراع، مشددا على أن قطر لن تقدم على أي عرض بهذا الشأن ما لم تكن الساحة مهيأة لذلك، وهو الأمر الذي لا يتوفر حاليا.
من جهته، يقول الإعلامي والمحلل السياسي القطري صالح غريب إن سياسة قطر دائما تؤكد على الحوار وتدعو إليه حتى وإن تأخر الحل كما حدث في المسألة الأفغانية والملف السوداني (دارفور)، ولكن في النهاية تم التوصل إلى اتفاقات بين الأطراف المتنازعة.
وأشار غريب في حديث للجزيرة نت، إلى أن الدبلوماسية القطرية استطاعت تحقيق انتصار كبير في المفاوضات بين الجانب الأميركي وحركة طالبان بعدما ظن غالبية المراقبين صعوبة التوصل إلى اتفاق بين الجانبين، لكن المفاوضات التي قادتها قطر أفضت في النهاية إلى خروج القوات الأميركية من أفغانستان.
ويضيف أن نجاح قطر في جهود الوساطة في أكثر من ملف جعل دول العالم تثق في المفاوض القطري وتعتمد على جهوده في التقريب بين الفرقاء، وبالتالي يمكن تحقيق انفراجة في الكثير من الملفات الشائكة بمختلف مناطق العالم، لافتا إلى أن هذه المكانة اكتسبتها قطر نظرا لتمتعها برؤية إستراتيجية عميقة وقدرة فائقة على استيعاب التطورات الدولية في مختلف المجالات.
وتتمتع قطر، وفقا لغريب، بعلاقات دولية واسعة ومتنوعة، وتحافظ على شبكة دبلوماسية قوية تمتد إلى جميع أنحاء العالم، وهذه العلاقات القوية تمكنها من بناء تحالفات وشراكات إستراتيجية مع دول أخرى، مما يساهم في تعزيز تأثيرها وقوتها في الساحة الدولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الوساطة فی العدید من إلى أن قطر فی
إقرأ أيضاً:
دبلوماسية واشنطن وطهران: من يُحسن التقاط اللحظة؟
تحذير الرئيس الأمريكي حول ضرورة التوصل إلى اتفاق مع واشنطن بشأن برنامجها النووي، أو مواجهة الولايات المتحدة عسكريا، هي محاولة للجمع بين الدبلوماسية واستراتيجية الضغط القصوى التي يتبعها. رسالة ترامب إلى خامنئي المحددة بزمن حملت طابع العرض والإنذار في آنٍ واحد. مفاوضات مباشرة مع إيران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد. هذا ما طالب به الرئيس الأمريكي، لكنه أكد أن هذه العملية لن تكون مفتوحة، بل يجب إنجاز الاتفاق خلال شهرين، في إشارة إلى أنّ الولايات المتحدة تدرس خيار التدخل العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية على نحو خاص، ولكن المؤكد أن الإدارة الأمريكية تطمح إلى تحقيق توافق مع طهران، عبر المفاوضات دون تصعيد قد يكلّف واشنطن الكثير.
يُستخدم الضغط العسكري بشكل أكثر وضوحا من قبل الإدارة الأمريكية كأداة لتعزيز المطالب الدبلوماسية. على نحو إجبار طهران على قبول اتفاق شامل يقلص نفوذها الإقليمي.. إضعاف ايران وانهاكها ماليّا واقتصاديا منذ سنوات، يأتي ضمن مخطّط أمريكا لتعجيزها وتحجيم مكانتها كقوّة إقليمية لها نفوذ، بما يضمن تعزيز مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط بوصفها الحليف الأكثر ولاء لأمريكا والأقوى في المنطقة.
العداء كان السمة الغالبة على علاقات أمريكا وإيران، وقد بدأ ذلك مع الإطاحة بحكومة محمد مصدق عام 1953
في مايو 2018 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينها، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، كما تعهد بذلك خلال حملته الانتخابية، بعد أن رفعت الولايات المتحدة في 2016 العقوبات التي فرضتها على إيران بسبب برنامجها النووي، بعد أن أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنفيذ إيران التزاماتها الواردة في الاتفاق المعروف باسم الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم التوصل إليه عام 2015 بعد جولات مضنية من المفاوضات في إطار مجموعة 5 زائد واحد. اليوم يعود ترامب إلى تجديد الضغط بلغة أكثر عدائية، نظرا للتطورات الحاصلة في الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر، وحروب إسرائيل الهمجية التي لا تتوقف. ولا يخفى في كل ذلك محاولة استثمار التحولات الاستراتيجية وما يعتقدون أنه تراجع لمحور المقاومة.
العداء كان السمة الغالبة على علاقات أمريكا وإيران، وقد بدأ ذلك مع الإطاحة بحكومة محمد مصدق عام 1953، بعد تأميمه الثروة النفطية لإيران. رتّبت المخابرات المركزية الأمريكية ونظيرتها البريطانية عملية الإطاحة بحكومة مصدق، الذي كان يتمتع بتأييد شعبي واسع، وأعادت الشاه محمد رضا بهلوي إلى الحكم، وإلى الآن تبحث الولايات المتحدة الأمريكية عن سبيل لإعادة إيران إلى بيت الطاعة، وتثبيت حكومة موالية لأمريكا، مثلما كان الأمر زمن الشاه، حين تقاسم أمور المنطقة مع إسرائيل، بل كانت إيران شرطي المنطقة برعاية أمريكية. وقد أقرت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت عام 2000 بدور بلادها في الانقلاب ضد مصدق. بقولها إنه «من السهل إدراك سبب استمرار كراهية أغلبية الإيرانيين لتدخل أمريكا في شؤون بلادهم الداخلية».
حدث ذلك عندما أصدر مصدق عام 1951 مرسوما بتأميم النفط والغاز، ما أثار غضبا وخوفا لدى بريطانيا والولايات المتحدة، ورأوا في ذلك تهديدا لنفوذهم في هذه البلاد، إذ ليس من السهل أن تسمح هذه الدول الاستعمارية التي تحترف النهب باستقلال الحكومات واستغلال موارد بلدانها لفائدة شعوبها. بريطانيا أرادت أن تبقى إيران ضمن منطقة نفوذها، كما هو الحال منذ الحرب العالمية الأولى، حيث كانت تحتكر النفط هناك عن طريق شركة النفط الانكلو-إيرانية التي حملت فيما بعد اسم «بريتش بتروليوم». عام 1957 وقّعت الولايات المتحدة وإيران على اتفاقية حول استغلال الطاقة النووية لأغراض سلمية. وبعدها بعشر سنوات، قدّمت الولايات المتحدة مفاعلا نوويا لمركز أبحاث في طهران ووقود المفاعل على شكل يورانيوم مخصب إلى درجة 93 في المئة، وهي درجة تخصيب اليورانيوم المستخدم في إنتاج الأسلحة النووية.
وفي عام 1968 وقّعت إيران على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وصادقت عليها بعد عامين، شريطة السماح لها بالاحتفاظ بالمفاعل واستخدامه لأغراض سلمية. اليوم تُطالب واشنطن بتخلي طهران عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية. وهو الملف الوحيد جوهر المفاوضات غير المباشرة التي تجري بين الطرفين بوساطة عمانية.
بينما تؤكد إيران رفضها للمفاوضات تحت التهديد، تُكثف إسرائيل استعداداتها لسيناريوهات أكثر عدوانية، أما الولايات المتحدة، فتستمر في تقييم الخيارات الدبلوماسية والعسكرية، حسب ردود الفعل الإيرانية المحتملة، وجميعها ديناميكيات تؤكد طبيعة المرحلة الحرجة التي وصلت إليها المنطقة من حيث تضاعف إمكانات الفوضى وافتعال حروب جديدة. انزلاق الشرق الأوسط إلى دائرة الفوضى أصبح واضحا، ولا بوادر لأن تتخلص المنطقة من شبح الحرب بسبب مشاريع أمريكا وأطماع كيانها الصهيوني. ومع عودة دونالد ترامب إلى السلطة، سيحاول نتنياهو بكل ما يستطيع أن يدفع نحو ما بعد الحصار الاقتصادي الخانق، وسياسة العقوبات التي يتبناها ترامب بخصوص طهران. وسيكون البرنامج النووي محط أنظار هؤلاء، واحتمالية المواجهة العسكرية قائمة إذا ما قامت تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. في كل ذلك هناك فرضيتان أمام واشنطن، إما السلوك الشرس غير محسوب العواقب، وإما سلوك مغاير ينبع من التحسّب لردّات فعل الخصم ولمصالح أمريكا وليس لأماني إسرائيل.
في المحصلة، ارتبطت الولايات المتحدة في نظر شعوب العالم ارتباطا وثيقا بما يُعدّ بلا منازع أكثر المعتدين نشاطا، وأكبر مُسبب للمعاناة بالقوة العسكرية في الشرق الأوسط، خاصة أمام ما يشاهده العالم من جرائم حرب الإبادة والتجويع لسكان غزة. والتكاليف التي ستتكبدها أمريكا ستكون كبيرة، إذا ما سقطت في فخ نتنياهو وأمنياته بأن تتواجه عسكريا مع إيران بهدف الإطاحة بنظامها وتحجيم قدراتها العسكرية.
المصدر: القدس العربي