الدوحة- في ظل تزايد النزاعات الدولية والتوترات الجيوسياسية في العالم، يبرز دور دولة قطر بوصفها قوة دبلوماسية رائدة في فض النزاعات وتسوية الخلافات الدولية، بل تحوّلت الدوحة إلى واحدة من أهم الفاعلين على الساحتين الدولية والإقليمية في استعمال الدبلوماسية الوقائية والوساطة والمساعي الحميدة كأداة فاعلة في تسوية العديد من الأزمات الدولية.

وجاء الإعلان عن الاتفاق الأميركي الإيراني الذي قضى بتبادل سجناء من البلدين والإفراج عن 6 مليارات دولار من أموال طهران المجمدة في كوريا لأغراض إنسانية، ليسلط الأضواء مجددا على قطر التي قامت بدور محوري في الوساطة بين طهران وواشنطن، وليضيف المزيد من الإنجازات في سجل نجاحات الدبلوماسية القطرية.

ويأتي الاتفاق ضمن نهج قطري من أجل تهدئة ووأد بؤر التوتر في العديد من المناطق بالعالم، حيث قامت قطر على مدى أكثر من 15 عاما بدور الوساطة في عشرات الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، وبفضل وساطتها تم تحقيق نتائج إيجابية ووضع نهايات سعيدة للعديد من الأزمات والمشاكل في المنطقة خلال السنوات الماضية.

ولم يقتصر الدور القطري على الشأن العربي فحسب، بل امتد أيضا إلى قارتي أفريقيا وآسيا، حيث تولت قطر دور الوساطة في نزاعات وقضايا هامة، كان أبرزها الوساطة بين الفصائل اللبنانية في عام 2008، والتوصل لاتفاق الدوحة الذي أنهى أزمة سياسية استمرت 18 شهرا.

الاتفاق الأميركي الإيراني سلّط الضوء على النجاحات الدبلوماسية القطرية (رويترز) جهود حثيثة

وقدمت قطر أيضا الدعم والوساطة في العديد من النزاعات في القارة الأفريقية، مثل النزاع في دارفور بالسودان، والنزاع في جمهورية أفريقيا الوسطى، إضافة إلى نجاح الدوحة في إبرام اتفاقية سلام بين حكومتي جيبوتي وإريتريا لتسوية النزاع الحدودي القائم بينهما، وذلك في مارس/آذار 2011.

وفي عام 2015، تمكنت الدوحة من لعب دور وساطة ناجحة بين قبائل التبو والطوارق في ليبيا، كما نجحت المساعي القطرية في الإفراج عن أسرى جيبوتيين لدى إريتريا ضمن وساطة بين الطرفين.

وفي فبراير/شباط 2020، شهد العالم توقيع اتفاق التسوية التاريخي بين الولايات المتحدة وطالبان في أفغانستان، وتوسطت قطر في المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وبذلت جهودًا حثيثة لتيسير التوصل إلى السلام في أفغانستان، وتم تحقيق تقدم كبير بفضل تلك الجهود.

كما نجحت قطر في عام 2021 في التوسط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين جمهوريتي الصومال وكينيا بهدف تحقيق السلم والاستقرار الدوليين. وقامت قطر بجهود الوساطة في الصومال لحل الخلافات السياسية المتعلقة بالانتخابات، وذلك عبر الحوار والتوافق الشامل بين الأطراف الصومالية.

وتستند إستراتيجية قطر في فض النزاعات على عدة عناصر رئيسية، أحدها هو الوساطة الفعالة، حيث تعمل على تسهيل الحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة، وتبحث عن حلول شاملة ومستدامة، لا سيما في ظل إجادة الدوحة استخدام شبكتها الدبلوماسية الواسعة لجذب الأطراف المعنية وتوفير بيئة ملائمة للتوصل إلى اتفاقات.

دبلوماسية رائدة

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر محمد المسفر إن الاتفاق الأخير الذي رعته دولة قطر بين الولايات المتحدة وإيران وأفضى إلى عملية تبادل وإطلاق سجناء في البلدين، ليس جديدا على الدبلوماسية القطرية، مضيفا أن الدوحة سبق أن قادت العديد من الوساطات الناجحة لحل أزمات ونزاعات بين دول وكيانات في مناطق مختلفة من العالم.

وفي هذا الصدد، يوضح المسفر للجزيرة نت أن الولايات المتحدة نفذت اتفاقا لتبادل الأسرى مع حركة طالبان الأفغانية عن طريق الوسيط القطري، حيث تم إطلاق أسرى أميركيين لدى الحركة مقابل إطلاق سجناء تحتجزهم السلطات الأميركية في معتقل غوانتانامو.

كما أشار إلى أن قضية الانسحاب الأميركي من أفغانستان وبعد حرب استمرت 20 عاما، والتي أعقبها عودة طالبان إلى سدة الحكم مجددا، تمت بالتنسيق مع الجانب القطري، فقد نجحت الدوحة في إعادة آلاف الرعايا الأميركيين والغربيين من أفغانستان عبر الخطوط الجوية القطرية.

وأشار إلى أن دولة قطر قامت أيضا بجهود الوساطة في أكثر من أزمة بدول مختلفة مثل لبنان وليبيا واليمن والسودان وتشاد، وتمكنت من إيجاد مخرج لأزمات عديدة بفضل دبلوماسيتها الرائدة.

ويرى المسفر أن نجاح هذه الوساطات يرجع إلى عدة أسباب أهمها:

أن قطر تتمتع بالحياد المطلق بين الأطراف المتنازعة. أنها لا تمتلك أي أجندة تعمل على تحقيقها من خلال هذه الوساطات، وإنما هدفها إحلال السلم والأمن الدوليين بين الأطراف المتنازعة دون الوصول إلى صراع مسلح بين هذه الأطراف.

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية أنه بجانب اعتماد قطر الصدق في نقل المعلومات بين الأطراف المختلفة، والثقة التي اكتسبتها في هذا المجال على مدار الـ20 عاما الماضية، جعلت المتنازعين يثقون في مواقفها وصدقها وأمانتها في حفظ الأسرار ونقل المعلومات بجدارة بعيدا عن الإثارة الإعلامية التي قد تؤدي إلى فشل المحادثات وتعطل النتائج.

ملفات شائكة

ويشير المسفر إلى أن الصمت والحكمة والإصرار وعدم امتلاك أي أجندة من الوساطة هي محاور وآليات رئيسية للدوحة في دبلوماسية فض النزاعات، مؤكدا أن كل ذلك كلل مجهودات قطر بالنجاح، وحظيت برضا وثقة كل الأطراف واللجوء إليها من أجل إيجاد حلول فيما يتعلق بأي خلافات أو نزاعات أو صراعات، سواء أكانت مسلحة أم غير مسلحة.

ولا يستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر دخول الدوحة على الخط فيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية رغم التشابك والتعقيد اللذين يكتنفان هذا الصراع، مشددا على أن قطر لن تقدم على أي عرض بهذا الشأن ما لم تكن الساحة مهيأة لذلك، وهو الأمر الذي لا يتوفر حاليا.

من جهته، يقول الإعلامي والمحلل السياسي القطري صالح غريب إن سياسة قطر دائما تؤكد على الحوار وتدعو إليه حتى وإن تأخر الحل كما حدث في المسألة الأفغانية والملف السوداني (دارفور)، ولكن في النهاية تم التوصل إلى اتفاقات بين الأطراف المتنازعة.

وأشار غريب في حديث للجزيرة نت، إلى أن الدبلوماسية القطرية استطاعت تحقيق انتصار كبير في المفاوضات بين الجانب الأميركي وحركة طالبان بعدما ظن غالبية المراقبين صعوبة التوصل إلى اتفاق بين الجانبين، لكن المفاوضات التي قادتها قطر أفضت في النهاية إلى خروج القوات الأميركية من أفغانستان.

ويضيف أن نجاح قطر في جهود الوساطة في أكثر من ملف جعل دول العالم تثق في المفاوض القطري وتعتمد على جهوده في التقريب بين الفرقاء، وبالتالي يمكن تحقيق انفراجة في الكثير من الملفات الشائكة بمختلف مناطق العالم، لافتا إلى أن هذه المكانة اكتسبتها قطر نظرا لتمتعها برؤية إستراتيجية عميقة وقدرة فائقة على استيعاب التطورات الدولية في مختلف المجالات.

وتتمتع قطر، وفقا لغريب، بعلاقات دولية واسعة ومتنوعة، وتحافظ على شبكة دبلوماسية قوية تمتد إلى جميع أنحاء العالم، وهذه العلاقات القوية تمكنها من بناء تحالفات وشراكات إستراتيجية مع دول أخرى، مما يساهم في تعزيز تأثيرها وقوتها في الساحة الدولية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الوساطة فی العدید من إلى أن قطر فی

إقرأ أيضاً:

الإمارات.. وسيط حقيقي لتحقيق السلام

عبدالله أبوضيف (القاهرة)

أخبار ذات صلة عبدالله بن زايد يجدد التأكيد على ضرورة قيام دولة فلسطينية «الوطني» يُجسِّد نهج الشورى المتجذر في مجتمع الإمارات

أشاد خبراء بالدور الإماراتي الفعال في تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا من خلال إتمام صفقة تبادل جديدة للأسرى بين البلدين رغم التوترات السياسية والتصعيد العسكري الواضح خلال الشهور الأخيرة، لتصبح الدولة بمثابة نقطة السلام التي يعتمد عليها العالم في حل المشكلة العالقة للعام الثالث على التوالي.
في تعليق على الوساطة الإماراتية، أكد الخبير السياسي الأوكراني، فاديم ألكسندر، أن الإمارات أثبتت في ثماني مناسبات متتالية أنها طرف مستقل يدعم المفاوضات الإنسانية بشأن تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، مشيداً بالدور النشط للإمارات في تعزيز السلام الإقليمي والدولي، مشيراً إلى أن هناك حاجة ماسة لتعاون المجتمع الدولي مع الإمارات كوسيط حقيقي لتحقيق السلام.
من جانبه، أوضح المحلل السياسي الروسي أندري أونتكوف أن الإمارات تلعب دوراً دبلوماسياً بارزاً، وتعد الوسيط الأكثر نجاحاً بين روسيا وأوكرانيا على المستوى العالمي. وأضاف أن الإمارات نجحت في إبرام صفقة تبادل جديدة، رغم التصعيد الكبير بين الدولتين؛ مما يعكس نجاحاً دبلوماسياً هائلاً.
وأشار المحلل السياسي عمرو الديب إلى أن الإمارات أثبتت قدرتها على تحقيق تقدم في الأزمات الدولية بفضل عدم تورطها في النزاعات المسلحة، مما يجعلها وسيطاً موثوقاً وقادراً على دفع المفاوضات نحو حلول دبلوماسية فعالة، مؤكداً أن نجاح الوساطة الإماراتية يمنح أملاً كبيراً في إمكانية حل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا على المستوى السياسي.
وأشاد الديب بدور الإمارات في فض النزاعات الإقليمية والدولية، مؤكداً أنها تُعد نموذجاً للسلام والتزاماً راسخاً بتعزيز الاستقرار، مما يعزز مكانتها وسيطاً فعّالاً وقادراً على تحقيق تقدم ملموس في النزاعات الدولية.

مقالات مشابهة

  • نقيب الصحفيين: «الإجراءات الجنائية» دستور العدالة ويجب مناقشته مع جميع الأطراف
  • بوريل يشعل أزمة دبلوماسية مع فنزويلا
  • بعد نجاحها فور طرحها..تعرف على كلمات عودتني الدنيا لـ شيرين عبد الوهاب
  • 3 أبطال من المنوفية يحصلون على ميداليات ببطولة إفريقيا الدولية بتونس
  • خلوة السفراء تجمع أكثر من 100 سفير ورئيس بعثة دبلوماسية لتصميم حكومات المستقبل
  • رشا عبد العال: التسهيلات الضريبية تسهم في إنهاء النزاعات المتراكمة منذ سنوات ماضية
  • المحكمة الدولية تختار المستشار أحمد عزت قاضياً لها وتمنحه حصانة دولية
  • الإمارات.. وسيط حقيقي لتحقيق السلام
  • بعثة الهلال تغادر غدًا إلى الدوحة تأهباً لبطولة النخبة
  • خارجية إيران: منفتحون على الدبلوماسية لحل النزاعات لكن نرفض التهديد