د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير مركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء 

الفصام (Schizophrenia) أو ما يعرف بانفصام الشخصية، من بين ما يتميز به، الإيمان بمعتقدات زائفة (أوهام) أو يشعر بشيء هو في الحقيقة غير موجود والقيام بتفسير خاطئ للمفاهيم أو التجارب، واضطراب في التفكير يؤدي إلى اضطراب في الكلام، والادعاء أن لديه قدرة خارقة والتوهم أن هناك من يستهدفه.

ويظهر أن هذا المرض النفسي قد أصاب بعض أنظمة الحكم التي قام بتحويلها إلى شخصيتين متناقضتين قادرتين بتبريرات نفعية على التعايش معا بانسجام غريب.

إن هذا يدعونا إلى دراسة السلوك السياسي من خلال معطيات ملموسة وليس من خلال نظريات لأن هذا السلوك أصبح يتعلق بإدارة دولة.

مناسبة هذا، الكلام الذي قرأه الرئيس تبون يوم الثلاثاء الماضي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك وهو الأول من نوعه منذ توليه مقاليد قصر المرادية نهاية عام 2019، حيث حاول من خلاله النظام العسكري الجزائري تسويق خرافات وأوهام وإعطاء انطباع بشكل مرضي شافاهم الله أن القوة المضروبة هي دولة محورية في المنطقة بل وفي العالم وأنها قادرة على حلحلة الأوضاع في كل المناطق الساخنة في العالم وأنها مكلفة برسالة لنصرة الشعوب ويجب أن تلتزم بها على أرض الواقع بل وحتى في القطبين الشمالي والجنوبي بل وتناصر حتى شعوب الكائنات الفضائية وباقي المجرات.

ومن أعراض استفحال مرض الفصام أنها ظنت نفسها قوة كونية عظمى، لذا وجهت نصائح وأوامر إلى المجتمع الدولي بضرورة إصلاح هيئة الأمم المتحدة من خلال إعطاء ديناميكية لتعدد الأقطاب حيث باتوا يتوهمون أنهم الأحق باكتساب مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي..!!

وادعى هذا النظام من خلال الكلام الذي قرأه تبون، تمسكه بحقوق الإنسان دون خجل، إيمانا منه كما يدعي بتعزيز الحقوق والحريات رغم أن المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية ما لبثت تفضح الممارسات الدكتاتورية الفاشية لهذا النظام العسكري وانتهاكاته لأبسط مبادئ حقوق الإنسان. لقد طالبت منظمة العفو الدولية « أمنستي » يوم الأربعاء 20 شتنبر 2023 الحكومة الجزائرية بـ »وضع حد لاعتداءاتها التي لاهوادة فيها على حرية التعبير والنشاط السلمي » حيث أوضحت المنظمة أن « عشرات النشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بقبعون خلف القضبان بالجزائر ويتزايد العدد مع قيام الحكومة بمزيد من الاعتقالات وتوجيه المزيد من التهم ضد الأشخاص الذين يمارسون ببساطة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها ».

وفي هذا الصدد أكدت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، أنه «في الجزائر اليوم، لا أحد يتحدث بشجاعة وانتقاد في مأمن من براثن السلطات العميقة. ».

وحري بالذكر أن منظمة « هيومن رايتس ووتش » تقدمت بورقة إحاطة قدمتها إلى كليمان نياليتسوبي فول مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات، الذي بدأ في زيارة تستغرق عشرة أيام إلى الجزائر ابتداء من 16شتنبر الجاري » إن السلطات الجزائرية سحقت الفضاء المدني خلال السنوات الأربع الماضية »، وقد وضحت ورقة الإحاطة هذه بالتفصيل كيف عطلت السلطات المجتمع المدني المستقل في البلاد وعرقلة التعددية السياسية بالاستناد إلى قوانين مقيدة للجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات، وأكد إيريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: « قضت السلطات الجزائرية على معظم ما تبقى من الحريات المدنية التي تمتع بها الجزائريون خلال فترة التحرر السياسي أواخر الثمانينات ويستطيع مقرر الأمم المتحدة لفت الانتباه إلى حملة القمع المستمرة التي تشنها الحكومة على المجتمع المدني، وحث الحكومة على إجراء الإصلاحات اللازمة حتى يتمكن الجزائريون من ممارسة حقهم في حرية التعبير والتنظيم بحرية ».

ومادام الشيء بالشيء يذكر، نشير إلى أن المناضل فرحات مهني زعيم حركة تقرير مصير القبائل في الجزائر ( ماك)ورئيس حكومة القبائل المؤقتة في المنفى (أنافاد) رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشأن حضور الرئيس الجزائري أشغال الدورة78للجمعية العامة للهيئة الأممية، حيث أكد على الإبادة الجماعية التي تستهدف منطقة القبائل، وأن النظام الجزائري » ينتهج سياسة الأراضي المحروقة بالمنطقة، حيث تم في يونيو 2021 إشعال أزيد من مئتي حريق من طرف الجيش الجزائري مستخدما الفوسفور وكبسولات حارقة أسقطت من الطائرات بدون طيار والمروحيات »، ودعا رئيس حكومة القبائل المؤقتة في المنفى (أنافاد) ضمن رسالته، المجتمع الدولي، إلى » التنديد بالسياسات العنصرية والتعذيب والمضايقات التي يتعرض لها الشعب القبائلي »، كما دعا إلى » العمل على إدراج ملف إنهاء الاستعمار الجزائري لمنطقة القبائل في جدول أعمال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة ».

إن تسويق الوهم أضحى علامة جزائرية لنظام الحكم الجزائري حيث انبرى تبون في قراءة معطيات مغلوطة حول إنجازات ومشاريع وأرقام مغلوطة أثارت سخرية الملاحظين والإعلام الدولي، وترديد أسطوانة مشروخة حيث قارن ما بين نضال الشعب الفلسطيني ومرتزقة البوليساريو، وادعى بدون حياء أن الجزائر ترفض اللجوء للقوة لفض النزاعات، في حين أن النظام الجزائري يخوض حربا على المملكة المغربية مستخدما بيادق البوليساريو وذلك بتمويل وإشراف جزائري، وللعلم أن هذا النظام البائد حاول استغلال ظروف كارثة الحوز وقام بيادقه بالعديد من المناوشات « الدنكشوطية » والتي تصدت لها القوات المسلحة الملكية المغربية ببسالة وحرفية عاليتين.

إن النظام الجزائري يحاول أن يلملم جراح الخيبة التي مني بها إثر رفض قبول طلبه في مجموعة بريكس رغم انبطاحه في خياراته الاستراتيجية المنحازة كليا لصالح المعسكر الشرقي، ومهاجمة القوى الغربية وعملة الدولار علنا في تهور مفضوح.. ورغم ذلك نجد أن التصريح الحكيم لوزير الخارجية الروسي » سيرجي لافاروف » حول معايير توسيع مجموعة: « بريكس » والتي تضمنت « وزن وهيبة الدولة ومواقفها على الساحة الدولية » قد عرت كل شيء.

واليوم نلاحظ أن هذا النظام قد ازدادت حالته سوء، حيث وصل به مرض الانفصام إلى مرحلة جد متقدمة، وبدأت الأعراض تتكاثر من خلال تسويق خرافات وأوهام جديدة أمام مجتمع دولي بات يشفق عليه.

المصدر: مراكش الان

كلمات دلالية: النظام الجزائری الأمم المتحدة هذا النظام من خلال فی حریة أن هذا

إقرأ أيضاً:

تصاعد التحدي الإيراني في مواجهة ضغوط ترامب: استراتيجية مقاومة أم مواجهة حتمية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يتبنى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، موقفًا أكثر تحديًا في مواجهة التهديدات المتزايدة بالعنف من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران.

وخلال زيارته لمعرض الدفاع في طهران، حثّ خامنئي الحكومة الإيرانية على تعزيز قدراتها العسكرية، مؤكدًا أن "التقدم لا يمكن إيقافه، ولا يمكننا أن نكون راضين". وأضاف بشكل واضح: "اليوم، قوتنا الدفاعية معروفة، وأعداؤنا يخشون ذلك".

التصعيد المتبادل بين ترامب وخامنئي وضع الولايات المتحدة وإيران في مسار تصادمي مباشر، ورغم أن إيران ليست موضوعًا رئيسيًا في مؤتمر ميونيخ للأمن لهذا العام، إلا أن تأثيرها حاضر في عدة أزمات عالمية، خاصة في ظل الأزمة المستمرة في غزة، ما يجعلها تحديًا أمنيًا لكل من الولايات المتحدة وأوروبا.

ما وراء تحدي خامنئي

يرى دامون غولريز، المحلل الاستراتيجي في معهد لاهاي للجيوسياسية، أن "مبادرات ترامب الدبلوماسية تجاه خامنئي، إلى جانب سياسة 'الضغط الأقصى' التي تنتهجها إدارته، أضعفت موقف المرشد الأعلى".

وأضاف، أن "الأسابيع الأخيرة شهدت انفتاحًا ملحوظًا من كبار المسؤولين الإيرانيين تجاه فكرة التفاوض المباشر مع ترامب"، معتبرًا أن معارضة خامنئي للمحادثات النووية مع واشنطن نابعة من "تراجع سلطته على المستويين المحلي والإقليمي".

وأشار إلى أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الحليف الوثيق لطهران، العام الماضي، ألحق ضررًا بالغًا بالمكانة الإقليمية لإيران. أما داخليًا، فإن خامنئي يواجه ضغوطًا متزايدة.

وأوضح المحلل الأمني والسياسي حسين آقائي أن "الخطر الأكبر الذي يخشاه خامنئي ليس خارجيًا، بل داخلي".

 وأشار إلى أن "السيناريو الأسوأ للمرشد الأعلى هو استغلال الأغلبية الصامتة من الإيرانيين الساخطين الفرصة التي تتيحها تهديدات واشنطن للتحرك ضده، في وقت يكون منشغلًا بالأزمات الخارجية".

وبالتالي، يمكن تفسير موقف خامنئي المتشدد تجاه الولايات المتحدة على أنه محاولة لمواجهة التهديدات الداخلية التي تهدد موقعه.

هل يمكن لترامب استخدام القوة العسكرية ضد طهران

لا تزال القدرات النووية الإيرانية نقطة خلاف رئيسية بين البلدين، حيث تعتبر إدارة ترامب أن "منع إيران من امتلاك سلاح نووي" هو ركيزة أساسية في استراتيجيتها للضغط الأقصى.

وفي هذا الصدد، يرى آقائي أن "إدارة ترامب من غير المرجح أن تنخرط في نزاع واسع النطاق مع إيران"، لكنه أضاف: "نظرًا لأن البرنامج النووي الإيراني المتقدم يُنظر إليه على أنه تهديد للأمن العالمي، فإن الرئيس ترامب يدرس خيارات لمنع النظام الإيراني من بناء قنبلة نووية، بما في ذلك شن ضربات جوية وقائية".

ولتجنب هذا السيناريو، يتفق الخبراء على ضرورة أن تمنح إيران الدبلوماسية فرصة. وقال آقائي: "الكرة الآن في ملعب إيران"، لكنه استدرك قائلًا إن "التوصل إلى اتفاق نووي كما يقترحه ترامب أمر ممكن، لكنه ليس مرجحًا".

وأضاف أن "النظام الإيراني يعتقد أنه إذا دخل في مفاوضات مع الولايات المتحدة، فسيتعين عليه تقديم تنازلات هائلة لترامب في قضايا حساسة، مثل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وشبكة وكلائه في المنطقة، ولذلك تفضل طهران المماطلة في محادثات غير حاسمة".

ما القادم بالنسبة لإيران؟

إلى جانب المخاوف قصيرة المدى بشأن اندلاع أعمال عنف جديدة في الشرق الأوسط، يرى المحلل الاستراتيجي غولريز أن الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية طويلة المدى للتعامل مع إيران، بهدف تحويلها إلى دولة قادرة على التعايش السلمي في المنطقة والمجتمع الدولي.

لكنه أشار إلى أن "نهج ترامب يركز على إبرام اتفاقيات قصيرة الأجل مع الأنظمة الاستبدادية"، مستشهدًا بانسحاب إدارته من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وأضاف: "أعتقد أن استراتيجيته تجاه إيران ستجمع بين التهديد العسكري الجاد والعقوبات الاقتصادية الصارمة".

من جانبها، ترى الناشطة الإيرانية المقيمة في الولايات المتحدة، مسيح علي نجاد، أن مقاربة ترامب قصيرة المدى تحمل أهمية كبيرة، معتبرة أن "المجتمع الدولي لا يبذل جهودًا كافية للتعامل مع النظام الإيراني المتشدد".

وقالت في تصريحات على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن: "المفاوضات النووية تمنح النظام الإيراني الوقت لإعادة تنظيم صفوفه"، مؤكدة أن "الوقت للتحرك هو الآن".

وأضافت أن "إيران في أضعف حالاتها حاليًا، حيث لم يعد المواطنون من الطبقتين الوسطى والفقيرة يدعمون النظام الإسلامي، فالناس سئموا ويريدون حياة طبيعية".

وفي سياق متصل، أكدت مصادر دبلوماسية إسرائيلية لموقع "المونيتور" أن الولايات المتحدة وإسرائيل توصلتا إلى "تفاهم كامل" بشأن كيفية مواجهة البرنامج النووي الإيراني، حتى في حال عدم التوصل إلى اتفاق.

ووفقًا لما أوردته صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست"، استنادًا إلى تقييمات استخباراتية أمريكية صدرت الشهر الماضي، فإن إسرائيل ترى فرصة محتملة لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية منذ بداية هذا العام.

وأشارت التقارير إلى أن إسرائيل تعتمد في تقييمها على ضعف إيران بعد الهجوم الإسرائيلي الذي وقع في 26 أكتوبر، والذي أدى إلى تدمير جزء كبير من دفاعاتها الجوية، بالإضافة إلى زيادة تقبل الولايات المتحدة لخيار التدخل العسكري.

لقاء ترامب ونتنياهو

خلال زيارته إلى واشنطن هذا الشهر، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، حيث أكدا على رؤية مشتركة حول الخطر الذي تشكله إيران، وذلك بعد محاولة طهران استهدافهما معًا.

وقد ظهر الزعيمان، المعروفان بنهجهما المتشدد تجاه إيران، في حالة انسجام وثيق، حيث أكدا أنهما لن يسمحا لإيران بامتلاك أسلحة نووية.

وبينما تنفي إيران سعيها لامتلاك سلاح نووي، تصر إسرائيل على أن طهران تكذب، وأنها تسعى للحصول على قنبلة نووية بهدف تدمير الدولة اليهودية.

ونقل "المونيتور" عن أحد المقربين من نتنياهو قوله: "رئيس الوزراء في موقف لا يخسر فيه شيئًا. إذا نجح ترامب في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، فمن المرجح أن يكون هذا الاتفاق أفضل بكثير من اتفاق أوباما، كما أن نتنياهو مقتنع بأن جزءًا كبيرًا من المطالب الإسرائيلية سيتم تلبيته بفضل التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة".

مقالات مشابهة

  • مقتل عنصر إرهابي في عملية للجيش الجزائري وسط البلاد
  • النظام الجزائري والإرهاب… تواطؤ لا يمكن تجاهله
  • د. علي عبدالحكيم الطحاوي يكتب: تصريحات ترامب غير ملزمة لمصر ودول العالم
  • الأميرة سميرة الفيصل الفرحان تطالب بإنشاء مركز لذوي الفصام
  • ما نوع القنابل التي عرضتها المقاومة خلال تسليم جثث الأسرى الإسرائيليين؟
  • بين التصعيد والتفاوض.. استراتيجية أمريكية لكبح نفوذ طهران
  • محتجون يطالبون النظام الجزائري بالكشف عن مصير شباب مغاربة في وقفة احتجاجية قرب الحدود
  • النظام الغذائي و«صحة الأمعاء».. ما «الأطعمة» التي يجب تناولها وتجنبها؟
  • ضمن مبادرة حماة تنبض من جديد.. إزالة الحواجز الإسمنتية التي وضعها النظام البائد أمام مبنى الأمن العسكري سابقاً على طريق حمص حماة
  • تصاعد التحدي الإيراني في مواجهة ضغوط ترامب: استراتيجية مقاومة أم مواجهة حتمية؟