في يومه العالمي.. نرصد دور الكنائس ورجال الدين في بث السلام
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
يحتفل العالم اليوم بـ"اليوم العالمي للسلام"، وهو احتفال تطلقه الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوم 21 سبمتبر من كل عام، وبمناسبة هذا الحدث نسلط الضوء على دور الكنائس ورجال الدين المسيحي في بث السلام في العالم ودعوتهم لوقف الحروب المدمرة.
البابا تواضورس وحرب روسيا
كشف البابا تواضروس الثاني عن موقفه من الحرب الروسية الأوكرانية عقب اندلاعها بأسبوع حيث أعرب أسفه، مؤكدًا أن العالم لا يحتمل اندلاع حرب، بعدما عانى العالم كله من ويلات جائحة كورونا.
وقال قداسة البابا: «نحن في الكنيسة القبطية نأسف كثيرًا لهذه الحرب التي بدأت من حوالي أسبوع وشئ مؤسف جدًا ما نراه وما نسمعه، ربنا يستر على العالم كله، نأسف لهذه الحرب التي بدأت بين بلدين شقيقين، وكنيستهم كنيسة واحدة وشعبهم شعب واحد، ولهم لغة واحدة، وهما أصدقاء جدًا لمصر، ونتألم لسقوط ضحايا ومصابين، وللخراب والدمار الحادث هناك، والحروب في هذه الأيام تستخدم أسلحة متقدمة بخلاف الحروب قديمًا، وهو أمر مفزع يهدد العالم الفناء.
وتابع: «بدأنا نجد أعداد كبيرة من النازحين واللاجئين، وبعد أن كانت الناس تعيش في سلام تحول الوضع لصورة مؤلمة جدًا، وللأسف الحكمة غائبة عن قادة كثيرين، والاستفزاز يجلب عنف، وغياب الحكمة هو الذي أوصل الأمور إلى الوضع الحالي، ولست في موضع يسمح لي بأن أحدد الطرف المخطئ، ولكننا نصلي من أجل هذا الأمر ومن أجل العالم كله، ولا سيما أن الوضع في العالم لا يحتمل حرب جديدة، يكفي ما فعله فيروس كورونا في العالم، الذي راح ضحيته خمسة ملايين شخص وأصيب به 500 مليون أخرين، وهي في حد ذاتها حرب من الفيروس، وللأسف الإنسان دومًا يتناسى ويعود ليدخل في حرب، ولا شك أن هناك من يتألمون ومن فقدوا بيوتهم.
وكما حث أيضاً البابا فرانسيس على وقف القتال في هذه الحرب الدامية، حيث أنا على استعداد لبذل كل جهد ممكن لوقف هذه الحرب، هناك مهمة قيد التنفيذ الآن لكنها ليست علنية بعد عندما تكون علنية، سأكشف عنها".
وتابع: “السلام يتم دائما من خلال فتح القنوات، لا يمكنك أبدا تحقيق السلام من خلال الإغلاق. هذا ليس بالأمر السهل.”
ويدعو فرنسيس إلى السلام أسبوعيا تقريبا منذ أن بدأت روسيا عمليتها العسكرية فى أوكرانيا فى فبراير 2022 وعبّر مرارا عن رغبته فى لعب دور الوسيط بين كييف وموسكو، ولم يتمخض اقتراحه حتى الآن عن أى انفراجة.
كما ألتقى رئيس الوزراء الأوكرانى دينيس شميهال بالبابا فى الفاتيكان، وقال إنه بحث "صيغة للسلام" طرحها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، مضيفا أنه وجه الدعوة للبابا لزيارة كييف.
مجلس الكنائس العالمي والقضية الفلسطينية
يدعو المجلس الكنائس العالمي بشكل مستمر لحل القضية الفلسطينية عن طريق تنيظم العديد من البرامج والمبادرات سنوياً، ويصدر نداءات وبيانات عن حقوق الفلسطينيين، وحق الانسان في حريته في التعبد، وكما يندد المجلس باقامة دولتين مستقلتين لنزع فتيل الأزمة.
قامت رئاسة اللجنة المركزية في مجلس الكنائس العالمي بزيارة إلى الأراضي المقدسة منذ عدة سنوات، حيث شدد الوفد على دعم مبادرات السلام في هذه المنطقة المضطربة.
وأتت هذه الزيارة كتعبير عن السعي إلى العدالة والسلام، وكتأكيد على التزام مجلس الكنائس العالمي بدعم مسيرة السلام في الأراضي المقدسة والشرق الأوسط، وعلى رغبته المستمرة والواضحة في تحقيق سلام عادل.
التقى وفد مجلس الكنائس العالمي ببعض الزعماء اليهود والمسلمين. ففي مركز بيريز للسلام التقى بمجموعات فلسطينية وإسرائيلية تدافع عن حقوق الإنسان وبشيمون بيريز، وفي رام الله التقى برئيس الوزراء الحمد الله وباللجنة الرئاسية للشؤون الكنسية إضافة إلى ممثلي الجمعيات المسكونية. وعُرضت على الوفد صورة عن الأوضاع في ظل الاحتلال وبعض المشاريع الاجتماعية الناجحة في المنطقة.
بينما يقول المطران عطالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، أنّ السلام الحقيقي لن يُوجد إلا بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وتابع: "إنّ أي حديث عن السلام بدون التأكيد على العدالة إنّما هي أكذوبة كبرى فلا يمكن للسلام الذي يتغنى به البعض أن يكون حقيقة على الأرض إلا من خلال العدالة".
وأضاف: "إنّ العدالة في مفهومنا تعني أن تتحقق تطلعات وطموحات وثوابت شعبنا وأن ينال حريته الكاملة وأن يزول الاحتلال لكي ينعم هذا الشعب بالحرية والاستقلال مثل باقي شعوب العالم".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: البابا تواضروس الثاني اليوم العالمي للسلام حرب روسيا البابا فرانسيس القضية الفلسطينية هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
الحرب ليست خيار الأقوياء دائما
يملك التاريخ الكثير من الحقائق التي تستحق أن نعود إليها بين فترة وأخرى؛ لأنها تشكلت عبر الكثير من الممارسات والتجارب وتحولت مع الزمن إلى ما يمكن أن نطلق عليه بالقواعد الثابتة. ومن بين حقائق التاريخ التي لا غنى من العودة إليها، لفهم مسار الأحداث فـي الشرق الأوسط، حقيقة تقول: «إن السلام لم يكن يوما غاية لأولئك الذين لا يستطيعون العيش إلا وسط الخراب». وإذا كانت هذه الحقيقة تصدق على الكثير من بقاع العالم المشتعل بالحروب فإنها فـي منطقة الشرق الأوسط أكثر صدقا بحكم التجارب العملية التي نعيش تفاصيلها منذ عدة عقود مضت. وابتلي الشرق الأوسط، بحكم الجغرافـيا والسياسة والأيديولوجيا، بعقليات لا ترى فـي التعايش خيارا يستحق العمل من أجله، بل تعتبر الحروب والصراعات بيئة طبيعية لاستمرار نفوذها. وتتضح هذه العقلية بشكل جلي فـي دولة الاحتلال الإسرائيلي ومن دار فـي فلكها من كيانات الشرق الأوسط ودوله. وهؤلاء لا يملكون مشروعا إلا الهيمنة والعمل على ضرب كل مواطن القوة والثبات فـي هذه المنطقة، ووسيلتهم لتحقيق ذلك تتمثل فـي إبقاء المنطقة مشتعلة وتشويه المحاولات التي من شأنها إطفاء الحرائق التي تُشعل هنا وهناك.. وهؤلاء لا ينظرون بعين الرضا لأي صوت يدعو إلى التهدئة، أو لأي طرف يسعى بصدق إلى نزع فتيل الأزمات أو لأي دولة تسعى للحفاظ على رسوخها وعلى قيمها ومبادئها.
ووسط هذا التداعي وهذا الخراب السياسي والقيمي وهذه الحرائق السياسية المشتعلة فـي كل مكان من المهم الحديث عن التجربة العُمانية لما فـيها مما يمكن أن يكون أنموذجا يستحق المتابعة.. فإذا كان للتاريخ حقائقه فإن لعُمان تجاربها، أيضا، والتي شكلت الحقائق التي تقوم عليها السياسة العمانية التي نعيشها اليوم، وأهم تلك الحقائق أن السلام لعُمان خيار استراتيجي، وهذا الخيار يقتضي الحكمة والصبر، والقدرة على التفاعل مع جميع الأطراف دون تحيز. وخيار السلام الذي نتحدث عنه فـي عُمان، دائما، لم يأتِ من العدم، ولكنه جاء بعد حروب طويلة قامت عُمان فـيها بدور الحامي للجزيرة العربية ليس ابتداء بتحريرها من الاستعمار البرتغالي وليس انتهاء بوقف المد الماركسي الذي حاول الولوج عبر استغلال رغبات حقيقية لأناس يريدون تغيير واقعهم نحو الأفضل. وبين هذه وتلك الكثير من الأدوار التي يعرفها التاريخ ويعرفها المنصفون من كتابه ومتأمليه؛ لذلك فإن خيار السلام تشكل عبر وعي طويل بماهية الحرب وبماهية الصراعات ودورها فـي تقويض الأمم والحضارات ونسف منجزاتها الإنسانية.
إن موقف سلطنة عُمان من صراع النفوذ فـي المنطقة ـ وهو صراع يتلاعب ببعض الدول والقوى ويسخرها من أجل تنفـيذ أجنداتها الهدامة بوعي منها أو كونها كيانات وظيفـية هذا دورها فـي الأساس ـ موقف واضح جدا، وهو البعد عن الاستقطابات وتمويل الحروب وصب الزيت عليها، وهي بذلك لا تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية آنية على حساب استقرار المنطقة، لكنها فـي الوقت نفسه تقف مع القضايا العربية والإنسانية العادلة؛ لأن فـي دعمها دعم للحق وتشهد التجارب التي باتت واضحة للجميع صدق هذا الطرح ومنطقيته.
إن ما يحدث فـي المنطقة اليوم هو تشكيل للشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عنه الأدبيات الصهيونية منذ عقود طويلة وما حدث ويحدث فـي قطاع غزة وفـي لبنان وفـي سوريا وفـي العراق وإيران هو فـي سياق ذلك التشكيل الذي بات أكثر وضوحا الآن ويمكن رؤيته.
لا يريد البعض الاعتراف أن وقف إطلاق النار ضرورة ملحة للمنطقة بأسرها وليس لقطاع غزة أو الفلسطينيين فقط؛ فعودة الحرب عودة لكل تجليات الأزمة: عودة إسرائيل لارتكاب جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ما يعزز ويؤكد صورة إسرائيل فـي الوجدان الجمعي العالمي، كما أن عودة الحرب عودة لتفاقم التوترات فـي البحر الأحمر والهجمات التي تستهدف حركة الملاحة الدولية. ومن المستفـيد من هذا السيناريو؟ لا أحد. حتى القوى العظمى التي تدّعي حماية حرية التجارة تدرك أن تأجيج الصراع سيضر بمصالحها الاقتصادية على المدى الطويل.
أما على الجانب الفلسطيني، فإن الشعب الذي صمد أمام كل أشكال القمع لن يتراجع الآن، لأنه لم يعد لديه ما يخسره. فإذا نكثت إسرائيل عهودها كما تفعل دائما، وإذا استمرت فـي سياسة القتل والتهجير، فهل يتوقع أحد أن يسلم الفلسطينيون رقابهم؟ إنهم فـي هذه المرحلة أكثر وعيا بأن الحرب ليست خيارا، لكنها فرضت عليهم، وأن المقاومة لم تعد مجرد رد فعل، بل أصبحت قرارا استراتيجيا لشعب لم يعد يملك سوى الصمود.
وأمام هذا المشهد لا بد من دعم الجهود التي تسعى نحو السلام أينما كان، وبأي أوراق أمسكت، سواء فـي قلب الأزمة الحقيقية حيث الكيان الصهيوني أو حيث التداعيات التي أوجدتها تلك الحرب وتفاعلت معها. ولذلك تبرز أهمية القنوات الدبلوماسية التي يمكن فتحها والدخول عبرها من أجل تحقيق الهدف من السلام والاستقرار وهذه القنوات جوهر من جواهر العمل الدبلوماسي التي يعرفها أهل السياسة ويحافظون عليها حتى فـي أسوأ لحظات المواجهة؛ لأنهم يعرفون قيمتها والدور الذي تقوم به فكيف إذا كانت هذه القنوات بأيدي دول مشهود لها بالنزاهة وبالحياد وبصدق المبادئ.
ومن بين النماذج التي يمكن الحديث عنها القنوات التي بقيت فـي أيدي سلطنة عمان فـي العصر الحديث والتي عبرها استطاعت المساهمة فـي إطفاء الكثير من الحرائق التي كانت توشك على الاشتعال فـي منطقتنا وتم عبر تلك القنوات فتح حوارات حقيقية أثبتت للعالم أن السلام يمكن أن يصبح حقيقة بين أكبر الأعداء عندما تتوفر الرغبة والإرادة.
إن صوت العقل والحكمة الذي تتبناه السياسة العمانية خليق أن يُسمع لأنه ينطلق مع وعي عميق بماهية الحرب وماهية ما يحاك للمنطقة والنتائج التي يمكن أن يسفر عنها استمرار المشروع الصهيوني.
وستعلم إسرائيل ومن يدعمها فـي المنطقة ويأتمر بأمرها وينفذ أجنداتها أنهم جميعا يذهبون نحو الجحيم عاجلا أم آجلا. وقد مرّ الشرق الأوسط بفصول كثيرة من الدم والنار، وفـي كل مرة كان الحل يأتي فـي النهاية عبر طاولة المفاوضات، وسيأتي يوم يدرك فـيه الجميع أن منطق الصراخ لا يبني دولا، والتآمر لا يبني حضارات وإنّ صوت العقل، وإن كان خافتا، يبقى أقوى من ضجيج المدافع. وعُمان باقية على مواقفها ليس لأنها تبحث عن مجد سياسي، فمجدها منقوش على صخورها الصلدة، ولكن لأنها ببساطة تدرك أن التاريخ لا يرحم أولئك الذين يختارون الحرب وهم قادرون على تحقيق السلام.
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة«عمان»