الخليج الجديد:
2024-07-06@09:08:43 GMT

العلاقات بين باريس والرباط تفقد براغماتيتها

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

العلاقات بين باريس والرباط تفقد براغماتيتها

العلاقات بين باريس والرباط تفقد براغماتيتها

تعتبر الأزمة الحالية بين الرباط وباريس امتدادا لأزمة انفجرت مع فرانسوا أولوند بسبب توجه فرنسا لجعل الجزائر الشريك الرئيسي لها على حساب المغرب.

أزمة حقيقية كانت آخذة في التبلور، وتتجلى في قرار باريس تحقيق توازن في سياستها بين المغرب والجزائر، وتطوير العلاقات بالجزائر وتخفيف تأييد المغرب في نزاع الصحراء.

هذه العلاقات طيلة العقود الأخيرة لم تكن مثالية، بل براغماتية. وبدأت الأجندة الجيوسياسية للبلدين تتباعد، مما يؤدي الى تباعد العلاقات، بما في ذلك وقوع أزمات مثل الحالية.

* * *

تمر العلاقات بين المغرب وفرنسا بتوتر مفتوح وأزمة معلنة منذ أكثر من سنتين ونصف السنة، على خلفية ملفات متعددة تجمع بين ترابية مثل، الصحراء الغربية واستخباراتية مثل التجسس، وآخرها الجدل الناتج عن رفض المغرب المساعدات الفرنسية في الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز (جنوب المغرب) يوم 8 سبتمبر/أيلول الجاري.

وهذه الأزمة واحدة من الأزمات في مسار العلاقات الثنائية، التي على عكس ما يُعتقد لا تعتبر مثالية ولا تاريخية، بل تسجل نكسات ومواجهات، وقد تتفاقم مستقبلا بسبب توجه أجندة كل بلد مستقبلا.

وتعود جذور الأزمة الأخيرة إلى مارس/آذار 2021، حيث تزامنت عوامل جعلتها تشهد برودة قبل التوتر المعلن. وأهم هذه العوامل: رصدت باريس فرضية تجسس المغرب عليها بواسطة برنامج بيغاسوس، حيث استهدف الطبقة السياسية، وعلى رأسها الرئيس إيمانويل ماكرون. اعتبرت باريس هذا التصرف «خيانة» من دولة تعتبرها حليفة، وقفت مع الرباط في حرب الصحراء وفي الأمم المتحدة، وجعلت منها قبلة للاستثمارات الفرنسية.

في المقابل، لم يستوعب المغرب كيف تعّمدت باريس أن تفوت عليه أهم فرصة تاريخية للحسم بشكل كبير في نزاع الصحراء، وذلك بعدم انضمامها إلى الدعم الأمريكي بعد اعتراف البيت الأبيض إبان حقبة دونالد ترامب بسيادته على هذه المناطق.

اعتقد المغرب أن باريس ستكون صوته في الاتحاد الأوروبي لتوحيد كلمة الغرب حول موقف موحد في هذا النزاع، وهو دعم مغربية الصحراء الغربية، لكن باريس في ظرف تاريخي حساس مالت لإرضاء الجزائر وخففت دعمها لموقف المغرب في الصحراء الغربية.

هذا هو الجوهر الحقيقي للمشكل الحقيقي بين البلدين، وليس تلك التحليلات التي تذهب إلى القول بمنافسة مغربية – فرنسية اقتصادية في القارة الافريقية. والواقع أن العلاقات بين البلدين ليست مثالية وليست تاريخية، بل هي علاقات تشهد استقرارا يهتز بين الحين والآخر، وتحدث قطيعة حقيقية تمتد إلى سنوات.

تاريخيا، وقبل القرن العشرين، لم تكن فرنسا شريكا للمغرب، بل إسبانيا وبريطانيا، وفي النصف الأول من القرن الماضي كانت علاقة استعمار تخللها تقتيل ونهب. ومنذ استقلال المغرب في منتصف الخمسينيات عن الاستعمار الفرنسي والإسباني وقعت أزمات كبرى بين البلدين وأبرزها:

*أزمة أواخر الخمسينيات، حيث عارض المغرب سياسة فرنسا في الجزائر، ثم قرارها الدفع باستقلال موريتانيا التي كانت تعتبرها جزءا من الأراضي المغربية. وقامت الرباط وقتها بتعزيز العلاقات مع الاتحاد السوفييتي، وكان هذا في فترة الملك محمد الخامس، جد الملك الحالي وأب الراحل الحسن الثاني. هذا الأخير، أعاد العلاقات إلى سكتها بعد وفاة الأب.

*أزمة اختطاف واغتيال المهدي بن بركة: وهي من أكبر الأزمات، حيث قرر الرئيس شارل ديغول مقاطعة المغرب بعدما تبين تورط الأخير في اختطاف الزعيم اليساري المهدي بن بركة خلال نوفمبر/تشرين الثاني 1965، واستمرت القطيعة سنوات، ولم تشهد عودة إلى طبيعتها الحقيقية إلا مع وصول فاليري جيسكار ديستان الى الإليزيه سنة 1974.

*أزمة كتاب «صديقنا الملك» للكاتب جيل بيرو سنة 1990 الذي قدم خلاله رؤية مختلفة عن تلك التي كان يروج لها المغرب في فرنسا. ورغم أن فرنسا كدولة لا تتحمل أي مسؤولية عن صدور هذا الكتاب، إلا أنه تسبب في أكبر الأزمات بين البلدين. وفاقم الكتاب من برودة العلاقات التي كانت بين البلدين إبان حقبة رئاسة الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران.

ولم تشهد العلاقات انفراجا إلا مع فوز جاك شيراك بالرئاسة منتصف التسعينيات. ويعد شيراك المؤسس الحقيقي لمرحلة جديدة من العلاقات القائمة على المصلحة العميقة المتبادلة، وكان ينادي منطقة الصحراء بالأقاليم الجنوبية للمغرب، وحافظ خلفه في الرئاسة نيكولا ساركوزي نسبيا على هذا المستوى.

*أزمة المحاكمة: ونعني بها قرار القضاء إبان فترة رئاسة فرانسوا هولاند، إذ جرت محاولة اعتقال مدير الاستخبارات المغربية عبد اللطيف الحموشي سنة 2014 على خلفية ملفات حقوقية. وتسببت هذه الأزمة في قرابة سنة من التوتر لكنها لم تصل إلى القطيعة.

ولم يكن هذا الملف سوى مظهر من مظاهر الأزمة الحقيقية التي كانت آخذة في التبلور، وتتجلى في قرار باريس تحقيق توازن في سياستها بين المغرب والجزائر، من خلال تطوير العلاقات مع الجزائر وتخفيف تأييد المغرب في نزاع الصحراء. وكان مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية برنارد باجولي مهندس هذه السياسة، ويعززها المدير الحالي برنارد إيمي.

وتعتبر الأزمة الحالية إبان فترة ماكرون، امتدادا للأزمة التي انفجرت مع فرانسوا هولاند بسبب توجه الدولة الفرنسية لجعل الجزائر الشريك الرئيسي لباريس في منطقة شمال افريقيا على حساب العلاقات مع المغرب.

وتجد باريس المبرر في كون المغرب بدوره يبحث عن شركاء آخرين في أوروبا أو باقي العالم، ويشدد على ذلك علانية في تصريحات لمسؤوليه، سواء الملك محمد السادس أو رؤساء الحكومة.

وأصبحت قضية رفض المغرب للمساعدات الفرنسية المظهر الأبرز للأزمة الحالية، إذ يعتبر المغرب أنه ليس في حاجة لمساعدات باريس حاليا. وترى الأخيرة أن القرار سياسي ومفارقة كبيرة!

وتتساءل إذ كيف يتوافد آلاف المغاربة على فرنسا للدراسة مجانا، ثم استمرار المغرب التوصل بمساعدات فرنسية في مختلف المساعدات، ويرفض المساعدات في ظرف دقيق مثل مأساة الزلزال.

وترتبت عن هذه الأزمة، حرب إعلامية بين الطرفين، فقد هاجمت الصحافة المغربية فرنسا بشكل قاس للغاية، وبدورها نشرت الصحافة الفرنسية مقالات قاسية في حق الملك محمد السادس، ويحدث هذا لأول مرة منذ وصوله إلى العرش سنة 1999.

الأزمة الأخيرة بين الرباط وباريس تأتي لتؤكد معطى أساسيا وهو: أن هذه العلاقات طيلة العقود الأخيرة لم تكن مثالية، بل براغماتية. وبدأت الأجندة الجيوسياسية لكل من البلدين تتباعد، وهو ما يؤدي الى تباعد هذه العلاقات، بما في ذلك وقوع أزمات مثل الحالية.

*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: المغرب فرنسا الجزائر الأزمات براغماتية الصحراء الغربية بيغاسوس زلزال الحوز العلاقات بین بین البلدین المغرب فی

إقرأ أيضاً:

"صحاري سلم وسعى" لبوحنانة في القاعات السينمائية

يستعد المخرج المغربي مولاي الطيب بوحنانة لعرض فيلمه السينمائي الجديدة « صحاري-سلم وسعى » في مختلف القاعات السينمائية المغربية، بعدما تم تتويجه عبر عدد من الدول الأجنبية والمغربية.

ومن المنتظر أنيتم عرض  الشريط السينمائي الجديد « صحاري-سلم وسعى »عبر مختلف دور  السينما المغربية ابتداء من الـ 5 من شهر يوليوز الجاري، بعد عرض ما قبل أول احتضنه قصر المؤتمرات بمدينة العيون.

ويحكي الفيلم قصة ثلاثة إخوة من مدينة العيون تدفعهم الظروف للقيام بثلاثة اختيارات مختلفة خلال خروج المستعمر الإسباني من الصحراء المغربية سنة 1975، بحيث يدافع حَمّدْ بشدة عن الوحدة الترابية للمغرب، بينما تلتحق السالكة بمخيمات تندوف في الجزائر، أما اعْمْر فيختار الحياد والعيش وسط الصحراء الموريتانية؛ لكن رغم المسافة التي تفصل بينهم تبقى الذاكرة تجمعهم، متشبثين بأمل اللقاء.

جرى تصوير هذا العمل الفني الروائي الذي يمكن تصنيفه ضمن “فيلم المؤلف” سنتي 2020 و2021، وتمت كتابته وإنتاجه وإخراجه من طرف مولاي الطيب بوحنانة الذي عاشت عائلته قصة مماثلة لتلك التي رويت في الشريط.

كلمات دلالية الصحراء المغربية بوحنانة سينما شريط سينمائي صحاري سلم وسعى فن

مقالات مشابهة

  • وزير إسباني يدعو من مليلية للحفاظ على روابط العلاقات مع المغرب
  • أولمبياد باريس.. حكيمي حاضر مع المغرب ومصر والعراق دون صلاح وإقبال
  • قائمتا منتخبي المغرب ومصر المشاركتان في أولمبياد باريس 2024
  • السكيتيوي يكشف عن لائحة المنتخب الأولمبي التي ستمثل المغرب في أولمبياد باريس
  • بونو خارج قائمة المغرب المشاركة في أولمبياد باريس
  • حكيمي على رأس قائمة منتخب المغرب في أولمبياد باريس 2024
  • حكيمي يقود قائمة منتخب المغرب في أولمبياد باريس 2024
  • "صحاري سلم وسعى" لبوحنانة في القاعات السينمائية
  • تحليل : المغرب لن يتأثر بصعود اليمين المتطرف إلى السلطة بفرنسا
  • مسافرون يؤدون الصلاة في الصحراء قرب الرياض قديما