رحل عن عالمنا مساء أول أمس الثلاثاء الفيلسوف والسياسي الإيطالي جياني فاتيمو عن عمر يناهز 87 عاما بعدما نقل إلى المستشفى خلال الأيام الماضية نتيجة لسوء حالته الصحية.

ويعد الأكاديمي الراحل من أشهر الفلاسفة الإيطاليين ومن أكبر دعاة "الفلسفة التأويلية" على المستوى العالمي، والتي تشير إلى تطور دراسة نظريات تفسير وفن دراسة وفهم النصوص في فقه اللغة والنقد الأدبي، وقد ترجمت كتابات فاتيمو إلى عدد كبير من اللغات، بينها العربية التي ترجم إليها كتابه "نهاية الحداثة".

فاتيمو أكد في كتاباته على تاريخية ومحدودية الحالة الإنسانية ومركزية اللغة والتفسير، ليس فقط في فهم العمل الفني، لكن في كل أشكال الخبرة الأخرى.

جياني فاتيمو في مهرجان بوينس آيرس الدولي للأدب 2008 (الأوروبية) فلسطين في الفكر والسياسة

نشط صاحب كتاب "مغامرة الاختلاف.. الفلسفة بعد نيتشه وهايدجر" في أحزاب يسارية إيطالية، وانتخب عضوا بالبرلمان الأوروبي في عام 1999 ثم لولاية أخرى عام 2009، وعرف بمواقفه الناقدة بشدة لإسرائيل والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.

وكان أحد الموقعين على عريضة نشرت يوم 28 فبراير/شباط 2009، داعيا الاتحاد الأوروبي إلى إزالة حماس من قائمة المنظمات الإرهابية، ومنحها الاعتراف الكامل كصوت مشروع للشعب الفلسطيني.

وفي 22 يوليو/تموز 2014 وردا على الحرب الإسرائيلية على غزة قال إنه يجب "الرد على أولئك الصهاينة، لو كان الأمر بيدي لدعوت إلى اكتتاب عالمي لشراء أسلحة للفلسطينيين لوقف الإسرائيليين الذين يقومون بذبح جماعي لهم".

وفي العام 2013 حرر فاتيمو كتاب "تفكيك الصهيونية.. نقد الميتافيزيقا السياسية" الصادر عن دار بلومزبري البريطانية للنشر، ضمن سلسلة النظرية السياسية والفلسفة المعاصرة، مقدما نقدا سياسيا وفلسفيا للصهيونية.

ويعتبر الكتاب أنه في حين تكيفت القوميات الأخرى مع حقائق القرن الـ21 والمفاهيم المتغيرة للدولة والأمة ظلت الصهيونية إلى حد كبير مقيدة بعقلية القرن الـ19، بما في ذلك تمجيد الدولة باعتبارها الوسيلة الوحيدة للتعبير عن روح الشعب.

وشارك في الكتاب مفكرون عالميون بارزون، بمن في ذلك الفيلسوف السلوفيني الشهير سلافوي جيجيك، ولوس إيريغاري، وجوديث بتلر، وآخرون، مفككين الأساطير السياسية "الميتافيزيقية" التي تشكل إطار وجود إسرائيل.

ويقدم الكتاب نقدا متعدد الأوجه للأسس اللاهوتية والسياسية للمشروع الصهيوني والنتائج الاقتصادية والجيوسياسية والثقافية لهذه الأسس، ويعد مساهمة كبيرة في المناقشات المحيطة بدولة إسرائيل اليوم.

سيرة فيلسوف إيطالي

ولد فاتيمو في تورينو بإيطاليا في 4 يناير/كانون الثاني 1936 باسم "جيانتيريسيو"، ودرس الفلسفة على يد الوجودي لويجي باريسون في جامعة تورينو، وتخرج عام 1959.

وفي عام 1963 انتقل إلى هايدلبرغ، ودرس مع الفلاسفة كارل لويث وهابرماس وهانز جورج غادامير بمنحة من مؤسسة ألكسندر فون هومبولت.

وفي تورينو أصبح فاتيمو أستاذا مساعدا في عام 1964 ثم أستاذا متفرغا لعلم الجمال في عام 1969، وأثناء بقائه في المدينة المزدهرة الواقعة شمال غربي إيطاليا أصبح أستاذا للفلسفة النظرية في عام 1982، وكان أستاذا زائرا في عدد من الجامعات الأميركية.

وكان زميله الروائي والفيلسوف الإيطالي أومبرتو إيكو الذي شارك معه الصداقة والاهتمامات، وتخرج في الفلسفة عام 1959 بجامعة تورينو.

كان فاتيمو أيضا من بين رواد التلفزيون الإيطالي مع إيكو، حيث اشتركا معا في عام 1954 وفازا في مسابقة "راي" لتوظيف مسؤولين جدد، وتركا مؤسسة التلفزيون في أواخر الخمسينيات.

وفي بداية الثمانينيات اشتهر باقتراحه المرتبط بالأفق النظري لفكر نيتشه وهايدجر، وأيضا بالنقاش بشأن ما بعد الحداثة بعد أن رأى فيها "فكرا ضعيفا" يتخلى عن الفلسفة.

جياني فاتيمو في صورة قديمة التقطت بشارع عام 1980 (غيتي) نهاية الحداثة

يبحر كتاب "نهاية الحداثة.. العدمية والتأويل في ثقافة ما بعد الحداثة" -الذي نشر عام 1991- في الموضوعات المعقدة والفلسفية المحيطة بالانتقال من الحداثة إلى ما بعدها، ويستكشف مفهوم العدمية، وهو الإيمان بغياب المعنى أو القيمة المتأصلة في الحياة وكيف أصبح عقلية سائدة في الثقافة المعاصرة.

درس مؤلف "نيتشه.. الفلسفة كنقد ثقافي" علم التأويل ونظرية التفسير والفهم ودورها الحاسم في سياق ما بعد الحداثة، ويجادل الكتاب في أنه مع تآكل المصادر التقليدية للمعنى والسلطة في عالم ما بعد الحداثة يلجأ الأفراد إلى التفسير وإعادة التفسير لفهم وجودهم.

في جوهره، يقدم "نهاية الحداثة" تحليلا ثاقبا للتحولات الفكرية والثقافية التي أدت إلى الشعور بخيبة الأمل وعدم اليقين في عصر ما بعد الحداثة، مع التركيز على أهمية التفسير والتأويل كأدوات للتنقل في هذا المشهد الجديد.

ويحتل جياني فاتيمو مكانتين نادرتين نسبيا باعتباره فيلسوفا بارزا وسياسيا، وباهتمامه بتحولات المسيحية كما في كتابه "المسيحية والحقيقة والإيمان الضعيفة"، و"مستقبل الدين"، وكذلك النقد الفني كما في كتابته "مطالبة الفن بالحقيقة"، وتوجهه السياسي الاشتراكي الديمقراطي.

وقدم فاتيمو للمكتبة الفلسفية والسياسية 19 كتابا، وبلغت مساهماته الأكاديمية مئات الأوراق العلمية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی عام

إقرأ أيضاً:

نقاشات حول دور مصر الفعال في تطوير الفلسفة ثاني أيام مؤتمر الفجيرة الدولي.. صور

شهد اليوم بيت الفسلفة بالفجيرة فعاليات اليوم الثاني من الدورة الرابعة من مؤتمر الفجيرة الدولى للفلسفة، المقام هذا العام تحت شعار "النقد الفلسفى".
تضمن برنامج اليوم عدة محاضرات لأبرز أساتذة الفلسفة العرب والأفارقة، حيث تضمنت الجلسة الأولى التي أدارتها د. دعاء خليل محاضرتين، جاءت الأولى تحت عنوان "الأساس الفلسفي للنقد الأدبي" وطرحت فيها الناقدة الإماراتية د. مريم الهاشمي عدة تساؤلات عن فلسفة الفوضى وفلسفة الآلة، ومدى قدرة النقد على احتواء الفلسفة، وماذا تريد الفلسفة في الأساس من النص الإبداعي.

 


وتناولت "الهاشمى" خلال محاضرتها المراحل التي مر بها النقد مع التطور الإنسانى والفكرى حتى أصبح له منهجية واضحة.

 

 


بينما تحدث د. سليمان الضاهر أستاذ الفلسفة اليونانية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية عن "النقد وبداية التفلسف" من خلال طرح بعض النقاط في ورقة عمل اعتبرها ملخصا لأحد أبحاثه، فسلط الضوء على كيف انتقل الإنسان القديم خلال مرحلة الوعي الأسطورى التي كان يتقبل فيها الخلق دون نقد أو طرح أي سؤال - لأنه كان يتوافق مع رغباته الإنسانية - إلى مرحلة النقد الفسلفي.
وشرح "الضاهر" كيف انتقل الفكر الفلسفي من السؤال النظرى إلى مرحلة السؤال العملى التي جعلت النقد الفلسفي اكثر إلتصاقا بالإنسان.

 

 

 


وفي نفس السياق، جاءت الجلسة الثانية التى رأسها د. سليمان الضاهر، فجاءت المحاضرة الأولى تحت عنوان "الإنصات بوصفه شرطا أوليا للنقد" حيث تحدث فيها د. عبد الله المطيري عن العلاقة الوثيقة بين الإنصات والنقد، وكيف يسهم الإنصات في تطوير الحوار والفكر النقدي، كما أكد أن الإنصات هو النداء الذي تستجيب له اللغة لتلد حوارا.
تلى ذلك محاضرة بعنوان "النقد والسؤال" تحدث فيها د. عبد الله الجسمي عن طبيعة العلاقة بين النقد والسؤال على مستوى التقديم والتفكير وطبيعة الوظيفة النقدية للفلسفة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على المنهج النقدي في المدارس الفلسفية التقليدية الذي كان مقيد بالمسلمات وخاضع لطبيعة الحقيقة الكلية التي يؤمن بها الفيلسوف.

وعلى صعيد آخر، جاءت الجلسة الثالثة والأخيرة التى قدمت باللغة الإنجليزية والتي رأسها د. مشهد العلاف، حيث حاضر في تلك الجلسة الناقد الأفريقي د. إيدوين إيتييبو بعنوان "الخطاب الفلسفي العربي والإفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية" والذي أكد على أن تطور الفلسفة الغربية اعتمد في الأساس على نظريات وفلاسفة العرب، بالرغم من أنهم يعتبرون تاريخ الفلسفة الأوروبية وكأنه هو التاريخ الوحيد والأساسى في جميع أنحاء العالم.
مشيرا إلى رفضه لتهميش دور الفلسفة العربية والأفريقية رغم تميزها وتفردها، خاصة الفلاسفة الإسلاميين الذين أحدثوا تطورا كبيرا في هذا المجال، وانتقلت أفكارهم من خلال الترجمات من العربية إلى اللغات المختلفة، كما ضرب أيضا مجموعة من الأمثلة على وجود فلاسفة في مصر أسهموا بكثير من الدراسات في مجال الفلسفة منذ العصور الفرعونية القديمة، وكان أغلبهم يجمعون بين الفلسفة والطب والعلوم.
جديرا بالذكر أن هذا المؤتمر يقام بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة، ومن المقرر أن تختتم أعمال تلك الدورة غدا السبت باجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية، بجانب عرض نتائج دراسة حالة "أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس"، ثم توقيع اتفاقية تعاون بين "بيت الفلسفة" بالإمارات وجامعة بارى ألدو مورو.

مقالات مشابهة

  • مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يختتم فعاليات دورته الرابعة
  • الأجزاء المحذوفة من منهج الفلسفة والمنطق لطلاب الصف الأول الثانوي
  • النزعة الإنسانية
  • بيراميدز يفوز على البنك الأهلي بثلاثية مصطفي فتحي وصديق إيجولا
  • "دور مصر الفعال في تطوير الفلسفة" محاضرة بـ ثاني أيام مؤتمر الفجيرة الدولي
  • نقاشات حول دور مصر الفعال في تطوير الفلسفة ثاني أيام مؤتمر الفجيرة الدولي.. صور
  • "متحف تورينو المصري يضيء كنوزه الأثرية في احتفالية الذكرى الـ 200 لتأسيسه" بإيطاليا
  • كاتبة صحفية: موقف المؤسسات الدينية من الطلاق الشفهي مرفوض
  • انطلاق الدورة الرابعة من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة.. الليلة
  • «اليونسكو» تحيي اليوم العالمي للفلسفة