دفاع عن محمد ﷺ ضد المنتقصين من قدره
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
كثيرون كتبوا عن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، سواء كانوا مسلمين، من أهل العلم والبحث والديني، أو مسلمين دفعهم الشوق والحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكتبوا عنه، أو عن حياته وعظمته، وكثيرا ما كتب عنه غير مسلمين، سواء غربيين أو شرقيين أيضا، ونحن نتحدث عمن كتبوا عنه بإنصاف وحيدة، ودافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لكتابة من ابتعدوا عن تعاليم النبوة، وكانت لهم مواقف بعيدة عن الإسلام، إن لم تكن ضده، من أهل الإسلام، لهذه الكتابة من هذا الصنف من الكتاب، مذاق خاص، ونظرة مختلفة، من حيث هي تكفير لماضي لا يشرفهم، أو من حيث النظرة التي ينظرون بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد رأيت ونحن في شهر ربيع الأول، أن نتناول بعض الكتب التي كتبها هؤلاء، أعني: من كانوا ملاحدة، أو على غير نهج الإسلام الصحيح، ثم عادوا إليه بقوة، فكانوا من أعظم المنافحين والمدافعين عنه، وعن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ويأتي في قائمة هؤلاء: الدكتور عبد الرحمن بدوي، والذي كانت مواقفه لنصف قرن من حياته، ضد الإسلام، وسمي بـ: فيلسوف الوجودية، وكان أهم منظر لها في العالم العربي، وكتب أشعارا ومقالات تمجد الإلحاد، حتى هاجمه يوما ما من باب النقد الأدبي: الأستاذ سيد قطب رحمه الله، في مقال مهم في مجلة: (الرسالة).
لكن بدوي تحول في أخريات حياته، وهو ما حدث مع فيلسوف آخر، كان يلقب بشيخ الفلاسفة، وهو الدكتور زكي نجيب محمود رحمه الله، كتب بدوي كتابين في الدفاع عن القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، أما الأول فعنوانه: دفاع عن القرآن، وأما الثاني فعنوانه: دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد المنتقصين من قدره.
كان بدوي في أخريات حياته نادما على المرحلة التي عاشها مبتعدا عن الإسلام، بل ضد تعاليمه، فقد قال نادما عن ماضيه، ومبينا ما ينتوي فعله تجاه الإسلام: (لا أستطيع أن أعبر عما بداخلي من إحساس الندم الشديد، لأنني عاديت الإسلام والتراث العربي لأكثر من نصف قرن. أشعر الآن أنني بحاجة إلى من يغسلني بالماء الصافي الرقراق؛ لكي أعود من جديد مسلما حقا، إنني تبت إلى الله وندمت على ما فعلت، وأنوي إن شاء الله ـ بعد شفائي ـ أن أكون جنديا للفكر الإسلامي وللدفاع عن الحضارة التي شادها الآباء والأجداد، والتي سطعت على المشارق والمغارب لرقون وقرون).
كان بدوي في أخريات حياته نادما على المرحلة التي عاشها مبتعدا عن الإسلام، بل ضد تعاليمه، فقد قال نادما عن ماضيه، ومبينا ما ينتوي فعله تجاه الإسلام: (لا أستطيع أن أعبر عما بداخلي من إحساس الندم الشديد، لأنني عاديت الإسلام والتراث العربي لأكثر من نصف قرن. أشعر الآن أنني بحاجة إلى من يغسلني بالماء الصافي الرقراق؛ لكي أعود من جديد مسلما حقاوعندما سئل عما يتمنى، فقال: (أتمنى أن يمد الله في عمري؛ لأخدم الإسلام، وأرد عنه كيد الكائدين، وحقد الحاقدين). وقد كان ذلك آخر حوار له قبل وفاته، كما بين ذلك الدكتور محمد عمارة رحمه الله في مقدمة كتاب: (دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم) لبدوي، وقد حرص عمارة على نشر الكتاب هدية مع مجلة (الأزهر)، وقد كانت هذه الكتب التي تنشر مع المجلة هدية للقارئ، وهي كتب عظيمة ونافعة، وقد ركز عمارة على الكتب التي تعالج المشكلات الفكرية للشباب، وقد كانت تسبب حنقا وغيظا من خصوم عمارة، وخصوم الفكر الإسلامي، وكثيرا ما مارسوا ضغوطهم ليستقيل من المجلة.
أما عن الكتاب، فإنه ركز على طرح خمس قضايا يرد فيها الشبهة والافتراء عن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، وهي كالتالي:
1 ـ زعم عدد من المستشرقين أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان مصابا بالهستيريا وحتى الصرع، وبالتالي كانت حالة الوحي التي تأتيه حالة مرضية.
2 ـ أنه كان صوفيا، وذلك حتى يبرروا ما ادعوه في الفرية السابقة، من الحالة الروحية التي كانت مع الوحي.
3 ـ دعوى حسية الرسول، وشهوانيته.
4 ـ موقف النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود في المدينة.
5 ـ الطعن في أصالة العبادة الإسلامية، وأنها مستقاة من الشريعة اليهودية.
وإذ بعبد الرحمن بدوي يفند هذه الشبهات والدعاوى تفنيدا مذهلا، حيث استند الرجل على ثقافته الهائلة المطلعة على التراث الاستشراقي، وعلى المناهج العقلية والبحثية الغربية والشرقية، فيهدر في الإجابة ويسهب، ويفند كل شبهة وفرية، بأسلوب جذاب وموضوعي، كل ذلك لا يحيد فيه عن منهجية متزنة.
ساعد بدوي على ذلك: اطلاعه على مدارس الاستشراق، فالرجل قد كتب موسعة عن (المستشرقين) في مجلدين كبيرين، فهو خبير بتاريخهم، وخبير بأفكارهم ومناهجهم، وخبير كذلك بما يطرحون من شبه، وأسباب ورود هذه الشبه عندهم، سواء كان المقصود بها الانتقاص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم، أم هي بحث علمي، أخطأ فيه المستشرق بناء على خطأ في خطوات البحث، أو منهجيته، كل ذلك قام به بدوي بعاطفة مؤمن محب لدينه ونبيه صلى الله عليه وسلم، فعرض حقائق هذا الدين في إطار الرد المفحم عليهم.
وكان من أقوى ما استدل به بدوي أنه جاء بشهادات لكتاب غربيين عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، بل إن منهم من قارن بين القرآن الكريم والكتب المقدسة الأخرى، من عدة أوجه، فكانت الكفة الراجحة؛ كفة القرآن الكريم، وهي شهادات من خصوم للإسلام، وليست من أبنائه.فند بدوي الشبه المتعلقة بالوحي، وأنه وحي من عند الله تعالى، كما كان الوحي على الرسل السابقين، وأن محاولة المستشرقين تبرير ذلك بأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان صوفيا، تتغشاه حالة روحية، وليست وحيا، فبين أن دين الإسلام لم يأت بما يتعلق بالروح فقط، بل تعاليمه شملت كل ما يتعلق بالجسد والروح والعقل والنفس، في توازن وتكامل، لا يوجد في دين غيره.
وكان من أقوى ما استدل به بدوي أنه جاء بشهادات لكتاب غربيين عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، بل إن منهم من قارن بين القرآن الكريم والكتب المقدسة الأخرى، من عدة أوجه، فكانت الكفة الراجحة؛ كفة القرآن الكريم، وهي شهادات من خصوم للإسلام، وليست من أبنائه.
وأما عند دفاعه عن تعدد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما يتهمه به المتسشرقون بأنه شهواني، فدلل بدوي من كتب القوم المقدسة، وجود أنبياء لهم، كانوا معددي زوجات، وبين أن معظم زيجاته كانت لأهداف مشروعة، منها ما هو اجتماعي، وما هو تشريعي، وأن فترة الشباب عند محمد صلى الله عليه وسلم تزوج بها بنساء يكبرنه في العمر، ولم يتزوج بكرا سوى عائشة رضي الله عنه، بعد تجاوزه الخمسين.
وعن ادعائهم بأن الإسلام اقتبس نظامه التعبدي من الأديان السابقة، فرد بدوي ردودا في غاية القوة، حيث قام بمقارنة الحركات التي في الصلاة، والشروط والضوابط، وما يقرأ في الصلاة، فقارن بين سورة الفاتحة، والقداس الأبوي، وبين أسماء الله الحسنى في القرآن وفي الكتب السماوية الأخرى، وأنهما لا يلتقيان في كثير جدا، بل يختلفان، من حيث النظرة لله عز وجل، ومن حيث الإيمان بصفاته وأسمائه العلى.
بل قارن بين بقية التشريعات، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والأضحية، والنذور، وسائر العبادات والمعاملات، وقارن بتفاصيل دقيقة ومهة تبين تمايز الإسلام فيها، وعدم تقليده الغير، مع إيمان المسلم بهذه الكتب السماوية قبل تحريفها، وإيمانه برسلها جميعا.
وكنت أتمنى لو أن بدوي بحكم اطلاعه على التراث الاستشراقي، في الرد على هذه المسألة، لو أنه أتى بدراسات غربية استشراقية دللت على العكس، وهو تأثر الديانات الأخرى بالعبادة الإسلامية، وهذه الكتابات صدرت من أتباع هذه الديانات، فقد كتب نفتالي فيدر وهو باحث يهودي رسالة أكاديمية مهمة في جامعة أكسفورد سنة 1947 عن: التأثيرات الإسلامية في العبادة اليهودية. وأن يكون رده على جولد زيهر في هذا الموضوع من كلامه نفسه في كتابه عن موسى بن ميمون، وتأثره بالتشريع الإسلامي.
رحم الله الدكتور عبد الرحمن بدوي، وجزاه خيرا عما قدم دفاعا عن دينه ورسوله، وقرآنه، ويبدو أنه كان ينوي كتابة رد على شبهات المستشرقين حول السنة النبوية، كما بين في آخر كتابه: (دفاع عن محمد)، ولكنه توفي قبل ذلك، بعد أن كتب كتابين يدافع بهما عن القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سيرة كتب الدفاع كتب دفاع سيرة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النبی صلى الله علیه وسلم محمد صلى الله علیه وسلم القرآن الکریم من حیث
إقرأ أيضاً:
بعد تصريحات وسام شعيب .. دار الإفتاء: «منْ كشف عورة أخيه كشف الله عورته»
أثارت تصريحات طبيبة كفر الدوار وسام شعيب ، جدلاً كبيراً، بعدما نشرت مقطع فيديو تضمن وصفًا لحالات حمل سفاح لفتيات، بينهن طفلة 17 عامًا، في شهرها الثامن، وأن أسرتها حاولت إجهاضها، وفيديو آخر تحدث عن سيدة لجأت إلى الزواج العرفي من شاب أصغر منها لتسجيل الطفل باسمه، مؤكدة أن الطفل نتاج علاقة غير شرعية من رجل آخر.
وقالت دار الإفتاء، إن احترام خصوصياتِ الآخرين واجبٌ شرعيٌ وأخلاقيٌ، ومِن مظاهر احترامِ خصوصية الآخرين، -عدم نَشْر المقاطع المُصوَّرة أو المسموعة عن تفاصيل حياتهم وما يصنعونه -سواء كان هذا الصَّنيع مُبَاحًا أو لا-، فالشرع الشريف نَهَى عن نَشْر وإشاعة ما يُعيَّب به المرء؛ لأنَّ فيه تتبُّعًا للعورات.
لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتِهمواستشهدت الإفتاء في فتوى لها، في إجابتها عن سؤال: «كيف حث الإسلام على احترام خصوصية الآخرين؟» بقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يَدخُل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتِهم، فإنَّه مَن اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومَن يتبع الله عورته يَفْضَحه في بيته» (رواه أبو داود).
الشرع الشريف أمر بالستر
وتابعت: إن الشرع الشريف أمر بالستر وغض الطرف عن عثرات الناس وعيوبهم، وعدم تتبع عوراتهم، وعدم التشهير بهم؛ لئلا يكون سببًا في نشر السوء من وجه، وسترًا وعونًا على التوبة وإصلاح النفس من وجه آخر؛ فعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وواصلت: وفي رواية أخرجها الإمام ابن ماجه في "سننه": «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ»؛ قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 638، ط. دار الحديث): [من ستر مسلمًا اطلعَ منه على ما لا ينبغي إظهارهُ من الزلاتِ والعثراتِ، فإنه مأجور بما ذكره من سترهِ في الدنيا والآخرة؛ فيسترهُ في الدنيا بألَّا يأتي زلةً يَكْرَهُ اطلاعَ غيرهِ عليها، وإن أتاها لم يُطلعْ الله عليها أحدًا، وستره في الآخرة بالمغفرة لذنوبه وعدم إظهار قبائحه وغير ذلك].
وأكملت: قد حرص الإسلام على احترام خصوصية الإنسان، وهو أمر داخل في مقصد حفظ العرض، وهو أحد المقاصد الكبرى للشريعة، وشرع الله عزَّ وجلَّ لأجل ذلك من الأحكام والتشريعات ما يحفظ به للإنسان حقه في الخصوصية، في هيئته وصورته، وهذا ليس مقصورًا على أن يخترق الإنسان سترًا مسدلًا أو أن ينظر إلى عورةٍ، بل هو نهيٌ عن عموم اختراق خصوصية الآخرين بغير علمهم وبغير ضرورة لذلك.
رفض الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، تصريحات الطبيبة وسام شعيب، التي أفشت فيها أسرار المرضى، قائلاً: «إشاعة الأسرار أو كشفها أو كشف الأمور الخاصة التي يُعيَّر بها الإنسان يحرم البوح بها تحريمًا مؤكدًا لا سيما ما يتعلق بأمن الوطن».
ونبه الدكتور أحمد كريمة في تصريح له، على أنَّ هناك أسرارًا شخصية وأخرى عامة، وأن كل ما هو متفق عليه أو اقتضى العرف عدم البوح أو الكلام عنه فلا يجوز أن يتم إفشاؤه.
إفشاء الأسرار الشخصية حرام شرعاوشدد على أنَّ الأسرار الأمنية أو العلمية أو العسكرية يحرم تمامًا على الإنسان أن ينشرها، لكونها تضر بالوطن والأمن المجتمعي، كذلك بالأمر بالنسبة للأسرار الشخصية.
منهج الإسلام هو الستروأشار أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إلى أن منهج الإسلام هو الستر والاستتار، كما جاء بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سَتَر مسلمًا سترَهُ اللَّهُ في الدُّنيا والآخرةِ» (رواه مسلم)، موضحاً أن هذا الأمر يشمل المجتمع الإنساني بأسره وليس فقط المسلمين.
وختم: إن كل فعل فيه إشاعة الأسرار أو كشفها أو كشف الأمور الخاصة التي يُعيَّر بها الإنسان فيحرم البوح بها تحريمًا مؤكدًا، لا سيما ما يتعلق بأمن الوطن.