100 عام على تأسيس حزب أتاتورك.. كيف تغيرت الأيديولوجيا بين الماضي والحاضر؟
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
مر حزب الشعب الجمهوري في تركيا، والذي يعد أحد أقدم الأحزاب السياسية في العالم، وأقدم حزب بالجمهورية، بتحولات عدة، لكنه يواجه في ذكرى تأسيسه الـ100، أكبر أزماته بسبب فشله في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وعدم تمكنه من الوصول إلى الحكم في الذكرى المئوية لتأسيس البلاد على يد زعيمه مصطفى كمال أتاتورك.
وأنشأ مصطفى كمال أتاتورك حزب الشعب الجمهوري في 9 أيلول/ سبتمبر 1923، قبل أن يعلن قيام الجمهورية التركية يوم 29 تشرين الأول/ أكتوبر من السنة نفسها.
الحقبة الأولى لحزب الشعب الجمهوري
وعقب التأسيس مر حزب الشعب الجمهوري بمراحل عدة، تبنى من خلالها بـ"الأفكار الكمالية" (نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك)، ويتكون شعاره من ستة أسهم تمثل مبادئه الرئاسية وهي "الحكم الجمهوري" و"القومية" و"سيطرة الدولة" و"الشعبوية" و"العلمانية" و"الثورية".
ويرى نفسه وريثا لقيم الجمهورية والعلمانية، ويوصف بأنه "حزب ديمقراطي اجتماعي حديث، مخلص للمبادئ والقيم المؤسسة للجمهورية التركية".
وهناك من يرى بأن هناك علاقة كبيرة بين الغموض في أيديولوجية حزب الشعب الجمهوري، وخطه السياسي الحالي، والهيكل التنظيمي، واستراتيجية الاتصال والتواصل، وفي نهاية المطاف أدائه الانتخابي.
ويعود أصل حزب الشعب الجمهوري إلى منطقة الأناضول، ومنظمات المقاومة المعروفة باسم "جمعيات الدفاع عن الحقوق"، والتي تم إنشاؤها في أعقاب الحرب العالمية الأولى، في حرب الاستقلال.
وحاول أتاتورك (توفي عام 1938)، من خلال حزب الشب الجمهوري، إنشاء دولة وهوية وطنية ذات حدود محددة خلال فترته الأولى.
مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية وحزب الشعب الجمهوري
وتقول البروفيسورة عايشه قونيش أياتا، في حوار مع "بي بي سي" التركية، إن "العلمانية" و"التغريب" كانا مفاهيم مهمة للغاية بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري أيديولوجيا في حقبته الأولى.
في الفترة ما بين 1930-1939، غيّر الحزب نفسه وحاول توسيع أيديولوجيته، وتم اعتماد "السهام الستة" في العام 1930، وفي العام 1935تم تعريف هذه المبادئ على أنها تشكل "الكمالية" نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك، وفي العام 1937 دخلت المبادئ الستة الدستور التركي، وفي العام 1938 عرفت القومية لدى حزب الشعب الجمهوري، أن "كل مواطن يتحدث اللغة التركية وينشأ على الثقافة التركية، ويتبنى المثل الأعلى التركي داخل الجمهورية هو تركي بغض النظر عن الدين أو الأصل".
"الشعب الجمهوري" برئاسة عصمت إينونو (26 ديسمبر 1938حتى 8 مايو 1972)
وبعد الحرب العالمية الثانية، وفي ظل ضغط الظروف الداخلية والخارجية خلال تلك الفترة، انتهت حقبة "الحزب الواحد"، لتتحول تركيا إلى نظام متعدد الأحزاب في العام 1945. وعقد حزب الشعب الجمهوري برئاسة عصمت إينونو عام 1947 مؤتمره السابع، الذي بمخرجاته بدأت مرحلة التغيير الثانية للحزب الأتاتوركي.
ورأى المؤرخ التركي جميل كوشاك، في كتاب "تركيا المعاصرة (1908- 1980) أن المؤتمر السابع لحزب الشعب الجمهوري كان مهما للغاية بسبب الترتيبات السياسية التي نجمت عنه، حيث كان التوجه نحو كسر الهيكل البيروقراطي والاستبدادي التقليدي للحزب، وبذلك محاولات لتكييف الآليات السياسية الداخلية مع حياة يسودها التعددية الحزبية، وبرز بأن الحزب يريد الدخول في عملية إعادة التنظيم والتشكيل خلال تلك الفترة.
وبرز صراع داخل حزب الشعب الجمهوري، ما بين التيار الذي يقوده إينونو بشأن الليونة والاعتدال في التعامل مع المعارضة، وبين تيار يقوده رجب بكر (رئيس الوزراء في تلك الفترة) ويعتقد بأنه يجب الحفاظ على تقاليد فترة "الحزب الواحد"، ويجب التعامل بأكثر حدية مع الحزب الديمقراطي الذي تمكن بالنهاية من انتزاع السلطة من حزب الشعب الجمهوري في العام 1950.
وبعد فوز الحزب الديمقراطي عام 1950بالانتخابات ووصوله إلى السلطة، روغم أم حزب الشعب الجمهوري حافظ على الاستمرار في مبادئ فترة "الحزب الواحد" الكلاسيكية، لكنه واصل البحث عن "التغيير" لمواكبة الحقبة الجديدة بعد سنوات طويلة من إدارة الجمهورية.
عصمت إينونو الزعيم الثاني لحزب الشعب الجمهوري- جيتي
وفي المؤتمر العاشر لحزب الشعب الجمهوري ظهرت في حزيران/ يونيو 1953، ظهرت أفكار جديدة مثل "دولة القانون"، والانتقال إلى نظام مكون من مجلسين، وإنشاء المحكمة الدستورية، وأمن الانتخابات، واستقلالية القضاء، وحرية تشكيل النقابات والمنظمات المهنية، والحق في اللإضراب للعمال، في برنامج الحزب، وذلك بعد سنوات طويلة من غيابها، ولكن لم تكن كافية لإضعاف علاقة الحزب الديمقراطي بالمجتمع وتحوله إلى حزب الشعب الجمهوري، لأن آثار التقاليد السلطوية في ظل حكم "الحزب الواحد" مازالت حية لدى الشعب التركي.
وفي الانتخابات التي أجريت عام 1954، خسر حزب الشعب الجمهوري أيضا الانتخابات بفارق شاسع، ومع ذلك وبحلول العام 1957 كان الحزب الديمقراطي يمر بمرحلة الإرهاق في الحكم، مكّن "الشعب الجمهوري" من الاحتكاك أكثر بالجمهور، وحقق نتيجة أكثر نجاحا مقارنة بالانتخابات السابقة، من خلال فلسفة "التغيير" التي انتهجها والتي تعد اختراق مهم في تاريخه.
يسار الوسط في حزب الشعب الجمهوري
وفي المؤتمر الرابع عشر الذي عقد في كانون الثاني/ يناير 1959، لحزب الشعب الجمهوري تم اعتماد ولأول مرة "إعلان الأهداف الأولية" والتي تضمنت تغييرا في النظام الحزبي، ومع ذلك لم يستطع الحوب تحقيق هذا التغيير بسبب الانقلاب العسكري عام 1960.
وكانت السيتينيات من القرن الماضي، هي الحقبة التي انفتح فيها حزب الشعب الجمهوري إلى "اليسار الوسط"، وكان مهندس هذا التحول هو بولنت أجاويد والذي كان يشغل منصب السكرتير العام للحزب في العام 1966، في ظل الخشية من صعود حزب العمال التركي "TIP" وتجمع المعارضة اليسارية المتصاعدة فيه.
الباحث يونس إيمره صاحب كتاب الديمقراطية الاجتماعية واليسارية في حزب الشعب الجمهوري، أشار إلى الدور المحوري للشخصيات التي استقالت من الحزب الديمقراطي وأسست حزب الحرية، وانضمت لاحقا إلى "الشعب الجمهوري" عام 1958، حيث قدمت هذه الشخصيات أفكارا تقدمية للغاية تتعلق بالملكية الديمقراطية والتنمية المخطط لها، للحزب.
بولنت أجاويد الزعيم الثالث لحزب الشعب الجمهوري ورائد اليسار الديمقراطي- جيتي
وكان لافتا البيان الانتخابي لحزب الشعب الجمهوري في العام 1969، والذي كان عنوانه "نريد إذنا من الشعب لإقامة نظام إنساني".
وتنامي الخط اليساري داخل حزب الشعب الجمهوري بسبب الدور الفاعل لأجاويد، وساهم في خروج المناهضين للأيديولجية الجديدة من الحزب، ومنهم من شكل حزب الثقة في عام 1967، والحزب الجمهوري في العام 1972.
وساهم "انقلاب المذكرة" عام 1971، في إحداث صراع في حزب الشعب الجمهوري بين كتلتين، الأولى برئاسة عصمت باشا الذي دعم الانقلاب، و"اليساريون الديمقراطيون" بقيادة بولنت أجاويد الذين رفضوا الانقلاب بشدة، وشكلوا حالة من المعارضة القوية داخل الحزب.
حزب الشعب الجمهوري بقيادة بولنت أجاويد (14 مايو 1972حتى 30 أكتوبر 1980)
وتسببت مواقف عصمت إينونو ولاسيما دعم "انقلاب المذكرة"، إلى جانب صعود التيار اليساري في تركيا، إلى خسارته في المؤتمر العام للحزب الذي عقد عام 1972، أمام أجاويد الذي أصبح رئيسا لحزب الشعب الجمهوري.
وكانت حقبة السبعينيات من القرن الماضي، تشكل "السنوات الذهبية" لحزب الشعب الجمهوري، والذي انتهج خط "يسار الوسط"، واستطاع تحقيق نجاحات انتخابية بقيادة أجاويد الذي دخل في عملية تغيير جذرية من خلال سياسات ديمقراطية اجتماعية تتبنى القيم اليسارية، ولكن في الوقت ذاته لم يتم المساس بالسهام الستة التي تشكلت في عهد "الحزب الواحد".
وحصل حزب الشعب الجمهوري في انتخابات عام 1973 على نسبة 33 بالمئة، و41.6 بالمئة في انتخابات عام 1977، بقيادة الشعبوي أجاويد، ورغم أن الحزب لم يستطع التحكم بمفرده، لكن ماكان يميز تلك الفترة، هو صعود الحركات الاشتراكية في ذلك الوقت، والتي كانت قواعدها متداخلة مع قواعد حزب الشعب الجمهوري التي أسهمت في ارتفاع حصته المجتمعية.
ولم يكن أجاويد، الذي خلق تصور سياسي ديمقراطي اجتماعي في ذلك الوقت داخل حزب الشعب الجمهوري، يتبنى "الديمقراطية الاجتماعية" بالمعنى العالمي، ويرى أنه أقرب إلى "اليسار الديمقراطي"، وبدلا من تغيير المبادئ الرئيسية للحزب، قام بتوليفها وإجراء بعض الإضافات إليها، لكنه لم يستطع التخلص من رواسب الأيديولوجية التي تبناها الحزب في ظل حقبة "الحزب الواحد".
فالديمقراطية الاجتماعية واليسارية لحزب الشعب الجمهوري لم تتمكن من تجاوز أيديولوجية الحزب الواحد، وجميع المشاكل التي خلقها في ظل تلك الحقبة، والمطالب الديمقراطية للمتدينين والأكراد والعلويين والأقليات والشرائح الأخرى في المجتمع تم تأجيل التعامل معها من إدارة إلى إدارة أخرى في الحزب.
حزب الشعب الجمهوري بعد انقلاب 1980
وانتهت الفترة التي اقترب فيها حزب الشعب الجمهوري إلى القوى العاملة والشرائح المجتمعية، مع الانقلاب الذي جرى في 12أيلول/ سبتمبر 1980، حيث تم حظر الحزب الذي أسس الدولة وأصبح ضحية الهيكل العسكري البيروقراكي الذي أنشأه، وظل محظورا حتى رفع الحظر في 9 أيلول/ سبتمبر 1992 (بعد 12 عاما من الإغلاق).
وخلال فترة الحظر السياسي، أنشأ أنصار حزب الشعب الجمهوري أحزابا مختلفة، وتشكل الحزب الشعبوي الديمقراطي الاجتماعي "SHP" في العام 1983 وكان شعاره مكون من غصن زيتون وستة أسهم، بعد دمج الحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الشعبي. لكن أجاويد بقي بعيدا وأصبح رئيسا لحزب اليسار الديمقراطي الذي أسسته زوجته رهشان أجاويد.
كان أجاويد قد أكد لسنوات عديدة أن الديمقراطية الاجتماعية جذورها تعود إلى الماركسية، وقال إنه تبنى اليسار الديمقراطي وليس الديمقراطية الاجتماعية مع الإشارة إلى البعد الوطني.
إردال إينونو نجل عصمت إينونو رئيس حزب "SHP"- الأناضول
وتمكن الحزب الشعبوي الديمقراطي الاجتماعي "SHP" من الحصول على 28.69 بالمئة من الأصوات في الانتخابات المحلية لعام 1989 وأصبح الحزب الأول، وبعد الانتخابات العامة عام 1991 شكل ائتلافا مع حزب الطريق القويم.
وخلال الفترة الائتلافية تلك كان "SHP" لجأ إلى الوسطية الكمالية، ولكن الأمر لم يدم طويلا حيث اندلعت الصراعات داخل الحزب الذي تراجع بسبب الاخفاقات في البلديات والتجارب الائتلافية الحكومية خلال تسعينيات القرن الماضي، كما يعتقد الباحث يونس إيمره.
وشهدت تركيا خلال فترة التسعينيات صراعات داخل الأحزاب، بما فيها تلك اليسارية، كما تم جر البلاد إلى نزاعات عميقة "تركية كردية" من جهة، و"علمانية ومناهضة للعلمانية" من جهة أخرى، كما أن الإسلاميين والأكراد أرادوا أن يصبحوا في مراكز صنع القرار،كما تشير دراسة لمركز "سيتا".
"الشعب الجمهوري" بقيادة دينيز بايكال (9 سبتمبر 1992حتى 30 سبتمبر 2000)
وبينما قرر الحزب الشعبوي الديمقراطي الاجتماعي "SHP" بقيادة مراد كارا يالتشين عام 1995، الانضمام إلى حزب الشعب الجمهوري بقيادة دينيز بايكال، كان حزب اليسار الديمقراطي في صعود، وأصبح أجاويد رئيسا للوزراء في الحكومة الائتلافية التي تشكلت في العام 1999.
ومع انهيار حزب اليسار الديمقراطي في انتخابات 2002، أصبح حزب الشعب الجمهوري هو العنوان الوحيد لمركز اليسار، وفي أواخر التسعينيات وبداية عقد الـ2000 سعى الحزب بقيادة بايكال بالتوجه لأيديولوجية تختلف عن الحزب الشعبوي الديمقراطي الاجتماعي "SHP".
ويعلق تانيل بورا في كتابه المعنون بـ"التيارات" على وضع حزب الشعب الجمهوري، بالقول إن الحزب شكل خط "مقاومة وطني علماني".
ويقول الأكاديمي في جامعة إسطنبول غوفن قوركان أوزتان، في حديث مع "بي بي سي" بالنسخة التركية، إنه بينما كان الحزب الشعبوي الديمقراطي الاجتماعي "SHP" حزبا ديمقراطيا اجتماعيا حاول أن يلعب دورا نشطا في عملية التحول الديمقراطي ومع برزو الليبرالية الجديدة بعد انقلاب 12 أيلول/ سبتمبر، فإن بايكال بتشكيل حزب الشعب الجمهوري من جديد أراد التخلص من ماضي "SHP".
وأثر ظهور حزب العدالة والتنمية في تركيا، على نهج حزب الشعب الجمهوري بقيادة بايكال، الذي أراد تحويل حزب الشعب الجمهوري إلى نمط غربي أشبه بتوجهات توني بلير وغيرهارد شرودر، كما يذكر البروفيسور أوزتان.
دينيز بايكال زعيم حزب الشعب الجمهوري حتى عام 2000 استقال بعد فضيحة الكاسيت- جيتي
ولم تكن القضية الكردية أو الحجاب أو القضية القبرصية على جدول أعمال حزب الشعب الجمهوري، الذي انتهج سياسة تهدف لحماية الجمهورية العلمانية، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم.
ومع مساعي بايكال لإيجاد صيغة للاندماج بالعولمة الليبرالية الجديدة من خلال الرموز التأسيسية والجدل الدائر بشأن العلمانية في ذلك الوقت، اصطدم بواقع حول فيه "الشعب الجمهوري" إلى حزب من الطبقات المتوسطة والعليا نسبيا في المناطق الحضرية، حيث تحولت الفئات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض، وخاصة فقراء المدن الحضرية إلى أحزاب منضوية ضمن خط "الرؤية الوطنية" (ميللي قوروش)، وحزب العدالة والتنمية، كما يذكر البروفيسور أوزتان.
فشل بايكال في تطوير سياسة جديدة لإنهاء الصراع القائم بين العلمانية والمناهض للعلمانية في تركيا، وفي ذلك الوقت ظهر كمال كليتشدار أوغلو الذي كان مرشحا لرئاسة بلدية إسطنبول عن حزب الشعب الجمهوري عام 2009 إلى جانب كورسل تكين رئيس مقاطعة الحزب في إسطنبول، واتبعا سياسة جديدة قريبة إلى الشعب، حيث قاما بطرق أبوب المتدينين والأحياء الفقيرة في المدن الحضرية، وبرزا كلاعبان جديدان عملا على الجمع ما بين الشعب وحزب الشعب الجمهوري.
"الشعب الجمهوري" برئاسة كمال كليتشدار أوغلو (22 مايو 2010 حتى الآن)
دخل حزب الشعب الجمهوري في صراعات حادة، مكن فيها بايكال نفسه، ولكنها انتهت مع قضية "الكاسيت الفاضح" والتي أرغمته للاستقالة، ليتولى كليتشدار أوغلو رئاسة الحزب والتي فتحت المجال لحملة التغيير الرابعة في الحزب.
المعضلة التي كانت تواجهها إدارة حزب الشعب الجمهوري في ذلك الوقت، هي عدم تقبل الطبقة الوسطى الحضرية، المتمركزة على السواحل وفي مراكز المدن الحضرية، للمتدينين والأكراد، ومقاومتها للتغيير.
وفي المؤتمر الذي أصبح كليتشدار أوغلو رئيسا للحزب عام 2010، كان خطابه أكثر شعبوية، ولكنه لا يتوافق مع موقف أيديولوجي، وسياسيا لم يتطرق إلى المشاكل الأساسية مثل القضية الكردية والحجاب والعلوية، لكنه ألقى خطابا أكثر ليونة تجاه المشكلات المجتمعية مثل البطالة والفقر والفساد، وبدأ الحزب بالتوجه نحو خطوات قائمة على "التغيير" و"القومية".
وفي المؤتمر الذي عقد في كانون الأول/ ديسمبر 2010، قال كليتشدار أوغلو، إن حزب الشعب الجمهوري ليس حزبا بيروقراطيا يساريا، بل هو حزب الشعب. ومساعيه الأخيرة والتي تختلف عن يسار الوسط في الستينيات، واليسار الديمقراطي في السبعينيات هي انعكاس للديناميكية الاجتماعية في تركيا على إدارة الحزب.
ورغم أن التغييرات التي ظهرت في عشرة أشهر لم تظهر لدى حزب الشعب الجمهوري مقاربة سياسية من شأنها تضع اليد على المشاكل الأساسية لتركيا في ذلك الوقت، لكن الوقت القياسي في عملية التغيير أبرز أن الحزب أنتج سياسات تمس الجمهور، وبعد ذلك أصبح يتبع سياسة أكثر انفتاحا ومقاربة ليس فقط مع المسالة الكردية، بل أيضا في تبني وجهات نظر الاتحاد الأوروبي والتقارب معه.
كمال كليتشدار أوغلو الزعيم الحالي لحزب الشعب الجمهوري- جيتي
وارتفعت أصوات الحزب إلى ما يقرب 25 بالمئة في انتخابات 2011 و2015، وكان لافتا أن القوائم البرلمانية التي أعدها حزب الشعب الجمهوري في انتخابات 2011 كانت مختلطة لا تقتصر على التيار "الكمالي العلماني"، تجعله في قلب "الوسط"، ولكن بهدف توحيد المعارضة بأكملها تحت مظلته ضد حزب العدالة والتنمية. كما أن القائمة التي تم استبعاد منها الفاعلين السياسيين من الديمقراطيين الاجتماعيين، وظهور أسماء من يمين الوسط، خلق بيئة من النقاشات بأن الحزب أصبح يمينيا وابتعد كليا عن اليسار.
وما بعد العام 2017 والاستفتاء على الانتقال إلى النظام الجمهوري في البلاد، يقول أوزتان إنه "وفقا للموقف السياسي لكليتشدار أوغلو، تحولت السياسة في تركيا منقسمة ما بين أنصار الديمقراطية ومؤيدي النظام الحالي"، وكان آخر نتاج لذلك هو الطاولة السداسية.
ويعتقد يونس إيمره، إن "حزب الشعب الجمهوري حقق تقدما كبيرا في سنواته الأخيرة، وفي مواجهة سياسات الهوية التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية، كثيرا ما يشير كيليتشدار أوغلو إلى أن الشرائح المحافظة تواجه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ويستمر في طلب الدعم من هذه القطاعات.
ورغم الخسارة في الانتخابات الأخيرة، إلا أن قاعدة ناخبي حزب الشعب الجمهوري حصل فيها تحسن مقارنة لما كان عليه الحزب قبل 15 إلى 20 عاما، وسجلت في الانتخابات البلدية عام 2019، والأخيرة في 2023، حصول الحزب المزيد من الأصوات في المناطق الفقيرة في إسطنبول.
وبالنسبة لحزب الشعب الجمهوري، كان مشروع الطاولة السداسية الأخير، هو آخر انفتاح نحو الوسط أو اليمين، حيث تحالف مع أحزاب يمينية ومحافظة في انتخابات 2023، مستخلصا العبر من نموذج التحالف الذي شكله في الانتخابات البلدية عام 2019.
ويعتقد إيمره أن حزب الشعب الجمهوري لم يتحول إلى اليمين، وهو في مكانه كحزب ديمقراطي اجتماعي، لكن تركيا انحرفت نحو اليمين من حيث القيم.
البروفيسور أوزتان، يعتقد ان حزب الشعب الجمهوري أصبح مثل الائتلاف من الداخل، وان الديمقراطية الاجتماعية أو خط اليسار الديبمقراطي أصبح ضعيفا داخله.
ويرى أوزتان أن "هناك بعض القيود على الاتساق الأيديولوجي لحزب بهذا الحجم في الظروف الحالية لتركيا، لكن لا يوجد تغيير في الموقف يظهر تمايزا من حيث الاستراتيجية السياسية والتكتيكات المناسبة لهذه الاستراتيجية".
لكن إيمره، يقول من إنه من "من حيث القيم السياسية، فإن حزب الشعب الجمهوري هو حزب ديمقراطي اجتماعي، لكنه قاعدته الكلاسيكية تختلف عن الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية الأخرى في العالم"، مشيرا إلى التغييرات التي حدثت بالعالم تجاه هذا المفهوم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي منوعات تركية الشعب الجمهوري تركيا أتاتورك كليتشدار أوغلو تركيا أتاتورك الشعب الجمهوري كليتشدار أوغلو تغطيات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الشعب الجمهوری إلى حزب الشعب الجمهوری فی حزب العدالة والتنمیة لحزب الشعب الجمهوری الحزب الدیمقراطی کلیتشدار أوغلو فی الانتخابات فی ذلک الوقت فی انتخابات وفی المؤتمر تلک الفترة فی المؤتمر أن الحزب فی ترکیا فی عملیة فی العام من خلال ما بین
إقرأ أيضاً:
“الفيل” الجمهوري و”الحمار” الديمقراطي.. متنافسان لا يختلفان على “اسرائيل”
يمانيون – متابعات
تعيش الولايات المتحدة الأمريكية حالة من التنافس السياسي المحتدم بين الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، تنافس رئاسي تمتد حرارته لتشعل كافة نواحي الحياة مع اقتراب موعد التصويت، حيث يتسابق المرشحون على كسب أصوات الناخبين وتتضاءل مع الوقت فرص الصعود على حساب فراغات السقوط الأمريكي من موقعه العالمي.
في ظل هذا الصراع المحموم المهدد بصراع غير مسبوق، يشق البيت الداخلي الأمريكي ويضع القطب الدولي أمام فتنة حرب أهلية حقيقية، تبرز قضية فلسطين كأحد النقاط المشتركة التي تتفق عليها الأطراف المتنافسة، رغم اختلاف استراتيجياتهم وبرامجهم الانتخابية في مجالات أخرى. يسلط هذا المقال الضوء على كيفية تأثير اللوبيات، وخاصة اللوبي الصهيوني، على السياسة الأمريكية تجاه فلسطين وكيف ينعكس ذلك على الانتخابات الأمريكية.
كل شيء إلا “اسرائيل”
تعود واحدية السياسة الأمريكية تجاه فلسطين إلى تأثير اللوبيات المتوغلة في رسم تفاصيل السياسة الخارجية لواشنطن.
ولفهم ديناميكية المشهد الأمريكي وضوابطه، يجب التعريج على كواليس بيت الحكم والتفتيش في عمق الدولة الخفي ومفاصلها التي تحركها، وتضبط إيقاع سياستها الداخلية والخارجية.
تتصدر جماعات الضغط، المعروفة باللوبيات، المشهد، وتتسلط، بلا منازع، على مكامن اتخاذ القرار وتترك واجهة الحكم لشكليات، وأشكال النظام الديمقراطي حفظاً لواجهته الدعائية، وحفاظاً على شعاراته الحقوقية لا أكثر، حيث تعتبر جماعة “آيباك” (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة) واحدة من أبرز هذه الجماعات وأقواها نفوذاً، تضم هذه اللجنة ملايين الأعضاء الذين يمارسون على مدار الساعة تأثيرات مختلفة تسعى لتجيير السياسة الأمريكية لصالح “إسرائيل”.
وتعتبر هذه اللوبيات بمثابة البائع والمشتري في مصالح أمريكا، حيث تتحرك عجلتها وفقًا لمن يملك القدرة على ضخ الأموال.
في الانتخابات الحالية، نجد أن الدعم المالي يتدفق بشكل كبير نحو المرشحين من الحزبين. “ترامب”، على سبيل المثال، تلقى دعماً هائلاً من شخصيات بارزة في عالم المال، مثل “تيموثي ميلون” وأرملة أمبراطور القمار الإسرائيلي “شيلدون أدنسون”، حيث تعهد الأخير بتقديم أكثر من 100 مليون دولار لدعم حملة ترامب.
في المقابل، حظيت “هاريس”، المرشحة الديمقراطية، بدعم مماثل من قادة شركات كبرى مثل “نتفليكس” ومجموعة “بلومبيرج”، وجميعهم هيئات وشخصيات يحسبون على الصهيونية، ويتفانون في خدمة ودعم سياسات “إسرائيل” ومشاريعها العالمية.
مصدر وحيد للدعم
تكشف هذه الديناميكية عن حقيقة مفادها، أن التمويل يأتي من مصدر واحد، وهو اللوبي الصهيوني، الذي يسعى لتحقيق أجندته الخاصة ويوزع جهوده والأموال على الطرفين المتنافسين، بما يضمن عودة الريع إليه في كلا الحالتين، بالإضافة إلى أن هذا الازدواج يمثّل تأثيراً واسعاً، وكبيراً على قرارات الناخبين الأمريكيين، ويضعهم في أجواء “ديمقراطية” من خلال تصوير الأمر على أنه ممارسة لواحدة من أهم حقوقهم في الحكم عبر اختيار الرئيس، وعليه ومن زاوية النفوذ الأمريكي العالمي فإن صناديق الاقتراع لم تعد مجرد تعبير عن رأي الناخب، بل أصبحت بمثابة أدوات تحدد وتقرر مصير القضايا الدولية، وخاصة القضية الفلسطينية.
في الواقع، وعبر قراءة فاحصة وسريعة لتاريخ صناعة القرار الأمريكي وصناعة صناعه، يظهر جلياً أن الامر، لا يترك للصدفة، ولا يسمح للمزاج الشعبي بتحديده أو حتى الإسهام فيه، وهذا واحد من الخطوط الحمراء المُجمع عليها في عمق الحكم العميق للصهيونية القابضة على تلابيب البيت الأبيض، وأروقة المشرعين الأمريكيين في المجلسين، وهذه البيروقراطية لا تحيد البتة عن خدمة “إسرائيل” بل وتعلن صراحة -خاصة في السنوات الأخيرة- أولوية المصالح الإسرائيلية على الحسابات الأمريكية والوضع الداخلي.
وبمنظور آخر، يظهر جليًا أن السياسة الأمريكية تجاه فلسطين هي نتاج تفاعلات معقدة بين المصالح الاقتصادية والسياسية للدولة العميقة، وتظل العلاقة بين أمريكا و”إسرائيل” وثيقة وتتقاطعان في مشاريع الصهيونية العالمية، ولو على حساب مصالح الداخل الأمريكي، ويمثل اللوبي الصهيوني العامل الرئيسي وربما الحصري الذي يؤثر على توجيه السياسات الأمريكية خاصة تجاه قضايا حساسة مثل القضية الفلسطينية.
هذه الحقائق التي تمثل ركائز الحكم في أمريكا ترد على رهانات البعض من المحللين المتفائلين بتغيير إيجابي قد تظهره السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، بناءً على نتيجة الانتخابات، وتؤكد أن تنافس الجمهوريين والديمقراطيين ليس مجرد معركة انتخابية، بل هو صراع يعكس التوجهات السياسية التي تتقاطع عند قضية فلسطين. ربما يتطلب فهم هذه الديناميكيات وعيًا متزايدًا من قبل الناخبين بأهمية أصواتهم وتأثيرها على القضايا الدولية، لكن ليس فلسطين لأن “إسرائيل” حق قائم في جوهر العقيدة الصهيونية، والصهيونية هي الحاكم الفعلي لأمريكا.
استنتاجات هامة:
تظهر العلاقة بين أمريكا و”إسرائيل” كثيفة ومعقدة، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية والسياسية بشكل يضمن استمرار النفوذ الصهيوني في توجيه السياسات الأمريكية، خاصة تجاه قضايا حساسة مثل القضية الفلسطينية. هذه الحقائق ترد على توقعات بعض المحللين المتفائلين بتغير إيجابي محتمل في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية بعد الانتخابات.
وبذلك، يصبح تنافس الجمهوريين والديمقراطيين أكثر من مجرد معركة انتخابية، بل يعكس صراعًا سياسيًا يتقاطع عند قضية فلسطين. يتطلب فهم هذه الديناميكيات وعيًا متزايدًا من الناخبين بأهمية أصواتهم وتأثيرها على القضايا الدولية، لكن ليس فلسطين، فحق “إسرائيل” هو جزء جوهري من العقيدة الصهيونية، والصهيونية تظل عقيدة الحاكم الفعلي لأمريكا.
————————————————
موقع أنصار الله – يحيى الشامي