الخصائص المنهجية الأساسية لتسديد الفكر الإسلامي
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
تحدثت في مقالات سابقة عن أسباب الانكسار والانهزام الحضاري للأمة، وذكرت أنها تنحصر في عدة أسباب، منها: تشويه فكرة التوحيد، والخلل في المنهج، واختلال الإرادة، وعُقدة النقص لدى الكثير من المسلمين تجاه الغرب، والممارسات الاستبدادية التي نمارسها في حياتنا على المستوى الفردي والجماعي، ومن ثمَّ انتقلت إلى الحديث عن أهمية التفكير السليم والنظر الصحيح.
وفي هذه المقالة التي أختم بها هذه السلسلة، التي استقيتها من كتاب "الشهود الحضاري للأمة الإسلامية"، الذي سطّره الدكتور عبد المجيد النجار، أتحدث عن الخصائص المنهجية التي يمكن أن تساعدنا في تسديد فكرنا، وضبطه منهجيًا.
أقول إذا أردنا أن نتبع الطريقة المنهجية لتسديد الفكر، لكي نستطيع مجابهة المتغيرات الفكرية في حياتنا، ومواجهة الغرب الذي يريد أن يُغيّر من ثوابتنا، فلا بد من توافر عدة عوامل منها: (شمولية النظر، الواقعية، النقدية).
أولًا ـ شمولية النظر:
والمقصود بها أن يتصف العقل بصفة منهجية يتجه بها في البحث عن الحقيقة لبناء حياته عليها اتجاهًا يتقصى فيه مادة النظر تقصيًا كاملًا بقدر الطاقة سواء في موضوعها أو في أبعادها الزمانية، بحيث لا يهمل جوانب منها فيسقطها من توجهه في البحث ويقتصر على جوانب بعينها يبني عليها أحكامه، ويصوغ منها تقاريره ومخططاته.
وإنما كانت شمولية النظر صفة سداد في الفكر لأن التقصي في مادة البحث بقدر ما يكون أوسع يكون الوصول إلى الحق أضمن؛ إذ الحقيقة تتكشف للذهن بقدر ما يستكشف هو من العناصر الدالة عليها وتنحجب عنه بقدر ما يقصر في ذلك ويضيق في نظره من تلك العناصر.
وقديمًا ضرب مثل في هذا الشأن بمن يتلمس ذراع فيل وهو محجوب البصر، فإنه يحكم لو اقتصر على ذلك بأنه سارية، ولكنه لو وسع دائرة تلمسه لتشمل أعضاء أخرى من الفيل لحكم ذهنه بالحقيقة أو بما هو قريب منها على الأقل، وكذلك الأمر بالنسبة لعمل العقل.
وقد وجه القرآن الكريم العقول لتتخذ لنظرها مدى واسعًا لا يحده حد، يشمل المادة وما وراء المادة، ويشمل الماضي والحاضر والمستقبل، ويشمل الأمم والشعوب مجتمعات ومذاهب وأديانًا، ولم يحجر على نظره شيئًا سوى عناصر قليلة معدودة لا يصل فيها عقل الإنسان إلى طائل فيكون نظره فيها إهدارًا لطاقته دون فائدة، وذلك من مثل طبيعة الروح والذات الإلهية، وميقات الساعة.
لقد صاح القرآن الكريم في الناس يربّيهم على شمولية النظر قائلاً: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) (يونس:101) وقائلاً: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الأنعام:11)، فهي دعوة للنظر في المادة الكونية وفي الأحداث التاريخية، وفي تراث الناس من المذاهب والأديان.
ولو تأملنا حال الفكر الإسلامي اليوم من حيث هذه الخاصية لوقفنا فيه على قصور كبير يؤدّي إلى خلل بيّن في نتائج الأحكام التي يصل إليها ويؤلّف منها رؤاه في توجيه الحياة.
فهذا الفكر هو في الغالب فكر يتصف بالجزئية اقتصارًا على بعض مادة البحث واستبعادًا لأخرى، واقتطاعًا لبعض مراحل الزمن وإخراجًا لبعض آخر من دائرة النظر، ونشأ من ذلك ما نعلم من الأحكام الجزئية، ومن أحكام الرفض والإلغاء للآخر، ومن التقديس الزمني للفترات المعينة من التاريخ، وما إلى ذلك من مثل هذه الانحرافات، وقد كان لها كلها الأثر السيء في تعطيل الحركة الإنمائية، وتأخير حركة التحضّر.
ولن ينصلح أمر الفكر الإسلامي في هذا الخصوص حتى يكون فكرًا شموليًا في النظر، يتحرّر من الجزئية بمختلف مظاهرها ليصبح مشرفًا إشرافًا شاملاً على مادة المعرفة موضوعًا وتاريخًا، لا يهدر منها شيئًا بالاستبعاد أو الإلغاء أو الغفلة. ولا تكون هذه الشمولية شمولية تامة حتى تتحقق على مستويات ثلاثة: (شمولية موضوعية، وشمولية زمنية، وشمولية منطقية).
ثانيًا ـ الواقعية:
والمقصود بالواقعية صفة يكون عليها العقل بحيث ينتهج في البحث عن الحقيقة، وفي تقدير الأحكام منهج التوجّه إلى الواقع المادي والإنساني ليتخذ من تدبره ودرسه منطلقًا لكل حكم من أحكامه، ولكل اجتهاد من اجتهاداته في تقرير الحقائق المجرّدة، أو في معالجة الأوضاع الواقعية.
فالواقعية إذن بهذا المعنى هي منهج في البحث عن الحق يسلكه العقل في التفكير، ويكون فيه الواقع عنصرًا أساسيًا من عناصر البحث، بل هو منطلق ذلك البحث.
وإذا كان الفكر الإسلامي في العهود الأولى قد انطبع بالتوجيه القرآني بصفة من الواقعية صار بها يجعل من واقع المادة وواقع الحياة الإنسانية محطته الأولى في البحث عن الحقيقة، فإن هذا الفكر أصابه بعد حين خلل في التكوين نأى به عن ذلك الواقع، فصار يبحث عن الحقيقة انطلاقًا من غيب التاريخ السالف، أو انطلاقًا من أعمال الروح الباطنية، ولا يلتفت إلى واقع الكون والحياة في هذا الشأن إلا قليلاً.
واستفحل ذلك الخلل فإذا المسلمون بين مجتر للتاريخ يجلب منه صورًا يريدها مسلكًا للحياة المتغيرة وبين هائم في غياهب الخيال الروحي يتخد منها ملجأ للحياة بديلاً عن واقع الناس المعاش، وكل من أولئك وهؤلاء انصرفت أفكارهم عن عالم الواقع حتى أصبح ذلك سجية في عقولهم قصرت بهم عن حقيقة واقع الكون فماتت العلوم التجريبية، وعن حقيقة الواقع الإنساني فتجمّدت مسالك الحياة، وتوقفت عن النمو زمنًا طويلاً.
إذا كان الفكر الإسلامي في العهود الأولى قد انطبع بالتوجيه القرآني بصفة من الواقعية صار بها يجعل من واقع المادة وواقع الحياة الإنسانية محطته الأولى في البحث عن الحقيقة، فإن هذا الفكر أصابه بعد حين خلل في التكوين نأى به عن ذلك الواقع، فصار يبحث عن الحقيقة انطلاقًا من غيب التاريخ السالف، أو انطلاقًا من أعمال الروح الباطنية، ولا يلتفت إلى واقع الكون والحياة في هذا الشأن إلا قليلاً.وها هي اليوم تنزع إلى الحركة من جديد، ولكنها تراوح مكانها بسبب أن الفكر الإسلامي الراهن يستصحب شيئًا غير يسير من النأي عن الواقع في بحثه عن الحقائق، وفي تقديره للأحكام.
وترشيد الفكر الإسلامي ليكون من جديد فكرًا واقعيًا بالمعنى الذي وصفناه يقتضي أن يتكوّن هذا الفكر على معان أساسية ثلاثة كل منها يمثل وجهًا من وجوه الواقعية، وبتحقق ثلاثتها يمكن أن يوصف الفكر بأنه فكر واقعي، وهي: (الاعتداد بالواقع، واقعية المنطلق، واقعية التقدير).
ثالثًا ـ النقدية:
والمقصود بها صفة منهجية للفكر يتحرك بها في البحث عن الحقيقة، وفي تركيب الصيغ الإصلاحية منها بحيث يجمع بين المعطيات المختلفة، بل حتى المتناقضة منها، ويقارن بينها، ويقابل بعضها ببعض، ويحاكم بعضها إلى بعض، ليخلص من ذلك إلى الموازنة التي تنتهي إلى التمييز والحكم، مخالفة في ذلك لمسلك التفكير الذي ينتهج فيه الفكر التزام الخط الواحد من المعطيات المتجانسة المتوافقة دون نظر في المعطيات المعارضة لها بحيث تنتقي فرص المقابلة والمقارنة، وإنما تعتمد الجهة الواحدة دون التفات إلى غيرها مما يغايرها.
وهذا هو الفكر الذي يمكن أن يسمى بالفكر الخطي التزامًا منه بالنظر في الخط الواحد دون غيره، وذلك في مقابل الفكر النقدي الذي يجمع بين خطوط عدة ويقارن بينها.
وإذا تأملنا في القرآن الكريم نجد أنه جاء لتكوين العقل الإسلامي على هذه الخاصية النقدية، ويبدو ذلك فيما دأب عليه القرآن الكريم من عرض الآراء والعقائد المخالفة، ومقابلتها بالعقيدة الحق، ثم نقدها ببيان خطتها وزيغها؛ ولذلك فإنه تكثر فيه بأساليب مختلفة إيرادات مقولات الأديان والمذاهب في معرض المقابلة والنقد.
وفي سبيل تأكيد هذه الصفة وترسيخها كثيرًا ما كان القرآن الكريم يعرض مواقف ونماذج من الفكر الخطي المتعلق، ويبين الآثار السلبية التي يقضي إليها ذلك الفكر، وذلك في مثل قوله تعالى في فرعون وقومه وموقفهم من الرجل المؤمن الذي يكتم إيمانه، والذي قال: (يَا قَوْمِ لَكُمُ المُلْكُ اليَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إن جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إلا مَا أَرَى ومَا أَهْدِيكُمْ إلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: 29)، فقد اتبع قوم فرعون منهج الرأي الواحد وهو الذي أراهم إياه فرعون، ورفضوا أن يقارنوا بالرأي الآخر وهو الذي جاء به الرجل المؤمن، فكانت عاقبة فكرهم الخطي هذا تماديهم في الضلال، وهلاكهم.
وقد كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يُعمّق هذه التربية القرآنية القائمة على النقدية في نفوس المسلمين، إذ دأب على مشاورة أصحابه في كل الشؤون حتى اتخذ شعارًا له: (أشيروا) عليّ أيها الناس، وما ذلك إلا ليربي المسلمين على الفكر النقدي بتناول الآراء المختلفة ومناقشتها ونقدها، وإلا فإن الحق بائن لديه، إذ هو المؤَيد بالوحي المعصوم من الخطأ.
ولكن هذه الخاصية النقدية في الفكر الإسلامي آلت إلى الانحلال شيئًا فشيئًا، ولم يبق منها إلا أثر قليل فقد ظهرت بوادر الحجر على الرأي المخالف مستهدفة بادئ الأمر الرأي المخالف للإسلام من المذاهب والأديان ثم امتد الزمن إلى الرأي المخالف في نطاق الدائرة الإسلامية نفسها، وتمثل ذلك في المنهجية العقدية والفقهية الضيقة التي تلغي، أو تكاد الرأي الآخر، وتنطوي على الرأي الوحيد في تعصب وانغلاق، فضعفت بذلك كثيرًا الخاصية النقدية.
والخلاصة: أن هذه الخصائص ليست كما يتوهم البعض مجرد محتويات من المعارف، أو هي قواعد عارضة يؤخذ بها حينًا دون حينٍ، وحالاً دون حال بحسب الظروف والمواقع، وإنما هي صفات يتطبع بها الفكر تطبعًا منهجيًا، فيكون صادرًا عنها فيما يشبه التلقائية في حركته كلها، فيصدر عنها في سعيه إلى المعرفة، ويصدر عنها في بناء الرؤى والتصوّرات، ويصدر عنها في وضع البرامج والخطط الإصلاحية.
twitter.com/drgamalnassar
موقع إلكتروني: www.gamalnassar.com
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الرأي رأي خطاب تجديد مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الفکر الإسلامی القرآن الکریم انطلاق ا من هذا الفکر عنها فی ذلک فی فی هذا
إقرأ أيضاً:
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ (7/13)
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ (7/13)
قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024 (7-13)
بقلم سمية أمين صديق
إهداء المؤلف لكتابه:
"إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)". المؤلف
نلتقي اليوم في الحلقة السابعة، وهي تتمحور حول الفصل الرابع من كتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام. جاء الفصل بعنوان: نسف السرديات الباطلة بالحق والعلم والفكر والأخلاق: هل رُفعت الصلاة عن محمود محمد طه، كما شيع البعض؟ وهل كان يُصلي؟ ولأن هذا الفصل مهم، وفي الواقع الكتاب كله مهم، إلا أن هذا الفصل يتناول الصلاة، وهي، كما يقول المؤلف مستدعياً أحاديث الأستاذ محمود، أجل أمور الدين وأخطرها على الاطلاق، كما أنها أهم أعمال الإنسان وأكملها، وأعودها بالخير، والنفع، عليه، وعلى الإنسانية، ولهذا فإن موضوع الفصل، في تقديري، يتطلب الاحتراز والورع، كون الفصل أجاب عن أسئلة قديمة ومتجددة وظلت متكررة، ولا يزال الكثير من الناس يعيدها، ولكل هذا أود التنويه بأن ما سأورده هنا، لا يغني عن قراءة الكتاب. لقد اشتمل الكتاب على توسع ورصد دقيق، وتتبع لهذه الأسئلة واجابة عليها، منذ إعلان الأستاذ محمود محمد طه عن الفكرة الجمهورية عام 1951 وحتى تاريخ صدور كتاب عبدالله الفكي البشير عام 2024.
تكوَّن الفصل من المحاور الآتية:
إضاءة على كتابات محمود محمد طه وأحاديثه عن الصلاة
الصلاة في الفهم الجديد للإسلام
الصلاة صلاتان: صلاة الصلة وصلاة المعراج
الشريعة الفردية وأخذ الصلاة الفردية من الله بلا واسطة
ما رأي محمود محمد طه فيما يوجه إليه من اتهام بأنه يرى أن الصلاة رُفعت عنه؟ وهل كان يصلي؟
الشريعة الفردية: شريعة العارف في مستوى معرفته وصلاته تزيد عن صلاة الإنسان العادي
كيف هي صلاة محمود محمد طه؟ وهل هي مثل صلاتنا ذات الحركات المعلومة؟
كأنما الصلاة الشرعية قاعدة وصلاة الصلة قمة
لماذا كان النبي يصلي الصلاة ذات الحركات حتى التحاقه بالرفيق الأعلى؟
المؤمن لن ينفك عن التقليد بينما يرتفع المسلم المجوّد من التقليد إلى الأصالة
لماذا لم يؤت أحد من أصحاب النبي صلاة الأصالة؟
أخذ الصلاة بالجد التام
منشأ سردية رفع الصلاة عن محمود محمد طه
تحدث عبدالله عن محتوى الفصل وهيكله، قائلاً: يقدم هذا الفصل إجابة عن بعض الأسئلة، التي واجهها المؤلف وبتكرار في العديد من المنابر العامة. وقد تمحورت الأسئلة حول سردية موروثة في الفضاء السوداني والإسلامي، نسجها البعض بالباطل، وبلا حق حول مفهوم الصلاة وماهيتها عند محمود محمد طه صاحب الفهم الجديد للإسلام. وأضاف عبدالله، قائلاً: يسعى الفصل إلى الإسهام في نسف سرديات الباطل، بالحق والعلم والفكر والأخلاق. وفي الواقع لم تكن الأسئلة التي واجهها المؤلف، جديدة، فهي قديمة، وقد ظلت مكررة ومستمرة ومتوسعة. كان من بين الأسئلة: هل صحيح أن محمود محمد طه يقول بسقوط الصلاة ورفعها عنه؟ وهل تسقط الصلاة؟ وهل يصلي محمود محمد طه مثلنا، كما هي الصلاة المعلومة؟ ولماذا كان يصلي النبي الكريم صلاته حتى التحق بالرفيق الأعلى؟ ولماذا لم يؤت أحد من الصحابة صلاته الفردية؟ وما هي صلاة الأصالة؟ وهل بلغ محمود محمد طه مرحلة من التصوف، لا يصلى الصلاة المعروفة؟ وأضاف السائل، قائلاً: أرجو الإجابة عن ذلك، خاصة وأن موضوع رفع الصلاة عن محمود محمد طه وسقوطها عنه، مما أخذه عليه أعداء الفكرة الجمهورية. كذلك توارثت الأجيال في الفضاء السوداني والإسلامي، ما لخصته باحثه تونسية، وهي طالبة ماجستير، التقيت بها في ديسمبر 2014 بتونس، على هامش ندوة دولية، نظمها مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان، بجامعة الزيتونة، بعنوان: المسلمون بين السياسة الشرعية والبدائل المعاصرة، وقدمت فيها ورقة بعنوان: "تطوير الشريعة الإسلامية: السياسة عند محمود محمد طه" ، جاءتني الباحثة، وقالت لي: أنا بحب محمود محمد طه كثيراً، تعرف لماذا؟ قلت لها: لماذا؟ قالت لي: لأنه لا يصلي وأنا لا أصلي. يتصل حديث هذه الباحثة بتلك الأسئلة، وبما شاع بين الناس، بلا حق، وبلا ورع ولا علم ولا روية، بأن محمود محمد طه لا يصلي، لأنه يقول إن الصلاة رُفعت عنه، فمتى شاع هذا الحديث؟ ومن الذي بدأ إشاعته؟
الاتهام الباطل وسردية كسل العقول وتناسل الجهل
بث التشويه والشائعات والخزعبلات في الفضاء السوداني والإسلامي
"القول بأني أقول إن التكاليف والصلاة تُرفع فهذا محض سوء فهم"
محمود محمد طه، 1968
"ليس في عمل الإنسان ما هو أهم، ولا أكمل، ولا ما هو أعود بالخير، والنفع، عليه، ولا على الإنسانية، من الصلاة." . محمود محمد طه، 1966
أستهل عبدالله حديثه، قائلاً: بادئ ذي بدء أود التأكيد بإن الاتهام المنسوب إلى محمود محمد طه بأنه يقول برفع الصلاة وسقوطها عنه، هو اتهام باطل لا يتعلق بمحمود محمد طه، لا من قريب ولا من بعيد. إذ لم يرد قط أن قال محمود محمد طه بذلك، سواء في كتاباته أو أحاديثه. لقد درج المعارضون للفهم الجديد للإسلام، ومنهم بعض المثقفين، ومن يسمون برجال الدين، على بث التشويه والشائعات في الفضاء السوداني والإسلامي، عن عمد وعن غير عمد، على جوهر دعوة محمود محمد طه، وهو موضوع الصلاة . لقد ركن الناس لهذا التشويه واستجابوا لتلك الشائعات، ولم يكلفوا أنفسهم، كما هو حال المعارضين، القيام بالواجب الثقافي والأخلاقي، والوفاء بالاستحقاق العلمي، حيث الاطلاع على كتب محمود محمد طه، ومقالاته وبياناته، والحوارات الإعلامية التي أجريت معه، والاستماع لمحاضراته، وهي موثقة، ومنشورة، ومبثوثة في الفضاء . بيد أنهم، سواء المعارضين من ناسجي التهم والشائعات أو السائلين مؤخراً عن موضوع الصلاة، آثروا الاستجابة لكسل العقول وتناسل الجهل، ولو أنهم أنفقوا القليل من الجهد في الاطلاع على كتابات محمود محمد وأحاديثه عن الصلاة، لأدركوا بأن الصلاة عنده، هي أفضل، وأهم، وأعظم عمل الإنسان، وهي أعلي عبادة عملية، وهي قمة العمل الصالح كما ورد آنفاً، وقد فصل ذلك في كتاباته وأحاديثه. ويطرح عبدالله الأسئلة، قائلاً: ولكن السؤال: هل نشر محمود محمد طه كتباً عن الصلاة ضمنها رأيه فيها؟ وهل قدم محاضرات عنها؟ الإجابة نعم، غير أن المعارضين، والكثير من النقاد والسائلين، يظن بعضهم بأن إطلاق الإحكام بلا علم، أو تبني آراء الآخرين دون القيام بواجب التحقق والوقوف على المصادر، لا يدخل في المسؤولية الفردية، كما أن بعضهم الآخر يطمئن لما يقول به من يسمون برجال الدين. وما علم جميع هؤلاء أن الفردية، في الإسلام، هي جوهر الأمر كله، وهي التي عليها مدار التكليف، ومدار التشريف.. وقد وكدها الإسلام توكيداً، إذ لا تنصب موازين الحساب، يوم تنصب، إلا للأفراد، يتساوى في ذلك أي فرد ممن يسمون برجال الدين، والأفراد جميعهم من الرجال والنساء، فالله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾ ويقول: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾ ويقول: ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا(80)﴾ ويقول: ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (93) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)﴾ ، ويقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ . ولمَّا كانت الفردية هي جوهر الأمر كله في الإسلام، فإن محمود محمد طه قد أكد عليها في كتاباته، قائلاً: "وهذه النقطة نحب لها أن تكون مركزة في الأذهان" .
الشاهد أن محمود محمد طه قد نشر الكتب، وأصدر البيانات، ونظم العديد من المحاضرات والجلسات للحديث عن الصلاة. وتعميماً للفائدة، وتيسراً للقيام بواجب المسؤولية الفردية تجاه آراء محمود محمد طه عن الصلاة، يقدم المحور أدناه، إضاءة ورصداً مع بعض التفصيل الموجز، عن كتابات محمود محمد طه وأحاديثه عن الصلاة. وقد تم التركيز على الكتابات والأحاديث عن الصلاة، الموثقة والمتاحة للاطلاع عليها، أو الاستماع إليها بصوته.
إضاءة على كتابات محمود محمد طه وأحاديثه عن الصلاة
"الصلاة فريضة ليس في الدين ما هو أوكد منها.. فإذا كانت الشهادتان في الدين أول الكلام، فان الصلاة فيه أول العمل.. وهي علم، وعمل بمقتضى العلم" .
محمود محمد طه، 1966
يقول عبدالله: تكاد جل كتابات محمود محمد طه وأحاديثه، لا تخلو من الحديث أو الإشارة للصلاة، ومع ذلك فقد خصص بعض منشوراته عن الصلاة وماهيتها ومفهومها، فكتب عنها الكتب والمقالات، ونشر البيانات، كما قدم العديد من المحاضرات والجلسات التربوية/ العرفانية. ففي العام 1966 نشر كتابه: رسالة الصلاة. وتناول الكتاب العديد من الموضوعات، وكلها تتصل بالصلاة، تناول التوحيــد وفضله، والفردية باعتبارها مدار التكليف، والحرية الفردية المطلقة، والصـلاة وسـيلة، والوسيلة دائماً من جنس الغاية. كما تناول العبادة والعبودية، والرضا بالله عبودية، والعبـودية هي الحرية، وبيَّن، قائلاً: "العبودية هي التكليف الأصلي، والعبادة هي التكليف الفرعي، وبعبارة أدق.. العبادة هي الوسيلة، والعبودية هي غاية العبادة" . ثم وقف عند ما هي الصـلاة؟ ومعاني الصلاة، وصلاة التقليد، وصلاة الأصالة، والصـلاة بين المؤمن والمسلم، وكيف نعرج بصلاة التقليد إلى الأصالة؟ وغيرها من الموضوعات. كما أصدر في العام 1972 كتاب: تعلموا كيف تصلون. تناول فيه العديد من المحاور كلها تمحورت حول الصلاة، منها: الصلاة وسيلة، والفكر، ورياضة العقول، ومستويات التقوى والفرقان، والفكر هو السنة، والصلاة والصوم، والصلاة جلسة نفسية، وبين الاعتراف والاستغفار، وصل فإنك الآن لا تصلي، والوضوء، والصــلاة وأوقاتها، وهيئة الصلاة، وحضرتا الصلاة: حضرة الاحرام وحضرة السلام، وغيرها. وكتب في مدخل الباب الأول من كتابه، قائلاً: "وكيفية الصلاة غير معلومة لدى الناس بصورة كافية.. وقيمة الصلاة مجهولة عند الناس جهلاً تاماً.. وإنما أردنا بهذا الكتاب إلى تبيين الكيفية بصورة جلية، وإلى إظهار القيمة من الصلاة إظهاراً كافياً، يعيد إليها بعض ما تستحق من الكرامة، والتفضيل".
وفصل عبدالله، قائلاً: كذلك قدم محمود محمد طه العديد من المحاضرات عن الصلاة في العاصمة الخرطوم، وفي الكثير من مدن السودان، ونورد هنا نماذج من المحاضرات الموثقة بصوته، والمنشورة والمتاحة للاستماع عبر شبكة الإنترنت في موقع الفكرة الجمهورية على الإنترنت، وقد أشرنا مع كل محاضرة لرابط النشر. من هذه المحاضرات على سبيل المثال، لا الحصر: محاضرة بعنوان: "الصلاة" ، (3 ديسمبر 1968)، ومحاضرة بعنوان: "تعلموا كيف تصلون" ، (11 أبريل 1972)، وكانت هذه المحاضرة ضمن سلسلة من المحاضرات شهدها عقد السبعينات من القرن الماضي، وتم تقديمها في العاصمة الخرطوم، والعديد من مدن السودان. ففي 14 أبريل 1972، شهدت مدنية الأبيض المحاضرة بنفس العنوان: "تعلموا كيف تصلون" ، كما شهدت مدينة أم درمان خلال شهر سبتمبر 1972 عدة ندوات بنفس العنوان . يضاف إلى ذلك أن الكثير من محاضرات محمود محمد طه، تعرضت للصلاة، خاصة أثناء النقاش، حيث وردت الكثير من الأسئلة عن الصلاة، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، في محاضرة كانت بعنوان: "الدستور والحقوق الأساسية" (19 مارس 1969)، جاء أحد الحضور، وقال: أنا أريد أن أعرف هل محمود محمد طه والجمهوريين يصلون مثل صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وأضاف السائل، قائلاً: أريد من محمود محمد طه أن يوضح لي كيف هي صلاته؟ وكيف هي صلاة الرسول؟ وطُرحت نفس الأسئلة في محاضرة أخرى كانت بعنوان: "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" ، (9 أبريل 1972). ولم تغب مثل هذه الأسئلة في الحوارات الإعلامية ، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، أجرت مجلة الحياة السودانية، حواراً مع محمود محمد طه ونشرته في نوفمبر 1968، وكان من بين الأسئلة، سؤال يقول: ما رأيك فيما يوجه لك من اتهام بأنك ترى أن الصلاة قد رُفعت عنك؟ وقد أجاب محمود محمد طه عن كل تلك الأسئلة، ويمكن الاطلاع والاستماع للأسئلة والإجابة عنها في المصادر المشار إليها في الهامش أدناه. ومع ذلك سنقدم إجابات موجزة عن هذه الأسئلة في المحاور أدناه.
وأضاف عبدالله، قائلاً: أيضاً نشر الإخوان الجمهوريون الكثير من الكتيبات والبيانات عن الصلاة. ومن تلك المنشورات على سبيل المثال، لا الحصر، الصلاة وسيلة وليست غاية (أغسطس 1975)، والصوم توأم الصلاة (سبتمبر 1975)، وماذا قال الأستاذ محمود محمد طه عن الصلاة؟ (مايو 1976)، والصوم ضياء والصلاة نور (أغسطس 1976). ومن البيانات على سبيل المثال، لا الحصر: "بيان من الطلبة المفصولين من المعهد العلمي" (فبراير 1960)، و "رأي الحزب الجمهوري في: "محمود محمد طه معذور" (نوفمبر 1965)، و "عن اتهام السيد على أحمد سليمان، عضو مجلس الشعب، لنا [أي الإخوان الجمهوريون] بأننا نسيء إلى الإسلام" (أبريل 1977)، و"الصلاة لا تسقط اطلاقاً!!" (يونيو 1977).
الصلاة في الفهم الجديد للإسلام
يقول عبدالله: إن الصلاة في الإسلام، وفقاً للفهم الجديد للإسلام، صلاتان، كما هو الأمر في كل الشئون القرآنية، والإسلامية، فالنص في القرآن، نصان: نصٌ ناسخٌ، ونصٌ منسوخٌ، والشرع شرعان: شريعة النبوة، وشريعة الرسالة. وبناءً على التقرير بأن النص نصان، وأن الشرع شرعان، وهو تقرير مفصل ومبرهن على علميته في كتابات محمود محمد طه وأحاديثه، وسنورد هنا توضيحاً موجزاً، فإن أموراً كثيرة تنبني على هذا التقرير. ومن هذه الأمور أن في الإسلام أمتان: أمة المؤمنين وأمة المسلمين. وهنا يرى محمود محمد طه بأنه ومن أجل بعث الإسلام لا بد من التفريق بين "المؤمن" و"المسلم" وبين أمة المؤمنين وأمة المسلمين.. وإن هذا التفريق ضرورة لبعث الصلاة!، وتبرز أهمية التفريق بين المؤمن والمسلم في التفريق بين صلاة وصلاة.. فإن للمؤمن صلاته، وهو فيها مقلّد للنبي الكريم، وللمسلم صلاته، وهو فيها أصيل، متأس بالنبي الكريم في الأصالة ، وسيرد التفصيل عن أمة المؤمنين وأمة المسلمين. كذلك إن الإسلام إسلامان، والرسالة رسالتان: رسالة أولى من الإسلام، ورسالة ثانية من الإسلام، وكما وردت الإشارة آنفاً في هذا الكتاب، إن الرسالتين أتى بهما النبي الكريم محمد بن عبد الله عليه أفصل الصلاة وأتم التسليم، وقد فصل الأولى وأجمل الثانية إجمالاً، ولا يتطلب تفصيل الثانية سوى فهماً جديداً للإسلام. أما القول بأن في القرآن نصان، فإنه يجيء من طبيعة القرآن.. قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)﴾ .. ومعنى أنه ﴿مَّثَانِيَ﴾، أنه ذو معنيين، معنيين: معنى في الطرف البعيد، ومعنى في الطرف القريب. وإنما يجيء ذلك من كون القرآن حديثاً من الرب، في عليائه، تنزّل إلى العبد في الأرض.. ويجيء هذا المعنى في نص آخر.. ﴿حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ(4)﴾ .. فهناك نص في أم الكتاب، وهذا ما يعتبر نصاً في الطرف البعيد.. وهناك نص في المصحف المخطوط، والمقروء باللغة العربية بين ظهرانينا اليوم، وهو نص يمكن أن يعتبر في الطرف القريب. وجملة الأمر فإن نصوص المعنى البعيد هي نصوص أصول، ونصوص المعنى القريب هي نصوص فروع. وقرآن الأصول قرآن مكي، وقرآن الفروع قرآن مدني . وقد ورد بعض التفصيل عن القرآن المكي والقرآن المدني في هذا الكتاب.
ثم فصل عبدالله في موضوع الشرع شرعان: شرع كان عليه النبي، في خاصة نفسه، وشرع كانت عليه الأمة.. وفصل كذلك في اشتمال الإسلام على أمتينن: أمة المؤمنين، وأمة المسلمين، وفضل أيضاً في أن كلمة الإسلام، لها معنيان: معنى قريب هو الذي عبر عنه القرآن بقوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ .. وهذا ما أسماه محمود محمد طه: الإسلام الأول. وللإسلام معنى بعيد، وهو مركوز عند الله، حيث لا حيث .. وهو بمعناه البعيد قد أشار اليه سبحانه وتعالى حين قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(102)﴾ . وقد جاء القرآن مقسماً بين الإيمان والإسلام، كما جاء إنزاله مقسماً بين مدني ومكي، وكان المكي سابقاً على المدني، وبعبارة أخرى، بدأ بدعوة الناس إلى الإسلام فلما لم يطيقوه، وظهر ظهوراً عملياً قصورهم عن شأوه، نزل عنه إلى ما يطيقون. والظهور العملي حجة قاطعة على الناس. والآيات الدالة على النزول من أوج الإسلام، الى مرتبة الإيمان كثيـرة . نذكر منها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(102)﴾ فلما قالوا أينا يستطيع أن يتقي الله حق تقاته؟ نزل قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)﴾ . ويقع الإسلام الأول، كما يرى محمود محمد طه، وهو دين أمة المؤمنين، في ثلاث درجات، وهي درجات الإيمان: الإسلام، والإيمان، والإحسان.. وهذه مرحلة عقيدة.. وأما الإسلام النهائي فيعني الاستسلام، والانقياد الكلي ظاهراً وباطناً.. ويعني الإذعان الكلي، لأمر الله، عن رضا وطواعية.. وهو يقع أيضا في ثلاث درجات، تلي درجات الإسلام الأول.. وهذه الدرجات الثلاث هي درجات الإيقان: علم اليقين، وعلم عين اليقين، وعلم حق اليقين.. ثم تتوج هذه الدرجات الست بالإسلام النهائي. فكأن الصورة هكذا: الإسلام الأول، ثم الإيمان، ثم الإحسان، ثم علم اليقين، ثم علم عين اليقين، ثم علم حق اليقين، ثم الإسلام .. وهذا الإسلام الأخير، وهو النهائي، هو المعني بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ .. وهو المعني بقوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(85)﴾..
أتوقف هنا وأحيل القراء إلى استكمال محاور الفصل بالرجوع إلى كتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير، موضوع حديثنا، والمحاور المتبقية، هي: الصلاة صلاتان: صلاة الصلة وصلاة المعراج- الشريعة الفردية وأخذ الصلاة الفردية من الله بلا واسطة- ما رأي محمود محمد طه فيما يوجه إليه من اتهام بأنه يرى أن الصلاة رُفعت عنه؟ وهل كان يصلي؟- الشريعة الفردية: شريعة العارف في مستوى معرفته وصلاته تزيد عن صلاة الإنسان العادي- كيف هي صلاة محمود محمد طه؟ وهل هي مثل صلاتنا ذات الحركات المعلومة؟ - كأنما الصلاة الشرعية قاعدة وصلاة الصلة قمة- لماذا كان النبي يصلي الصلاة ذات الحركات حتى التحاقه بالرفيق الأعلى؟ - المؤمن لن ينفك عن التقليد بينما يرتفع المسلم المجوّد من التقليد إلى الأصالة- لماذا لم يؤت أحد من أصحاب النبي صلاة الأصالة؟- أخذ الصلاة بالجد التام- منشأ سردية رفع الصلاة عن محمود محمد طه.
نلتقي في الحلقة الثامنة، وهي تتمحور حول أحد فصول الكتاب، وقد جاء الفصل بعنوان: إنطلاقاً من دعوة محمود محمد طه للتغيير ووفقاً لرؤيته كيف ومتى ستهب رياح التغيير؟ ويتناول الفصل المحاور الآتية: متى وكيف تهب رياح التغيير؟- الوصية المشرفة: كثفوا العمل.. يا عمر [القراي] لا تتوقف عن العمل- تكثيف العمل هو السبيل لمقاومة سردية رجال الدين: سردية كسل العقول وتناسل الجهل- هل يعقل أن ينام الجمهوري والجمهورية ملء جفونه/ جفونها، والناس من حوله/ حولها تردد في سردية رجال الدين القائلة: إن محمود محمد طه كافر ومرتد عن الإسلام؟- القيام بالواجب المباشر خروج عن مأزق الموقف السلبي- ما الذي يحتاجه الواجب المباشر- العبادة في الخلوة مدرسة الإعداد النظري، فما هو ميدان التطبيق العملي؟- عن مفهوم رفع واقع الناس للفكرة وإنزال الفكرة لواقع الناس- الجمهوريون دعاة التغيير الجذري- مفهوم التغيير الجذري عند محمود محمد طه- ما بعد النقد الشكلي للإخوان المسلمين وجماعات الهوس الديني.