الجزيرة:
2025-04-02@09:03:28 GMT

ضجيج لأجل الانتشار.. لماذا يكون العلم مضللا أحيانا؟

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

في عالم اليوم الذي يتغير بوتيرة غير مسبوقة بفضل العلم واكتشافاته، ربما يكون مفاجئا أن الكثيرين لا يثقون في العلم، ويلجأون للعديد من البدائل الزائفة وغير المقننة، مثل الطب البديل و"الهوميوباثي"، والعلاج بالطاقة والعلاج بالملح، ويؤمنون بأن الأرض مسطحة، وينكرون الاحتباس الحراري، إلى غير ذلك من التوجهات التي أصبحت تلقى رواجا كبيرا بين الناس يوما بعد يوم، أولئك الذين تزداد ثقتهم في العلم الزائف ويزيد تشككهم في المؤسسات الطبية والعلوم، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: لماذا فقد الكثيرون من أبناء عالم اليوم الثقة في العِلم؟

 

وباء المعلومات تعتمد الكثير من الجامعات والمؤسسات العلمية على كم الأوراق العلمية والدراسات المنشورة كمعيار أساسي في سبيل الترقي الوظيفي للباحثين، دون تركيز كبير على جودتها.

(مصدر الصورة: شترستوك)

يعود جزء من افتقار الثقة في العلم إلى فوضى المعلومات المحيطة بنا، وسهولة النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لقد طُرحت هذه القضية خاصة في فترة جائحة "كوفيد-19″، فيما أُطلق عليه "وباء المعلومات" (Infodemi)، حيث تداول الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي العديد من المعلومات المضللة والزائفة، سواء حول إجراءات الوقاية من المرض أو خطوات العلاج أو اللقاحات.

 

تُعَدُّ وسائل التواصل إذن متهما جاهزا لنلومه على "وباء المعلومات"، لكن واقع الأمر أن هذه المشكلة تحمل جذورا أعمق وأكثر تعقيدا، تتجاوز سلوكيات الأفراد إلى المؤسسات البحثية والبحث العلمي نفسه. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2021 مثلا نشرت مجلة "سيركوليشن" (Circulation) التابعة لجمعية القلب الأميركية ملخصا لا يتجاوز 300 كلمة لورقة بحثية تحذر من تسبب لقاحات "mRNA" الخاصة بكوفيد في أعراض التهاب القلب للأشخاص المشاركين في الدراسة.

 

نُشر الملخص بمفرده دون أن ترفق به الورقة البحثية كاملة، وسرعان ما انتشر هذا الخبر على نطاق واسع، حيث شاركه أكثر من 69 ألف مستخدم على تويتر، ونشرته 23 وكالة إخبارية على الأقل، كما انتشر مقطع فيديو على موقع "BrandNewTube" يتهم اللقاحات بأنها جريمة قتل ومؤامرة (1). وفي 21 ديسمبر/كانون الأول في العام نفسه صدر تصحيح غيَّر العنوان ليشير إلى أن الدراسة لم تحدد بدقة السبب وراء النتائج، مع ملاحظة عدم وجود "مجموعة ضابطة" (Control group) ولا تحليل إحصائي للنتائج.

 

هكذا يحدث أن تُقدَّم مثل هذه الادعاءات الكبيرة، متجاوزة عمليات مراجعة الأقران، في أوقات حرجة دون انتباه لتأثيرها على العامة. لكن المشكلة الأعمق أن بعض الأوراق العلمية التي مرت عبر مراجعات الأقران يمكن أن تؤدي هي الأخرى إلى ادعاءات لا أساس لها. وعموما، يعاني البحث العلمي من مشكلات عديدة، واحدة منها هي اعتماد الكثير من الجامعات والمؤسسات العلمية على عدد الأوراق العلمية والدراسات المنشورة بوصفها معيارا أساسيا في سبيل الترقي الوظيفي للباحثين، دون تركيز كبير على جودتها، وهو ما تسبب في نشر عدد من الأوراق والدراسات دون الالتزام بمعايير الجودة والدقة الكافية (2).

 

ضجيج من أجل الانتشار من أشهر الادعاءات المضللة التي شاعت بين الكثيرين هي زعم أن المطعوم الثلاثي (MMR) الذي يعطى ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية قد يؤدي إلى الإصابة بالتوحد. (مصدر الصورة: شترستوك)

هناك عامل آخر من عوامل انتشار البيانات المضللة مرتبط بالمؤسسات العلمية، هل تتساءل كيف تصل نتائج الأبحاث العلمية والدراسات المنشورة إلى المواقع الإخبارية؟ يتعلق الأمر بمكاتب العلاقات العامة في الجامعات والمؤسسات العلمية، وهي المسؤولة عن البيانات الصحفية وغيرها، في بعض الأحيان تبالغ هذه المكاتب في صياغة البيانات الصحفية بشكل يُضفي عليها اليقين، وقد تبالغ في تصدير النتائج اللامعة أملا في لفت الأنظار وإثارة المزيد من الترويج والضجيج الذي قد يعود على باحثيها بالتمويل والمنح العلمية.

 

مثل هذه الادعاءات قد تحمل آثارا اجتماعية عميقة وخطيرة، مثلا في عام 1980 نشرت مجلة "نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن" ما يشير إلى أن الإدمان نادر في المرضى الذين يعالجون بالمخدرات، وهو الادعاء الذي يُعتقد أنه أثّر بشكل كبير على أزمة المواد الأفيونية، وقد اعتمد العديد من الأطباء على هذه الدراسة بوصفها داعما للمعتقد بأن الإدمان على المواد الأفيونية نادر في مرضى الألم المزمن. استغرق الأمر 37 عاما قبل أن تضيف مجلة "نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين" ملاحظة افتتاحية تحذر من أن الخطاب قد "استُشهِد به بشكل واسع وغير نقدي" (3).

 

واحد من أشهر الادعاءات المضللة التي شاعت بين الكثيرين ولا تزال تجد صدى لها حتى اليوم كان نتاج دراسة نشرها الطبيب البريطاني أندرو ويكفيلد في عام 1998 في المجلة البريطانية الطبية. وقد ربطت دراسته بين التطعيمات والتوحد، وزعم فيها أن المطعوم الثلاثي (MMR) الذي يُعطى ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية قد يؤدي إلى الإصابة بالتوحد. لقد انتشرت هذه النتائج ووجدت صدى كبيرا سواء في المجتمعات الطبية أو مجتمعات أولياء الأمور الذين امتنعوا عن تطعيم أطفالهم، وهو ما أدى إلى ارتفاع حالات الحصبة مرة أخرى. لقد سحبت المجلة الدراسة فيما بعد، وسُحب ترخيص ممارسة الطب من ويكفيلد.

 

ورغم ذلك لا تزال هذه النتائج تجد صداها، منذ سنوات قليلة انتشر فيديو للفنانتين المصريتين منى زكي وعلا رشدي تتحاوران فيه حول العلاجات البديلة (الهوميوباثي)، وأكدت الفنانتان امتناعهما عن إعطاء التطعيمات للأطفال، وهو الفيديو الذي شاع وحقق انتشارا كبيرا وقتها (4).

 

حية.. وإن تراجعت القلق وانعدام الثقة في المؤسسات والحكومات الناتج عن غياب الصحافة العلمية الجادة يدفع الناس لقبول تفسيرات العلم الزائف. (مصدر الصورة: شترستوك)

يخبرنا ذلك شيئا ما عن المعلومات المضللة، حيث يبدو وكأنها تحتفظ بحياتها الخاصة التي تستمر رغم تراجع المؤسسات العلمية عنها، في بعض الأحيان يظن عامة الناس أن سبب التراجع لا يعود لخطأ النتائج، لكنهم يعتقدون أن هناك نوعا من نظرية المؤامرة خلف هذا التراجع. في حالة التطعيمات على سبيل المثال، لا يزال البعض يعتقد أن سبب التراجع عن نتائج الدراسة هو التآمر بين المؤسسات العلمية وشركات الأدوية التي ترغب في زيادة أرباحها (5).

 

لا يمكننا أيضا استبعاد التحيز المعرفي بوصفه عاملا أساسيا في بقاء هذه الادعاءات حية، ويُعرَّف ببساطة بأنه ميل الناس إلى اتخاذ قرارات أو آراء مبنية على خبراتهم السابقة أو التوقعات أو المشاعر، حيث يجنح الناس للبحث عن المعلومات بطريقة تتوافق مع افتراضاتهم ومعتقداتهم المسبقة، فيما لا يهتمون بالمعلومات التي تتعارض معها. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تخلق لنا ما يشبه غرفة مغلقة نسمع فيها أصداء أصوات مشابهة لأصواتنا، حيث نتفاعل مع أفراد العائلة والأصدقاء الذين يشبهوننا غالبا، وهو ما يعني أننا صرنا أكثر عُرضة للمعلومات المضللة المتوافقة مع آرائنا المسبقة، حيث يمكننا ببساطة حجب الأشخاص الذين لا نتفق معهم، حتى لا نضطر لرؤية الجوانب الأخرى من القضية (6).

 

لا يقدم العلم في ذاته حقائق مطلقة، بل يشمل تاريخ العلم مئات الأمثلة لنظريات اعتقد العلماء أنها حقائق، ليثبت بعدها خطأها، ولعل أشهرها الاعتقاد في مركزية الأرض. كما أن الحقائق العلمية عموما ليست بسيطة، بل هي معقدة بقدر تعقد الكون، وهي تحتوي على العديد من المصطلحات العلمية المتخصصة والدقيقة التي قد تؤدي إلى الخطأ في الفهم. وهنا يكمن بشكل أساسي تحدي الصحافة العلمية الجادة في توصيل المعلومات العلمية المحدثة للعامة بشكل مبسط دون إخلال بجوهرها، وهو ما قد يكون عملية صعبة.

يحصل الناس على معلوماتهم من المشاهير والمؤثرين متجاهلين المصادر الجادة لمجرد صعوبة التعامل معها أو لتعارضها مع انحيازاتهم السابقة. (مصدر الصورة: شترستوك)

إن القلق وانعدام الثقة في المؤسسات والحكومات والفراغ الناتج عن غياب الصحافة العلمية الجادة والمواكبة لمختلف التطورات المعاصرة قد يدفع الناس لقبول تفسيرات العلم الزائف، خاصة مع شعور الجماهير بنوع من الإحباط تجاه المؤسسات والأنظمة. وطبقا "لدومينيك بروسارد" (Dominique Brossard)، رئيس قسم اتصالات علوم الحياة بجامعة ويسكونسن، فإن أحد أهم الأسباب التي قد تجعل المزيد من الناس يصدقون المعلومات المضللة هو تدهور ثقتهم في المؤسسات.

 

وطبقا لتيموثي كولفيلد، ماجستير في القانون، ومدير الأبحاث في معهد قانون الصحة بجامعة ألبرتا، الذي يدرس حملات التضليل: "ينجذب الناس إلى المجتمعات المغلقة التي لا تثق في نظام الرعاية الصحية لأنهم يبحثون عن إجابات، وبمجرد أن يصبحوا جزءا من المجتمع، فإنهم يتبنون هذه النظرة للعالم ببطء" (7) (8).

 

إذا كنت تبحث عن إجابة لسؤال طبي سريع فأي الطريقين تختار؟ هل ستقرأ عشرات الأوراق البحثية الدقيقة المنشورة حوله أم ستكتفي بمقطع فيديو قصير يعدك بعلاج سريع لحالتك؟ أغلب الأشخاص من غير المتخصصين وما لم يكن لديهم شغف خاص يدفعهم تجاه البحث سوف يلجأون للطريق الثاني.

 

ولا يعني ذلك أنهم يرفضون العلم، بل هم يبحثون عن العلم الذي يدعم معتقداتهم، وهو ما قد يتسبب في عواقب وخيمة، حيث يكتفي الناس بمتابعة المشاهير والمؤثرين الذين يشاركون قيمهم الخاصة التي لا تخضع سوى لمعاييرهم الشخصية، فيحصل الناس على معلوماتهم من هذه المصادر متجاهلين المصادر الجادة لمجرد صعوبة التعامل معها أو لتعارضها مع انحيازاتهم السابقة.

———————————————————————————–

المصادر:

1- Abstract 10712: Observational Findings of PULS Cardiac Test Findings for Inflammatory Markers in Patients Receiving mRNA Vaccines Circulation (ahajournals.org)
2- Peer Review in Science: the pains and problems
3- The One-Paragraph Letter From 1980 That Fueled the Opioid Crisis
4- هل يؤدي التطعيم إلى التوحد؟
5- The big question: Why do people believe fake science? | The Biomedical Scientist Magazine of the IBMS
6- Biases Make People Vulnerable to Misinformation Spread by Social Media
7- If You Say ‘Science Is Right,’ You’re Wrong
How Science Fuels a Culture of Misinformation | OpenMind Magazine -8

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: وسائل التواصل فی المؤسسات الثقة فی وهو ما

إقرأ أيضاً:

حماية الأجور .. خطوة لبيئة عمل جاذبة تتصدر مخاوف الشركات

«العمل»: القرار يعيد هيكلة السوق بعيدا عن الممارسات السلبية المستنزفة للموارد

«الشورى»: يؤدي دورا حيويا لضمان الاستقرار المالي للعمال

«غرفة التجارة»: اقترحنا إعفاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لمدة 6 أشهر لتصحيح أوضاعها

الاتحاد العام للعمال: 18 ألف شكوى سنويا تبرز حجم المشكلة وتداعياتها الخطيرة

مع بدء التطبيق الإلزامي لنظام حماية الأجور فـي سلطنة عُمان، تباينت ردود الأفعال بين مختلف الأطراف الفاعلة فـي سوق العمل، حيث أكدت وزارة العمل أن النظام يمثل إجراء ضروريًا لضمان حقوق العمال، وتعزيز الشفافـية، وتنظيم صرف الأجور إلكترونيًا بإشراف البنك المركزي العماني، مع فرض عقوبات على المخالفـين لضمان الامتثال.

فـي المقابل، تتصدر المخاوف أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذين أبدوا قلقهم من تأثير النظام على أعمالهم، معتبرين أن الغرامات والالتزام الصارم قد يؤديان إلى إغلاق العديد من المشاريع الصغيرة التي تعاني أصلًا من شح الموارد، فـي حين يرى مؤيدو القرار أنه لن يؤثر إلا على الشركات غير الملتزمة وأن العديد من المؤسسات الملتزمة لم تواجه أي مشكلات أو غرامات. فـيما تقدم كل من مجلس الشورى، والاتحاد العام للعمال، وغرفة تجارة وصناعة عُمان بمقترحات لتخفـيف الأعباء على الشركات الصغيرة، ودعم التطبيق التدريجي للنظام. قال الدكتور بدر بن أحمد البلوشي المستشار الإعلامي بوزارة العمل: «إن قانون حماية الأجور جاء لضمان صرف الرواتب إلكترونيًا وتحويلها إلى حسابات العاملين بإشراف البنك المركزي العماني، مع إلزام أصحاب العمل بتحويل الأجور خلال 3 أيام من استحقاقها وتحديث عقود العمل عند أي تعديل فـي الأجر».

وأضاف: إن القانون يستثني حالات النزاع العمالي التي تتجاوز 30 يومًا، أو التوقف القسري عن العمل، أو بلاغات ترك العمل التي مضى عليها أكثر من 30 يومًا، ولضمان الامتثال، فرضت الوزارة جزاءات إدارية تشمل الإنذار، وإيقاف منح تراخيص العمل، إضافة إلى غرامة 50 ريالًا عمانيًا لكل عامل تتضاعف عند تكرار المخالفة.

وأكد البلوشي أنه فـي خضم التحديات التي يواجهها سوق العمل، تأتي قرارات حماية الأجور وتنظيمها كإجراء وطني مدروس، يهدف إلى تصحيح المسار وتحقيق مصلحة عامة تعود بالنفع على كل مواطن، ويضع المواطن العماني فـي موقع المسؤولية والتمكين، ويعيد هيكلة السوق ليعمل لصالحه بعيدًا عن الممارسات السلبية التي استنزفت موارده على مدى سنوات.

وقال البلوشي: إن عدم استقرار العاملين وكثرة التنقل الوظيفـي يعودان إلى عدم التزام بعض منشآت القطاع الخاص بسداد الأجور، حيث تلقت الوزارة 17648 شكوى مرتبطة بالأجور عام 2023، و16407 شكاوى فـي 2024، بالإضافة إلى 969 شكوى فـي يناير من العام الجاري، منها 825 حالة تتعلق بعدم استلام الراتب الشهري، مما يعكس الحاجة الماسة لتطبيق نظام حماية الأجور بصرامة.

وأوضح أن نظام حماية الأجور يشمل جميع منشآت القطاع الخاص دون استثناء، مع التزام الوزارة بتخفـيف الأعباء المالية الناجمة عن تطبيقه، وفـي هذا الإطار، تعاونت الوزارة مع البنك المركزي العماني لضمان سهولة الإجراءات، وحثت البنوك المحلية على توفـير إرشادات واضحة لأصحاب العمل حول تحويل الأجور بسلاسة، كما أدت بعض البنوك دورًا بارزًا فـي توعية زبائنها، فـيما تواصل الوزارة متابعة التحديات لضمان تنفـيذ النظام بمرونة وكفاءة.

دور مجلس الشورى

من جهته قال سعادة أحمد بن سعيد الشرقي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية لوى ورئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بالمجلس: «إن نظام حماية الأجور وضع من أجل تحسين مستوى الشفافـية فـي سوق العمل العماني، من خلال توثيق عمليات دفع الأجور، حيث يهدف إلى دعم الامتثال للقوانين واللوائح العمالية، مما يسهم فـي تحسين بيئة العمل وتعزيز ثقة المستثمرين وأصحاب العمل فـي النظام المالي وسوق العمل المحلي».

وأوضح سعادته أن النظام يشكل ركيزة أساسية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام يحفظ حقوق العمال ويعزز ثقة المستثمرين فـي السوق العماني، إذ يسهم النظام فـي تعزيز الاقتصاد الوطني عبر ضبط سوق العمل، وتوفـير بيانات دقيقة للأجور، وتقليل النزاعات، إضافة إلى دعم الجهود فـي مكافحة الممارسات غير الصحية والامتثال للمعايير الدولية مما يحسن سمعة الشركات ويجذب المواهب.

وأكد سعادته أنه رغم الدور الحيوي لنظام حماية الأجور فـي ضمان الاستقرار المالي للعمال، تواجه بعض المؤسسات صعوبات فـي التكيف، مما يؤدي إلى تأخير الرواتب، خاصة بسبب مشكلات مالية أو إدارية، كما يعبر أصحاب الأعمال عن مخاوفهم من الأعباء الإدارية والتكاليف الإضافـية، لا سيما فـي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من جهة أخرى، يلجأ بعض أصحاب العمل إلى أساليب للتحايل، مثل تسجيل رواتب أعلى من المبلغ الفعلي المحوَّل، مستغلين ضعف وعي بعض العمال بحقوقهم وآليات تقديم الشكاوى، وأضاف بقوله: «لمواجهة هذه التحديات، تعتمد الجهات المختصة على تنفـيذ ومتابعة هذا النظام بإجراءات صارمة، تشمل فرض غرامات على المخالفـين، وتعزيز الرقابة الإلكترونية، وتكثيف حملات التوعية لضمان التزام جميع الأطراف بالقانون، وتحقيق بيئة عمل أكثر عدالة واستقرارًا».

وبين سعادته أن مجلس الشورى يؤدي دورًا حيويًا فـي ضمان فعالية نظام حماية الأجور عبر متابعة تطبيق القانون ومراجعة مواده لضمان تحقيق التوازن بين حقوق العمال وأصحاب العمل، كما يسهم فـي تقديم توصيات لتحسين آليات التنفـيذ من خلال الاطلاع على التقارير الرسمية والتواصل مع الجهات المختصة.

وأفاد رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى أنه عبر جلسات الاستماع التي عقدتها اللجنة الاقتصادية والمالية ولجنة الشباب والموارد البشرية بحضور وكيل وزارة العمل، نجح المجلس فـي إيصال صوت العمال وأصحاب العمل، مما ساعد فـي تحقيق توافق أكبر بين جميع الأطراف، ورغم التحديات، يظل النظام ركيزة أساسية لتنظيم سوق العمل، وتعزيز الشفافـية والاستقرار الاقتصادي، فـيما يمثل دور مجلس الشورى ضمانة لاستمرارية التطوير وتحقيق العدالة للجميع.

غرفة تجارة وصناعة عُمان

كشف الشيخ أحمد بن عامر بن محمد المصلحي، رئيس لجنة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بغرفة تجارة وصناعة عُمان، عن استلام الغرفة شكاوى واستفسارات حول مخالفات تأخر تحويل رواتب العمال، وقد رفعت الغرفة، ممثلة للقطاع الخاص، مقترحات رسمية للجهات المعنية، تتضمن إعفاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لمدة 6 أشهر لتصحيح أوضاعها المتعلقة بفتح حسابات للعمال وتحويل الرواتب إلكترونيًا، مع تطبيق الغرامات بعد هذه المدة فـي حال عدم الالتزام.

وطالب المصلحي بمراعاة الوضع الاقتصادي الحالي وتأثيره على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فجميع هذه المؤسسات تعمل فـي 4 قطاعات، هي قطاعات المقاولات والنظافة والشحن والخدمات اللوجستية، ومعظم هذه الأنشطة مرتبطة بعقود لدى الحكومة أو شركات كبيرة أو أفراد، والدفع يكون بعد التاريخ المحدد لصرف الرواتب، ويتطلب من وزارة العمل عدم فرض غرامات على هذه القطاعات مع إدراك الجميع بالتأخر فـي تسديد فواتير هذه القطاعات.

واقترح المصلحي منح امتيازات للمؤسسات الملتزمة بدلًا من فرض الغرامات، مثل تسهيل إصدار إقامات العمل أو تخفـيض رسوم تجديدها، لتشجيع المؤسسات على الالتزام بتحويل الرواتب، مؤكدًا ضرورة التشاور مع الغرفة قبل تطبيق أي قرارات تؤثر على القطاع الخاص.

الاتحاد العام للعمال

قال عمار بن سالم الغفـيلي، مساعد الرئيس للتشريعات العمالية فـي الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان: «إن الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان منذ المرحلة الأولى من إطلاق نظام حماية الأجور سعى لوضع توعية العمال بأهمية نظام حماية الأجور على رأس أولوياته، وذلك من خلال تنظيم برامج توعوية موجهة للعمال وأصحاب العمل، تهدف إلى توضيح آلية عمل نظام حماية الأجور والفوائد التي يقدمها، كما أطلق الاتحاد العام، عبر حساباته فـي مواقع التواصل الاجتماعي، عدة حملات إعلامية، تهدف لتوضيح حقوق العمال بموجب هذا النظام وكيفـية الاستفادة منه».

وأفاد الغفـيلي أنه تربط الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان علاقة تعاون مع وزارة العمل، تعكس الشراكة الاستراتيجية بينهما التي تهدف إلى تحقيق بيئة عمل عادلة، وسوق عمل مستقر؛ وفـي هذا الإطار يعمل الاتحاد العام بالتعاون مع وزارة العمل لضمان نجاح نظام حماية الأجور وتحقيق أهدافه المرجوة، وهذا التعاون يجري عبر عدة محاور، أبرزها إعداد السياسات والإجراءات التي تدعم تطبيق نظام حماية الأجور بما يحقق التوازن بين حقوق العمال ومصالح أصحاب العمل، ومتابعة مدى التزام أصحاب العمل بتطبيق النظام، ومعالجة أي تحديات قد تواجه العمال فـي هذا الإطار، والتوعية بتنظيم حملات توعية مشتركة، تستهدف العمال وأصحاب العمل لتعريفهم بأهمية النظام وآلياته وكيفـية الاستفادة منه، وحل النزاعات العمالية فـي حال وجود شكاوى تتعلق بالأجور أو غيرها، والإسهام فـي تسريع الإجراءات القانونية وضمان حصول العمال على حقوقهم.

18 ألف شكوى

أكد الغفـيلي أن وزارة العمل، منذ إطلاقها نظام حماية الأجور فـي عام 2023، حرصت على توعية أصحاب العمل والموظفـين بأهمية التسجيل فـي النظام، وذلك عبر مختلف قنواتها الرسمية، ورغم الجهود المبذولة، لم يشهد النظام إقبالًا واسعًا من قبل أصحاب العمل، مما دفع الوزارة إلى اتخاذ خطوات أكثر فاعلية، وفـي هذا السياق، تم تشكيل فريق عمل يضم جهات حكومية متعددة إلى جانب عدد من الجهات ذات الصلة، بهدف مراجعة النظام وإجراء التعديلات اللازمة، وأسفر ذلك عن صدور النسخة المُحدَّثة من النظام بموجب القرار الوزاري رقم 299 / 2023، والذي خضع لاحقًا لتعديلات إضافـية فـي عام 2024، ومنحت الوزارة منشآت القطاع الخاص مهلة زمنية تمتد لعام كامل لتوفـيق أوضاعها قبل التطبيق الإلزامي للنظام، حرصًا على تحقيق انتقال سلس يراعي مصالح جميع الأطراف.

وكشف الغفـيلي أن الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان لا يزال يتلقى شكاوى يومية من العمال بشأن تأخر صرف أجورهم، حيث تصل بعض حالات التأخير إلى أكثر من خمسة أشهر، فـي حين يُجبر بعضهم على مواصلة العمل رغم عدم استلام مستحقاتهم، وتشير إحصائيات وزارة العمل إلى تلقيها أكثر من 18,000 شكوى سنويًا من العمال العمانيين وحدهم، دون احتساب شكاوى العمال غير العمانيين، مما يبرز حجم المشكلة وتداعياتها الخطيرة.

ويؤكد الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان أن فرض الجزاءات الإدارية على المخالفـين يعد خطوة أساسية لضمان تطبيق نظام حماية الأجور بفعالية، بما يسهم فـي تعزيز الامتثال للقوانين وتحقيق بيئة عمل مستقرة، كما يولي الاتحاد اهتمامًا خاصًا بمتابعة الشكاوى وتحليل معدلات الالتزام، فـي إطار سعيه لضمان استدامة النظام وحماية حقوق العمال.

بين مؤيد ومعارض

أثار تطبيق نظام حماية الأجور ردود فعل متباينة بين أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث يرى البعض أن النظام لم يراعِ اختلاف حجم الشركات، فهناك مؤسسات كبرى قادرة على الامتثال بسرعة، بينما تواجه المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر تحديات كبيرة، خاصة أنها تفتقر إلى الموارد الإدارية والتقنية اللازمة لتطبيقه، كما أن التطبيق الإجباري والغرامات قد يتسببان فـي إغلاق العديد من المشاريع الصغيرة التي تعاني أصلًا من شح الموارد، مما قد يؤدي إلى زيادة البطالة بدلًا من تقليلها.

ويؤكد منتقدو النظام أن العبء الإداري والمالي المفروض على المؤسسات الصغيرة، مثل الورش ومحلات الحلاقة والمشاريع الفردية، يمثل تحديًا كبيرًا نظرًا لافتقارها للخبرة فـي التعامل مع الأنظمة المصرفـية المعقدة، كما أشاروا إلى أن الدعم والتوجيه لم يكن كافـيًا، حيث كان من الأفضل تقديم حلقات عمل استشارية فـي مختلف الولايات قبل فرض النظام، لمساعدة الشركات على فهمه وتطبيقه بشكل سلس.

فـي المقابل، يرى آخرون أن النظام خطوة ضرورية لحماية حقوق العمال وضمان التزام الشركات بصرف الرواتب فـي مواعيدها المحددة، خاصة مع تسجيل آلاف الشكاوى السنوية المتعلقة بتأخير الأجور، ويشير مؤيدو القرار إلى أن المؤسسات المُنظّمة التي تلتزم بالقوانين لم تواجه أي مشكلات، مستشهدين بتجارب شركات مثل مصنع فجر للمياه المعدنية، الذي التزم بدفع الرواتب وفق النظام ولم يتعرض لأي غرامات.

ويعتبر هؤلاء أن الجدل الدائر حول النظام مصدره الشركات غير الملتزمة، التي دأبت على تأخير الأجور لعدة أشهر، مؤكدين أن النظام سيسهم فـي تنظيم سوق العمل وضمان استقرار العلاقة بين العامل وصاحب العمل، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني. على صعيد آخر، تتجه الوزارة لتعزيز إجراءات التوعية والدعم الفني لمساعدة المنشآت على التكيف مع متطلبات النظام، عبر مراكز الاتصال، والحلقات التدريبية، والمواد التوعوية المتقدمة، وتؤكد الوزارة التزامها المستمر بتطوير النظام بما يحقق العدالة والشفافـية فـي سوق العمل، مع الحرص على توازن المصالح بين جميع الأطراف، لضمان بيئة عمل مستقرة ومحفزة تدعم النمو الاقتصادي الوطني.

مقالات مشابهة

  • وزيرة البيئة شاركت في مؤتمر في باريس حول الدبلوماسية العلمية
  • لماذا تقدم المستشفيات الجيلي لجميع المرضى؟.. الفوائد والأسباب العلمية
  • حماية الأجور .. خطوة لبيئة عمل جاذبة تتصدر مخاوف الشركات
  • العلم السوري يقتحم «المنصات الرقمية العالمية»
  • أبناء بلا رحمة.. مأساة أم الشهداء التي تخلى عنها أقرب الناس وماتت وحيدة
  • 6 خرافات عن سرطان الثدي.. إليكِ حقيقتها العلمية
  • المؤسسات الإنسانية تستقبل عيد الفطر بروح العطاء والتكافل
  • هل السفر عبر الزمن ممكن؟.. العلم يجيب!
  • فيلم وولف مان.. الذئاب تبكي أحيانا
  • في محاضرته الرمضانية السادسة والعشرين قائد الثورة: طموح الإنسان المؤمن يجب أن يكون في مرتبة الصالحين