موقع النيلين:
2024-11-07@19:30:19 GMT

وداعاً مجاهد الفليحي .. “مجاهد مازول حياة “

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

وداعاً مجاهد الفليحي .. “مجاهد مازول حياة “


هذه العبارة من كثرة سماعها في لحظة العزاء جعلتني افكر : هل تضن الحياة بالطيبين المجمع على طيبتهم فعلا ؟ ولماذا ؟ هل الحياة قاسية ومعقدة بدرجة لايستطيعها من كان سليم القلب طيباً محبوباً؟ أم انهم يؤخذون إكراماً لهم ويُسارَع بهم لحياة افضل من حياتنا فيها (داراً خيراً من دارهم وأهلاً خير من أهلهم)؟؟

هكذا كان اهل حي النصر بكوستي يبكون الشاب “مجاهد” الذي انتقل بصعقة كهرباء اخذته وهو يقوم بتوصلها خدمة لجيرانه .

جئنا الى حي النصر وافدين بسبب الحرب وقد وجدنا في اهله حسن الوفادة وحسن الخلق والصحبة ..وقد كان مجاهد الفيح واحداً من هؤلاء .ابن اسرة فاضلة ومهذبة جبلت على الخدمة والبشاشة مبسوطة اليد والوجه والقلب للغاشي والماشي .. كان مجاهدا خدوماً بدرجة لايسابقه فيها أحد ابداً ، يخدم الكبار والاطفال والنساء والرجال والمعارف والغرباء . فهذه امرأة تنوح “ياحليل مجاهد كان كل مايجيني يغرف لي البلاعة” واخرى تشهد بدموعها : “مجاهد ولدي لو لقاني الدكان يقول لي يا امي كان تناديني اجيب ليك غرضك” .. وطفل يبكي : “مجاهد امبارح حلق لي شعري” .. وصديقه يحكي ان مجاهد أيام تفشي الكوليرا كان يأتي لمريض عاجز بالمستشفى ليس له اهل فيطعمه ويحممه ويغير ملابسه بملابس يجلبها معه وقد ظل يقوم بذلك حتى توفى الرجل فغسله وكفنه ودفنه . لم يكن مجاهد يتبرع بوقته وعرقه فقط فقد حكى العاملون بمركز الكلى ان مجاهد كلما اتى مرافقاً لمريض اصر ان يتبرع للمركز بدمه . رحم الله مجاهد فلا يكاد يمر عليه الاسبوع الا ويكون قد دخل كل بيوت الحي اما لتركيب انبوبة غاز او لسباكة او صيانة شيء كهربائي او بناء او عتالة أو طلاء وقد كان رحمه الله حداداً وسباكاً ونجاراً وبناءاً ..

إن النفوس الكريمة العظيمة تنفق من يدها وجيبها ووقتها .. ولكن الخير يفيض من قلبها كذلك فقد كان مجاهد مع خدمته حنيناً وصولاً لطيفاً وكان مزاحه وكلماته الطيبة تسبق خدمته وتقول احدى الجارات :” مجاهد ما بسلم علي إلا يبوس راسي ويقول لي يا أمي” ..

وقد كان مع خدمته ومزاحه شريفاً عفيفاً حيياً لا يدخل على الناس إلا غاضاً لبصره ينظر للأرض مراعاة لحرمات البيوت واسرارها ..

وقد رأيت في عزاء مجاهد كيف أن السيرة الحسنة تكون للناس سلوى وسكينة وطمأنينة وهاهم الكثرون بعد أن يأخذهم البكاء لحظة المصيبة يعودون مستبشرين ويحمدون الله ان مجاهد ختمت حياته بحسن شهادة الخلق له وبموت يعتبر ” موت شهادة” …حتى والدته جزعت قليلا ثم قامت تطمئن ابناءها والمعزين ان “مجاهد مازول دنيا وانا راضية عليهو مجاهد ولدكم كلكم” ..وحقاً ان لشهادة الخلق وزن عند الله ورسوله فقد ورد عن رسول الله مرور جنازة بجانبه وقد اثنى عليها الناس فقال “وجبت” ومرت اخرى شهدوا لصاحبها بغير ذلك فقال “وجبت”.

وكثير من الناس لايعرفون ان من اعظم ابواب احسان العلاقة مع الله هو احسان العلاقة مع خلقه . قال النبي (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف فى هذا المسجد شهرا) .

ومن في الخدمة مثل مجاهد ؟
وقد قضى الله ان القرب من الناس واللين معهم قرب من الله وبعد من النار قال النبي : (حُرِّمَ على النَّارِ كلُّ هيِّنٍ، لَيِّنٍ، سهلٍ، قريبٍ منَ النَّاسِ) .. وقد كان من لين مجاهد ان يناديه حتى الاطفال لاغراضهم فيجدونه هيناً ليناً سهلاً قريباً يترك غرضه لغرضك ولا ينصرف حتى ترضى .
لقد رأيت ممن وفقهم الله ان يكونوا فرسانا في الخدمة ولكن حظهم من باب الشعائر عادي لا يلحق حظهم من الخدمة ولعل باب واحد ينجي الانسان لو صدق . ولكن الله فتح لمجاهد اكثر من باب فقد سماه اهل (حمامة المسجد) لملازمته للمسجد خدمة وعبادة وكثيرا ماتراه بعد الصلاة يمكث طويلا في مجلسه صامتا كانه يراجع اعماله ويستصفي نفسه ويستنزل الرحمة والبركة والاطمئنان . وقد كان رحمه الله محباً للقرآن متعهداً له ورزقه الله في التلاوة صوتاً ندياً وجميلاً وقد انشأ مع اصدقائه حلقة قرآن للشباب .

ولما كان الدين ليس محض اتباع لوائح بل وجدان وعاطفة فقد كان نصيب مجاهد من ذلك الكثير وقد رأيته في اسبوعه الاخير اثناء جلسة حديث عن مولد النبي وسيرته يبكي ويقول :(متمني اشوف سيدنا النبي) .. وقد كان لسانه يلهج بها اثناء سريان البنج في عملية جراحية سابقة …

قال النبي عليه الصلاة والسلام : (سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله، إمامٌ عادلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادة الله، ورجل ذكر الله في خلوة ففاضتْ عيناه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذاتُ منصب وجمال إلى نفسها فقال: إني أخافُ الله، ورجلٌ تصدَّق بصدَقةٍ فأَخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه ) ولعل الحديث عن سبعة اصناف من الناس او سبعة ابواب من العمل الصالح حسب ما يتيسر للناس ولكن من فضل الله ان يفتح لبعض الناس اكثر من باب للظل ولعمري فإن الله قد يسر لمجاهد كثير من ذلك .. اللهم لانزكيه عليك ولكنا شفعاء نسألك ان تفتح لك من ابواب الرحمة اعظمها ومن باب الاجر اجزله وان تقر عينه بصحبة نبيك الذي احب .. وان ترزقه رفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وتجعل البركة في اهله وتلزمهم صبرا جميلاً… امين.

كتب: أ. عبد الحافظ عبد الرؤوف
Hafiz Raouf

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الله ان وقد کان من باب

إقرأ أيضاً:

في عيد الحب.. النبي والسيدة خديجة وقصة حب عبرت الحياة والممات

تزامنا مع عيد الحب المصري، نتذكر أجمل قصص الحب في تاريخنا، والتي جمعت النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة رضي الله عنها. كانت قصة حب تخطت حدود الزمن، تجسّدت فيها أسمى معاني العشق والوفاء، لتبقى مصدر إلهام لأجيال متعاقبة، تعلمنا كيف يكون الحب الحقيقي قائمًا على الإخلاص والدعم والمودة.

كيف بدأت حكاية حضرة النبي وأمنا خديجة 

كان حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم للسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها نموذجًا فريدًا ومثالًا رائعًا للإخلاص والوفاء في العلاقات الزوجية، حيث جمعتهما علاقة مميزة ارتكزت على الاحترام العميق والتضحية المتبادلة، فأصبحت قصتهما درسًا خالداً في معاني الحب الحقيقي.

 

بدأت قصة حبهما عندما اختارت السيدة خديجة، وهي الأرملة الثرية صاحبة السمعة الطيبة، أن تعرض الزواج على محمد الشاب الأمين الصادق الذي كان يعمل في تجارتها. ولم يكن النبي محمد آنذاك قد بُعث، لكن خُلقه الرفيع وقيمه العالية كانا واضحين للجميع. كان زواجهما بدايةً لرحلة من المودة، حيث عاشت السيدة خديجة معه طيلة فترة ما قبل البعثة وما بعدها، داعمة له بكل ما تملك من مال وقوة.

مظاهر حب النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة خديجة

1. الوفاء بعد رحيلها: استمر النبي صلى الله عليه وسلم في حب السيدة خديجة بعد وفاتها، وظل يذكرها بالخير والاحترام، فكان لا يكاد يمر موقف إلا ويستحضر ذكراها. وقد كان يقول: "إني رُزقتُ حبَّها"، مؤكدًا أن هذا الحب رزقٌ من الله ومصدر اعتزازٍ في حياته.


2. الإحسان إلى صديقاتها وأقاربها: من أبرز مظاهر وفائه، كان النبي يحسن إلى صديقات السيدة خديجة ويهتمّ بأهلها، ومن ذلك قصة عندما جاءت امرأة كانت صديقة خديجة فبسط النبي لها رداءه وأكرمها، قائلاً: "إنها كانت تأتي إلينا أيام خديجة"، مما يظهر تقديره العميق لكل من كانت له علاقة معها.


3. التأثر بذكراها: عند سماع صوت شقيقتها هالة، كان النبي يتأثر ويشعر بفيضٍ من المشاعر، حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها لاحظت ذلك وسألته عن سبب هذا التأثر، فكان يرد بأن ذكرى خديجة محفورة في قلبه، وأن ذكراها ما زالت حيةً رغم مرور السنين.


4. دعمها وتقديرها لدورها في بدايات الدعوة: حين نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم لأول مرة، كان للسيدة خديجة الدور العظيم في طمأنته وتهدئته، حيث قالت له كلماتها الشهيرة: "والله لا يخزيك الله أبدًا"، فكانت خير سندٍ ورفيقة، وهو ما جعل النبي يقدرها ويحفظ لها هذا الموقف طوال حياته.


5. عدم زواجه عليها في حياتها: كان النبي صلى الله عليه وسلم متزوجًا من السيدة خديجة فقط طيلة حياتها، ولم يفكر في الزواج بغيرها حتى وفاتها، مما يظهر عمق حبه وارتباطه بها، فقد كانت نعم الزوجة والشريكة في السراء والضراء.

 

دروس للأجيال في معاني الحب والوفاء

إن قصة حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم للسيدة خديجة رضي الله عنها تظل شاهدة على أن الحب الحقيقي يقوم على التضحية والوفاء والاحترام المتبادل، فقد كانت السيدة خديجة رضي الله عنها مصدر قوة ودعم له، فبادلها حبًا ووفاءً استمر حتى بعد وفاتها. إنها قصة حب أسست لقيم لا تزال تتناقلها الأجيال، وتعكس أسمى معاني الوفاء والإخلاص في العلاقات الإنسانية.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • أفضل صيغ الصلاة على النبي في ليلة الجمعة
  • أسباب القرب من النبي صلى الله عليه وسلم.. عالم أزهري يوضح
  • عالم أزهري يكشف سبب عظيم من أسباب القرب من النبي
  • عمل أوضحه النبي الكريم يساهم في زيادة الرزق.. ما هو؟
  • هل سيدنا النبي محمد نور أم بشر؟.. دار الإفتاء تجيب
  • إمام مسجد الإمام الشافعي: النبي أول من دعا لحماية البيئة
  • فضل الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. عالم أزهري يوضح
  • دعاء البرق والرعد كما رود عن النبي.. أدعية مستحبة عند سقوط الأمطار
  • هل الصلاة على النبي بدون تركيز مقبولة.. اعرف فضلها
  • في عيد الحب.. النبي والسيدة خديجة وقصة حب عبرت الحياة والممات