سودانايل:
2025-02-23@08:28:40 GMT

السودان ومأزق التغيير والنهايات “1 -2”

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

يقول المفكر السوداني محمد أبو القاسم حاج حمد في كتابه "السودان المأزق التاريخي و أفاق المستقبل" يقول ( أن جماعة الفجر " المقصود كتاب مجلة الفجر 1933" التي لم تتحول إلي حركة شعبية بالمعنى الأول قد حاولت ضمن منظورها الخاص أن تسد ثغرة مهمة من البناء الفكري للعالم لتلك الفئات الوليدة، و قد ركزت جهدها على بناء المثقف السوداني) جماعة الفجر استطاعت عبر صفحات المجلة أن تخلق حوارا فكريا بين التيارات السياسية المختلفة، و أيضا وسط المثقفين رغم محدودية التعليم في تلك الفترة.

و لكن الجمعيات الأدبية التي انتشرت وسط الطبقة الجديدة ساعدت على تنمية الوعي من جانب و أيضا كانت بداية لإنتاج ثقافة ديمقراطية. و مواصلة للموضوع يقول محمد أبو القاسم حاج حمد ( بإجهاض تلك التجربة " الفجر" وصلت حركة المثقفين إلي " مأزقها التاريخي الحقيقي" فكفت عن التواصل كحركة مثقفين منفتحة على الفكر العالمي المتقدم، و كفت عن التماسك الذاتي متلاشية في بحار الطائفية، و فقدت جسورها الممدودة إلي الفئات الشعبية الحديثة) أن اجهاض جماعة الفجر حدث قبل تأسيس نادي الخريجين 1937م ، و هي مرحلة جديدة لخوض التجربة الديمقراطية وسط الطبقة الجديدة التي تخلقت بعد التعليم الحديث و قادات البلاد للاستقلال.
إذا نظرنا بفحص لتلك التجربة؛ نجد أن المثقفين كانوا قد غادروا مقاعد الجمعيات الأدبية، و انقطع السجال الفكري على محدوديته بينهم، و كان من المفترض أن المرحلة الجديدة تجعل المثقفين أكثر تمسكا بقضايا الجدل الفكري، لأنه سوف يكون دافعا لتكوين مراكز بحوث و دراسات تهتم بدراسة الواقع و التغييرات التي تطرأ عليه. لكن مرحلة مؤتمر الخريجين كانت العتبة المؤدية للعمل السياسي. النخب السياسية توقف عندها التثقيف عبر القراءة و الحوار و الجدل السياسي، أدى لظهور جماعات الولاءات المسنودة من البيوتات الطائفية. و هذا التحول في النخب و واقعها، نظر إليه عبد الوهاب زين العابدين الذي كان يشغل الأمين العام ل "الجبهة المعادية للاستعمار" و الذي عارض أن تتحول الجبهة إلي حزب شيوعي، بل أن تنخرط في الحركة الاتحادية، لكي تقوم بدور الإنتاج الفكري بهدف الحفاظ على قوة التيار الديمقراطي في البلاد. لكن رفض ذلك عبد الخالق محجوب و سانده في ذلك الوقت عوض عبد الرازق الذي جلس على مقعد عبد الوهاب زين العابدين. و مرة أخرى طرح عوض عبد الرازق ذات الرؤية التي كان قد طرحها عبد الوهاب زين العابدين، و قال أن الحركة الاتحادية قد بنت قاعدة شعبية كبيرة و يجب أن نكون الأداة الفكرية لهذه الحركة. و لكن المجموعة القادمة من القاهرة قد أطاحت بعوض عبد الرازق. خروج عوض عن المجموعة بدأ الحوار الفكري يتراجع وسط مجموعة اليسار حيث أصبح هناك شخصا واحدا هو الذي يفكر للحزب. و في ذات الوقت تراجع دور الفكر في الحركة الاتحادية. و كما قال عبد الماجد أبو حسبو في مذكراته أن الأحزاب جميعها تفتقد للمكتبة السياسية. بدأ التراجع في الحوارات الفكرية بعد الاستقلال حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958م. حيث بدأت مرحلة غاتمة.
انقلاب عبود كان أيضا مرحلة تراجعت فيها مساحة الحرية، و تراجع الفكر بصورة واضحة حيث غابت حتى الصحف التي كانت تفتح صفحاتها للجدل السياسي الفكري، حتى جاءت ثورة أكتوبر لكي تؤسس مرحلة جديدة، و لكنها مرحلة مناكفات سياسية بين القوى السياسية و ظهرت جماعة الأخوان المسلمين " جبهة الميثاق الإسلامي" التي جعلت الصراع مع الحزب الشيوعي صراعا صفريا، استطاعت فيه أن تقنع القوى السياسية بحل الحزب الشيوعي و طرد نوابه من البرلمان، أكبر خطأ ارتكبته القوى السياسية في تاريخها ليس فقط حل الحزب الشيوعي، و لكن لعدم احترامها لحكم المحكمة الدستورية. كانت المرحلة تشير إلي تحول خطير سوف يؤثر على مجمل العمل السياسي في البلاد. حيث توقف الإنتاج الفكري و الحوار بين القوى السياسية، لكنه فتح أفاقا أخرى بالجدل الفكري الذي كان قد دار على صفحات الصحف بين عبد الخالق محجوب الذي كان متمسكا برؤية الديمقراطية الليبرالية. و بين رؤيتي عمر مصطفى المكي و أحمد سليمان اللذان كانا مؤيدين لدور البرجوازية الثورية، و هي قناعة أدت في النهاية لانقلاب 25 أكتوبر1969م، و هي ذات الرؤية التي أدت إلي انقلابات في كل من مصر و العراق و سوريا و الجزائر و غيرها من القوى الريديكالية التي استطاعت أن تحدث خرقا واضحا داخل الجيوش في عدد من الدول المستقلة حديثا، و هي نتيجة لصراع الحرب الباردة. هذا الانقلاب قد قطع أوداج الحرية في البلاد حيث سمح فقط لتيار واحد أن يتنفس من خلاله الجميع. فكل فترة تصبح تراجعا عن سابقاتها.
في عهد مايو ظهرت جماعة الحزب الجمهوري بقوة، حيث فتحوا منفذا جديدا للجدل الفكري الإسلامي، في ذلك الوقت كان دور النخب المثقفة و السياسية يتراجع في إنتاجها الفكري، و ظهر الكفاح المسلح مع الجبهة الوطنية كأداة للتغيير السياسي، هذه الأداة هي قاتلة للفكر و التفكير الناضج، و دائما يجتمع حولها العناصر ذات القدرات المتواضعة و الانتهازيين، و رغم دور القيادات الناضجة لكن كانت القيادات الوسطية أضعف ثقافة و فكرا، و أنها جاءت داعمة للعمل المسلح لكي تجعل من السلاح رافعة لها للوظائف القيادية التي لا تملك مؤهلاتها. بدأ التراجع في الحقل الثقافي و الأداب السياسي و تقلصت مساحة الحريات. و عقد الصادق المهدي مصالحة عام 1977م مع نظام مايو المستفيد الأول من هذه المصالحة كانت الحركة الإسلامية عبر تأسيسها للبيوتات المالية و البنوك، قد جعلتها تتمدد في الشارع السياسي و خاصة وسط الطلاب. و كانت حركتها السياسية الأكثر انتشارا لكنها أهملت الإنتاج الفكري، و هذا التحول جعلها تراهن على البعد الواحد، و عندما قامت بانقلابها 30 يونيو 1989م حلت كل القوى السياسية و صادرت الصحف و أصدرت عشرات الآلاف من خطابات الصالح العام، و هذا يعود لخلل في مرجعيتها الفكرية التي لم تتوافق مع الديمقراطية. و أيضا الجمهوريون بعد اعدام مفكرهم " الأستاذ محمود محمد طه" تراجع دورهم الفكري بشكل ملحوظ و كل الذي كتب بعد موته هو شرح للمتون، دون إضافات جديدة كأن المجتمع جامد لا يتحرك رغم أن حركة الفكر تتغيير وفقا للأحداث و التغييرات التي تطرأ في المجتمع، باعتبار أنها حركة غير ثابته، لذلك جميعا وجدوا ضالتهم حيث تخذوا الإسلاميين مادة رئيس لهم و التعاطي معها، لكن غاب التجديد الفكرى. و هي أزمة عضود. و أيضا الجمود ضرب حركة القوميين العرب من خلال الأحداث التي حدثت في كل من العراق و سوريا، كان قد بدأ نشاط الفكري كل من محمد على جادين و الصاوي و لكن الموت كان اسرع و توقف بموتهما. الحزب الشيوعي بعد محمد إبراهيم نقد استلمته مجموعة لم تكن يوميا معروفة بنشاطها الفكري أو الثقافي، هؤلاء استطاعوا أن يقزموا دور الحزب الشيوعي و يعطلوا العمل الفكري بسبب عجزهم للتعاطي معه. كان لابد أن تنحرف البلاد للحرب بغياب الفكر. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوى السیاسیة الحزب الشیوعی

إقرأ أيضاً:

عقار للرئيس الكيني “من لا يستمع إلى كباره، يُكسر ساقه” – مثل سواحيلي

صِيغت مبادئ الاتحاد الأفريقي للحفاظ على السلام والاستقرار بين دول الاتحاد ومع ذلك وفي انتهاك صارخ لهذه المبادئ قام الرئيس الكيني ويليام روتو، بدوافع غير معلنة من العداء تجاه السودان، بممارسات تُعتبر خرقاً لتلك المبادئ.ففي الفترة من 10 إلى 14 يونيو 2023، خلال اجتماع قادة دول الإيقاد في جيبوتي، تم اقتراح خطة طريق تسمح بتدخل القوات (وفقاً للمواد 4-8) وبعد انتهاء الجلسة، أعلن الرئيس روتو بشكل ثنائي آلية رباعية تضم جنوب السودان وجيبوتي وأوغندا وكينيا، حيث جعل كينيا رئيسةً لهذه الآلية.هذا الاقتراح لم يتم التصديق عليه من قبل الحكومة السودانية ولا تم الاتفاق عليه من قبل جمعية الإيقاد. وبذلك، تم تجاهل المظالم المشروعة للسودان، مما يُظهر استهانة بسيادتنا.في الاجتماع الاستثنائي للإيقاد الذي عُقد في أوغندا في 18 سبتمبر 2024 لمناقشة قضية الصومال، قام الرئيس روتو بإدخال قضايا السودان في نقاشات لا علاقة لها بالموضوع، مما زاد من حدة التوترات باقتراحه أن يجلس زعيم قوات الدعم السريع -المُدان بالإبادة الجماعية- على كرسي السودان لتمثيله.هذا اقتراح يعد انتهاكاً صارخاً لمبادئ الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي التي تمنع مشاركة جهات غير حكومية في اجتماعات حكومات الدول، مما يقوض الحكومة القائمة. بالإضافة إلى ذلك، ألقى الرئيس روتو عدة تصريحات مهينة ومستفزة حول الصراع في السودان.لقد أكد الاتحاد الأفريقي مراراً وتكراراً التزامه باحترام سيادة السودان. وفي 14 فبراير 2025، أعاد الاتحاد التأكيد على التزامه بالحفاظ على الوحدة الترابية والسيادة السودانية في الفقرة 7 من قراراته. ومع ذلك، وبعد أيام فقط، في 18 فبراير 2025، سمح الرئيس روتو لأعضاء وأنصار قوات الدعم السريع وغيرهم بالاجتماع في العاصمة الكينية نيروبي بهدف إنشاء حكومة موازية في السودان. هذا الفعل لا ينتهك فقط مبادئ الاتحاد الأفريقي، بل يضعف أيضاً مكانة كينيا كوسيط للسلام.من الضروري تذكير الرئيس ويليام روتو بأن بلاده كينيا، التي يتحمل مسؤولية رعايتها، تواجه تحديات داخلية عديدة، بما في ذلك بطالة الشباب والفقر والمطالبات بالشفافية – وهي قضايا تتطلب اهتمامه الكامل. كيف يمكنه الادعاء بالتوسط في شؤون السودان وهو لم يختبر أبداً حجم العنف الذي يشهده السودان حالياً؟ الشعب السوداني الوطني قادر تماماً على مواجهة تحدياته، وإنشاء حكومة موازية كما يدعو المشاركون في الاجتماع الذي استضافه الرئيس روتو ليس أولوية، بل الأولوية هي وقف القتال.سلسلة الإجراءات التي اتخذها الرئيس روتو تمثل اتجاهاً مقلقاً للتدخل الخارجي الذي يهدد بتقسيم السودان. هذا السلوك محظور صراحةً بموجب ميثاق الاتحاد الأفريقي ويتم إدانته من قبل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الافريقي. ويجب هنا أن نتساءل: لماذا تتدخل كينيا في الشؤون الداخلية للسودان بينما تتوقع ألا تتحمل أي عواقب نتيجة لذلك؟علاوة على ذلك، فإن دعم الحكومة الكينية لقوات الدعم السريع – وهي جماعة مُدانة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان – يعد أمراً مشكوكاً فيه أخلاقياً وغير قابل للدفاع قانونياً. يجب أن نسأل أنفسنا: أي سابقة يُرسيها هذا الفعل لمبادئ الاتحاد الأفريقي والقانون الدولي وسيادة الدول؟حل مشاكل السودان يقع في أيدي الشعب السوداني الوطني، وليس تحت ظل القوى الأجنبية أو أولئك الذين يسعون لتحقيق مكاسب شخصية. يجب أن تظل مبادئ الاتحاد الأفريقي الخاصة بالمساواة في السيادة وحل المشاكل الأفريقية داخلياً هي الموجه لتحركاتنا المستقبلية.طالما يلتزم السودان بهذه المبادئ، فإنه يحتفظ بحق إثارة هذه القضية أمام الاتحاد الأفريقي ذو القيادة الجديدة، منتظراً تحقيق العدالة والمساءلة العادلة.دعونا نلتزم بمبدأي(المساواة في السيادة، وحل المشاكل الأفريقية داخلياً دون تفاقمها).مع تقديريمالك عقار إيرنائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي19فبراير 2025 إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السوداني والعبادي يبحثان “كيف الهروب من الشعب الغاضب ضد العملية السياسية؟”
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • رئيس الجمهورية “هذه هي الجزائر التي نحبها ويحبها جميع الجزائريين.. جزائر رفع التحديات”
  • نحن مع التغيير العادل، ولكن ضد التفريط في وحدة السودان
  • قرعة دوري أبطال أفريقيا تذكر الأهلي بعقدة “أم درمان”
  • عقار للرئيس الكيني “من لا يستمع إلى كباره، يُكسر ساقه” – مثل سواحيلي
  • تخريمات و تبريمات على هامش إجتماع نيروبي “التأسيسي”
  • مجلة أمريكية ترسم السيناريوهات حول الحاملة “ترومان”.. فما الذي جرى لها ..! 
  • “اللواء البراشي” يحسم الجدل ويوجه بتوقيف رجل المرور الذي ظهر في الفيديو المثير واحالته للتحقيق وانفاذ العدالة فورًا
  • الإعلامي “سليمان السالم”: المنتدى السعودي للإعلام فرصة لاكتشاف أحدث الابتكارات والتقنيات التي تشكل مستقبل الإعلام (خاص)