الروائي العربي واسيني الأعرج يكتب عبر “أثير”: العُنْصُريَة، حَائِطُ الصَدّ الأورُوبِّي
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
أثير- الروائي العربي واسيني الأعرج
الوضع الأوروبي ليس بخير. زاد تعقيدا في السنوات الأخيرة. لم تعد لأوروبا أية مبادرة بعد غرقها في حرب لا شي من ورائها إلا التهيؤ لانهيار أوروبي مدوي يرتسم في الأفق، ولا قوة تنتشله من هذه الوضعية إلا العودة إلى المنطلق الأول، منطق الحوار والجنوح نحو السلم. في ظل الهيمنة الأمريكية الكلية، تراجعت أوروبا فكريا أيضا، بعد أن أصبح الإعلاميون المرتبطون بمؤسستهم يسطرون كل شيء، وغاب كليا المثقف الخالق للتوازن المجتمعي.
العنصرية جريمة قاتلة عندما تستبيح المختلف في الخطاب اليومي والمتكرر، دون أدنى عقاب. الخطاب العنصري هو العتبة الأولى للجريمة العنصرية. كلما اتسعت في غياب كلي للآليات التي تحد من اتساعها، تفتح جرحا جديدا في جسد المجتمع. بل وتدفع به إلى الهاوية. وإذا كانت هناك من نقطة إيجابية هي أنها تكشف عن عمق المرض المترسب في المجتمع. يذكر ذلك بمعادة السامية الذي ظهر في القرن التاسع عشر الجبن العام هو الذي قاد إبان الحرب العالمية الثانية إلى الانهيار الكلي والخطير. وتتطور الحالة على مطاردة الأجنبي حتى لو ولد في الوطن وخدمه أهله طويلا. قد تبد الصورة بعيدة لكن كل ما هو بعيد يقترب أو يندثر بحسب التعامل معه. تعامل العشريتين الأخيرتين بهذه الحدة العنصرية أدى إلى ارتكاب الجريمة بشكل معلن وصاحبه لا يخفيه. المغتال اليوم كرديا، في المركز الثقافي الكردي، نتمنى ألا ينتهي القضاء إلى اتهام المجرم وليام (69 سنة) بالجنون من خلال تصريح الطبيب المختص الذي فحصه؟ حينما اعتبر الجاني غير قابل للحجز القضائي، وتم اقتياده من هناك إلى مصحة نفسية باعتبار كرهه للأجانب حالة باتولوجية مرضية: قبل انتحاري كانت لدي رغبة دائمة لقتل المغتربين الأجانب.” واعترف أنه يوم الجمعة أخذ معه مسدسه الأوتوماتيكي كولت 45، وذهب إلى منطقة سان-دوني لكنه تراجع عن جريمته. قبل أن يتوجه إلى شارع أنغان في الدائرة العاشرة، نحو مركز ثقافي كردي، مصمما على إفراغ كل الخراطيش التي أخذها معه، والانتحار بعدها، لكن هجم عليه الناس وأوقفوه قبل انتحاره، في صالون حلاقة. وقد انجر على البحث عن مبررات الجنون للقاتل، حركات احتجاجية عنيفة وعلى رأسها المجلس الديمقراطي للأكراد في فرنسا، ضد الشرطة.
في ظل هذه الأوضاع الخطيرة والأحقاد العمياء، التي تتطور بشكل متسارع، والمدمر للنسيج الوطني، نتساءل: إلى أين تتجه فرنسا واوروبا؟ أين صوت النخب الديمقراطية؟ تحتاج هذه النخب الأوروبية اليوم إلى إعادة النظر في مشاريع القرن التاسع عشر والعشرين التي انجبت المثقف الملتزم بقضايا عصره والمنخرط فيها بقوة. لأن المهمة صعبة وما يقع في المحيط ثقيلا جدا ويحتاج إلى قوة تتشكل من أفراد فاعلين يستطيعون ليس فقط التفكير في القادم المعقد جدا في ظل الأزمات العاصفة، ولكن أيضا نقد ممارسات الماضي. العنصرية مرض العصر ليست أمرا سهلا بل ابتذلت حتى أصبحت أو تكاد أن تتحول إلى أمر عادي. وينشئ المتطرفون مقابلها ما أسموه بالعنصرية ضد الرجل الأبيض وهو كلام لا يستقيم في النهاية، يستعمل فقط لإراحة ضمير يهتز كل يوم قليلا. مثبتا هزاله وضعفه الكبيرين. لأن المسألة أصبحت مثل المارد الذي خرج من قمقمه ولما نعود إلى التاريخ نرى مثل هذه الأمراض تنتعش في ظل الأزمات الكبرى عندما تفشل النخب في إيجاد حلولها الحقيقية فتلصق التهمة في الآخر الجالب لكل الأمراض بما في ذلك الأمراض الجسمانية المرتبطة بالوافد المتخلف. نحتاج اليوم بقوة إلى إميل زولا جديد يصطف بجانب الحق كما فعل مع دريفوس في نهايات القرن التاسع عشر، ضد آلة أيديولوجية جهنمية، ومصطفة وراء اللاَّحَقْ. لأن الحق هو التاريخ. رسالته العظيمة: إني اتهم J’accuse ما تزال إلى اليوم تطن في الآذان، على الرغم من مرور أكثر من قرن عليها. من المؤكد أن ما تقوله الخطابات العنصرية يجد اليوم من يتلقاه في ساحة كل يوم تقضم شيئا من نور أوروبا وتنوعها الثقافي لحساب أحادية مقيتة تنظر إلى المسلم ككائن غير أرضي، ينتمي إلى حضارة دنيا، قادم من مجرة أخرى لا شغل لها إلا تدمير الحضارة الغربية؟ ومن المؤكد أيضا أن جُمَلا عنصرية هاربة من هنا وهناك، في ظل أزمة خانقة يعيشها الأوروبيون بكل أطيافهم وأديانهم بصعوبة وقسوة، يمكنها أن تتحول إلى حقد يتنامي في هدوء وسكينة ليصبح في النهاية عنفا يصعب التحكم فيه بسهولة. فعقلية التقسيمات الحضارية بهذا الشكل لا يمكنها إلا أن ترجع الكثير من الاوروبيين إلى زمن يتم فيه الحكم على الناس وفق علامات أوجههم، وثقافتهم، ولغاتهم ودياناتهم، وليس وفق ما يمكن أن يمنحوه للمجتمع الفرنسي من غنى وإسهام في التطور. المؤكد أيضا أن الاوروبيين الذين اكتووا بنار النازية واللاسامية، والعنصرية المقيتة، سيحاربون بقوة، مثل هذه الأفكار التي تغلّب المصلحة السياسوية الضيقة، المرتبطة بظرفية انتخابية طارئة، على حساب الوحدة، واللحمة التي تكونت عبر القرون، وكان ثمنها باهظا.
إن العنصرية مثل الوباء في ظل الأزمات الكبرى، تنتشر كالنار في الهشيم. لتصبح في الدول الأوروبية التي كانت إلى وقت قريب مسالمة: هولندا والدانمرك والسويد وسويسرا والنرويج وغيرها مرضا مستعصيا ينميه المحافظون الوطنيون، ومكانا لانتشار الوباء ضد الأجنبي المخالف عرقيا ودينيا، وربما كان العربي والمسلم هو الضحية المثلى في ظل الأزمات والأفعال الإرهابية التي كان ضحيتها هو قبل غيره، مثلما كان اليهودي في القرنين التاسع عشر والقرن العشرين، ضحية زمانه، فألصقت به كل تهم الدنيا، وقيس شعب ودين بكامله، من خلال ممارسات الأقلية الباهتة. مشكلة العنصرية هي أنها مثل المارد الذي يظل محجوزا في قمقمه، لكنه عندما يخرج يصبح تدميريا وتصعب مراقبته. يجب أن تدفع جريمة العنصرية بنا كتابا ومثقفين وناسا عاديين إلى التأمل والتفكير لأن المستقبل ينبئ بفظاعات أكبر. يجب أن توقظ فينا الحالة حواسنا المقتولة بالإعلام المظلل في أغلبه الأعم، وتدفع بمنظّري النقاء العرقي الجدد، إلى إعادة النظر في أطروحاتهم، وأنهم يعودون بالبشرية إلى الخلف، أي إلى أوبئتها القديمة؟ أوبئة مقولات العنصرية التي بدأت تنتشر بدون أن يكون للقانون ردة فعل ردعية حقيقية.
السبل والمخارج كثيرة، ولكني على يقين من أنّ أوروبا اليوم في حاجة، لتفادي كارثة أخرى تلوح في الأفق شبيهة بالهولوكست، إلى رديف للمجلة البيضاء La revue Blanche التي كان يكتب فيها الكثير من المثقفين والفنانين والتشكيليين، والموسيقيين والسياسيين، والكتاب الذين لعبوا دورا عالميا حاسما في تمييل القضية نحو احترام الإنسان وجدارته بالعيش حرا في المجتمع المتعدد الذي ينتمي إليه. فقد كانت فضاء للنقاش الحر إذ ضمت في صفوفها كل المتعطشين إلى الحرية والعدالة من فوضويين Les Anarchistes واشتراكيين ومناصري حقوق الإنسان الذين رفضوا في زمانهم جرائم الإبادة في أرمينيا، وأدانوا البربرية الأوروبية في حروبها الاستعمارية، كما نشروا هجاءات Pamphlets تولستوي ونتشه وشتنير Steiner وغيرهم ضد عصرهم القاسي.
إنّ الإنسانية تحتاج اليوم إلى أوروبا أخرى غير تلك المتصفة بالأنانية، الضيقة الرؤية ومحدودية الأفق، التي بدأت تترسخ للأسف، لتعيد إنتاج العنصرية نفسها بأنياب أكثر شراسة، وضحية هذه المرة عدو آخر، ذنبه الوحيد أنه عربي وربما مسلم، وتدفع بالمواطنة التي هي رهان حقيقي في الانتماء الفردي للجماعة، إلى الانزلاق إلى الرتبة العاشرة لتفقد قيمتها كإسمنت اجتماعي حقيقي يوحّد أبناء الأمة بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وقناعاتهم السياسية والفكرية. لا بديل عن المواطنة الحقة لتجاوز معضلات هذا الزمن الذي يهيئ لحرب مدمرة قد تفني العنصر البشري والحياة كلها. المواطنة هي التساوي في الحقوق والواجبات من أجل بناء مجتمع جديد، إذا غابت غاب معها المجتمع كليا وغاب نسيجه ووحدته. البحث في منافسة التطرف في أفكاره لا يقود المجتمعات الأوروبية إلا إلى المزيد من الانهيار.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: التاسع عشر
إقرأ أيضاً:
شاهد بالفيديو.. بعد السخرية التي تعرض لها.. الفنان بلة ود الأشبة يجبر بخاطر الناشط “الشكري” ويصدر له أغنية خاصة: (ما تور المجوك سمو شكري من أبو وأمو) وساخرون: (الشكري 6 القلعة صفر)
تعرض الناشط السوداني الشاب, محمد عمر الشكري, خلال الأيام الماضية لسخرية كبيرة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان.
وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين, فإن السخرية التي أطلقها الجمهور سببها خروج الفنانة الشهيرة ندى القلعة, في مقطفيديو نفت من خلاله ترديده أغنية للشكري.
وذكرت القلعة, أنها لا تعرف الشكري ولم تقابله وهو في العمر ليس في عمرها بل في عمر إبنها وائل, فكيف تغني له.
ووفقاً لمتابعات محرر موقع النيلين, فإن تصريحات المطربة الشهيرة زادت من حالة السخرية من الناشط الشاب.
وبعد يومين من الواقعة والسخرية فاجأ فنان الربابة الشهير بلة ود الأشبة, جمهور مواقع التواصل الاجتماعي بإصداره أغنية خاصة للناشط محمد عمر الشكري.
وبحسب ما شاهد محرر موقع النيلين, فقد تغزل ود الأشبة, بأغنيته الجديدة في الشكري, حيث ردد (ما تور المجوك سمو شكري من أبو وأمو).
جمهور مواقع التواصل الاجتماعي وبعد مشاهدته مقطع من الأغنية الجديدة, تحول 180 درجة وصوب سخريته نحو المطربة الشهيرة, حيث كتب أحدهم: (الشكري 6 القلعة صفر).
محمد عثمان _ الخرطوم
النيلين
إنضم لقناة النيلين على واتساب