نظرية المؤامرة بين الأنظمة العربية وشعوبها
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
لم تكن الدول العربية بمنأى عن النظريات التآمرية، على المستويين الرسمي والشعبي، فعلى مرّ التاريخ الحديث بعد التحرر من الاستعمار الغربي، تعلن الدول العربية لشعوبها من حين لآخر عن خطط تآمرية تحيكها قوى خارجية بالتعاون مع أطراف داخلية لضرب مصالحها وزعزعة استقرارها. وتستمر الأنظمة الحاكمة في هذه الدول في تغذية النظريات التآمرية التي تقدّمها لشعوبها إلى أن تعشش في أدمغتهم، وتصبح عند الأغلبية العظمى منهم بمثابة الحقيقة التي لا يساورها أدنى شك.
في المقابل تبدأ الأقلية النخبوية والدوائر المتأثرة بها في تتبع ما يصلها من معلومات وآراء متناثرة مهزوزة، وتقدّم تفسيراتها التآمرية الخاصة -والمتناقضة أحيانا- للمؤامرات التي تسوقها الأنظمة الحاكمة من أجل تبرير ممارساتها وأدائها وهزائمها وفشلها وخططها الجديدة ومشروعاتها الداخلية أو الخارجية. ويؤدي هذا التعارض بين النظريات التآمرية للأنظمة الحاكمة من جهة، والأقلية الشعبية النخبوية من جهة أخرى، إلى نتائج كارثية تتفاوت في حدتها وآثارها تبعا لحجم ردود الفعل الصادرة عن الجهتين. وتتوالى السنوات والعقود لتدفن في طياتها حقيقة المعلومات التي تكمن وراء هذه النظريات وتلك التفسيرات.
نجحت الخطة التآمرية الناصرية في تثوير عواطف الشارع العربي، وتدجين كيانه الشعبي، وتخديره تخديرا شاملا لا يسمح له برؤية التضليل والخداع الذي يتعرض له
بسبب الحالة الشمولية الاستبدادية التي تهيمن على الأنظمة العربية، وما يترتب على هذه الحالة من مِلْكية مطلقة للدولة، وغياب للشفافية، واحتكار للمعلومات، ومصادرة للحريات، لا نحتاج إلى جهد كبير للعثور على أمثلة من الواقع العربي تدلل على حالة النظرية التآمرية الرسمية والتفسير التآمري المضاد، ونكتفي في هذا المقام بتناول المثالين التاليين:
النظرية التآمرية الناصريةمنذ أن استولى الجيش المصري على السلطة في يوليو/تموز 1952، تبنى النظام الشمولي الاستبدادي الحاكم برئاسة الراحل جمال عبد الناصر النظام الاشتراكي، وانضم للمعسكر الشرقي آنذاك بقيادة الاتحاد السوفياتي. ونظرا للموقف العربي الديني العام الرافض للشيوعية الملحدة، تبنى النظام خطة طموحة لتعزيز السلطة وبسط الهيمنة وتعميم النموذج السياسي، تقوم على فكرة تحرير الدول العربية من الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والعمل على إسقاط الأنظمة الملكية الرجعية المتخلفة الحليفة للاستعمار، وتحرير الشعوب العربية، وتحرير فلسطين والقضاء على العدو الصهيوني، حسب التعبيرات المستخدمة حينها. وتجسدت هذه الفكرة في العديد من الشعارات والأغاني والفعاليات الجماهيرية، والتغطيات الدرامية والإعلامية، والتشكيلات التنظيمية في المدارس والجامعات، وتقودها جميعا الأجهزة الأمنية القمعية المتوحشة.
نجحت هذه الخطة التآمرية في صناعة كيانين: الأول الزعيم القومي الأوحد متمثلا في شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أصبح أمل الأمة العربية على امتداد دول الهلال العربي الخصيب (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن) والمغرب العربي ما عدا المغرب (ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا)، إضافة إلى السودان واليمن. أما الكيان الثاني الذي تمت صناعته فهو العدو المتمثل في الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والأنظمة الرجعية المتحالفة معها، وتضم دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب والأردن.
كما نجحت هذه الخطة في تثوير عواطف الشارع العربي، وتدجين كيانه الشعبي، وتخديره تخديرا شاملا لا يسمح له برؤية التضليل والخداع الذي يتعرض له، ولا برؤية الاستبداد والفساد الذي يمارسه النظام، ولا بوحشية الاضطهاد والبطش الذي يقوم به ضد معارضيه.
وفي المقابل، عملت هذه الدول (الرجعية) والنخب المعارضة للمد الاشتراكي، بما فيها التيارات الإسلامية، على تقديم تفسيرها الخاص لما يقوم به النظام الناصري في مصر والدول العربية الموالية له، باعتباره الخطر الداهم والشر الأكبر الذي يتربص بالأمة والعميل للاتحاد السوفياتي، الذي يعمل على نشر الشيوعية ويحارب الدين الإسلامي. ومع ذلك لم تكن النخب المعارضة للمدّ الناصري تجرؤ على الجهر بموقفها في الدول الموالية له، نظرًا للقبضة الأمنية الحديدية التي تتربص بهم.
وتوالت السنوات على هذه الحال حتى وقعت هزيمة الناصرية الكبرى على يد قوات الكيان الصهيوني في نكسة يونيو/حزيران 1967، وتبخرت الوعود القومية، وانهارت الآمال العربية الشعبية، وتكشفت بشاعة الممارسات التي كان يقوم بها النظام في شتى المجالات، وبشاعة الخلل الموجود في بنية الدولة ومؤسساتها، وبشاعة التقصير في حق الشعب المخدوع الذي كان أغلى ما يملكه هو الحناجر الرنانة التي لا يبح صوتها من طول الهتاف للزعيم الأوحد. وبعد وفاة جمال عبد الناصر الغامضة في سبتمبر/أيلول 1970، ساهمت الجهود التي قام بها نظام خلفه الراحل أنور السادات في زيادة فضح النظام الناصري بصورة لم تكن تخطر ببال الجماهير الحاشدة، التي خرجت تهتف بعد إعلانه التنحي عن الحكم في أعقاب هزيمة 1967.
ذهب عبد الناصر، وانهارت الناصرية، وسقطت نظرية المؤامرة بانتقال مصر إلى المعسكر الغربي، وتوقيع اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني عام 1978، واستعادة العلاقات مع الدول العربية (الرجعية)، لتبدأ نظرية مؤامرة جديدة لتسويغ زيارة السادات إلى دولة الاحتلال الصهيوني، والدخول في تطبيع شامل معها.
دخلت المنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي في أتون صراعات دامية وأزمات متشابكة، لا يبدو لها نهاية قريبة حتى الآن، وتطايرت شعارات الثورة، وتحطمت أهدافها وتهاوت تحت أكوام الدمار وجثث القتلى، لتفتح الباب واسعًا أمام نظريات تآمرية جديدة تبحث عن تفسيرات مقنعة لما حدث
الربيع الحائرفجأة ودون سابق إنذار، اندلعت في المنطقة العربية ما يعرف بـ"ثورات الربيع العربي"، انطلاقا من تونس أواخر عام 2010، ثم مصر واليمن وليبيا وسوريا في ما بين شهري يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2011. وإن كانت هذه الثورات قد أطاحت بالأنظمة السياسية لأربع دول من هذه الدول الخمس سوى سوريا، إلا أن بقية الدول العربية لم تسلم من تداعياتها بشكل أو بآخر.
وأمام هذا الحدث المفاجئ، كان على الأنظمة العربية أن تقدم تفسير هذا الحدث، والتحرك العاجل لمواجهة تداعياته التي تهدد كياناتها بالانهيار، فلجأت في البداية إلى نظرية المؤامرة، واتهام المتظاهرين بأنهم يعملون لأجندة خارجية تديرها الاستخبارات الأميركية. ومع تسارع الأحداث، وتشابك التحركات، وضبابية المعلومات، وتعدد الأطراف والأدوار، تفاوتت ردود الفعل، فسارعت بعض الدول إلى احتواء الحدث، وسارعت أخرى إلى تصعيد العنف، في حين تهاوت الأنظمة الحاكمة بشكل درامي في أربع دول خلال أيام وأسابيع قليلة في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا.
وفي المقابل، كان على الطرف الثائر أن يقدم نظريته المضادة التي تفسّر قيامه بالثورة، والانتقال بها من المطالبة بإصلاح النظام إلى الإصرار على إسقاط النظام.
وكما تمرّ أيام فصل الربيع سراعا، فقد مضت أيام الربيع العربي كذلك سراعا، لتدخل المنطقة بعدها في أتون صراعات دامية وأزمات متشابكة لا يبدو لها نهاية قريبة حتى الآن، وتطايرت شعارات الثورة، وتحطمت أهدافها وتهاوت تحت أكوام الدمار وجثث القتلى، ولتفتح الباب واسعا أمام نظريات تآمرية جديدة تبحث عن تفسيرات مقنعة لما حدث، فمن مؤامرة في مصر إلى أخرى في اليمن إلى ثالثة في ليبيا، وأخيرا في تونس، وجميعها تلتقي في نقطة واحدة، وهي القضاء على نجاحات ثورات الربيع العربي عن طريق ما يُعرف بالثورات المضادة. أما في سوريا، فكانت الأكثر تعقيدا بين بقية الدول.
أسئلة كثيرة مطروحة ساهمت إجاباتها الافتراضية في تشكيل النظرية التآمرية في ظل غياب المعلومات، وأمام هذا التشابك في الأطراف والتصادم في المصالح الداخلية والخارجية، وعلى رأس هذه الأسئلة:
من وراء ثورات الربيع العربي؟ لماذا فشلت الثورات في الدول التي سقطت أنظمتها القديمة؟ لماذا لم يحمِ الغرب الديمقراطي التجارب الديمقراطية الوليدة التي تلتقي مع مبادئه وقيمه على حد زعمه؟ لماذا يصمت الغرب الديمقراطي إزاء الانتهاكات الإنسانية التي تعرّض لها نشطاء ثورات الربيع العربي؟ لماذا لم يقاطع الغرب الديمقراطي الأنظمة الانقلابية على الديمقراطية الوليدة؟ لماذا لم يمنع الغرب الديمقراطي التدخلات الإقليمية العسكرية والمالية في دول الربيع العربي؟ ولماذا عجز الشباب حتى الآن عن القيام مرة أخرى بما سبق أن نجح فيه أيام الربيع العربي مع التشابه الشديد بين الظروف الأمنية القائمة حاليا وما كانت عليه آنذاك؟
ولا تزال قلة المعلومات تقف عائقا أمام وضع تفسير مقنع لما حدث، تاركة فوضى التخمينات تهيمن على المشهد، وتقدم قراءاتها المختلفة حسب النقطة التي تبدأ منها، فالبعض يبدأ في قراءة تاريخ الحدث من ثورة الياسمين التونسية، والبعض يعود إلى أبعد من ذلك ليربطها بالحرب على الإرهاب، وآخر يظل حائرا مترددا بين الوهم الذي تولّد في صدره فجأة لتغيير الواقع السياسي القائم إلى الأفضل، وبين الهزيمة المطبقة التي تعيشها المنطقة ولا تسمح لها بالحركة إلا ضمن خطوات محسوبة بدقة وتحت رقابة مشددة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الدول العربیة عبد الناصر
إقرأ أيضاً:
الرحبي : عمان من الدول التي تبنت سياسات في مجالات التنمية المستدامة ضمن رؤيتها لعام 2040
نظم المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة اليوم، ندوة بعنوان "استراتيجيات الدمج الثقافي..مصر وعمان نموذجًا"، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56 بمركز مصر للمعارض الدولية بمحور المشير في التجمع الخامس.
جاءت الندوة بحضور الدكتورة إيمان كريم المشرف العام على المجلس، وعدد من الشخصيات الهامة، وعلى رأسهم السفير عبد الله الرحبي سفير سلطنة عمان، والكاتبة فاطمة المعدول التي تأتي شخصية المعرض لهذا العام، والدكتور وليد قانوش رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، والفنانة التشكيلية أمنية السيد، والعازفة نيرة عصام، كما جاءت الندوة بمشاركة عدد كبير من الشخصيات العامة، زوار معرض القاهرة الدولي للكتاب عامةً، والأشخاص ذوي الإعاقة خاصةً.
استعرضت الندوة استراتيجيات الدمج الثقافى في مصر وعمان وعلاقته بأهداف التنمية المستدامة، وتناولت السياسات والاستراتجيات الثقافية التى تنتهجها الدول فى مجال دمج الأشخاص ذوى الاعاقة، مستعرضة دور الدمج الثقافى فى تحقيق العدالة الثقافية، وناقشت خصوصية التخطيط للأنشطة الثقافية الدامجة، والتحديات والفرص والخطط المستقبلية للدمج الثقافى.
أعربت الدكتورة إيمان كريم المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، عن سعادتها بتنظيم مثل هذه الندوة بالتعاون مع سفارة سلطنة عمان وووارة الثقافة والهيئة العامة المصرية للكتاب، لافته 15% من إجمالي تعداد سكان مصر من الأشخاص ذوي الإعاقة، الأمر الذي يدل على أنهم شريحة كبيرة من المجتمع، لذلك كرست الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، جهودها للإهتمام بحقوقهم والعمل على تعزيزها من خلال مجموعة من القوانين والإجراءات والاستراتيجيات المتنوعة لضمان دمجهم وتمكينهم، والقضاء على كافة أشكال التمييز.
أوضحت "كريم" خلال كلمتها في الندوة، أن ملف الثقافة والفنون هو بمثابة قوى ناعمة، تسهم في تحقيق الدمج المجتمعي للأشخاص ذوي الإعاقة، لافته أن مصر وقعت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهناك 9 مواد في الدستور تنص على هذه الحقوق، وقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (10) لسنة 2018، الذي نص في المادة رقم (40) منه على إتخاذ التدابير اللازمة لضمان مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الثقافة والفنون، والعمل على دمجهم في هذه الأنشطة.
أضافت أن القانون رقم 178 لسنة 2020، الذي نص على تعديل بعض أحكام قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، وضع ضوابط حماية الحقوق الفكرية للأشخاص ذوي الإعاقة، الأمر الذي يؤكد على إلتزام الدولة برعاية الأشخاص ذوي الإعاقة وفتح المجال لقيد تصرفاتهم الواردة على المصنفات، والأداءات، والتسجيلات الصوتية، والإذاعية الخاضعة لأحكام قانون حماية الملكية الفكرية، ونص القانون على إعفاء من هم دون سن واحد وعشرين عامًا والأشخاص ذوي الإعاقة من رسم القيد.
تابعت أن المجلس يعمل على إتاحة جميع البرامج في المجالات المختلفة، لاسيما الثقافية منها للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية بلغة الإشارة، وكذلك بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية المختلفة بالدولة لإتاحة المواد والنصوص المكتوبة بطريقة برايل للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، لافته أن المجلس قام بتوقيع بروتوكول مع وزارة الثقافة منذ 3 سنوات للعمل على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في المجال الثقافي، منها مشروع "حرفتنا من تراثنا"، التي تشجع فكرة العمل الحر، وتعمل على تحقيق الاستقلالية لهذ الفئة، وتوعية مقدمي الخدمة الثقافية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وآداب التعامل معهم، كما يتعاون المجلس مع الوزارة في "جائزة الدولة للمبدع الصغير 2025" التي تأتي تحت رعاية السيدة انتصار السيسي، قرينة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، و"تمنح الجائزة في ثلاثة مجالات، هي: الأدب، ويشمل «القصة- الشعر- التأليف المسرحي»، والفنون، و تشمل «الرسم- العزف- الغناء»، والإبداع والابتكار، ويضم «التطبيقات والمواقع الإلكترونية- الابتكارات العلمية»، مؤكدة أن هذا التعاون جاء لإيمان المجلس الشديد بأهمية الثقافة والفنون، في احداث تغيير في المجتمع، وتقديم قضاياه المختلفة بشكل جذاب ومميز.
من جهتها قال السفير عبد الله الرحبي سفير سلطنة عمان في مصر،
أن سلطنة عمان من الدول التي تبنت سياسات دامجة في مجالات التنمية المستدامة، ووضعت قضايا الإعاقة ضمن رؤية عمان 2040. وقد تجلت هذه الجهود في عدة محاور، منها الإطار التشريعي والمؤسسي، فصدرت عدة قوانين تدعم حقوق ذوي الإعاقة، منها ما يضمن مشاركتهم في الفعاليات الثقافية والفنية، ودمج قضايا الإعاقة في استراتيجيات التنمية الثقافية والتعليمية، والمبادرات والبرامج الثقافية، دعم الفعاليات والأنشطة التي تعزز مشاركة ذوي الإعاقة، مثل معارض الفنون التشكيلية، والمهرجانات الأدبية، والمسرح الدامج.، وكذلك تشجيع دور النشر على توفير الكتب بطريقة برايل أو الصوتيات لذوي الإعاقة البصرية، وإتاحة المكتبات العامة لتكون دامجة لذوي الإعاقة من خلال تجهيزاتها وبرامجها، بالإضافة إلى دور المؤسسات والمجتمع المدني، ودعم الجمعيات الثقافية والمؤسسات غير الربحية التي تعمل على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في الفنون والآداب، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتمويل المشاريع الثقافية الموجهة لذوي الإعاقة.
أشار "الرحبي" خلال كلمته في الندوة، أن سلطنة عمان ملتزمة بالعديد من الاتفاقيات الدولية التي تعزز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المجال الثقافي، كاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) التي تنص على حقهم في المشاركة في الحياة الثقافية والفنية، وأهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي تؤكد على تحقيق مجتمعات دامجة للجميع بحلول عام 2030، مضيفًا أن السلطنة عززت هذه الالتزامات بمشاركتها في المنظمات والفعاليات الثقافية الدولية، حيث تطرح قضايا الإعاقة كجزء من استراتيجياتها الثقافية.
تابع أن الاهتمام بحقوق ذوي الإعاقة لا يقتصر على الجوانب التشريعية والتنموية، بل يمتد إلى المبادرات المجتمعية التي تعكس وعي القيادة والمجتمع بأهمية هذه القضية، وهنا لا يمكننا أن نغفل الدور الكبير الذي تلعبه السيدة الجليلة عهد بنت عبد الله البوسعيدية، حرم جلالة السلطان، حيث قدمت دعمًا ملحوظًا لهذه الفئة، من خلال رعاية البرامج التعليمية والتأهيلية لذوي الإعاقة، ودعم المبادرات الثقافية والفنية التي تدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع، وتسليط الضوء على قضايا الإعاقة في المحافل الرسمية والمناسبات الوطنية.
استطرد "عبد الله الرحبي" سفير سلطنة عمان، أن تحقيق العدالة والدمج المجتمعي في الثقافة، مرهون بتبني استراتيجيات متطورة تشمل إدماج مفهوم الثقافة الدامجة في المناهج التعليمية، بحيث يتم تعزيز الوعي منذ الصغر، وإنشاء منصات إلكترونية دامجة توفر محتوى ثقافيًا متاحًا للجميع، لا سيما للأشخاص الذين يواجهون صعوبات في التنقل، وكلك العمل على دعم الفنون الدامجة مثل المسرح والموسيقى التي تشمل ذوي الإعاقة وتبرز مواهبهم، وتعزيز الإنتاج الإعلامي الدامج الذي يقدم محتوى يعكس واقع ذوي الإعاقة بإيجابية.
فيما قالت الكاتبة فاطمة المعدول شخصية المعرض لهذا العام، أنها عملت على العمل في ملف الإعاقة منذ بداية فترة الرئيس الراحل حسني مبارك، لكن لم يكن هناك إهتمام بهذ بالأشخاص ذوي الإعاقة، ثم بدأت في التسعينات في التعاون مع مجموعة من السيدات في إنشاء جمعية للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، على غير المألوف حيث كان وقتها الإهتمام متجه نحو الإعاقة الحركية، لافته أنها عملت 10 عروض وقتها في قصر ثقافة الطفل بجاردن سيتي، وألفت بالإضافة لكتاب "شريف البطل" 10 كتب عن للأشخاص ذوي الإعاقة، منهم كتب خطوط ودوائر، والدائرة الزرقاء والدنيا بكل الألوان، وقطعة من السماء، وكما ألفت ٦ كتب بأيدي الأشخاص ذوي الإعاقة، وهناك 10 مسرحيات تم عملها في هذا الشأن.
أضافت الكاتبة فاطمة المعدول خلال كلمتها في الندوة، أن القصور الثقافية والثقافة الجماهيرية أثرت بشكل كبير في حياتها، وعملت على نقلها في الفترات الزمنية المتلاحقة التي شاركت في العمل فيها فيما بعد، لافته أن العمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة انعكس على حياتها بالحب والوفاء، لافته أن هناك 10 عروض في الثقافة الجماهير يمكن العمل على تصويرها من خلال التعاون مع المجلس.
من ناحية أخرى أكد الدكتور وليد قانوش رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، أن وزارة الثقافة وجدت أن هناك تغيير ملموس من خلال مشروع "حرفتنا من تراثنا" الذي تتعاون فيه مع المجلس، لافتًا أن هناك برامج ومشروعات أخرى في هذا الشأن تقوم بها الوزارة، موضحًا أنه يأمل في استمرار التعاون مع المجلس ، للعمل على الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة والجمعيات الخاصة بهم على مستوى كافة أنحاء الجمهورية،
أضاف "قانوش" خلال كلمته في الندوة أن هناك مسابقة للمواهب الذهبية، وورش الفنون الأدائية التي تقدمها الوزارة من خلال صندوق التنمية الثقافية، والعديد من البرامج الثقافية التي يتم تنفيذها في محافظات مختلفة، منها محافظة الإسكندرية.
فيما قالت الفنانة التشكيلية أمنية السيد، أنه يجب على الأشخاص ذوي الإعاقة تجاوز مرحلة صعوبات الإعاقة، من خلال البدء في تحقيق أحلامهم، لافته أنها عملت في مجال الإعاقة منذ عام 2014 عقب تعرضها لحادث الذي أدى إلى حدوث إعاقة لها.
أوضحت "أمنية السيد" خلال كلمتها في الندوة، أنها حصلت على رسالة ماجستير من جامعة حلوان في مجال دمج الأشخاص ذوي الإعاقة بعنوان "الحالات الخاصة في فن تصوير الإنسان منذ الحضارة المصرية القديمة حتى أوائل القرن الواحد والعشرين"، التي تتناول الأشخاص ذوي الإعاقة في العصور المصري القديم والإغريقي والروماني والقطبي والإسلامي، والدمج الذي حدث في هذه العصور.
وشهد ختام الندوة عزف منفرد من قبل الفنانة نيرة عصام من ذويالإعاقة الذهنية "داون ساندروم"، وإهداء درع المجلس للسفير عبد الله الرحبي سفير سلطنة عمان، والكاتبة فاطمة المعدول شخصية المعرض لهذا العام، والدكتور وليد قانوش رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، والفنانة التشكيلية أمنية السيد، والعازفة نيرة عصام.