ونحن على باب الاحتفال بعيد الذكرى التاسعة لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيدة ، ومنها وعلى بعد خطوات سوف نطل على نافذة الاحتفال بعيد الذكرى الواحدة والستين لثورة 26 سبتمبر ، ثم الاحتفال الكبير بمولد صاحب أكبر ثورة عرفتها البشرية، المولد النبوي الشريف على صاحبه افضل الصلاة والسلام وعلى آله الطيبين الطاهرين ، ومن بين أسوار الفضفضة بيننا ، أردت أن أوجه رسالتي هذه لفخامة هذه الثورة العظيمة ، التي يحاربها العالم كله ، وأحيانا للأسف يحاربها الصديق قبل العدو، والمفكر قبل الجاهل، والثائر الأصيل قبل الثائر المضاد، والموظف الرسمي قبل العاطل عن العمل، والوطني الصامد قبل الخائن التائب.
في اليمن سوف نجد كل (دوافع) الثورة موجودة وكل (مقومات) الثورة غير موجودة ، لان هناك شروخاً تظهر قبل انهيار النفسية الثورية ، شروخ تصبح ملاذا آمنا لسكن الثعابين والعقارب والعناكب شديدة السمية ، لا يلحظها سوى قارئ التاريخ ، والتاريخ أثبت أن كل قارئي التاريخ لا يمكنهم خدمة المرحلة الثورية التي يعيشونها ، لأنهم أكثر الخلق عرضة للعيش التعيس والتهميش المتعمد بين مكائد ودسائس مطامع ومصالح شلل النشوة وراكبي الموجه الثورية ، و مهما حاول قارئ التاريخ حينها أن يقدم للناس الوعي ويكتب لهم وينبههم عما يسكن داخل تلك الشروخ ، تمنع عنه تلك الشلل كافة المنابر والوسائل والأدوات لإيصال كلمته..
حتى في عصر ثورة الاتصالات والأنترنت وتعدد الأدوات والمنابر والوسائل وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ، فإن كفة تفاعل النشر والتعليق في مواقع التواصل الاجتماعي تميل على موضوع الساعة والنكتة السامجة ومواضيع الفتنة ، وليس للوعي الثوري ، مما يجعل الكثير يمسكون العصا من المنتصف، حياد سامج، و مواقف متأرجحة وتعليقات شاذة ، لا هي مع ولا هي ضد..
المصيبة الأكبر التي تصيب الثورات بالعمى هي إصدار الأحكام المسبقة ، التي تجعل الكثيرون يصدون مواقف خائفة مرتجفة من الفعل ومن رد الفعل ، مواقف هي مع الوعي وضد المشروع، هي مع اللجان وضد الجيش ، هي مع الاستقرار وضد الأمن، هي مع دعم بناء المؤسسات وضد السياسات الرسمية ، هي مع المصالحة الوطنية وضد الرؤية الوطنية ، مواقف تضع حدا وهميا فاصلا بين نظرة القيادة الثورية وآمال وطموحات المواطنين ، و يعتقد أصحاب هذه المواقف أنها الحكمة بدلا من التهور ، وإن نص العمى ولا العمى كله ، وأنا أقول أنه جوهر العمى بكله واسمه ورسمه وصفته ، وأن مثل تلك المواقف في المرحلة الثورية هي مواقف الجهل التي تجعل الكثير يقول « لا نامت أعين من عبث وتولى « ..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ثورة سوريا وفنانوها
بداية نقر بأن ما حدث في سوريا وانهيار نظامها وهروب الرئيس وعائلته إلى موسكو كلاجئين، هو معجزة بكل المقاييس، فلا أحد يتصور هذا الانهيار السريع المباغت لنظام عنيد حكم سوريا لأكثر من أربعين سنة، وارتكب ما ارتكب بحق المدنيين السوريين، ولكن ونحن أمام هذا المشهد المهيب، استرعى انتباهنا موقف الفنانين الموالين للأسد؛ هل سيغيرون قناعاتهم.. أم سيظلون على ولائهم للنظام السابق؟.. فمنهم من صمت وترقب ما ستؤول إليه الأمور، ومنهم من أكد على إخلاصه للنظام القديم، وأنه لن يعود إليها مرة أخرى أبدا، ومنهم من أراد أن يغير آرائه وقناعاته، وتحجج بعدم اتضاح الرؤية، ولكنه الآن مع الثورة قلبا وقالبا.
ومسألة انقسام الفنانين ما بين مؤيد ومعارض للنظم الديكتاتورية، مسألة قديمة، ولعل أبرز مثالين في هذين المضمارين هما الكبيران: بيكاسو وسلفادور دالي، ورغم أنهما كانا صديقين مع باقي شلتهم، المخرج السينمائي الكبير لوي بانويل والشاعر لوركا، وبرغم متانة صداقتهم ببعضهم البعض إلا أن سرعان ما دب الخلاف بينهم فعندما كشر ديكتاتور إسبانيا عن أنيابه وارتكب ما ارتكب من مذابح وقمع بوحشية بحق الإسبان، فقد اختار بيكاسو وبانويل المعارضة واللجوء إلى فرنسا، احتجاجا على ديكتاتورية فرانكو.
وأبدع بيكاسو لوحته الخالدة وأسماها جرنيكا، وهي اسم ذات القرية التي قصفها طيران فرانكو بلا رحمة ولا شفقة، محدثا مذبحة كبيرة كان أكثر ضحاياها من الشيوخ والأطفال والنساء.
أما سلفادور دالي فقد مكث في إسبانيا ودعم الديكتاتور وبارك كل سياساته القمعية. ولا شك في أن دالي حظي تحت مظلة الديكتاتور فرانكو بكل الرعاية والاهتمام والدعم بصعيديه المحلي والعالمي، وقد لمع اسمه في العالم في تلك الحقبة وانتعشت حالته المادية، وأصبح من أصحاب الملايين.
وهذا هو الحال فيي سوريا الحبيبة، فأكبر شبيه بدالي هو الفنان دريد لحام، وهو رجل مسرح بالدرجة الأولى، وقد كان دريد -أعتقد ولا يزال- من الموالين لنظام الأسد حتىً الثمالة، وقد استثمره النظام من أجل التنفيس للشعب السوري؛ فلا بأس أن يقف دريد على المسرح منتقدا بعض الأوضاع الاقتصادية والسياسية للنظام السوري، ولكن بحسابات دقيقة، بحيث لا يقع في المحظور الأكبر وهو انتقاد السيد الرئيس. وقد استعان دريد في هذا بكاتبنا الكبير محمد الماغوط حتى يكسب دريد شرعية ما يريد أن يثبت للشعب السوري جديته. وقد عانى الماغوط من تحكمات دريد لحام ما عانى، ولكن لم يكن في يديه حيلة.
أما النموذج الثاني فهو الفنان همام حوت، وبرغم أن همام كان الابن المدلل لسلطة الأسد والتي أغدقت عليه بكل عطاءاتها، ولكن همام اختار طريقه وانضم إلى صفوف الثوار، مما حدا بالسلطة لكي تصدر حكم الإعدام بحقه، ولكن من سخرية القدر أن ينتصر الثوار، ويأتي إلى سوريا فنانوها الحقيقيون كعبد الحكيم قطيفان وجمال سليمان وآخرين يحتفلون بالحرية لبلادهم، فالحرية غالية لمن امتلك كرامته ودافع عنها.