21 سبتـــــــــمبر.. ثورة تمضي نحو الإنجازات العظيمة
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
يحتفل شعبنا اليوم بالعيد التاسع لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيد، وسيقام اليوم عرض عسكري بالمناسبة تشارك فيه وحدات من جيشنا المؤمن والمجاهد في ميدان السبعين، وهو حصاد تسع سنوات من الإنجاز والبناء لهذا الجيش المبارك.
ووفق مسار وطني تحرري تمضي ثورة 21 سبتمبر بخطى ثابتة قائمة على مرتكزاتها اليمنية الأصيلة، انطلاقاً من أهدافها وقيمها وثقافتها وأصالتها ويمانيتها، وبما فرضت من إيقاعات ميدانية وسياسية ما عاد يجدي معها التزييف والتشويش الإعلامي التضليلي، ولا تحفيز العوامل الانقسامية ومحاولة صبغ الثورة بأصباغ صفراء، من خلال وصفها بالانقلاب تارة وهي التي شارك فيها كل الشعب ومختلف شرائحه، أو من خلال صبغها بصبغة مناطقية أو عرقية، ولا حتى بالمواجهة المسلحة والحروب التحالفية حتى وإن استخدموا كل الأسلحة المحرمة والفتاكة.
تمضي ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ونحن اليوم في العيد التاسع لها، وهي تراكم الإنجازات وتضيف عليها وفق مسار ثابت من القيم والمبادئ والتوجهات الوطنية الخالصة، فيما يسير خصومها اليمنيون ومعهم أسيادهم في الخارج بكل غباء نحو منحدرات الهزيمة والسقوط، محاولين الإمساك بفقاعات الوهم والخداع التي نصبوا شراكها للثورة في ساحات المعارك الإعلامية والسياسية والعسكرية والأمنية، وفي كل جولة يخرجون بالخسائر الساحقة والتردي وفضائح الفشل المكشوفة.
طريق الاستقلال والتحرر الذي اختطته ثورة 21 سبتمبر يجتازه شعب اليمانيين بكل اقتدار وتمكن ووفق رؤية واضحة وثابتة منسجمة مع قيم الشعب وأصالته، وفي العيد التاسع للثورة نتذكر اليوم أحداثا وتحولات كبيرة خاضتها الثورة، وحققت الانتصارات رغم كبر الاحتشاد المعادي من خصوم وأعداء الثورة اليمانية المباركة، لكن بعد تسع سنوات يتأكد لهم بأن كل ما فعلوه لمواجهتها لم يكن حصاده إلا الخيبات والهزائم.
ثورة 21 سبتمبر كانت ضرورة فرضتها الأوضاع الكارثية التي وصل إليها اليمن، ولم تكن وليدة لحظتها، ولا كانت خلطا للأوراق السياسية، ولا انقلابا على نظام قائم لغرض الاستحواذ على السلطة وإلغاء للآخر .. بل جاءت كضرورة فرضتها كثير من العوامل والأحداث التي عصفت بالبلد طويلا، وجعلته مرتهنا للخارج بقراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولم يعد يملك من أمره شيئا .. وتحول اليمن إلى ساحة صراع لتصفية حسابات إقليمية ودولية، دفع اليمنيون ثمنها غاليا حتى اليوم، كما أصبحت مأوى ومرتعا خصبا للتنظيمات الإرهابية التي تمولها وترعاها الدول التي تدعي أنها تكافح الإرهاب، ناهيك عن الأخطار والمؤامرات التي حرفت مسارات ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر طوال العقود الخمسة الماضية .. ونتيجة لكل ذلك كان لا بد من ثورة تصحيحية تعيد للإنسان اليمني حريته المفقودة وكرامته المسلوبة .. فجاءت ثورة 21 سبتمبر، التي لم يشأ أعداؤها في الداخل والخارج نجاحها فواجهوها بعدوان غاشم لوأدها، دمروا فيه على مدى تسع سنوات كل مقومات الحياة، واحتلوا الأجزاء الجنوبية والشرقية من البلاد، وحولوها إلى سجون لتعذيب المواطنين وحاضنة للتنظيمات الإرهابية.
هذه الثورة المباركة، لم تأت من فراغ بل هي تحرك مشروع استحقاقي مسؤول وواعٍ وهي ضرورة فرضتها تلك الأوضاع الكارثية التي عانى ويعاني منها الشعب اليمني، وهي نتاج لمعاناة حقيقية لكل أبناء هذا الشعب وهي نتاج للإحساس بالظلم ونتاج للشعور بالمسؤولية، للسعي نحو التغيير، فكان هذا التحرك الشعبي الواسع، من حيث طبيعة الاستهداف والتركيز الخارجي على هذا البلد والذي كشفه بوضوح تام العدوان في نهاية المطاف وأدواته في الداخل التي كانت نافذة وكانت مسيطرة وكانت متحكمة بمقدرات هذا البلد.
وبالفعل فما إن خطت الثورة خطوتها الأولى، حتى بدأوا حربهم العدوانية التي ما تزال وتيرتها مستمرة إلى اليوم، وتحالف الأعداء جميعا ضد الثورة، وللحرب عليها تحالفت كل قوى الشر والخبث والنفاق على رأسها أمريكا ومن ورائها الصهاينة وبمعاونة الأدوات الإقليمية والمحلية.
وفي إطار هذه الثورة المباركة، التي أتت كضرورة، واستمرت كضرورة، تحقق على خطها إنجازات مهمة، يريد البعض أن يقفز عليها، ويريد أخرون أن يسخفوها ويسقطوها من الوعي، لكنهم لن يفلحوا مهما فعلوا، وبهذه المناسبة لا بد من الإشارة إلى بعض مما أنجزته هذه الثورة المباركة.
من الإنجازات ذات الأهمية الكبيرة لهذه الثورة، هو الدفاع عن هوية الشعب اليمنية القائمة على أساس إيماني منذ قالها سيد الخلق رسول الله محمد صلوات الله عليه وآله “الإيمان يمان والحكمة يمانية” وشعبنا مستهدف ليس فقط في وطنه، وأرضه، وثرواته، وقراره السياسي، بل هو مستهدف حتى في هويته، لقد أرادوا أن نكون شعباً بلا هوية، بلا انتماء، بلا مبادئ، بلا قيم؛ حتى تسهل لهم السيطرة علينا دون أي عوائق، أو مشاكل، وكانت الثورة المباركة ثورة وعي حفظت لهذا الشعب هويته، وترسخ هذه الهوية بشكلٍ مستمر، في إعلامها، في أنشطتها التوعوية والتعليمية، واهتمامها الواسع.
الحرية والاستقلال من أكبر الإنجازات التي حققتها الثورة، ومعروف ما كان عليه الوضع قبل الثورة من ارتهان وتبعية للخارج، لكن الثورة أسقطت تلك الحالة وانتزعت القرار من الأجانب ومكنت هذا الشعب من أن يقرر ويمضي في خياراته الصحيحة، واليوم لم يعد للأمريكي ولا لحلفائه وأدواته أي تأثير بعدما كانت البلاد رهنا لقراراتهم وتوجيهاتهم، نحن من نتخذ قراراتنا، ونحدد مواقفنا، على أساسٍ من هويتنا وانتمائنا الإيماني الأصيل، وبشكلٍ صحيح، ووفق مقتضيات الحكمة والمصلحة الحقيقية لشعبنا العزيز، ومن إنجازات هذه الثورة التي هي حاضرة وتستمر: العمل المستمر على تعزيز الروابط بين أبناء هذا البلد، مقابل العمل الشيطاني الكثيف لتفكيك الروابط بين أبناء هذا البلد، تحت كل العناوين، من جانب أعدائهم ، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وعلى تماسكها، وتحقيق الأمن والاستقرار إلى مستوى جيد، ويتحسن أكثر فأكثر، وهذا شيء ملموس، إذ لا يمكن المقارنة بين مستوى الأمن والاستقرار في المحافظات الحرة، وبين مستوى الأمن والاستقرار في المحافظات المحتلة، التي ينعدم الأمن والاستقرار فيها، وتسودها الفوضى.
ومن أهم الإنجازات للثورة الشعبية هو بناء الجيش المتطور والمقتدر والمتسلح بالإيمان والقدرات العسكرية المتطورة، والعمل دؤوب في بناء الجيش، وما تحقق في هذا المجال يعد من أهم المنجزات، وأعظمها وهو ما تفاخر به الثورة اليوم ويفاخر به الشعب اليمني العظيم.
ومن أهم منجزات الثورة الشعبية، أنها أحدثت في مجال الصناعات العسكرية نقلات نوعية كبرى وعظيمة، فما حققه التصنيع العسكري منذ الثورة إلى اليوم هي معجزات حقيقية لم تكن لتتحقق لولا التوكل على الله والاستعانة به، وما تحقق من إنجازات يفتخر بها الوطن ويفتخر بها الشعب العظيم، وبالفعل فإن الإنجازات في التصنيع العسكري ليست إنجازات عادية، بل كبيرة وعظيمة، بدءاً بصناعة الذخائر والأسلحة الخفيفة من المسدس، إلى الكلاشنكوف، إلى المدفع، إلى قاذف الآر بي جي، إلى مستوى أكبر، إلى الأسلحة الاستراتيجية بمستوى الطائرات المسيَّرة، والصواريخ الباليستية والمجنحة والاستراتيجية، والتي باتت اليوم نموذجا يحتذى ويتحدث عنه العالم.
واليوم وإذ نحتفل بالعيد التاسع لثورة 21 سبتمبر المباركة، تنظم القوات المسلحة عرضا عسكريا ضخما بهذه المناسبة، ويكشف فيه عن أسلحة استراتيجية جديدة ومتطورة وعن ترسانات كبيرة وهائلة من الأسلحة النوعية التي تفوق قدرات دول الأقليم وتنافس قدرات دول متقدمة.
هذه الصناعات أنجزتها الثورة المباركة في إطار الوضع الراهن بكل ما فيه من صعوبات، في ظل العدوان الشامل على بلدنا، والحصار الخانق المفروض علينا، وتحت الاستهداف المكثف لكل شيء، وبدأ العمل من نقطة الصفر، وكتب الله «سبحانه وتعالى» بفضله وكرمه التوفيق العجيب لجيل الثورة المبارك ممن يعملون في مجال التصنيع، فأمدهم الله بتوفيقه وهدايته، واستفادوا من كل ما يفيدهم في تطوير هذه القدرات، واليوم بلدنا يصنع مختلف أنواع الأسلحة، من أسلحة المشاة، إلى الأسلحة المتوسطة، إلى الأسلحة المتطورة، الصاروخية التي هي بعيدة المدى، وتطوير القدرات في السلاح البري، والجوي، والدفاع الجوي أيضاً، والبحري، بشكل لافت ومتصاعد بحمدالله، بل وأصبح المجال في هذا الجانب مفتوحاً للتطوير إلى مستويات متقدمة، وهو واعدٌ في المستقبل بإذن الله «سبحانه وتعالى».
والمستقبل واعد إن شاء الله في أن تتحقق النهضة الشاملة بعون الله وفضل هذه الثورة وقيادتها، فبعد أن كان اليمن لا يصنع طلقة مسدس، هو اليوم يقدم صناعات تعجز الكثير من الدول العربية والإسلامية عن تصنيعه، وتواجه أعتى الترسانات العسكرية وأحدثها تطورا، وهذا إنجاز كبير ومستحق لشعب قدم الغالي والنفيس في سبيل الحرية والكرامة، ومتاح اليوم أن نتقدم في تحقيق نهضة شاملة، بل وهو أمر تمضي عليه الثورة في النهوض الشامل، وبناء البلاد اقتصادا وزراعة وصناعات مدنية وتحويلية وغيرها، وسيتحقق الإنجاز الكبير ولو تحت ظروف قاهرة ما دامت الإرادة صادقة في الاستعانة بالله «سبحانه وتعالى»، وما دامت الأيادي تعمل عملا دؤوبا متوكلة على الله ومستعينة به.
هذه بعضٌ من الإنجازات وفي المقابل هناك أيضاً استحقاقات لا زالت قائمة على عاتق هذه الثورة وأحرار هذه الثورة، وهي استحقاقات للحاضر وللمستقبل، وفي مقدمتها مواصلة الدفاع عن استقلال اليمن، وتحرير كافة المناطق والمحافظات من الاحتلال الأجنبي، وبناء دولة قوية بقوة الثورة ومشروعها العظيم.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الأمن والاستقرار ثورة 21 سبتمبر هذه الثورة هذا البلد
إقرأ أيضاً:
حسين خوجلي يكتب: أيام الله السبعة
السبت:
سرقت عصابة دقلو مئات الملايين من الدولارات من الأسر السودانية في المدن والقرى والدساكر ولم تبق شيئاً، ونهبت أكثر من ترليون دولار، القيمة بالحد الأدنى من مؤسسات الشعب والجامعات والمدارس والمشافي والوزارات والقائمة تطول.
هذه الجريمة التي أثقلت كاهل الشعب السوداني وصدمته وأدخلته في نفق الأسى والحزن العميم، والأخطر والأكثر إيلاماً أن ما سرقوه من الشعب يستغلونه اليوم لقتل الشعب، ومجازر الجزيرة والخرطوم ومخيم زمزم وأبو شوك شاهدة على هذا الإجرام الممنهج وتتوالى الجرائم تباعاً، وبإختصار أن هذه الوصفة المسمومة التي ابتلعها الكرام من أبناء شعبنا، تغتالنا سراً وجهراً بحر مالنا.
الأحد:
القرار المخبوء عندهم والمكشوف عندنا، بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية الآثمة، والتي صرح بها نتياهو لأجهزته ناصحاً مع القيادات الصهوينية بواشنطن: (دعونا نجتاح غزة تقتيلاً للناس بلا تمييز وأسكتوا عنا حين نغلق المعابر لنقتلهم جوعاً، وساعدونا بالأموال والعتاد والدعم الإعلامي والأممي، وسنقوم بفتح الجحيم بالحد الأقصى والتدمير المباح حتى نضطر لقتل حراس حماس وتبعاً لذلك نقتل المختطفين الإسرائيليين، وتنتهي الحكاية والصداع ومن ثم ندمغ حماس بارتكاب الجريمة، ونقتل ثأراً كل أهل غزة بإعتبار أنهم كوادر من حماس القاتلة، فإذا بقيت المجموعة المنهكة سنقوم بترحيلهم جميعاً إلى المكان الذي نختاره حيث لا خيار لهم إما الموت وإما الهجرة القسرية، وبعدها تفضل سيدي ترامب لإقامة مشروعك السياحي على شط غزة الجميل، ومبروك على السياح الغربيين نسمات البحر المجانية).
الاثنين:
هي رسالة ما بين العتاب والحزن والرجاء للأخوة الشعراء، التيجاني سعيد، وعبدالقادر الكتيابي، وصديق مجتبى، والدكتور خالد فتح الرحمن، والأستاذ علي يس، والأستاذة روضة الحاج، والشاعر الكبير إسحق الحلنقي، ورفيق دربه هلاوي، والتجاني حاج موسى، وبقية العقد النفيس.
ليس هذا تساؤلي أنا فقط بل تساؤل كل الشعب السوداني، لماذا هذا الصمت الرهيب والمريب؟ ويتواصل التساؤل المشروع، لم توقف فيض الشعر المبين والقصائد الجياد؟ هل يا ترى انكسرت المنابر أم جف العود أم تصحرت المشاعر أم أن النكبة كانت فوق الإحتمال والتدفق والإبداع؟
الرد الوحيد الذي نتوقعه، إن أجبتم اضطراراً أو اختياراً، هو أعلانكم عن مجموعاتكم الشعرية الجديدة وقصائدكم التي تعيد للشعب السوداني ذلك الزهو القديم ولا شيء غير هذا يا أبناء وادي عبقر.
الثلاثاء:
من أصدق ما قرأته أخيراً عن العلائق بين الناس أن هنالك خصومة قامت بين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل الأخير رسالة إلى سيدنا علي مفادها، إن أتتك رسالتي هذه فهلم إلي لأصالحك؟ فسأل سيدنا علي الصحابي متعجباً لم لم تحضر أنت لتصالحني؟ فقال الصحابي: لقد سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: (خيرهم من يبدأ بالسلام)، وأنت يا أبن عم الرسول أفضل مني وأسبق مني للإسلام.
الأربعاء:
سألني أحد الصحفيين الشباب المهتمين بالأدب والشعر، بصراحة أنت يا أستاذ قد حببت لنا شعر وشاعرية أحمد بن الحسين المتنبي، ولذا فإني أرغب في حفظ بعض روائعه فمن أين أبدأ وماذا تقترح؟ فأمليت عليه أحدى اعتذارياته القصيرة، وعتابه لسيف الدولة إذ حاول خاله أبو العشائر اغتياله بنبال مجموعة من غلمانه، وفكتبها وهو يغادر سراً إلى القاهرة للقاء كافور الأخشيدي (غلطة عمره):
وَمُنتَسِبٍ عِندي إِلى مَن أُحِبُّهُ
وَلِلنَبلِ حَولي مِن يَدَيهِ حَفيفُ
فَهَيَّجَ مِن شَوقي وَما مِن مَذَلَّةٍ
حَنَنتُ وَلَكِنَّ الكَريمَ أَلوفُ
وَكُلُّ وِدادٍ لا يَدومُ عَلى الأَذى
دَوامَ وِدادي لِلحُسَينِ ضَعيفُ
فَإِن يَكُنِ الفِعلُ الَّذي ساءَ واحِداً
فَأَفعالُهُ اللائي سَرَرنَ أُلوفُ
وَنَفسي لَهُ نَفسي الفِداءُ لِنَفسِهِ
وَلَكِنَّ بَعضَ المالِكينَ عَنيفُ
الخميس:
تشهد دار القضاء ببورتسودان محاكمة العصر، المتهم فيها عصابة آل دقلو، الذين اغتالوا حاكم ولاية غرب دارفور، الشهيد خميس آدم أبكر، ومهما كانت نتيجة الحكم، طالهم العقاب الرادع أم لم يبلغهم، تظل هذه الجريمة البشعة تدمغ وجوههم الحوالك حتى يغيبوا في التراب، بشاعة تثير اللواعج في قلوب الشعب السوداني وتثير عاصفة الأسى والأسف في قلوب قبيلة المساليت العريقة المسالمة المجاهدة التي كسر الغزاة قلبها، وصاح القضاء والقدر والمشيئة إن الثأر قادم وإن في القصاص حياة يا أولي الألباب.
الجمعة:
من له خالُ كخالي؟
كاد الشهر أن يتولى منذ رحيل الشريف بن الأشراف الكرام المهندس محمد سعيد أحمد أبو زيد المهدي، أحد الأنجم المنيرات في تاريخ البلاد والعباد والشرفة الصابرة، والذي ترك رحيله الفاجع رنة حزن بالغة لا تنطفئ لا بغزير الأدمع ولابغصاة الصدور ولا بنفثات القلوب.
درس الفقيد الهندسة في سبعينات القرن الماضي بجمهورية الصين، فأجاد صنعة الهندسة مثلما أجاد أسرار اللغة الصينية العجيبة، تحدثاً وكتابة وتأليفاً، فصار بخلقه الفياض وسيرته العطرة وكرمه العامر مهوى لقلوب العرب والسودانيين، حيث صار منزله خلوة وفندق مجاني وصار مكتبه محطة للسند والمساعدة والنصيحة.
عندما عاد إلى بلاده بعد هجرة طويلة أتى بكل تلك الفضائل والقيم والكرم المطبوع، الذي ينافس به الغيث والسحب السواكب، إلى أن انقض عليه الداء العضال وأنشب أظافره في الجسد الناحل الطاهر فوجده أسداً هصوراً لا ينثني، حيث غالب في جلد وشجاعة رمضاء المرض، بصبر يماثل صبر أيوب والأولياء الصالحين والزهاد والمتصوفة العارفين.
وأذكر أنه في آخر لقاء تم بيننا بالسودان قبل النكبة، سألته أن يكتب سفره الموعود (مذكرات سوداني في بلاد الصين)، ابتسم دون أن يجيبني، كأنه أراد أن يقول لي دون أن يهمس بمفردة، إن فيك فطانة، ولم أراجعه بعدها.
مضى أبو عقيل في العشر الأواخر المباركات، وكان يتمنى أن يشهدها مع الناس صياماً وقياماً واعتزالاً وخلوة، وقد فاضت روحه الطاهرة في ليلة مباركة من ليالي هذا الشهر الكريم، وبفقد محمد سعيد فقد السودان واحدًا من أبنائه الأتقياء الأخفياء الكبار، فيا لهف نفسي على بيوت اليتامى والأرامل التي كان ينفق عليها في خفاء وصمت، وعندما هاتفني الناعي بالخبر الصدمة، لم أجد عبارة أبلغ من عبارة المطصفى صلي الله عليه وسلم في حق الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، حين دخل عليه والصحابة حضور وقال قولته التي ملأت الدنيا والآفاق والأنفس: (من له خال كخالي)، وعندما فاضت الدموع سترت بالمعاني الخوافي ذلك الحزن النبيل.
يارب العباد ضاوي العيون بالشوف
ود أب زيد حِداك رُكّازة الملهوف
ستار الغريب من الألم والخوف
أهديهو الجنان وعقيل يقود الطوف
وعندما عاد الجمع المذهول بالفراق من المقابر بالقاهرة الحبيبة همس الجميع بالآية الكريمة فكأنما كانوا يسمعونها لأول مرة من القارئ المجيد والمترحم المجيد، (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
صدق الله العظيم.
حسين خوجلي
إنضم لقناة النيلين على واتساب