مقاربة لآثار إعصار درنة وارتداداته المحتملة على الجغرافيات الليبية
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
هذا الحدث الكارثي الذي جاء بأيادي الطبيعة من أمطار وسيول ووديان جارفة هدّت سدود وجسور وبنيان اكتسحت بها الجزء الكبير من مدينة درنة، وقذفت به إلى البحر، مُخلّفة ورائها آلاف الضحايا والمفقودين، وما يصاحب ذلك من ثكل ويتم وفقّد، وما قد سيترتب عليه في ما بعد من ارتدادات تتساوى مع هول الكارثة التي ألحقها الإعصار بالبشر والشجر والحجر بمدينة درنة ومحيطها، وبعد الترحّم والإلحاح بالمطالبة بجبر الضرر لمن أصابه ضرر، أقول، لا اعتقد أنه يغيب عن فهْم الجميع، وُجوب الاشتغال على فتح مسارب وسبل مسؤولة تعمل على تنفيس وتصريف الاحتقان المحتمل وقوعه، كارتدادات مُحمّلة بشّدَة وعنف تتساوى مع هذا الفعل الكارثي الصاعق قبل انفجار الارتدادات وانفلاتها في غضب قد يتخذ وجوه عديدة، يصعب التنبؤ بها والسيطرة عليها زمانا ومكانا.
وهذا الاستباق يجب أن ينهض على تفعيل المساءلة المسؤولة من خلال التحديد الدقيق للجهة التي أسست لولادة هذه البيئة على امتداد هذه السنين العجاف التي مرت بها ليبيا جعلت من البلاد حاضنة لكوارث تلد أخرى، حتى انتهت إلى الفاجعة التي نعيشها في مدينة درنة ومحيطها.
ولمحاولة تحديد ممن يجب أن تتجه إليه المساءلة، يجب – في تقديري – الرجوع قليلا لمساءلة الماضي الذى يقول إن الليبيين قد انتخبوا عام 2014م، برلمان بديل عن المؤتمر الوطني السابق لينوب عنهم في إدارة شأنهم العام، ولكن – في ما يبدو – كان للشرعية الدولية التي وضعت ليبيا تحت مفاعيل البند السابع لسردية الهيئة الأممية، كان لها رأي آخر، صاغته وبلورته من خلال مؤتمر عُقِد بالصخيرات والذي صار يُعرّف باسمها، انتهى المؤتمر في مخرجاته إلى تشكيل أجسام مثلت بديل عن كل ما أنتجه الليبيون في ما سبق، وأضفى هذا المؤتمر على مخرجات الصخيرات مجلس أعلى للدولة، مجلس رئاسي، مجلس نواب، جهاز تنفيذي سُمّيَ في ما بعد بحكومة الوحدة الوطنية، أضفى عليها شرعية دولية تستمد مفاعيلها من مضامين البند السابع للسردية الهيئة الأممية، وفوّض مجلس الأمن أحد أعضائه، كممثل لهذه الدولية وخوّله إدارة وتصريف الملف الليبي بداخل مجلس الأمن وخارجه، ومند ذلك الحين المسنود بالبند السابع للسردية الأممية صارت ليبيا تُدار ممن بيده تفويض مجلس الأمن وذراعه التنفيذي الممثل في حكومة الشرعية الدولية بليبيا.
وهنا يأتي التساؤل الذي يقول: هل ممن مسؤول غير من بيده إدارة وتصّريف الملف الليبي داخل مجلس الأمن وخارجه، وذراعه التنفيذي المتمثل بحكومة الشرعية الدولية بليبيا، عن هذا الذي جرف البعض الكثير من مدينة درنة ومحيطها، وتركه أثر بعد عين؟، وهل كان أن يحدث هذا الكم الثقيل الذي خلفه الإعصار دانيال لو اُسْتقبلت محاولات الليبيون المتكررة لتشكيل أجسام بديلة تحظى وتتمتع بشرعيتهم المحلية الوطنية الليبية بالقدر المطلوب من الدعم الدولي بعدما تبين لليبيين العجز الكارثي لحكومة الشرعية الدولية بليبيا عن تصريف وإدارة شأنهم العام على نحو يتخطون به كل العقبات التي تمنع بلادهم من الفكاك مما هي فيه.
ولكن واستنادا إلى الواقع المأزوم الذي تعاني منه البلاد، وارتداداته الإجرائية على المحلي والإقليمي والدولي، أقول، هل كان في مَقّدور جناب حكومة الشرعية الدولية بليبيا، وهل كان في متناول يدها، أو في استطاعتها أن تقوم بأي فعل أو عمل أو خطوة لا ترى فيها خدمة لمن تستمد منه شرعيتها وديمومة وجودها، أو دونما إيعاز أو تلميح أو مُوافقة مُسبقة منه.
فالحكومة المدعومة بغطاء الشرعية الدولية تعرف بأنها ليست مسؤولة غير أمام من فوّضه مجلس الأمن، وأسند وأوكل له إدارة شئون ليبيا داخل الهيئة الأممية وخارجها، وما سلوكها وتحركاتها إلا صدى لتوجّهات ورغبات من بيده تفويض مجلس الأمن المتعلق بليبيا.
وهنا أصل إلى القول، إن هذا السلوك قد ألّحق ضرر كبير بليبيا وساكنتها، وآخرها ما يعانيه الليبيون من هَمْ كان من آثاره آلاف الضحايا والمفقودين وتوابعها بمدينة درنة عقب ما انْكشف عنه إعصار دانيال بعد انكشافه.
فالتفويض الأممي الذي يصُغُه ويصّدره مجلس الأمن لمعالجة الحالات الشبيه بما تمر به ليبيا يحتاج ولكي يكون ذو مردود إيجابي ومفيد على المحلي والإقليمي والدولي إلى التقّيد بمحددات يضعها مجلس الأمن تُلزم وتضبط وتلجم تصرّف وسلوك من بيده تفويض المجلس، بما يحتاجه الأمن والاستقرار المحلي والإقليمي والدولي، بمعنى، أن يتعامل صاحب التفويض الأممي مع الحالة الليبية مثلا، على نحو لا يتجاهل أو يتخطى واقع ليبيا الجغرافي الديمغرافي الثقافي، بل يجعل منه منطلق ومُرّتكز أساسي للاشتباك مع المعضلة الليبية في محاولته الاشتغال على تفكيكها، خاصة عندما نعرف بأن الحالة الليبية وما تعانيه من استعصاء، ليس تمت – في تقديري – مهما تعددت الوجوه والسُبل والصيغ غير مُدّخلين اثنين لا ثالت لهما، للمرور نحو التعاطي معها.
* أحدهما يعتمد الجغرافي الديمغرافي الثقافي الليبي كمرتكز أساسي تنهض عليه المُعالجة والمُتوخى منها، ويظهر في هذه الصيغة بمحدداتها الجغرافية الديمغرافية الثقافية تغّليب المحلي الوطني الليبي ومحيطه الإقليمي القريب منه والبعيد على ما سواه، ويرجع تغّليب هذا التوجّه على غيره إلى احتضان جنوب حوض المتوسط وإقليم شمال غرب إفريقيا للوعاء الجغرافي الليبي كمفردة أساسية في فضاءه الجغرافي وما يترتب على هذا التموضع من اشتراطات موضوعية من الضروري مراعاتها لتحقيق استدراج الأمن والاستقرار إلى داخل ليبيا وفضاءه الإقليمي القريب منه والبعيد، وسينتهب هذا التوجه – في تقديري – بدفع ليبيا إلى خارج معاناتها ببُعّديها المحلي والإقليمي مما سينعكس إيجابا على المحلي الليبي وفضاءه الإقليمي ومن ثم السلم والاستقرار الدوليين.
** وثانيهما يعتمد ويشتغل على أن ليبيا مفردة من مفردات كيان الشرق الأوسط ولبنة في بنيان هيكله الذي يتغطّى بالفضاء الجغرافي لجنوب وشرق المتوسط، وسيترتب على هذا التوجه الذهاب نحو تغليب احتياجات هذا الكيان على ما سواه، حتى وإن جاء هذا على حساب متطلبات الحياة في بُعديها المادي والمعنوي لساكنة ومواطني جنوب وشرق المتوسط، وسينتهي هذا التوجه إلى إعادة إنتاج ما كان سائد منذ عقود طويلة بكل ما يحمل من تعقيدات انعكست حينها سلبا وبؤسا على وجه الحياة في الفضاء المحلي والإقليمي لجنوب وشرق المتوسط.
من هنا، اعتقد أن ما تعانيه ليبيا من استعصاء يُربك ويرهق المحلي الليبي ومحيطه الإقليمي، والذي كانت من نتائجه في وقتنا الراهن ما تعانيه ليبيا في مُصابها بمدينة درنة ومحيطها، استطيع إرجاع ورد كل هذا – دونما تحفظ – إلى اعتماد التعاطي والتفاعل مع ليبيا، كمفردة أو كلَبِنة في بنيان كيان الشرق الأوسط، لا كوعاء جغرافي طبيعي بإقليم شمال غرب إفريقيا، وأحد المكونات الجغرافية الديمغرافية الثقافية لشعوب حوض المتوسط، ولبنة أساسية في بنيان الفضاء المغاربي، وهذا سيذهب في اتجاه تغليب احتياجات كيان الشرق الأوسط على ما سواه، حتى وإن جاء ذلك على حساب متطلبات الحياة في بُعديها المادي والمعنوي بليبيا.
انتهى.
*ملاحظة: من المهم التفريق بين ممثل مجلس الأمن ومفوضه بإدارة الملف الليبي، والآخر ممثل الأمين العام للهيئة الأممية السنغالي باتيلي، فهما شخصيتان اعتباريتان مختلفتان في الوظيفة والمهام.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
لايؤمن بأزمة المناخ.. من كريس رايت الذي رشحه ترامب وزيرا للطاقة؟
أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، السبت، ترشيح كريس رايت الرئيس التنفيذي لشركة "ليبرتي إنرجي"، وزيرا للطاقة ضمن طاقم إدارته التي يبدأ رسميا في يناير/ كانون الثاني المقبل.
وفي منشور عبر منصة "تروث سوشال" قال ترامب: "يسعدني أن أعلن أن كريس رايت سينضم إلى إدارتي وزيرا للطاقة وعضوا في مجلس الطاقة الوطني المشكل حديثا".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تراجع أرباح أرامكو السعودية 15% في الربع الثالثlist 2 of 2النفط يقفز فوق 2% وسط احتمال توجيه إيران ضربة لإسرائيلend of listومن المرتقب عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد فوزه على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، وتنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني 2025.
وذكر ترامب في منشوره أن رايت يعد أحد رواد التكنولوجيا والأعمال في مجال الطاقة، وأنه عمل في مجالات الطاقة النووية والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية والنفط والغاز.
وأضاف: "الأهم من ذلك، أن كريس كان أحد الرواد الذين ساهموا في إطلاق ثورة الغاز الصخري الأميركية، التي عززت استقلال الطاقة الأميركية وغيرت أسواق الطاقة العالمية".
وتقدم شركة ليبرتي إنرجي الخدمات والتكنولوجيا للشركات العاملة في مجال التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي وإنتاجهما على اليابسة.
وعن عمل مجلس الطاقة الوطني المستحدث، ذكر ترامب أن المجلس يتألف من الإدارات والوكالات ذات الصلة بالسماح بجميع أنواع الطاقة الأميركية وإنتاجها وتوزيعها وتنظيمها ونقلها.
وأشار إلى أن مجلس الطاقة سيحد من البيروقراطية، ويزيد من استثمارات القطاع الخاص في جميع قطاعات الاقتصاد ويركز على الابتكار بدلا من اللوائح التنظيمية غير ضرورية على الإطلاق.
من كريس رايت؟ وما مواقفه؟ رايت هو الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "ليبرتي إنرجي" لخدمات الطاقة. يعتبر رايت من دعاة الوقود الأحفوري ومن الشخصيات التي لا تعترف بأزمة تغير المناخ عالميا، إذ قال في مقطع فيديو العام الماضي على منصة لينكدإن "ليس ثمة شيء اسمه أزمة مناخ". من المتوقع أن يدعم رايت خطة ترامب لزيادة إنتاج النفط والغاز إلى أقصى حد والسعي إلى إيجاد سبل لزيادة معدل توليد الكهرباء التي تشهد ارتفاعا كبيرا في الطلب عليها لأول مرة منذ عقود. يكتب رايت -الذي لا يتمتع بأي خبرة سياسية- كثيرا عن الحاجة إلى زيادة إنتاج الوقود الأحفوري لانتشال الناس من براثن الفقر. انتقد مصطلح "التلوث الكربوني" لأن كل حياة تعتمد على ثاني أكسيد الكربون، رافضا أيضا مصطلحَي "الطاقة النظيفة والطاقة القذرة" لأن "كل مصادر الطاقة لها تأثيرات إيجابية وسلبية على العالم". برز اسم رايت بين المسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط والغاز باعتباره صاحب أسلوب جريء في اتخاذ المواقف والقرارات، ويصف نفسه بأنه مهووس بالتكنولوجيا. سيكون رايت أيضا عضوا في مجلس الطاقة الوطني الجديد الذي أعلن الرئيس المنتخب إنشاءه الجمعة. حظي ترشيحه بدعم شركات القطاع النفطي، وفق صحيفة فايننشال تايمز. مجلس وطني للطاقةوالجمعة أعلن ترامب إنشاء مجلس وطني للطاقة مهمته "الإشراف على المسار نحو هيمنة الولايات المتحدة على الطاقة"، وعيّن دوغ بورغوم حاكم نورث داكوتا رئيسا له.
وكان ترامب قد اختار أيضا بورغوم الخميس لتولي حقيبة الداخلية.
ويثير هذا الدور المزدوج قلق منظمات حماية البيئة التي تخشى من أن ينفتح بورغوم، المعروف بقربه من فاعلين في قطاع النفط والغاز، على التنقيب في الأراضي التي تتولى وزارة الداخلية المسؤولية عنها، مثل المتنزهات الوطنية.
وترشح بورغوم في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، لكنه سرعان ما انسحب ليدعم ترامب، وقد كان مرشحا محتملا لمنصب نائب الرئيس.
بعد أن أصبح مليونيرا من خلال بيع شركته البرمجية لشركة مايكروسوفت، ترشح بورغوم لمنصب حاكم نورث داكوتا الواقعة في شمال الولايات المتحدة عام 2016، وفاز في انتخابات اعتبرت نتيجتها مفاجئة قبل إعادة انتخابه عام 2020.
وقد ذكر اسمه أيضا من بين المرشحين المحتملين لوزارة الطاقة، قبل أن ينتهي الأمر باختياره لتولي وزارة الداخلية ورئاسة المجلس الوطني الذي سيقدم تقاريره مباشرة إلى البيت الأبيض، ولا يتطلب تعيينه على رأسه موافقة مجلس الشيوخ.