صحيفة الاتحاد:
2025-04-07@15:45:18 GMT

سلفادور دالي.. فوق الواقع يكمُنُ الفنّ

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

ساسي جبيل 

أخبار ذات صلة الكتابات الأولى للتشكيليين الرواد.. «لوحات» من الإبداعات السردية والنقدية «بوح الغريب في مدائن زايد».. حكايات في عشق الإمارات

مازال التّساؤلُ مفتوحاً حول عظمة المنجز الفنّي التشكيلي لسلفادور دالي، وطبيعة حياته الخصبة وتناقضاتها النفسيّة، وكيف بلورت هذه السّلوكات النفسيّة طاقتها الخلاّقة لتمييز شخصيّة أربكت العالم حول مفاهيم فلسفيّة تجاوزت الفيزيقا لتقع في أرض التآويل المختلفة؟ هل أنّنا اليوم مازلنا في حاجة إلى الذّهاب إلى تلك الرغبات التحليليّة أمام نمطيّة التشكيلات البلاستيكيّة على لوحات دائماً تنظر إلى زوايا الإيجاب في أعمال دالي كمرجعيّة حركيّة لتفسير العالم الغامض.

هل للشّعر طرف في مزاوجة الإيقاع بالحركة في لغة لا تغادر إيهاماتها؟ والتلقّي يحار في إيصال القرائن بعضها البعض حتّى نرى متّفقاتٍ مبدئيّةً ترسل رسائل مجاورة يمكن جسّها. 
ولد سلفادرو دالي في11 مايو 1904 وتوفّي في 23 يناير 1989. عاش دالي مُرفهاً بين أسرة ثرية، وكان والداه يوفران له كل مطالبه. ونتيجة لدلاله المبالغ فيه فقد عُرف عنه سلوك الطائش، كدفعه صديقه عن حافة عالية كادت تقتله، أو رفسه رأس شقيقته «آنا ماريا» التي كانت تصغره بثلاث سنوات، أو تعذيب هرّة حتى الموت، واجداً في أعماله تلك متعة كبيرة كالتي كان يشعر بها حين يعذب نفسه أيضاً، حيث كان يرتمي على السلالم ويتدحرج أمام نظر الآخرين. ولعل هذه التصرفات التي أوردها سلفادور دالي في مذكراته فيما بعد هي التي شكّلت الشرارة النفسية الأولى للمذهب الفني الذي اختاره للوحاته. 

جنون العبقرية
يعتبر دالي من أهم فناني القرن العشرين، وهو أحد أعلام المدرسة السيريالية. يتميز دالي بأعماله الفنية التي تصدم المُشاهد بموضوعها وتشكيلاتها وغرابتها، وكذلك بشخصيته وتعليقاته وكتاباته غير المألوفة والتي تصل إلى حد اللامعقول والاضطراب النّفسي. وفي حياة دالي وفنّه يختلط الجنون بالعبقرية، لكن دالي يبقى مختلفاً واستثنائياً. في فوضاه، في إبداعه، في جنونه، وفي نرجسيته الشديدة وهو القائل: «لكي ترسم يجب أن تكون مجنوناً، فأنا أؤمن بأني أعظم رسامي عصري، أو على الأصح، إنهم أسوأ مني على أي حال». 
وقد تعرّف دالي عند ذهابه إلى باريس إلى الشاعر والطبيب النفسي «أندريه بريتون»(1896ـ 1966) الذي كان قد نظم في عام 1924 «البيان الأول» الذي يعتبر بمثابة الرسالة التأسيسية للسيرياليّة. وكان دالي يتحول تدريجياً إلى راية ودليل للسيريالية.. ومصطلح السيريالية وضعه عام 1917 الشاعر «غويوم أبولينير»، وتعني السيرياليةّ ما فوق الواقعية. وما فوق الواقعية هو مذهب أدبي فني فكري أراد أن يتحلل من واقع الحياة الواعية، وزعم أن فوق هذا الواقع واقع آخر أقوى فاعلية وأعظم اتساعاً، وهو واقع اللاوعي أو اللاشعور، وهو واقع مكبوت في داخل النفس البشرية، ويجب تحريره وإطلاق مكبوته وتسجيله في الأدب والفن. وتسعى السيريالية إلى إدخال مضامين غير مستقاة من الواقع التقليدي في الأعمال الأدبية. وهذه المضامين تستمد من الأحلام سواء في اليقظة أو المنام، ومن تداعي الخواطر الذي لا يخضع لمنطق السبب والنتيجة، وهكذا تعتبر السيريالية اتجاهاً يهدف إلى إبراز التناقض في حياتنا أكثر من اهتمامه بالتأليف. وقد اعتمد فنانو السيريالية على نظريات فرويد رائد التحليل النفسي، خاصة فيما يتعلق بتفسير الأحلام. كما وصف النقاد اللوحات السيريالية بأنها تلقائية فنية ونفسية تعتمد على التعبير بالألوان عن الأفكار اللاشعورية والإيمان بالقدرة الهائلة للأحلام. 

الهذيان الناقد
تخلصّت السيرياليّة من مبادئ الرسم التقليدية، وذلك بوساطة التركيبات الغربية لأجسام غير مترابطة ببعضها البعض، كما أن الانفعالات تظهر ما خلف الحقيقة البصرية الظاهرة. واعتمد السيرياليّون في تصويرهم على طريقتين، الأولى: هي الأسلوب الذي ابتكره «سلفادور دالي» ويعتمد على التجسيم الواقعي أو «الهذيان الناقد»، والذي يستخدم فيه رموز الأحلام ليرتفع بالأشكال الطبيعية إلى ما فوق الواقع المرئي، لكن مع التجسيم الطبيعي لها. والثانية: تشبه الأسلوب التكعيبي المسطح ذا البعدين، وهي أقرب إلى الأشكال التجريدية، وإن كانت تختلف عنها في أن السيريالية لا تهتم بالشكل ولا بالصور ولا بالهندسة، الأمر الذي يهتم به التجريديون. 
يمكن التسلّل إلى أعمال دالي عبر مقولات السيرياليّين حول نظرتهم للشّخصيّة المبدعة وخاصّة تلك التّي تتصّل فيها الذّات بجنون العبقريّة، فدالي تجاوز الحياة البوهيميّة إلى حياة تمارس الفعل من بابه الخاطئ ليكرّس سرديّات جديدة هي مناقضة ومنافية للمعهود حتّى يبقى دائماً في دائرة الإعجاز، ومن ثمّ ننخرط مجدّداً في مراجعة اليقينيّات حول الشّعر فعلاً مؤسّساً، ألم يقل الشاعر المفكّر الألماني «هردلين»:«إنّما الّذي يبقى، إنّما الذّي يؤسّسه الشّعراء». 
قصيدة دالي التشكليّة غرابتها المعجزة تستمدّ إيقاعها من الحلم، من المستحيل الممكن في استعارته الكبرى. أشكال مكعبّة مدوّرة تسبح في كونها الخاصّ تدفع بالنّفس إلى داخلها، وهي تعوّض أو تعلي استحقاقها التأويلي، تماماً مثلما كانت حياته تجاذباً وتنافراً مع المقادير والمعايير. هي شعريّة خاصّة أطّرت المساحات التلوينيّة على سطح اللّوحات.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الفن التشكيلي

إقرأ أيضاً:

استشاري صحة نفسية: الدراما أحد أسباب انتشار الطلاق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شدد الدكتور أحمد علام، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، على ضرورة أن تعكس الدراما الواقع، وتُناقش قضايا المجتمع بدلاً من الحديث عن مجتمعات غير موجودة على أرض الواقع، والعمل على إظهار النماذج الجيدة. 

وأضاف "علام"، خلال حواره مع الإعلامي نوح غالي، ببرنامج "كلمة حرة"، المذاع على فضائية "الشمس"، أن المسلسلات التي تتناول الموضوعات الأسرية بصورة غير واقعية تؤثر بصورة كبيرة على المشاهدين سواء كان صغارًا أو كبارًا، وهذه المسلسلات تؤدي إلى تأثيرات نفسية وسلبية كبيرة جدًا، ولذلك من الضروري عرض نماذج للمنازل الأسرية المستقرة بدلاً من عرض النماذج السيئة. 

ولفت إلى أن الجرائم التي تُعرض في الأعمال الدرامية تُقلد في الواقع بصورة كبيرة بعد ذلك، وهذا يُزيد من معدلات الجرائم مؤكدا ان أحد أسباب انتشار الطلاق هو كثرة مشاهدة الأعمال الدرامية التي تحض على الطلاق، وتُظهر الطلاق أمرًا عاديًا.

مقالات مشابهة

  • التشخيص عبر الإنترنت.. هل يُغنيك تيك توك عن زيارة الطبيب النفسي؟
  • بالتعاون مع “اليونيسف” دورة تدريبية حول مهارات الدعم النفسي للأطفال في المدارس
  • نبوءات إسحاق عظيموف… ماذا تحقق من توقعاته بعد 30 سنة؟
  • عودة برنامج الواقع المخصص للعرائس Say Yes to the Dress.. موعد ومكان العرض
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • تفاصيل امتحانات الثانوية العامة للنظامين القديم والجديد.. خبراء يقدمون روشتة نصائح للطلاب وأولياء الأمور للمذاكرة والدعم النفسي
  • خبير نفطي: استبدال الدعم لن يحل الأزمة بل يفاقمها
  • المؤتمر: مصر قادرة على مواجهة التحديات والصمود في وجه محاولات تشويه الواقع
  • استشاري صحة نفسية: الدراما أحد أسباب انتشار الطلاق
  • التأثير النفسي للعودة للعمل بعد العيد .. كيف يمكن التكيف مع الضغوط؟