سلفادور دالي.. فوق الواقع يكمُنُ الفنّ
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
ساسي جبيل
أخبار ذات صلة الكتابات الأولى للتشكيليين الرواد.. «لوحات» من الإبداعات السردية والنقدية «بوح الغريب في مدائن زايد».. حكايات في عشق الإماراتمازال التّساؤلُ مفتوحاً حول عظمة المنجز الفنّي التشكيلي لسلفادور دالي، وطبيعة حياته الخصبة وتناقضاتها النفسيّة، وكيف بلورت هذه السّلوكات النفسيّة طاقتها الخلاّقة لتمييز شخصيّة أربكت العالم حول مفاهيم فلسفيّة تجاوزت الفيزيقا لتقع في أرض التآويل المختلفة؟ هل أنّنا اليوم مازلنا في حاجة إلى الذّهاب إلى تلك الرغبات التحليليّة أمام نمطيّة التشكيلات البلاستيكيّة على لوحات دائماً تنظر إلى زوايا الإيجاب في أعمال دالي كمرجعيّة حركيّة لتفسير العالم الغامض.
ولد سلفادرو دالي في11 مايو 1904 وتوفّي في 23 يناير 1989. عاش دالي مُرفهاً بين أسرة ثرية، وكان والداه يوفران له كل مطالبه. ونتيجة لدلاله المبالغ فيه فقد عُرف عنه سلوك الطائش، كدفعه صديقه عن حافة عالية كادت تقتله، أو رفسه رأس شقيقته «آنا ماريا» التي كانت تصغره بثلاث سنوات، أو تعذيب هرّة حتى الموت، واجداً في أعماله تلك متعة كبيرة كالتي كان يشعر بها حين يعذب نفسه أيضاً، حيث كان يرتمي على السلالم ويتدحرج أمام نظر الآخرين. ولعل هذه التصرفات التي أوردها سلفادور دالي في مذكراته فيما بعد هي التي شكّلت الشرارة النفسية الأولى للمذهب الفني الذي اختاره للوحاته.
جنون العبقرية
يعتبر دالي من أهم فناني القرن العشرين، وهو أحد أعلام المدرسة السيريالية. يتميز دالي بأعماله الفنية التي تصدم المُشاهد بموضوعها وتشكيلاتها وغرابتها، وكذلك بشخصيته وتعليقاته وكتاباته غير المألوفة والتي تصل إلى حد اللامعقول والاضطراب النّفسي. وفي حياة دالي وفنّه يختلط الجنون بالعبقرية، لكن دالي يبقى مختلفاً واستثنائياً. في فوضاه، في إبداعه، في جنونه، وفي نرجسيته الشديدة وهو القائل: «لكي ترسم يجب أن تكون مجنوناً، فأنا أؤمن بأني أعظم رسامي عصري، أو على الأصح، إنهم أسوأ مني على أي حال».
وقد تعرّف دالي عند ذهابه إلى باريس إلى الشاعر والطبيب النفسي «أندريه بريتون»(1896ـ 1966) الذي كان قد نظم في عام 1924 «البيان الأول» الذي يعتبر بمثابة الرسالة التأسيسية للسيرياليّة. وكان دالي يتحول تدريجياً إلى راية ودليل للسيريالية.. ومصطلح السيريالية وضعه عام 1917 الشاعر «غويوم أبولينير»، وتعني السيرياليةّ ما فوق الواقعية. وما فوق الواقعية هو مذهب أدبي فني فكري أراد أن يتحلل من واقع الحياة الواعية، وزعم أن فوق هذا الواقع واقع آخر أقوى فاعلية وأعظم اتساعاً، وهو واقع اللاوعي أو اللاشعور، وهو واقع مكبوت في داخل النفس البشرية، ويجب تحريره وإطلاق مكبوته وتسجيله في الأدب والفن. وتسعى السيريالية إلى إدخال مضامين غير مستقاة من الواقع التقليدي في الأعمال الأدبية. وهذه المضامين تستمد من الأحلام سواء في اليقظة أو المنام، ومن تداعي الخواطر الذي لا يخضع لمنطق السبب والنتيجة، وهكذا تعتبر السيريالية اتجاهاً يهدف إلى إبراز التناقض في حياتنا أكثر من اهتمامه بالتأليف. وقد اعتمد فنانو السيريالية على نظريات فرويد رائد التحليل النفسي، خاصة فيما يتعلق بتفسير الأحلام. كما وصف النقاد اللوحات السيريالية بأنها تلقائية فنية ونفسية تعتمد على التعبير بالألوان عن الأفكار اللاشعورية والإيمان بالقدرة الهائلة للأحلام.
الهذيان الناقد
تخلصّت السيرياليّة من مبادئ الرسم التقليدية، وذلك بوساطة التركيبات الغربية لأجسام غير مترابطة ببعضها البعض، كما أن الانفعالات تظهر ما خلف الحقيقة البصرية الظاهرة. واعتمد السيرياليّون في تصويرهم على طريقتين، الأولى: هي الأسلوب الذي ابتكره «سلفادور دالي» ويعتمد على التجسيم الواقعي أو «الهذيان الناقد»، والذي يستخدم فيه رموز الأحلام ليرتفع بالأشكال الطبيعية إلى ما فوق الواقع المرئي، لكن مع التجسيم الطبيعي لها. والثانية: تشبه الأسلوب التكعيبي المسطح ذا البعدين، وهي أقرب إلى الأشكال التجريدية، وإن كانت تختلف عنها في أن السيريالية لا تهتم بالشكل ولا بالصور ولا بالهندسة، الأمر الذي يهتم به التجريديون.
يمكن التسلّل إلى أعمال دالي عبر مقولات السيرياليّين حول نظرتهم للشّخصيّة المبدعة وخاصّة تلك التّي تتصّل فيها الذّات بجنون العبقريّة، فدالي تجاوز الحياة البوهيميّة إلى حياة تمارس الفعل من بابه الخاطئ ليكرّس سرديّات جديدة هي مناقضة ومنافية للمعهود حتّى يبقى دائماً في دائرة الإعجاز، ومن ثمّ ننخرط مجدّداً في مراجعة اليقينيّات حول الشّعر فعلاً مؤسّساً، ألم يقل الشاعر المفكّر الألماني «هردلين»:«إنّما الّذي يبقى، إنّما الذّي يؤسّسه الشّعراء».
قصيدة دالي التشكليّة غرابتها المعجزة تستمدّ إيقاعها من الحلم، من المستحيل الممكن في استعارته الكبرى. أشكال مكعبّة مدوّرة تسبح في كونها الخاصّ تدفع بالنّفس إلى داخلها، وهي تعوّض أو تعلي استحقاقها التأويلي، تماماً مثلما كانت حياته تجاذباً وتنافراً مع المقادير والمعايير. هي شعريّة خاصّة أطّرت المساحات التلوينيّة على سطح اللّوحات.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الفن التشكيلي
إقرأ أيضاً:
دراسة أكاديمية حديثة تسلط الضوء على واقع الإصلاح السياسي في الأردن
#سواليف
صدر عن #الدكتور_محمد_تركي_بني_سلامة، أستاذ العلوم السياسية في #جامعة_اليرموك، بالتعاون مع الباحثين معاذ العكايلة ووشاد إيمامبوكوس من جامعة دي مونتفورت في المملكة المتحدة، #دراسة #أكاديمية جديدة تحت عنوان “مشاريع #الإصلاح في #الأردن: فجر عهد جديد أم فرص مستمرة مهدورة؟”. هذه الدراسة، التي تم نشرها في مجلة World Affairs الدولية المرموقة، تقدم تحليلاً شاملًا لمسار الإصلاح السياسي في الأردن، مع التركيز على الإنجازات والتحديات التي واجهتها المملكة في عهد الملك عبد الله الثاني.
تناولت الدراسة مفهوم الإصلاح السياسي كعملية محورية لتطوير النظام السياسي وتعزيز شرعيته في ظل الضغوط الشعبية المتزايدة. وشدد الباحثون على أن الإصلاح السياسي يمثل ضرورة ملحة لمواجهة الأزمات الاقتصادية، كما أنه يشكل الأداة الأهم لاستيعاب التحولات الإقليمية والدولية وضمان الاستقرار السياسي في المملكة. وأبرزت الدراسة الأهمية الاستراتيجية للإصلاح السياسي كوسيلة لتحقيق التوازن والاستقرار السياسي .
وأشار الباحثون إلى أن الإصلاح السياسي في الأردن جاء استجابة للتحديات الداخلية المتمثلة في غياب الثقة بين المواطن والحكومة، وارتفاع سقف المطالب الشعبية للإصلاح، بالإضافة إلى التوترات الإقليمية والدولية التي أثرت بشكل مباشر على استقرار المملكة. كما أوضحت الدراسة أن الأردن، بقيادة الملك عبد الله الثاني، استطاع تكييف سياساته للتعامل مع هذه التحديات بمرونة وكفاءة.
رغم الإنجازات التي حققتها المملكة في مجال الإصلاح، أبرزت الدراسة العقبات التي تعترض طريق التحديث السياسي، مثل غياب الإرادة السياسية لدى بعض الأطراف، وضعف المؤسسات المدنية، وانتشار الفساد والبيروقراطية. كما لفتت الدراسة إلى أن مقاومة التغيير من قبل بعض النخب التقليدية تشكل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق إصلاحات شاملة ومستدامة. ومع ذلك، أشار الباحثون إلى أن التعديلات الدستورية الأخيرة والقوانين المتعلقة بالأحزاب والانتخابات تمثل فرصًا حقيقية لدفع مسيرة الإصلاح السياسي قدمًا، خصوصًا مع تعزيز مشاركة الشباب والنساء في الحياة السياسية.
وأكدت الدراسة على دور الملك عبد الله الثاني في قيادة مسيرة الإصلاح، مشيدة بجهوده لتعزيز الشفافية والمساءلة وتشجيع المشاركة السياسية. وأشارت إلى أن التعديلات الدستورية الأخيرة وقوانين الأحزاب والانتخابات تعكس التزام القيادة الأردنية بمسيرة الإصلاح، على الرغم من التحديات التي تواجه المملكة. واعتبرت الدراسة أن الملك عبد الله الثاني نجح في تحقيق توازن دقيق بين التحديث السياسي والحفاظ على الاستقرار الوطني، وهو ما ساعد الأردن على تجاوز العديد من الأزمات الإقليمية والدولية دون التأثير على أمنه الداخلي.
توصل الباحثون إلى أن التحديات التي تواجه الأردن ليست اقتصادية فقط، بل هناك حاجة ملحة لإصلاح سياسي شامل يتماشى مع تطلعات الشعب الأردني. ورغم أهمية الإصلاحات الأخيرة، أكدت الدراسة أنها لا تزال محدودة ولم ترتقِ إلى مستوى تطلعات المواطنين، مما يستدعي ضرورة تعزيز الحريات الديمقراطية وتحفيز المشاركة المدنية كوسيلة لتحقيق الإصلاح الوطني وبناء مستقبل أكثر إشراقًا.
وفي ختام الدراسة، قدم الباحثون توصيات مهمة لدعم جهود الإصلاح في الأردن، شملت تعزيز الإرادة السياسية لتحقيق إصلاحات شاملة، تحديث القوانين المتعلقة بالأحزاب والانتخابات لضمان تمثيل أوسع، تمكين الشباب سياسيًا من خلال الاستثمار في تعليمهم، ومكافحة الفساد وترسيخ مبدأ سيادة القانون لاستعادة ثقة المواطنين بالنظام السياسي. ويذكر ان
مجلة World Affairs، التي تأسست عام 1837، تُعتبر إحدى أبرز المجلات الأكاديمية العالمية التي تعنى بالقضايا السياسية والاجتماعية. إصدار هذه الدراسة في المجلة يعكس جودتها وأهميتها في تسليط الضوء على القضايا المحورية في الأردن ومنطقة الشرق الأوسط. ويعد هذا العمل إضافة جديدة إلى مسيرة الدكتور محمد تركي بني سلامة، الذي أصدر أكثر من 60 دراسة وبحثًا علميًا في مجالات الإصلاح السياسي والقضايا الإقليمية والدبلوماسية. يُعرف الدكتور بني سلامة بأبحاثه التي تسعى إلى تعزيز الفهم العميق للتحديات السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط، ونُشرت أبحاثه في أبرز المجلات العلمية الدولية.
للاطلاع على نص الدراسة كاملة، يمكن زيارة الرابط التالي:
رابط الدراسة.
https://www.researchgate.net/publication/383896176_Reform_bills_in_Jordan_A_Dawn_of_a_new_era_or_continuous_missed_opportunities
مقالات ذات صلة حوارية نقدية لرواية ” قطة فوق صفيح ساخن “ 2024/12/22