صحيفة الاتحاد:
2025-10-19@07:06:59 GMT

سلفادور دالي.. فوق الواقع يكمُنُ الفنّ

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

ساسي جبيل 

أخبار ذات صلة الكتابات الأولى للتشكيليين الرواد.. «لوحات» من الإبداعات السردية والنقدية «بوح الغريب في مدائن زايد».. حكايات في عشق الإمارات

مازال التّساؤلُ مفتوحاً حول عظمة المنجز الفنّي التشكيلي لسلفادور دالي، وطبيعة حياته الخصبة وتناقضاتها النفسيّة، وكيف بلورت هذه السّلوكات النفسيّة طاقتها الخلاّقة لتمييز شخصيّة أربكت العالم حول مفاهيم فلسفيّة تجاوزت الفيزيقا لتقع في أرض التآويل المختلفة؟ هل أنّنا اليوم مازلنا في حاجة إلى الذّهاب إلى تلك الرغبات التحليليّة أمام نمطيّة التشكيلات البلاستيكيّة على لوحات دائماً تنظر إلى زوايا الإيجاب في أعمال دالي كمرجعيّة حركيّة لتفسير العالم الغامض.

هل للشّعر طرف في مزاوجة الإيقاع بالحركة في لغة لا تغادر إيهاماتها؟ والتلقّي يحار في إيصال القرائن بعضها البعض حتّى نرى متّفقاتٍ مبدئيّةً ترسل رسائل مجاورة يمكن جسّها. 
ولد سلفادرو دالي في11 مايو 1904 وتوفّي في 23 يناير 1989. عاش دالي مُرفهاً بين أسرة ثرية، وكان والداه يوفران له كل مطالبه. ونتيجة لدلاله المبالغ فيه فقد عُرف عنه سلوك الطائش، كدفعه صديقه عن حافة عالية كادت تقتله، أو رفسه رأس شقيقته «آنا ماريا» التي كانت تصغره بثلاث سنوات، أو تعذيب هرّة حتى الموت، واجداً في أعماله تلك متعة كبيرة كالتي كان يشعر بها حين يعذب نفسه أيضاً، حيث كان يرتمي على السلالم ويتدحرج أمام نظر الآخرين. ولعل هذه التصرفات التي أوردها سلفادور دالي في مذكراته فيما بعد هي التي شكّلت الشرارة النفسية الأولى للمذهب الفني الذي اختاره للوحاته. 

جنون العبقرية
يعتبر دالي من أهم فناني القرن العشرين، وهو أحد أعلام المدرسة السيريالية. يتميز دالي بأعماله الفنية التي تصدم المُشاهد بموضوعها وتشكيلاتها وغرابتها، وكذلك بشخصيته وتعليقاته وكتاباته غير المألوفة والتي تصل إلى حد اللامعقول والاضطراب النّفسي. وفي حياة دالي وفنّه يختلط الجنون بالعبقرية، لكن دالي يبقى مختلفاً واستثنائياً. في فوضاه، في إبداعه، في جنونه، وفي نرجسيته الشديدة وهو القائل: «لكي ترسم يجب أن تكون مجنوناً، فأنا أؤمن بأني أعظم رسامي عصري، أو على الأصح، إنهم أسوأ مني على أي حال». 
وقد تعرّف دالي عند ذهابه إلى باريس إلى الشاعر والطبيب النفسي «أندريه بريتون»(1896ـ 1966) الذي كان قد نظم في عام 1924 «البيان الأول» الذي يعتبر بمثابة الرسالة التأسيسية للسيرياليّة. وكان دالي يتحول تدريجياً إلى راية ودليل للسيريالية.. ومصطلح السيريالية وضعه عام 1917 الشاعر «غويوم أبولينير»، وتعني السيرياليةّ ما فوق الواقعية. وما فوق الواقعية هو مذهب أدبي فني فكري أراد أن يتحلل من واقع الحياة الواعية، وزعم أن فوق هذا الواقع واقع آخر أقوى فاعلية وأعظم اتساعاً، وهو واقع اللاوعي أو اللاشعور، وهو واقع مكبوت في داخل النفس البشرية، ويجب تحريره وإطلاق مكبوته وتسجيله في الأدب والفن. وتسعى السيريالية إلى إدخال مضامين غير مستقاة من الواقع التقليدي في الأعمال الأدبية. وهذه المضامين تستمد من الأحلام سواء في اليقظة أو المنام، ومن تداعي الخواطر الذي لا يخضع لمنطق السبب والنتيجة، وهكذا تعتبر السيريالية اتجاهاً يهدف إلى إبراز التناقض في حياتنا أكثر من اهتمامه بالتأليف. وقد اعتمد فنانو السيريالية على نظريات فرويد رائد التحليل النفسي، خاصة فيما يتعلق بتفسير الأحلام. كما وصف النقاد اللوحات السيريالية بأنها تلقائية فنية ونفسية تعتمد على التعبير بالألوان عن الأفكار اللاشعورية والإيمان بالقدرة الهائلة للأحلام. 

الهذيان الناقد
تخلصّت السيرياليّة من مبادئ الرسم التقليدية، وذلك بوساطة التركيبات الغربية لأجسام غير مترابطة ببعضها البعض، كما أن الانفعالات تظهر ما خلف الحقيقة البصرية الظاهرة. واعتمد السيرياليّون في تصويرهم على طريقتين، الأولى: هي الأسلوب الذي ابتكره «سلفادور دالي» ويعتمد على التجسيم الواقعي أو «الهذيان الناقد»، والذي يستخدم فيه رموز الأحلام ليرتفع بالأشكال الطبيعية إلى ما فوق الواقع المرئي، لكن مع التجسيم الطبيعي لها. والثانية: تشبه الأسلوب التكعيبي المسطح ذا البعدين، وهي أقرب إلى الأشكال التجريدية، وإن كانت تختلف عنها في أن السيريالية لا تهتم بالشكل ولا بالصور ولا بالهندسة، الأمر الذي يهتم به التجريديون. 
يمكن التسلّل إلى أعمال دالي عبر مقولات السيرياليّين حول نظرتهم للشّخصيّة المبدعة وخاصّة تلك التّي تتصّل فيها الذّات بجنون العبقريّة، فدالي تجاوز الحياة البوهيميّة إلى حياة تمارس الفعل من بابه الخاطئ ليكرّس سرديّات جديدة هي مناقضة ومنافية للمعهود حتّى يبقى دائماً في دائرة الإعجاز، ومن ثمّ ننخرط مجدّداً في مراجعة اليقينيّات حول الشّعر فعلاً مؤسّساً، ألم يقل الشاعر المفكّر الألماني «هردلين»:«إنّما الّذي يبقى، إنّما الذّي يؤسّسه الشّعراء». 
قصيدة دالي التشكليّة غرابتها المعجزة تستمدّ إيقاعها من الحلم، من المستحيل الممكن في استعارته الكبرى. أشكال مكعبّة مدوّرة تسبح في كونها الخاصّ تدفع بالنّفس إلى داخلها، وهي تعوّض أو تعلي استحقاقها التأويلي، تماماً مثلما كانت حياته تجاذباً وتنافراً مع المقادير والمعايير. هي شعريّة خاصّة أطّرت المساحات التلوينيّة على سطح اللّوحات.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الفن التشكيلي

إقرأ أيضاً:

25 عاماً من «الخرافات».. كيف كذّب الواقع نبوءات المستقبل في كرة القدم؟!

معتز الشامي (أبوظبي)
في مطلع الألفية الجديدة، سُئل رئيس الفيفا آنذاك جوزيف بلاتر عما سيحدث لكرة القدم خلال القرن المقبل، أجاب بحذر: «لا أستطيع التنبؤ بمئة عام، لكن يمكنني التطلع إلى 25 عاماً فقط». واليوم، بعد مرور ربع قرن، تُظهر الوقائع أن معظم ما تنبأ به العالم الكروي حينها لم يتحقق، بل جاءت الاتجاهات مغايرة تماماً لما تخيّله الخبراء والمسؤولون.
وهو ما رصدته صحيفة «ذا أتليتك» عبر 8 نبوءات في كرة القدم لم تتحقق حتى الآن، فبعد ربع قرن من التوقعات «الطموحة»، أثبتت كرة القدم أنها أكثر وفاءً لطبيعتها من خيال محلليها، فلا القارات الجديدة كسرت الهيمنة، ولا التقنية غيّرت روح اللعبة، لأن الكرة ببساطة، كما كانت دائماً، لعبة البشر لا المستقبل.
1️- احتكار لم ينكسر
ظنّ كثيرون أن توسيع كأس العالم إلى 32 منتخباً منذ 1998 سيمنح آسيا وأفريقيا وأميركا الشمالية فرصة كسر الهيمنة التقليدية، لكن الواقع بقي كما هو، ومازالت المنتخبات التسعة الكبرى (إنجلترا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، هولندا، البرتغال، الأرجنتين، البرازيل) تتصدر قوائم الترشيحات كما في 2006، دون أي ثورة كروية جديدة من الخارج، وحتى الإنجاز الأفريقي التاريخي لم يأتِ إلا مع المغرب في نصف نهائي 2022، بمنتخب وُلد نصفه في أوروبا، فيما تراجعت قوى مثل نيجيريا والكاميرون وغانا عن الواجهة.
2- لندن بقيت في مكانها
توقّع كثيرون في تسعينيات القرن الماضي أن تغادر أندية لندن العاصمة المزدحمة إلى الضواحي أو تتشارك الملاعب لتقليل التكاليف، كما فعلت أندية تورينو وروما وميلانو. لكن العكس تماماً هو ما حدث، أرسنال، توتنهام، وستهام، برينتفورد، جميعها بنت ملاعب حديثة في نطاق المدينة دون أن تتخلى عن هويتها.
ورغم محاولات سابقة لجعل ملعب ويمبلي مشتركاً بين أرسنال وتوتنهام، بقيت الفكرة مجرد «ورق»، واليوم، 92 نادياً في الدوريات الإنجليزية الأربعة يمتلكون 92 ملعباً مختلفاً، في انتصار للهوية على الاقتصاد.
3- أسطورة «الاعتزال الدولي المبكر» 
كان يُعتقد أن ارتفاع أجور اللاعبين سيدفعهم إلى الاعتزال الدولي مبكراً للحفاظ على مسيرتهم مع الأندية، كما فعل شيرر وبيركامب في 2000، لكن الجيل الحديث أثبت العكس، فنجوم مثل ميسي ورونالدو وزلاتان عادوا بعد الاعتزال، وواصلوا اللعب حتى الأربعين، مدفوعين بشغف القميص الوطني أكثر من المال.
4- وسط الملعب و«ميدان حرب»
في مطلع القرن، ظنّ المدربون أن كرة القدم ستصبح أكثر عنفاً في الوسط، وأن زمن «المايسترو» انتهى، لكن مدرسة جوارديولا، التي منحت العالم بوسكيتس وتشافي وإنييستا، غيّرت المفهوم كلياً، وأثبتت أن الذكاء والتمرير أهم من العضلات، وحتى اليوم، يستمر مودريتش وبيرلو مثالين خالدين على انتصار المهارة على القوة.

أخبار ذات صلة تعرّف على تشكيلة شمال أفريقيا الأكثر قيمة سوقية على مر العصور الفيفا يعلن بيع أكثر من مليون تذكرة لكأس العالم 2026

5- الحلم الأميركي الكبير لم يتحقق
كان الاعتقاد السائد أن الولايات المتحدة ستصبح قوة كبرى في كرة القدم بعد مونديال 1994 وإطلاق الدوري المحلي. لكن رغم طفرة 2002 ووصولهم إلى ربع النهائي، لم ينجحوا في تكوين جيل ذهبي حقيقي. لم يحصل أي لاعب أميركي حتى الآن على صوت في تصويت الكرة الذهبية، وحتى «فريدي آدو» الذي وصفوه بـ«ميسي أميركا» اختفى قبل أن يبلغ نضجه، واليوم يظل كريستيان بوليسيتش استثناء محدوداً، فيما تراجعت حتى صناعة حراس المرمى التي كانت تميزهم.
6- الملاعب المسقوفة لم تغزُ العالم
عندما افتُتح ملعب «أمستردام أرينا» عام 1996 بسطحه المتحرك، تخيل الجميع أن مستقبل الملاعب سيكون مغلقاً بالكامل. لكن بعد 25 عاماً، لا يوجد في إنجلترا ملعب واحد بسقف متحرك، باستثناء تغطية المدرجات فقط، وتكلفة هذه التقنية العالية أوقفت الحلم، باستثناء أمثلة قليلة في ألمانيا والسويد والدنمارك وروسيا.
7- البث المدفوع لم ينتصر
في عام 1999، كانت تجربة «البث المدفوع مسبقاً» تبدو مستقبل البث الرياضي في بريطانيا، خاصة بعد نجاحها في الملاكمة. لكن مقاومة الجماهير حالت دون تحولها إلى ثقافة عامة، وانتهت التجربة في 2007، وانهارت محاولات إحيائها في موسم الجائحة 2020 بعد سخط واسع، واليوم لا يزال نظام الاشتراك الشهري التقليدي هو المسيطر، رغم كل التطور التكنولوجي.
8- غزو المدربين الأكاديميين
في مطلع الألفية، اعتُقد أن المستقبل للمدربين غير اللاعبين، على خطى فينجر ومورينيو وبينيتيز، لكن الواقع عاكس التوقعات، فالغالبية العظمى من كبار المدربين الحاليين كانوا نجوماً في الملاعب، جوارديولا، أنشيلوتي، زيدان، سيموني، ديشامب، لويس إنريكي، وحتى الجيل الجديد بقي على النهج ذاته (تشافي، ألونسو، أرتيتا)، بينما النتيجة مقولة أريجو ساكي القديمة «لست بحاجة أن تكون حصاناً لتصبح فارساً» بقيت جميلة أدبياً، لكنها لم تصمد عملياً.

 

مقالات مشابهة

  • واقع ترامب التلفزيوني
  • منة شلبي: الجمهور يذهب إلى السينما للهروب من الواقع والعيش بعالم آخر
  • بسبب تأخر فتح الطريق.. جلاوي يقوم بزيارة فُجائية لأشغال جسر دالي ابراهيم بالعاصمة
  • بعد تأخر أشغال جسر دالي إبراهيم.. جلاوي ورابحي يتنقلان إلى مكان الأشغال
  • عقب التأخر في تركيب السطح المعدني للجسر المؤدي إلى دالي إبراهيم .. جلاوي رابحي يتنقلان إلى مكان الأشغال
  • حصار واستهداف ومراكب متهالكة.. واقع الصيادين في قطاع غزة
  • الرئيس عون بحث مع صدي في واقع الكهرباء واستقبل الأسمر
  • 25 عاماً من «الخرافات».. كيف كذّب الواقع نبوءات المستقبل في كرة القدم؟!
  • في ذكرى رحيله.. يوسف وهبي أيقونة الفن العربي وصوت المسرح الذي لا ينضب
  • خبير سياسي: تقسيم سوريا أصبح واقعًا بين قوى النفوذ الدولية