صحيفة الاتحاد:
2024-11-23@22:57:51 GMT

سلفادور دالي.. فوق الواقع يكمُنُ الفنّ

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

ساسي جبيل 

أخبار ذات صلة الكتابات الأولى للتشكيليين الرواد.. «لوحات» من الإبداعات السردية والنقدية «بوح الغريب في مدائن زايد».. حكايات في عشق الإمارات

مازال التّساؤلُ مفتوحاً حول عظمة المنجز الفنّي التشكيلي لسلفادور دالي، وطبيعة حياته الخصبة وتناقضاتها النفسيّة، وكيف بلورت هذه السّلوكات النفسيّة طاقتها الخلاّقة لتمييز شخصيّة أربكت العالم حول مفاهيم فلسفيّة تجاوزت الفيزيقا لتقع في أرض التآويل المختلفة؟ هل أنّنا اليوم مازلنا في حاجة إلى الذّهاب إلى تلك الرغبات التحليليّة أمام نمطيّة التشكيلات البلاستيكيّة على لوحات دائماً تنظر إلى زوايا الإيجاب في أعمال دالي كمرجعيّة حركيّة لتفسير العالم الغامض.

هل للشّعر طرف في مزاوجة الإيقاع بالحركة في لغة لا تغادر إيهاماتها؟ والتلقّي يحار في إيصال القرائن بعضها البعض حتّى نرى متّفقاتٍ مبدئيّةً ترسل رسائل مجاورة يمكن جسّها. 
ولد سلفادرو دالي في11 مايو 1904 وتوفّي في 23 يناير 1989. عاش دالي مُرفهاً بين أسرة ثرية، وكان والداه يوفران له كل مطالبه. ونتيجة لدلاله المبالغ فيه فقد عُرف عنه سلوك الطائش، كدفعه صديقه عن حافة عالية كادت تقتله، أو رفسه رأس شقيقته «آنا ماريا» التي كانت تصغره بثلاث سنوات، أو تعذيب هرّة حتى الموت، واجداً في أعماله تلك متعة كبيرة كالتي كان يشعر بها حين يعذب نفسه أيضاً، حيث كان يرتمي على السلالم ويتدحرج أمام نظر الآخرين. ولعل هذه التصرفات التي أوردها سلفادور دالي في مذكراته فيما بعد هي التي شكّلت الشرارة النفسية الأولى للمذهب الفني الذي اختاره للوحاته. 

جنون العبقرية
يعتبر دالي من أهم فناني القرن العشرين، وهو أحد أعلام المدرسة السيريالية. يتميز دالي بأعماله الفنية التي تصدم المُشاهد بموضوعها وتشكيلاتها وغرابتها، وكذلك بشخصيته وتعليقاته وكتاباته غير المألوفة والتي تصل إلى حد اللامعقول والاضطراب النّفسي. وفي حياة دالي وفنّه يختلط الجنون بالعبقرية، لكن دالي يبقى مختلفاً واستثنائياً. في فوضاه، في إبداعه، في جنونه، وفي نرجسيته الشديدة وهو القائل: «لكي ترسم يجب أن تكون مجنوناً، فأنا أؤمن بأني أعظم رسامي عصري، أو على الأصح، إنهم أسوأ مني على أي حال». 
وقد تعرّف دالي عند ذهابه إلى باريس إلى الشاعر والطبيب النفسي «أندريه بريتون»(1896ـ 1966) الذي كان قد نظم في عام 1924 «البيان الأول» الذي يعتبر بمثابة الرسالة التأسيسية للسيرياليّة. وكان دالي يتحول تدريجياً إلى راية ودليل للسيريالية.. ومصطلح السيريالية وضعه عام 1917 الشاعر «غويوم أبولينير»، وتعني السيرياليةّ ما فوق الواقعية. وما فوق الواقعية هو مذهب أدبي فني فكري أراد أن يتحلل من واقع الحياة الواعية، وزعم أن فوق هذا الواقع واقع آخر أقوى فاعلية وأعظم اتساعاً، وهو واقع اللاوعي أو اللاشعور، وهو واقع مكبوت في داخل النفس البشرية، ويجب تحريره وإطلاق مكبوته وتسجيله في الأدب والفن. وتسعى السيريالية إلى إدخال مضامين غير مستقاة من الواقع التقليدي في الأعمال الأدبية. وهذه المضامين تستمد من الأحلام سواء في اليقظة أو المنام، ومن تداعي الخواطر الذي لا يخضع لمنطق السبب والنتيجة، وهكذا تعتبر السيريالية اتجاهاً يهدف إلى إبراز التناقض في حياتنا أكثر من اهتمامه بالتأليف. وقد اعتمد فنانو السيريالية على نظريات فرويد رائد التحليل النفسي، خاصة فيما يتعلق بتفسير الأحلام. كما وصف النقاد اللوحات السيريالية بأنها تلقائية فنية ونفسية تعتمد على التعبير بالألوان عن الأفكار اللاشعورية والإيمان بالقدرة الهائلة للأحلام. 

الهذيان الناقد
تخلصّت السيرياليّة من مبادئ الرسم التقليدية، وذلك بوساطة التركيبات الغربية لأجسام غير مترابطة ببعضها البعض، كما أن الانفعالات تظهر ما خلف الحقيقة البصرية الظاهرة. واعتمد السيرياليّون في تصويرهم على طريقتين، الأولى: هي الأسلوب الذي ابتكره «سلفادور دالي» ويعتمد على التجسيم الواقعي أو «الهذيان الناقد»، والذي يستخدم فيه رموز الأحلام ليرتفع بالأشكال الطبيعية إلى ما فوق الواقع المرئي، لكن مع التجسيم الطبيعي لها. والثانية: تشبه الأسلوب التكعيبي المسطح ذا البعدين، وهي أقرب إلى الأشكال التجريدية، وإن كانت تختلف عنها في أن السيريالية لا تهتم بالشكل ولا بالصور ولا بالهندسة، الأمر الذي يهتم به التجريديون. 
يمكن التسلّل إلى أعمال دالي عبر مقولات السيرياليّين حول نظرتهم للشّخصيّة المبدعة وخاصّة تلك التّي تتصّل فيها الذّات بجنون العبقريّة، فدالي تجاوز الحياة البوهيميّة إلى حياة تمارس الفعل من بابه الخاطئ ليكرّس سرديّات جديدة هي مناقضة ومنافية للمعهود حتّى يبقى دائماً في دائرة الإعجاز، ومن ثمّ ننخرط مجدّداً في مراجعة اليقينيّات حول الشّعر فعلاً مؤسّساً، ألم يقل الشاعر المفكّر الألماني «هردلين»:«إنّما الّذي يبقى، إنّما الذّي يؤسّسه الشّعراء». 
قصيدة دالي التشكليّة غرابتها المعجزة تستمدّ إيقاعها من الحلم، من المستحيل الممكن في استعارته الكبرى. أشكال مكعبّة مدوّرة تسبح في كونها الخاصّ تدفع بالنّفس إلى داخلها، وهي تعوّض أو تعلي استحقاقها التأويلي، تماماً مثلما كانت حياته تجاذباً وتنافراً مع المقادير والمعايير. هي شعريّة خاصّة أطّرت المساحات التلوينيّة على سطح اللّوحات.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الفن التشكيلي

إقرأ أيضاً:

ناشط إسرائيلي: إسرائيل تعيش واقع الأبرتهايد منذ وقت طويل

قال الرئيس السابق لمنظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية، حجاي إلعاد، إن واقع "الفصل العنصري "الأبرتهايد" في دولة الاحتلال الإسرائيلي "لا يزال قائما"، مشيرا إلى أنه لا يختلف عن الواقع الذي وصفه توماس فريدمان، كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز".

وأشار إلعاد في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" العبرية، إلى أن فريدمان أدلى بتصريحات في مقابلة بعد أيام من فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة، قال خلالها إن "أكثر ما يُخشى على إسرائيل هو ترامب"،

واعتبر فريدمان أن ترامب سيعزز سياسات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكدا أنه سيقول له: "افعل كل ما تريد، قم بضم هذا، واحتل هذا، وستبقى إسرائيل مع 7 ملايين يهودي"، وهو ما وصفه فريدمان بأنه قد يؤدي إلى "احتلال أكثر من 7 ملايين عربي".

إلا أن إلعاد يرى أن هذا التصريح لا يعدو أن يكون وصفا دقيقا للواقع الذي تعيشه "إسرائيل" وفلسطين حاليا. ففي تصوره، ما وصفه فريدمان كـ"مستقبل" بائس ليس إلا مجرد تجسيد للواقع الحالي الذي تعيشه إسرائيل منذ وقت طويل، حيث يتمتع 7 ملايين يهودي في إسرائيل بحقوق كاملة في مقابل 7 ملايين فلسطيني محرومين من حقوقهم الأساسية.


وفي هذا السياق، انتقد إلعاد المواقف الأمريكية تجاه الوضع في فلسطين، لا سيما تصريحات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تدعي التزامها بحقوق الإنسان، مشددا على أن هذه التصريحات لا تعكس الواقع الفعلي، حيث دعمت الإدارة الأمريكية إسرائيل عسكريا ودبلوماسيا، ما مكنها من ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين دون أي مساءلة حقيقية.

وأضاف الكاتب أن الإدارة الأمريكية لم تتخذ أي خطوات جدية ضد إسرائيل رغم الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها في قطاع غزة والضفة الغربية.

وتطرق إلعاد في مقاله إلى حركة “غير ملزمين” التي تأسست في ميشيغان، حيث طالبت الحركة مؤيديها بعدم التصويت لصالح إدارة بايدن قبل الانتخابات الأمريكية، احتجاجا على مواقفها المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ودعا الكاتب إلى ضرورة أن تتخذ الولايات المتحدة مواقف أكثر وضوحا لحماية الفلسطينيين وضمان حقوقهم، مشيرا إلى أن مواقف الحزب الديمقراطي، الذي يُفترض أنه يدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، قد تخلت عن هذه القيم في تعاطيها مع قضايا الفلسطينيين.


وانتقد إلعاد في مقاله بشدة المواقف الليبرالية التي يتم ترديدها من قبل السياسيين والصحافيين الأمريكيين، والتي تدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن دون أن تجد لها صدى في السياسات الفعلية أو في مواقف الحكومة الأمريكية تجاه "إسرائيل".

وقال إنه في حين تتحدث الإدارة الأمريكية عن حقوق الإنسان والديمقراطية، فإن ممارساتها تساهم بشكل غير مباشر في دعم الأفعال الإسرائيلية التي تُعتبر جرائم حرب بحق الفلسطينيين.

وأضاف أن الجمهور يرى ما وراء الاكاذيب الليبرالية ويرفضها، موضحا أن "النتيجة كما هو متوقع رئيس ديكتاتور. لكن مع ذلك، بقينا مع التحذير من مستقبل يمكن فيه لإسرائيل أن تفعل ما تريده، في حين أنها في الواقع هي تفعل ما تشاء أصلا، مع سياسيين ليبراليين لا يلتزمون بحقوق الإنسان، ويتم تكرار أقوالهم من قبل صحافيين ليبراليين لا يلتزمون بالوقائع".

مقالات مشابهة

  • أربع ورديات.. واقع الإنسان المعاصر في مجموعة مروة غزاوي
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • حين يتكلم الأسد عن المقاومة
  • انتحار ستة جنود اسرائيليين وإخضاع آلاف آخرين للعلاج النفسي بسبب حرب غزة
  • ناشط إسرائيلي: إسرائيل تعيش واقع الأبرتهايد منذ وقت طويل
  • في سبيل الإستقلال الفعليّ.. ذكرى محبطة في واقع محتلّ
  • نقد الواقع  وتعديله
  • "الإمارات للخدمات الصحية" تستعرض جهود تصفير البيروقراطية في مجال العلاج النفسي
  • ليلى مراد.. قيثارة الغناء التي تركت بصمتها في السينما ورحلت في صمت
  • في ذكرى وفاتها.. سهير البابلي نجمة الفن التي أضاءت المسرح والشاشة