صحيفة الاتحاد:
2025-04-07@19:18:32 GMT

محمد عزيز الحبابي.. والفلسفة الشخصانية

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

الفاهم محمد

أخبار ذات صلة ألمانيا تؤكد استعدادها لتقديم المزيد من الدعم لليبيا والمغرب فريق البحث والإنقاذ الإماراتي ينهي مهمته الإنسانية في المغرب

عُرف بأنه أول عربي يرشح لجائزة نوبل للآداب سنة 1987 قبل أن يفوز بها لاحقاً نجيب محفوظ. كما عرف بكونه أول عميد للجامعة المغربية، وأول من أسس الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، واتحاد كتاب المغرب.

غير أن كل هذه المعطيات لا تعكس وحدها مكانة الرجل حيث يمكن أيضاً أن ينسب إليه الفضل في استئناف القول الفلسفي في العالم العربي بعد ابن خلدون وابن رشد.
إنه الفيلسوف والروائي والشاعر العربي المغربي محمد عزيز الحبابي 1922- 1993 الذي ارتبط اسمه بتأسيس الشخصانية كاتجاه فلسفي في العالم العربي والإسلامي. والشخصانية فلسفة عالمية تندرج ضمنها مجموعة من الأسماء الشهيرة مثل شارل رينوفييه، وإمانويل مونييه في فرنسا. وأدوارد شيفلد برايتمان في أميركا ونيكولا برديائيف في روسيا.
وينتمي الحبابي لعائلة مغربية فاسية عريقة، سبق للعديد من أفرادها أن كانوا أساتذة في جامعة القرويين. وهو خريج جامعة السوربون، بأطروحة عنوانها: «من الكائن إلى الشخص» سنة 1954. وبعد ذلك ألّف عدة كتب مثل: «من الحريات إلى التحرر» 1956، و«من المغلق إلى المفتوح» 1961 ثم «الشخصية الإسلامية» 1964. وخلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، انتقل الحبابي نحو معانقة قضايا تهم العالم الثالث حيث كتب: «عالم الغد.. اتهامات العالم الثالث» 1980. و«أزمة القيم» 1987، هذا إضافة إلى بعض الأعمال الروائية والشعرية.

مراقي الذات
لقد حاول محمد عزيز الحبابي تقديم فلسفة تتلاءم مع واقع العالم العربي، وعلى رغم أنها تعود بجذورها إلى المرجعية الغربية وبالخصوص إمانويل مونييه، إلا أن الحبابي استطاع تبْيئة أفكاره، بما يساير واقع شعوب العالم الثالث عموماً والعالم العربي خصوصاً، وهو يسمي هذه الفلسفة «الشخصانية الواقعية» فما هي الأسس النظرية لهذا الاتجاه؟ وبأي معنى تطمح هذه الفلسفة إلى أنسنة الإنسان وتحرره وانعتاقه؟
بصفة عامة ينظر الحبابي إلى الشخص باعتباره محور وأساس النظر الفلسفي، فهو عبارة عن قيمة سامية يعلو بذاته عن كل الإكراهات المادية، التي لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تفرغه من إرادته ووعيه وجوهره الروحي.
وإذا كانت الماركسية تركز على تغيير العالم، فإن الشخصانية الواقعية تطالب بضرورة تغيير الفرد، بما يسمح له بتأكيد ذاته في الواقع. والشخص الذي يتحدث عنه الحبابي ليس فرداً منعزلاً، وبنية مغلقة مكتفية بذاتها. بل هو على العكس من ذلك ذات منفتحة على الآخرين، في علاقة جدلية يسودها التأثير والتأثر. ويطلق الحبابي على هذا المضمون الإيجابي للشخص مفهوم التشخصُن La personnification. إنه ذلك الطموح والرغبة في السمو التي تدفع الإنسان إلى مفارقة المعطى الجاهز، كي يدخل في سيرورة نمائية تكوينية، تجعله يعيش ثلاثة مراقٍ هي كما يلي:
أولاً: الكائن. هو ذلك الفرد الذي لم تتحدد صفاته بعد، فهو غفل بلا اسم ولا هوية خاصة. كما لو كان قطعة خاماً، أو قماشة لم تتخذ بعد أي شكل. وإضافة إلى هذا يتميز الكائن بضيق أفقه الذهني، فوعيُه محدود بمحدودية المكان الذي ينتمي إليه. إنه على سبيل المثال ابن قريته، لا يعرف عن العالم إلا ما يدور في محيطه، تابع للشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها. إذا قالت نعم، يقول هو أيضاً: نعم. وإذا قالت لا يردد هو بدوره: لا.
ثانياً: الشخص. إلا أن هذا الكائن الخام بما هو إنسان واعٍ، لا يظل محصوراً في كائنيته، بل يسعى إلى التطور والتعالي بذاته، خارج محدودية واقعه. فالتشخصُن إذن هو هذا النزوع الذي يدفع المرء، كي يحقق إمكانات تجعله متميزاً بذاته. إنه الآن لم يعد ابن شريحته، بل هو ابن وطنه، لأن بإمكانه ملامسة قضايا تتجاوز النطاق المحلي الضيق.
ثالثاً: الإنسان. ومع ذلك فالشخص ليس هو منتهى التطور الذي يمكن أن يبلغه الكائن، لأن هناك مرحلة أخرى أكثر رقياً يسميها الإنسانية، وفيها يصبح المرء قادراً على أن يعانق الإنسانية جمعاء. إنه الآن ابن الكرة الأرضية، مواطن عالمي بإمكانه الدفاع عن قضايا إنسانية مصيرية تهمّ الإنسان أينما كان.
وهكذا نلمس أن الحبابي حاول بناء تصور فلسفي للشخصانية الواقعية، التي ترتبط بالواقع العيني للشخص، ككينونة تسعى للرقي وتأكيد الذات في صلة مباشرة بالمجتمع والآخر، ساعية باستمرار نحو التحرر، ذلك أن الحرية في نظر الحبابي ليست مجرد مفهوم ميتافيزيقي، أو شعور وجداني باطني، بل هي فعل ملموس يسعى إلى بناء الشخص ودفعه للانخراط بشكل إيجابي في المجتمع.

الشخصانية الإسلامية
ويرى الحبابي، أن هناك تواشجات وتقاطعات كثيرة، بين الشخصانية الواقعية والإسلام. لقد سعى الإسلام إلى تحرير الإنسان. فبعد أن كان الفرد خلال المرحلة الجاهلية منغلقاً داخل عشيرته، أصبح الآن ينتصر لأمته. فالرابطة هنا ليست عشائرية، بل هي رابطة روحية. ومع ذلك لا يسعى الحبابي إلى تقديم تصور باطني روحي للشخص، فأن يكون الفرد مسلماً فهذا معناه أن عليه أن يبحث عن تحقيق ذاته في الواقع، وعن ذلك يقول: «يحيا المسلم حياة إسلامية حقيقية، عندما يعي ذاته كشعور متجسم في العالم، وعندما يلتزم بالبحث صادقاً عن واقعه الشخصي»، (الشخصانية الإسلامية ص 10).
ويدعو الحبابي الفرد المسلم إلى ضرورة الانفتاح على المعرفة، ليس فقط من خلال العلوم الشرعية، بل يجب عليه الاهتمام أيضاً بالعلوم الطبيعية ذلك أن: «المؤمن بطبيعته كائن علمي» (الشخصانية الإسلامية ص 41)، وهذا لا يعني أننا سنهمل الجوانب الروحية، ونقتصر فقط على العلوم الطبيعية الدقيقة، فالمغالاة في هذه الأخيرة هي التي دفعت بعض المجتمعات المعاصرة إلى السقوط في الشخصية البروموثيوسية (ص 41). 
وفي نظر الحبابي أن الفرد عندما ينطق  بالشهادة فهو يعلن أنه مستقل بذاته وقادر على التفكير والتمييز، ولكنه على عكس الكوجيتو الديكارتي الذي يظل محصوراً في أناه، فإن ثقافة الإنسان المسلم تدفعه إلى الانفتاح الروحي على الكون وتأمل المخلوقات جميعاً، وهذا هو ما يطلق عليه الحبابي الكوجيتو المعكوس (ص 42).

الغَدِية وما بعد الكولونيالية
في كتابه «عالم الغد.. العالم الثالث يتهم»، يحاول الحبابي تشخيص بعض الأوضاع التي صنعها الاستعمار، وما زال العالم الثالث يرزح تحت وطأتها. ومن هنا وجب على هذا العالم الكفاح من أجل تجاوز التبعية والتخلف الحضاري، وعليه بناء مستقبل أفضل له. ويسمي الحبابي الفلسفة التي بإمكانها أن تهيئنا للمستقبل بالغدية، وهو يميزها عن الدراسات المستقبلية الاستراتيجية، لأن هذه الفلسفة الغدية تهتم بالتطور الروحي والأخلاقي للإنسان.

فلسفة إنسانية
صحيح أن الاقتصاد والتقانة استطاعا معاً تنمية الأوضاع البشرية من الناحية المادية، إلا أن هناك العديد من المظاهر التي قد تمس كرامة الإنسان وتضر بمصالحه. ومن ذلك على سبيل المثال ارتفاع المديونية والمجاعة، وسوء التغذية إضافة إلى البطالة والتفاوت بين العالم القروي والحضري. وهكذا فالفلسفة الغدية إذن فلسفة إنسانية، من حيث إنها تهتم ليس فقط بالجانب المادي والتقني، بل أيضاً بالجانب الأخلاقي والاجتماعي.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: جائزة نوبل المغرب العالم العربی العالم الثالث

إقرأ أيضاً:

«الخارجية الفلسطينية»: العالم خذل أطفال فلسطين في ظل صمته عن معاناتهم التي لا تنتهي

أكدت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية وقوفها أمام معاناة لا يمكن تجاهلها، حيث يواجه أطفال فلسطين أخطر الانتهاكات والجرائم نتيجة الاحتلال الإسرائيلي المستمر وأدواته الاجرامية، الذي حرمهم أبسط حقوقهم في الحياة، والعيش بسلام وأمان.

وقالت الخارجية - في بيان اليوم السبت بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني - إن الاحتلال الاستعماري سلب الأطفال طفولتهم، ويمنعهم من ممارسة أبسط حقوقهم القانونية أسوة بأطفال العالم - حسبما ذكرت وكالة الانباء الفلسطينية.

وبحسب التقارير الأممية، فإن 15 طفلا في قطاع غزة يصاب باليوم الواحد بإعاقات دائمة نتيجة استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي لأسلحة متفجرة محظورة دوليا.

ولفتت الخارجية، إلى أن هؤلاء الأطفال يواجهون كارثة مضاعفة بسبب الإعاقة الجسدية والنفسية، وانهيار النظام الصحي نتيجة التدمير المتعمد للمستشفيات واستهداف الكوادر الطبية، ومنع دخول الامدادات الطبية والأطراف الصناعية.

وأوضحت أن الحرب تسببت بالتهجير والنزوح القسري لأكثر من مليون طفل، وطال الاستهداف الإسرائيلي المناطق المدنية المحمية بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني والتي تشمل المنازل والمدارس والجامعات، ما تسبب بحرمان 700 ألف طالب وطالبة من ممارسة حقهم في التعليم، حيث أن الاستهداف الإسرائيلي المتعمد للقطاع التعليمي والكوادر التعليمية هو شكل من أشكال الإبادة الثقافية التي تهدف إلى تفكيك البنية التعليمية والثقافية في دولة فلسطين.

وطالبت الوزارة، المجتمع الدولي، ومنظمات حقوق الانسان، والأمم المتحدة، بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، واتخاذ تدابير فورية لوقف حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية وجرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المستعمرين بحق أبناء شعبنا، وضمان حماية الشعب الفلسطيني بمن فيهم الأطفال على وجه الخصوص، وعدم استثنائهم من الحماية الدولية، إضافة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمحاسبة إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، على جرائمها غير الإنسانية بحق شعبنا.

اقرأ أيضاًفي يوم الطفل الفلسطيني.. أكثر من 39 ألف يتيم في قطاع غزة

معجزة إلهية.. الطفل الفلسطيني سند بلبل يخرج حيا من تحت الركام

مقالات مشابهة

  • السودان ليس جزيرة معزولة عن العالم بل في إنتظار بروميثيوس من أجل كسر دوائره الخبيثة
  • محمد بن زايد: الإمارات ماضية في تعزيز نهجها الذي يضع الصحة في قمة الأولويات التنموية
  • رئيس الدولة: الإمارات ماضية في تعزيز نهجها الذي يضع الصحة في قمة الأولويات التنموية
  • ماكرون في مصر| ما الذي تقدمه هذه الزيارة؟.. محمد أبو شامة يوضح
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: غزة وحقوق الإنسان
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • من هي ابتهال أبو السعد التي فضحت عملاق التكنولوجيا في العالم؟
  • رئيس الوزراء: امريكا ستخسر امام شعبنا الذي اذهل العالم
  • «الخارجية الفلسطينية»: العالم خذل أطفال فلسطين في ظل صمته عن معاناتهم التي لا تنتهي
  • الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن