محمد عزيز الحبابي.. والفلسفة الشخصانية
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
الفاهم محمد
أخبار ذات صلةعُرف بأنه أول عربي يرشح لجائزة نوبل للآداب سنة 1987 قبل أن يفوز بها لاحقاً نجيب محفوظ. كما عرف بكونه أول عميد للجامعة المغربية، وأول من أسس الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، واتحاد كتاب المغرب.
إنه الفيلسوف والروائي والشاعر العربي المغربي محمد عزيز الحبابي 1922- 1993 الذي ارتبط اسمه بتأسيس الشخصانية كاتجاه فلسفي في العالم العربي والإسلامي. والشخصانية فلسفة عالمية تندرج ضمنها مجموعة من الأسماء الشهيرة مثل شارل رينوفييه، وإمانويل مونييه في فرنسا. وأدوارد شيفلد برايتمان في أميركا ونيكولا برديائيف في روسيا.
وينتمي الحبابي لعائلة مغربية فاسية عريقة، سبق للعديد من أفرادها أن كانوا أساتذة في جامعة القرويين. وهو خريج جامعة السوربون، بأطروحة عنوانها: «من الكائن إلى الشخص» سنة 1954. وبعد ذلك ألّف عدة كتب مثل: «من الحريات إلى التحرر» 1956، و«من المغلق إلى المفتوح» 1961 ثم «الشخصية الإسلامية» 1964. وخلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، انتقل الحبابي نحو معانقة قضايا تهم العالم الثالث حيث كتب: «عالم الغد.. اتهامات العالم الثالث» 1980. و«أزمة القيم» 1987، هذا إضافة إلى بعض الأعمال الروائية والشعرية.
مراقي الذات
لقد حاول محمد عزيز الحبابي تقديم فلسفة تتلاءم مع واقع العالم العربي، وعلى رغم أنها تعود بجذورها إلى المرجعية الغربية وبالخصوص إمانويل مونييه، إلا أن الحبابي استطاع تبْيئة أفكاره، بما يساير واقع شعوب العالم الثالث عموماً والعالم العربي خصوصاً، وهو يسمي هذه الفلسفة «الشخصانية الواقعية» فما هي الأسس النظرية لهذا الاتجاه؟ وبأي معنى تطمح هذه الفلسفة إلى أنسنة الإنسان وتحرره وانعتاقه؟
بصفة عامة ينظر الحبابي إلى الشخص باعتباره محور وأساس النظر الفلسفي، فهو عبارة عن قيمة سامية يعلو بذاته عن كل الإكراهات المادية، التي لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تفرغه من إرادته ووعيه وجوهره الروحي.
وإذا كانت الماركسية تركز على تغيير العالم، فإن الشخصانية الواقعية تطالب بضرورة تغيير الفرد، بما يسمح له بتأكيد ذاته في الواقع. والشخص الذي يتحدث عنه الحبابي ليس فرداً منعزلاً، وبنية مغلقة مكتفية بذاتها. بل هو على العكس من ذلك ذات منفتحة على الآخرين، في علاقة جدلية يسودها التأثير والتأثر. ويطلق الحبابي على هذا المضمون الإيجابي للشخص مفهوم التشخصُن La personnification. إنه ذلك الطموح والرغبة في السمو التي تدفع الإنسان إلى مفارقة المعطى الجاهز، كي يدخل في سيرورة نمائية تكوينية، تجعله يعيش ثلاثة مراقٍ هي كما يلي:
أولاً: الكائن. هو ذلك الفرد الذي لم تتحدد صفاته بعد، فهو غفل بلا اسم ولا هوية خاصة. كما لو كان قطعة خاماً، أو قماشة لم تتخذ بعد أي شكل. وإضافة إلى هذا يتميز الكائن بضيق أفقه الذهني، فوعيُه محدود بمحدودية المكان الذي ينتمي إليه. إنه على سبيل المثال ابن قريته، لا يعرف عن العالم إلا ما يدور في محيطه، تابع للشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها. إذا قالت نعم، يقول هو أيضاً: نعم. وإذا قالت لا يردد هو بدوره: لا.
ثانياً: الشخص. إلا أن هذا الكائن الخام بما هو إنسان واعٍ، لا يظل محصوراً في كائنيته، بل يسعى إلى التطور والتعالي بذاته، خارج محدودية واقعه. فالتشخصُن إذن هو هذا النزوع الذي يدفع المرء، كي يحقق إمكانات تجعله متميزاً بذاته. إنه الآن لم يعد ابن شريحته، بل هو ابن وطنه، لأن بإمكانه ملامسة قضايا تتجاوز النطاق المحلي الضيق.
ثالثاً: الإنسان. ومع ذلك فالشخص ليس هو منتهى التطور الذي يمكن أن يبلغه الكائن، لأن هناك مرحلة أخرى أكثر رقياً يسميها الإنسانية، وفيها يصبح المرء قادراً على أن يعانق الإنسانية جمعاء. إنه الآن ابن الكرة الأرضية، مواطن عالمي بإمكانه الدفاع عن قضايا إنسانية مصيرية تهمّ الإنسان أينما كان.
وهكذا نلمس أن الحبابي حاول بناء تصور فلسفي للشخصانية الواقعية، التي ترتبط بالواقع العيني للشخص، ككينونة تسعى للرقي وتأكيد الذات في صلة مباشرة بالمجتمع والآخر، ساعية باستمرار نحو التحرر، ذلك أن الحرية في نظر الحبابي ليست مجرد مفهوم ميتافيزيقي، أو شعور وجداني باطني، بل هي فعل ملموس يسعى إلى بناء الشخص ودفعه للانخراط بشكل إيجابي في المجتمع.
الشخصانية الإسلامية
ويرى الحبابي، أن هناك تواشجات وتقاطعات كثيرة، بين الشخصانية الواقعية والإسلام. لقد سعى الإسلام إلى تحرير الإنسان. فبعد أن كان الفرد خلال المرحلة الجاهلية منغلقاً داخل عشيرته، أصبح الآن ينتصر لأمته. فالرابطة هنا ليست عشائرية، بل هي رابطة روحية. ومع ذلك لا يسعى الحبابي إلى تقديم تصور باطني روحي للشخص، فأن يكون الفرد مسلماً فهذا معناه أن عليه أن يبحث عن تحقيق ذاته في الواقع، وعن ذلك يقول: «يحيا المسلم حياة إسلامية حقيقية، عندما يعي ذاته كشعور متجسم في العالم، وعندما يلتزم بالبحث صادقاً عن واقعه الشخصي»، (الشخصانية الإسلامية ص 10).
ويدعو الحبابي الفرد المسلم إلى ضرورة الانفتاح على المعرفة، ليس فقط من خلال العلوم الشرعية، بل يجب عليه الاهتمام أيضاً بالعلوم الطبيعية ذلك أن: «المؤمن بطبيعته كائن علمي» (الشخصانية الإسلامية ص 41)، وهذا لا يعني أننا سنهمل الجوانب الروحية، ونقتصر فقط على العلوم الطبيعية الدقيقة، فالمغالاة في هذه الأخيرة هي التي دفعت بعض المجتمعات المعاصرة إلى السقوط في الشخصية البروموثيوسية (ص 41).
وفي نظر الحبابي أن الفرد عندما ينطق بالشهادة فهو يعلن أنه مستقل بذاته وقادر على التفكير والتمييز، ولكنه على عكس الكوجيتو الديكارتي الذي يظل محصوراً في أناه، فإن ثقافة الإنسان المسلم تدفعه إلى الانفتاح الروحي على الكون وتأمل المخلوقات جميعاً، وهذا هو ما يطلق عليه الحبابي الكوجيتو المعكوس (ص 42).
الغَدِية وما بعد الكولونيالية
في كتابه «عالم الغد.. العالم الثالث يتهم»، يحاول الحبابي تشخيص بعض الأوضاع التي صنعها الاستعمار، وما زال العالم الثالث يرزح تحت وطأتها. ومن هنا وجب على هذا العالم الكفاح من أجل تجاوز التبعية والتخلف الحضاري، وعليه بناء مستقبل أفضل له. ويسمي الحبابي الفلسفة التي بإمكانها أن تهيئنا للمستقبل بالغدية، وهو يميزها عن الدراسات المستقبلية الاستراتيجية، لأن هذه الفلسفة الغدية تهتم بالتطور الروحي والأخلاقي للإنسان.
فلسفة إنسانية
صحيح أن الاقتصاد والتقانة استطاعا معاً تنمية الأوضاع البشرية من الناحية المادية، إلا أن هناك العديد من المظاهر التي قد تمس كرامة الإنسان وتضر بمصالحه. ومن ذلك على سبيل المثال ارتفاع المديونية والمجاعة، وسوء التغذية إضافة إلى البطالة والتفاوت بين العالم القروي والحضري. وهكذا فالفلسفة الغدية إذن فلسفة إنسانية، من حيث إنها تهتم ليس فقط بالجانب المادي والتقني، بل أيضاً بالجانب الأخلاقي والاجتماعي.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: جائزة نوبل المغرب العالم العربی العالم الثالث
إقرأ أيضاً:
الخارجية تنظم ندوة بمناسبة إطلاق التقرير الرابع لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
شارك النائب محمد عبد العزيز وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين في الندوة التي نظمتها وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، لإطلاق التقرير الرابع لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، حيث حضرها د. بدر عبد العاطى وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، بصفته رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، والمستشار عدنان فنجري وزير العدل، والدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي، والمستشار محمود فوزي وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، والنائب طارق رضوان رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، والسفير محمود كارم رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، ورؤساء وممثلي المجالس المختلفة أعضاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، وعدد من كبار المسؤولين وممثلى منظمات المجتمع المدني والبعثات الأجنبية في القاهرة.
وأشاد النائب محمد عبد العزيز بالجهود الدبلوماسية الكبيرة التي بذلتها مصر على مدار عامين في الوساطة للتوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث توجت تلك الجهود بمؤتمر شرم الشيخ للسلام والتوصل لوقف إطلاق النار واستمرار إدخال المساعدات الانسانية، مؤكدا ضرورة تكثيف الجهود من أجل العمل على التعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع قطاع غزة وفقا للخطة المصرية العربية والإسلامية.
كما أكد النائب محمد عبد العزيز على النجاحات التي تحققت من الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان الأولى (٢٠٢١-٢٠٢٦)، مشيرا أنه ونحن نتجه حسب توجيهات السيد الرئيس لإطلاق استراتيجية وطنية جديدة أن نبدأ من التحديات التي صاحبت الاستراتيجية الأولى، صحيح أنه حدث تقدم كبير لكن لا يزال أمامنا تحديات تحتاج لمزيد من العمل المشترك، مؤكدا لضرورة أن نبدأ من اليوم مشاورات وحوار حول هذه الاستراتيجية الجديدة مع المجتمع المدني والمجلس القومي لحقوق الإنسان وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ وكافة الخبراء في مجال حقوق الإنسان، وضرورة أن تتضمن الاستراتيجية الجديدة أدوات لقياس الأثر وجداول زمنية واضحة للتنفيذ.
كما طالب النائب محمد عبد العزيز سرعة إدخال تعديلات تشريعية على قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان بما يحقق مزيد من استقلاله المالي والإداري، ويعزز توافقه مع مبادئ باريس، والعمل المستمر على تعزيز دوره باعتباره المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، كما اوضح النائب محمد عبد العزيز ضرورة الحوار في مشروعات القوانين التي تأتي تنفيذا لمواد الدستور مثل العمل على إصدار قانون يجرم التمييز وغيرها.