لن تكون الهند الدولة الأولى التي تغير اسمها
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
يكون اسم الدولة عادة مشبعا بقرون من تاريخها وثقافتها، وقد يجسد هوية شعبها، ولذلك يعد تغيير اسم الدولة خطوة بارزة، عادة ما يكون لها دلالات سياسية.
ولهذا السبب شدّ انتباه الحاضرين في الاجتماع الأخير لمجموعة العشرين في الهند، عندما بدا رئيس الوزراء (ناريندرا مودي) واضحا بشدة عند ذكر اسم الهند بالاسم الهندي والسنسكريتي البديل لها وهو: بهارات.
في القمة، جلس مودي خلف لوحة تحمل اسم الدولة المضيفة باسم بهارات، وكانت دعوة سابقة لحضور مأدبة لكبار الشخصيات الزائرين موجهة من «رئيس بهارات»، كما وزّع كتيب على ضيوف مجموعة العشرين تحت عنوان «بهارات: أم الديمقراطية».
والسؤال الذي كان يدور في أذهان الجميع: هل كان مودي يمهد الطريق للتغيير الرسمي لاسم الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم؟
لن يكون هذا مفاجئا إطلاقا إذا صدر عن رئيس الوزراء مودي، الذي يُسمى حزبه السياسي حزب (بهاراتيا جاناتا)، ويعني باللغة الهندية (حزب الشعب الهندي). كان اسم (بهارات) بالإضافة إلى (الهند) الاسمين المعترف بهما رسميا للبلاد منذ الاستقلال عن بريطانيا العظمى، بعد رفض الاسم الثالث المقترح، (هندوستان)، ويستعمل العديد من الهنود الاسمين بالتبادل عند التحدث باللغات واللهجات المتعددة السائدة في البلاد، على الرغم من أن «الهند» هو الاسم الشائع باللغة الإنجليزية.
إنّ أي تغيير محتمل في الاسم يأتي على خلفية صعود القومية الهندوسية على حساب الأقليات الأخرى، والتي أججها مودي وحزب (بهاراتيا جاناتا) منذ وصوله إلى السلطة في عام 2014.
كثيرا ما كانت المشاعر القومية والمعادية للغرب سببا وراء تغيير أسماء البلدان، خاصة تلك التي أطلق عليها المستعمر تلك الأسماء، فهي أداة مساعدة للزعماء السياسيين الذين يسعون إلى تعزيز شرعيتهم من خلال تأجيج المشاعر المناهضة للاستعمار وغرس الشعور بالوطنية.
ففي أفريقيا، على سبيل المثال، عندما استولى ضابط عسكري متوسط الرتبة يدعى (جوزيف موبوتو) على السلطة في انقلاب عام 1965 في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أطلق حملة سماها «الأصالة» تهدف إلى إزالة بقايا الماضي الاستعماري البلجيكي للبلاد، حيث أُمر المواطنون بتغيير أسمائهم الأوروبية إلى أسماء أفريقية، وأصبح اسم موبوتو نفسه (موبوتو سيسي سيكو كوكو نغبيندو وا زا بانجا)، وهو ما يعني «المحارب القوي الذي، بسبب قدرته على التحمل وإرادته غير المرنة على الفوز، ينتقل من غزو إلى غزو، ويترك النار في أعقابه». كما قام بتغيير اسم البلاد إلى جمهورية زائير، وهي وصف لنهر الكونغو العظيم في لغة الكونغو، إلا أنه في العام 1997، أطاح جيش متمرد بموبوتو، وسرعان ما أعيد اسم البلاد إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، فالمنتصر هو دائما من يملك حق تسمية البلد.
وعلى نحو مماثل، قام الجنرالات العسكريون الذين يحكمون (بورما) بتغيير اسم البلاد إلى (ميانمار) في عام 1989، كوسيلة لمحاولة إضفاء الشرعية على استيلائهم على السلطة بعد عام من مقتل الآلاف من المتظاهرين في الانتفاضة المناهضة للحكومة. لعقود من الزمن، كانت البلاد تُعرف باسم (بورما) على اسم المجموعة العرقية المهيمنة، ويقول قادة المجلس العسكري إن تغيير الاسم كان ضروريا للانفصال عن الماضي الاستعماري وليكون أكثر شمولا للأقليات العرقية غير البورمية.
تعترف الأمم المتحدة الآن رسميا باسم ميانمار، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تستخدم اسم بورما، لأنها لا تعترف بشرعية الحكومة التي غيرت الاسم.
وفي عام 2018، قام ملك سوازيلاند (مسواتي الثالث) بتغيير اسم بلاده من جانب واحد إلى (إيسواتيني) بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلالها عن بريطانيا، وهو يعني «أرض الشعب السوازيلندي» باللغة السوازيلية.
وقامت دول أخرى بتغيير أسمائها لأسباب لا علاقة لها بالتخلص من نير الاستعمار، فجمهورية مقدونيا أصبحت جمهورية مقدونيا الشمالية في عام 2018 لإنهاء نزاع استمرّ عقودا مع اليونان، التي لديها منطقة تحمل الاسم نفسه، وكان هذا الأمر يمنع البلاد من الدخول في عضوية حلف شمال الأطلسي حتى تغير الاسم. أما جمهورية التشيك، فكان لديها سبب عملي أكثر لتغيير الاسم، فقد كان الاسم الموروث عند تفكك جمهورية تشيكوسلوفاكيا صعب النطق، ولم يكن أحد يعرف ما هو الاختصار الإنجليزي الذي يجب استعماله للإشارة إلى المواطنين، وهكذا أصبحت التشيك.
ولكن لماذا يفكر مودي في تغيير الهند إلى بهارات؟ ولماذا الآن؟
مع استعداد مجموعة البريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا للتوسع وإضافة الأرجنتين ومصر، من بين دول أخرى، ربما كان مودي يأمل في أن يؤدي التحول إلى بهارات إلى حجز مكان للهند بالقرب من رأس الترتيب الأبجدي.
وإلى جانب جذب قاعدته القومية الهندوسية، يبدو أن رئيس الوزراء يدفعه أيضًا مزيج من الغضب والنفعية السياسية الواضحة قبل الانتخابات المقررة بحلول شهر مايو المقبل، فقد أعلن أكثر من عشرين حزبا معارضا في يوليو أنهم وحدوا قواهم في الانتخابات المقبلة لمحاولة الإطاحة بحزب (بهاراتيا جاناتا) الذي يتزعمه مودي. يطلق التحالف الجديد على نفسه اسم (التحالف التنموي الوطني الهندي الشامل)، ومن المفارقة العجيبة أن اختصار اسم الحزب باللغة الإنجليزية عند أخذ الحرف الأول من كلّ كلمة من اسم الحزب يكون (إنديا) أي الهند، ولذلك واستغلالا لهذا الاختصار، عدّت المعارضة الانتخابات المقبلة بمثابة اختبار «لمودي في مواجهة الهند»، بينما رد (مودي) على ذلك بتشبيه التحالف بشركة الهند الشرقية للشاي في القرن التاسع عشر، والتي كانت مسؤولة عن استعمار البلاد.
لو افترضنا أن اسم الهند قد غُيّر رسميا، أظن أن كثيرين في مختلف أنحاء العالم سوف يشيرون دائما إلى دولة بهارات باسم دولة الهند، مثلما يشير الفيتناميون الجنوبيون (وبعض جيل طفرة المواليد في الولايات المتحدة) إلى مدينة هوشي منه باسم «سايجون»، أو بالطريقة التي لا يزال العديد من البريطانيين، بما في ذلك الحاكم الاستعماري الأخير لهونج كونج، (كريس باتن)، يطلقون على العاصمة الصينية اسم «بيكينج». أنا شخصيا ما زلت غير قادر على استخدام اسم «رونالد ريغان» للإشارة إلى المطار المفضل في عاصمتنا، فهو سيظل دائما في نظري مطار واشنطن الوطني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اسم الدولة تغییر اسم فی عام
إقرأ أيضاً:
«فين لين عمو؟».. طفلة فلسطينية تتلقى أنباء استشهاد 3 صديقات صباحا ومساءً
مُزق قلبه 21 مرة، حين استشهد 20 شخصًا من أسرته، والكسرة الأخيرة عندما جاءته طفلة عمرها 13 عامًا، تسأله عن ابنتيه اللتين استشهدتا منذ نحو عام تقريبًا، برصاص الاحتلال الإسرائيلي.
كان مهند سكيك، داخل بيته وسط قطاع غزة، وسمع أحدًا يطرق بابه، وحين فتح وجد طفلة صغيرة تقف أمامه، وتسأله بلهجة فلسطينية: «عمو في هون واحدة صاحبتي اسمها لين.. بدي العب معها».
أجاب «مهند» أن ابنته نائمة، لكن الطفلة عادت لتسأله عن شقيقتها قائلة: «طيب وأختها الشقراء وين.. اسمها لما»، ليرد عليها الأب بسؤال آخر عن علاقتها ببناته، ومنذ متى لم تراهما؟
بلهفة كبيرة واشتياق يظهر على ملامحها، قالت الطفلة إنها صديقتهما من المدرسة، وجاءت إلى وسط غزة نازحة رفقة أسرتها، وآخر مرة تواصلت مع إحداهما قبل الحرب عبر تطبيق «واتساب»، ومن وقتها لا تعلم شيئا عن صديقتيها.
يروي الأب لـ«الوطن» شعوره حين تحدثت الطفلة عن بناته: «هنا خفق القلب واقشعر البدن ومكثت حائرا للحظات ماذا أرد عليها؟.. وقلت لها تقصدين لين وألما، قالت ايوة هما وحده قمحاوية و التانية شقراء، قلت لها أنا والدهم بس هما نايمين».
الأب يخبر الطفلة باستشهاد ابنتيهلم يقدر الأب «مهند» على كتم دموعه، إلا لثوان قليلة، حتى عاد موجها حديثه لصديقة ابنتيه: «لين وألما استشهدوا».
حدقت الطفلة عينيها لأعلى، وعادت مسرعة إلى بيتها باكية ترتجف في أحضان والدتها، و«مهند» يسير ورائها مسرعًا ليعرف بيتها، حتى وصل إلى والد صديقة ابنتيه، ليعرف منه أن الطفلة تلقت صدمتين في يوم واحد.
والد الطفلة أبلغ «مهند» أن ابنته ذهبت صباحًا لإحدى بيوت عائلة «عمار»، تسأل عن صديقتها، لتجد أنها استشهدت، وعادت عصرًا إلى بيته لين وألما، لتجد أنهما استشهدتا أيضًا، ما جعل تدخل في حالة من البكاء الشديد.
ينوي «مهند» الذهاب صباحًا إلى بيت الطفلة، التي لم يعرف اسمها من هول الموقف، لتقديم لها هدية، تساعدها على تحمل الصدمة النفسية، مضيفًا: «المشكله الصدمة صدمتين، كانت عند بيت صاحبتها أيضا بنفس الشارع ولقيتها مستشهدة، وجاية تحكي لبناتي عن صاحبتها اللي استشهدت، ولقت بناتي أيضا استشهدوا».
«مهند» فقد 20 شهيدا من أسرتهصدمة «مهند» ليست هينة، فهو فقد 20 شخصًا من أسرته، من بينهم أولاده الثلاثة «أنس، لين، ألما»، والدته وزوجته وإخوته وأبنائي إخوته وزوجاتهم.