لجريدة عمان:
2025-05-01@19:30:25 GMT

الوعـي الذاتي والصـور النمطية

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

قد يتـوسـل إلى الوعي الذاتي بوعي الأنا آخرها في ضعة وجوده، أو قـل فيما تحسب أنه من عوامل تفـوق نموذجها الحضاري والاجتماعي على نموذجه، وبالتالي، من عوامل اتضاع مركزه. أما طريقتها المناسبة لمثل هذا «البحث» فهي المقارنة والمضاهاة بين النموذجين، ولكن لا على نحو محايد واستكشافي، هذه المرة، بل على نحو اغتراضي أو مغـترض يسهل على الدارس كشـفه من غير كبير عناء.

هكذا لا يأتي «اكتشاف» التفـوق الذاتي نتيجة لعملية موضوعية من البحث والتمحيص، وإنما يساق الاكتشاف ذاك على سبيل الابتداه، أي بوصفه بديهة، ثم يبدأ في «الاستدلال» على ذلك بعملية توتولوجية! وما أغنانا عن القول إن «المقارنة»، في هذه الحال، ليست مقارنة على الحقيقة؛ لأنها مبنية على عدم التوازن في قواعدها وشروطها، وهي -لذلك السبب- لا تعدو أن تكون انتقائية، تستـل من نموذج أفضل ما فيه من الموارد وتستل من الثاني أسوأ ما فيه منها فتقابل بينهما! وغير خاف أن الانتقائية فعـل أيديولوجي بامتياز؛ حيث مبناه على لعبة الإخفاء/ التلميع: تظهير عناصر وظواهر وأبعاد بعينها -يستحسن تظهيرها- وطمس أخرى يستـقـبح إبرازها!

ما من حاجة بنا إلى الإفاضة والتنفيل لبيان اتصال هذه الكيفية من وعي الآخر، في ثقافتنا اليوم، بتقليد مديد من رفـض الآخـر وإنكاره والحط من موروثه درج على التعبير عنه، في الثقافة الإسلامية، منذ نجحت الثقافة النصية في أن تحاصر تيارات العقل والاجتهاد وتـشنع على مصادرها اليونانية والخارجية عامة.

إن هذه الكيفية من الوعي تكاد أن تستأنف مضارباتها الأيديولوجية مع الآخر -المخالف في الملة- التي كانت قد بدأتها جدتها في العهد الكلاسيكي، وتكاد أن تسير على مطمارها حذفارا. بيد أنه إن دقـقنا النظر في ما وراء أزعومة تفـوق الأنا، وما وراء لوثة التمركز الذاتي، سيظهرنا التمعن على حالة سيكولوجية (لئلا نقول پاثولوجية) تعيشها هذه الأنا المعاصرة: هي حالة الشعور بالانكسار. لكنها لا تفصح عن نفسها بما هي كذلك، بل تنعكس في صورة تفـوق هو اسم مستعار لمكابـرة عنيدة ضد الاعتراف بالأمر الواقع! لنـقل، إذن، إن الأمر يتعلق بميكانيزم دفاعي تلجأ إليه الأنا فرارا بنفسها من وطأة ذلك الشعور السلبي الثقيل.

وقد يتوسل إلى ذلك الوعي (الذاتي) بوعي الأنا آخـرها بوصفه متفوقا وموطنا للقوة التي لا قبل للأنا بموازتها ولا بكف آثارها. غير أن وراء هذه الكيفية من وعي الآخر وجها ثانيا مطموسا أو، على الأقـل، غير مفصوح عنه، هو النظر (الذاتي) إلى الأنا بما هي تجسيد للنقص والقصور والضعف، الأمر الذي ينجم منه وعي شقي، ويتولد معه استعداد ذاتي -أو قابلية- لاستبطان الهزيمة واجترار مشاعر الانكسار والدونية واحتقار الذات، أي استدعاء سائر المشاعر التي تنشأ من سيكولوجيا مازوشية مريضة. من النافل القول إن مثل هذه البيئة النـفسية الكليمة هو ما يصبح مناسبا لانتعاش ظواهر اجتماعية وثقافية طفيلية من قبيل الميل إلى تقليد الآخر (= الغالب) واحتذائـه وائتـثاره في الفكر والسلوك والقيم والـنظم...إلخ!

هذا ضرب من الوعي الذاتي متولـد، هو الآخـر، من فعل المقارنة بين الأنا والآخر. ولقد يكون أسوأ ما في هذه المقارنة أنها تركب لقضيتها مركبا مختلفا، وشديد الإيذاء للذات في بعض الأحيان، حيث تنصرف إلى وضع مواطن قـوة الآخـر في كـفة مقابل مـواطن ضعف الأنا في كفة ثانية. وإذا كان ما هو في حكم المحمود في هذا الوعي أن وعي الأنا، هنا، يتخلص من الأسباب التي تدعو إلى إبداء الشعور بالمكابـرة -من حيث هي، مثلما قلنا، آلية دفاعية ضد الاعتراف بالهزيمة والأمر الواقع- فإن المذموم فيه أنه قد يسوق نفسه، في حالات أخـر، إلى ما هو أسوأ بكثير من المكابرة: إلى جلد الذات والتحقير الذاتي المرضي المتمادي في مرضيـته إلى حدود إنكارية وانتحارية! في هذا النوع من الوعي، يتحول التماهي مع الآخـر وإعدام الأنا، أو تحقيرها في الحد الأقـل، إلى مسلك وحيد إلى تحقيق «التـوازن» وإلى الشعور بالإيجابية! وما أغنانا عن القول إن دعاة خطاب التغربـن والقطيعة الكاملة مع الموروث الثقافي والحضاري هم أشد من يتمسكون بهذا المعتقـد الأيديولوجي، وأكثر من يعبر عن هذا الضرب من الوعي الشقي بالأنا والآخـر في الثـقافة العربية اليوم.

يتولد من كل كيفية من كيفيات الوعي (بالأنا والآخـر) خطاب قائم الذات ومطابق. لا يقتصر مدار كـل خطاب منها على الأنا والآخـر، وما يقع إنتاجه حولهما من صور نمطية فحسب، بل يجاوز ذلك بحيث يتناول العالم المحيط، والماضي (التراث) والحاضر (الحداثة) أيضا، مؤديـا وظائف أيديولوجية متعددة التجليات: إنكار، اعتراف، انغلاق، انفتاح، ممانعة واستنهاض، حوار، تنوير... إلخ. وما أغنانا عن القول إن الامتـناع عن التـفكير في ما وراء المقـول -مـما يخـفيه الفعـل الأيديولوجي- لا يؤدينا إلى إحسان فهم أغراض أي من تلك الخطابات على التحقيق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الوعی

إقرأ أيضاً:

بنك مسقط يواصل جهود تعزيز الوعي حول الثقافة الماليّة ضمن مبادرة أكاديمية "ماليات"

 

 

 

 

مسقط- الرؤية

يُواصل بنك مسقط- المؤسّسة الماليّة الرائدة في سلطنة عُمان- تعزيز ريادته في مجال الشمول المالي ونشر الوعي حول الثقافة الماليّة، مؤكدا التزامه بدعم التنمية المُستدامة وتمكين مختلف شرائح المجتمع. وبالتزامن مع فعاليات حملة أسبوع المال العالمي الذي أقيم خلال الفترة من 20-24 أبريل الحالي وبمناسبة اليوم العربي للشمول المالي الذي يصادف 27 أبريل من كل عام، نظّم البنك مؤخّرا بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم عددا من الورش التدريبيّة لطلبة وطالبات مدارس مختلفة من محافظات السلطنة وذلك ضمن مبادرة أكاديمية "ماليات" من بنك مسقط.

ويأتي تنظيم الورش في إطار التزام البنك بنشر الثقافة المالية لدى الطلبة والطالبات بهدف تعزيز مهاراتهم في إدارة الموارد المالية واتخاذ قرارات مالية سليمة، إذ تعد هذه المبادرة جزءاً من استراتيجية البنك الشاملة لتعزيز الوعي المالي وتقديم حلول مصرفية مبتكرة تدعم الشمول المالي وتساهم في بناء مجتمع أكثر وعياً واستقراراً مالياً.

ويعدّ تعزيز الوعي بالثقافة المالية ضرورة من ضرورات الحياة وأحد أبرز مفاتيح الاستقرار المادي لأفراد المجتمع عامّة، في عالم تتسارع فيه وتيرة التغيرات الاقتصادية وتتنوع فيه مصادر الدخل والإنفاق. وتساهم الثقافة الماليّة في تمكين الأفراد من إدارة شؤون الحياة بإدارة ماليّة صحيحة واتخاذ قرارات مالية حكيمة وتمهيد السبل والطرق المختلفة للادخار والاستثمار.

ولا تقتصر الثقافة المالية على معرفة أساسيات الحساب أو القدرة على إعداد ميزانية شهرية، بل تتعداها إلى فهم أعمق لمفاهيم مختلفة مثل العائد والمخاطرة، وأهمية التخطيط المالي، ومهارات الادخار الذكي، وخيارات التمويل الآمن، بل وحتى آليات التعامل مع الأزمات المالية الشخصية. ولعل من أبرز أوجه أهمية الوعي المالي أنه يُسهم في بناء مواطن اقتصادي واعٍ، يدرك أثر قراراته الفردية في عجلة الاقتصاد الوطني، ويُشارك بفعالية في تنمية مجتمعه عبر إنفاق واستثمارات مدروسة.

وتأتي الورش التدريبية ضمن التعاون الفاعل القائم بين بنك مسقط ووزارة التربية والتعليم للعام الثالث على التوالي ضمن مبادرات أكاديمية "ماليات"- وهي إحدى مبادرات المسؤولية المجتمعية لبنك مسقط- والذي أفضى منذ إطلاقه في عام 2023 إلى تدريب أكثر من 130 مدرباً ومدربة من المعلّمين وأخصائي ومعلمي التوجيه المهني ممّن يمثلون جميع المحافظات التعليمية بالسلطنة. ودرّب هؤلاء الأخصّائيّون زملاءهم في المدارس التي شملها البرنامج ليتجاوز عددهم 488 معلماً ومعلمة ممن قدّموا البرنامج إلى أكثر من 23 ألف طالب وطالبة في أكثر من 400 مدرسة من مختلف ولايات ومحافظات السلطنة.

وقال طالب بن سيف المخمري مدير العلاقات المجتمعية والإعلامية ببنك مسقط: "سعداء بهذه الشراكة مع وزارة التربية والتعليم في تنفيذ واحد من أهم برامج المسؤولية المجتمعية للبنك، لما له من أثر كبير في تنمية المعرفة لدى طلبة المدارس وتعزيز مهاراتهم في الثقافة والإدارة المالية، كما أن ترسيخ مفاهيم الثقافة المالية يساهم في إعداد الأجيال الصاعدة إعدادا جيّدا منذ سن مبكرة بما يمكنهم من تحمل مسؤوليات الحياة المالية بثقة وذكاء ويحدّ من السلوكيات الاستهلاكية السلبية ويعزز من قدرة الأفراد على تحقيق الاستقلال المالي، لذلك يحرص بنك مسقط على غرس هذا المفهوم لدى الأفراد وتعريفهم بالأساليب الحديثة في تنمية وإدارة الأموال بالشكل الصحيح بحيث تتحسن مقدرة الأفراد مع مرور الوقت على إدارة مخصصاتهم المالية بطريقة أفضل".

وأضاف المخمري أن نشر الوعي المالي وتعزيزه من خلال المناهج التعليمية، ووسائل الإعلام، والبرامج التثقيفية، هو استثمار طويل الأمد في الفرد وأساس لبناء لمجتمع قويّ اقتصاديًا، متزن ماليًا، قادر على مواجهة التحديات وبرؤية بعيدة المدى، موضّحا أن تنظيم الورش التدريبية تأتي لتضيف بعدا آخر للمبادرة من خلال الاستثمار في تدريب المدربين من معلمين وأخصائيي التوجيه المهني من مختلف المحافظات، ونحن نتطلّع هذا العام إلى تحقيق الأهداف المرجوّة للمبادرة من خلال مواصلة تقديم المزيد من الورش التدريبيّة في مختلف مدارس محافظات السلطنة.

وتُعد مبادرة أكاديمية "ماليات" إحدى مبادرات الاستدامة والمسؤوليّة الاجتماعيّة من بنك مسقط وتركّز على تعزيز الثقافة المالية لفئة الصغار  وإمدادهم بالمهارات الأساسية اللازمة لإدارة الشؤون المالية المختلفة واتخاذ قرارات إنفاق حكيمة منذ وقت مبكّر، حيث يساعد امتلاك مفاهيم الثقافة الماليّة على إعداد أنفسهم للمستقبل، خاصة في ظل المتغيرات الاقتصادية الحاليّة والتي يترتّب عليها انعكاسات على الاستقرار المالي للأفراد والأسر.

 بالإضافة إلى ذلك، يوفّر بنك مسقط برنامج "ماليات" وهو منصة إلكترونية مجانية معنيّة بتقديم دورات حول الثقافة المالية وتستهدف أفراد المجتمع من مختلف الفئات العمريّة بما فيها الأفراد من ذوي الإعاقة السمعيّة والبصريّة. وهذا البرنامج أحد مبادرات الاستدامة والمسؤوليّة الاجتماعيّة من بنك مسقط ويركّز على تعزيز الثقافة المالية لمختلف شرائح المجتمع، وذلك ضمن برامج ومبادرات المسؤولية الاجتماعية والاستدامة أحد أبرز الركائز الأساسيّة التي يهدف البنك إلى تنفيذها وتطويرها بشكل دائم. واستفاد من البرنامج حتى الآن أكثر من 32700 فردٍ من فئات اجتماعية مختلفة.

مقالات مشابهة

  • أين يقع الوعي في الدماغ؟ دراسة جديدة تحاول الإجابة
  • جمهورية الكونغو الديمقراطية تدعم مغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي
  • ملتقى الإعلام المالي يستعرض جهود تعزيز الوعي بالسياسات المالية
  • مؤتمر التحالف من أجل الحكم الذاتي في الداخلة يدعو إلى تجديد المقاربة الأممية بخصوص النزاع في الصحراء
  • وزير الصحة: الدولة تتجه لتوطين صناعة الدواء وتحقيق الاكتفاء الذاتي
  • بالفيديو والصور: عشرات الشهداء والإصابات في قطاع غزة اليوم
  • بنك مسقط يواصل جهود تعزيز الوعي حول الثقافة الماليّة ضمن مبادرة أكاديمية "ماليات"
  • أبو العينين: نأمل في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الاستكشافات البترولية
  • ناهد السباعي تكسر الصورة النمطية: "كنت محصورة في أدوار الفتاة الشعبية.. واليوم أختار ما يشبهني
  • افتتاحية - معارض الكتب.. أعراس الوعي الإنساني