لجريدة عمان:
2024-12-27@18:42:55 GMT

الوعـي الذاتي والصـور النمطية

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

قد يتـوسـل إلى الوعي الذاتي بوعي الأنا آخرها في ضعة وجوده، أو قـل فيما تحسب أنه من عوامل تفـوق نموذجها الحضاري والاجتماعي على نموذجه، وبالتالي، من عوامل اتضاع مركزه. أما طريقتها المناسبة لمثل هذا «البحث» فهي المقارنة والمضاهاة بين النموذجين، ولكن لا على نحو محايد واستكشافي، هذه المرة، بل على نحو اغتراضي أو مغـترض يسهل على الدارس كشـفه من غير كبير عناء.

هكذا لا يأتي «اكتشاف» التفـوق الذاتي نتيجة لعملية موضوعية من البحث والتمحيص، وإنما يساق الاكتشاف ذاك على سبيل الابتداه، أي بوصفه بديهة، ثم يبدأ في «الاستدلال» على ذلك بعملية توتولوجية! وما أغنانا عن القول إن «المقارنة»، في هذه الحال، ليست مقارنة على الحقيقة؛ لأنها مبنية على عدم التوازن في قواعدها وشروطها، وهي -لذلك السبب- لا تعدو أن تكون انتقائية، تستـل من نموذج أفضل ما فيه من الموارد وتستل من الثاني أسوأ ما فيه منها فتقابل بينهما! وغير خاف أن الانتقائية فعـل أيديولوجي بامتياز؛ حيث مبناه على لعبة الإخفاء/ التلميع: تظهير عناصر وظواهر وأبعاد بعينها -يستحسن تظهيرها- وطمس أخرى يستـقـبح إبرازها!

ما من حاجة بنا إلى الإفاضة والتنفيل لبيان اتصال هذه الكيفية من وعي الآخر، في ثقافتنا اليوم، بتقليد مديد من رفـض الآخـر وإنكاره والحط من موروثه درج على التعبير عنه، في الثقافة الإسلامية، منذ نجحت الثقافة النصية في أن تحاصر تيارات العقل والاجتهاد وتـشنع على مصادرها اليونانية والخارجية عامة.

إن هذه الكيفية من الوعي تكاد أن تستأنف مضارباتها الأيديولوجية مع الآخر -المخالف في الملة- التي كانت قد بدأتها جدتها في العهد الكلاسيكي، وتكاد أن تسير على مطمارها حذفارا. بيد أنه إن دقـقنا النظر في ما وراء أزعومة تفـوق الأنا، وما وراء لوثة التمركز الذاتي، سيظهرنا التمعن على حالة سيكولوجية (لئلا نقول پاثولوجية) تعيشها هذه الأنا المعاصرة: هي حالة الشعور بالانكسار. لكنها لا تفصح عن نفسها بما هي كذلك، بل تنعكس في صورة تفـوق هو اسم مستعار لمكابـرة عنيدة ضد الاعتراف بالأمر الواقع! لنـقل، إذن، إن الأمر يتعلق بميكانيزم دفاعي تلجأ إليه الأنا فرارا بنفسها من وطأة ذلك الشعور السلبي الثقيل.

وقد يتوسل إلى ذلك الوعي (الذاتي) بوعي الأنا آخـرها بوصفه متفوقا وموطنا للقوة التي لا قبل للأنا بموازتها ولا بكف آثارها. غير أن وراء هذه الكيفية من وعي الآخر وجها ثانيا مطموسا أو، على الأقـل، غير مفصوح عنه، هو النظر (الذاتي) إلى الأنا بما هي تجسيد للنقص والقصور والضعف، الأمر الذي ينجم منه وعي شقي، ويتولد معه استعداد ذاتي -أو قابلية- لاستبطان الهزيمة واجترار مشاعر الانكسار والدونية واحتقار الذات، أي استدعاء سائر المشاعر التي تنشأ من سيكولوجيا مازوشية مريضة. من النافل القول إن مثل هذه البيئة النـفسية الكليمة هو ما يصبح مناسبا لانتعاش ظواهر اجتماعية وثقافية طفيلية من قبيل الميل إلى تقليد الآخر (= الغالب) واحتذائـه وائتـثاره في الفكر والسلوك والقيم والـنظم...إلخ!

هذا ضرب من الوعي الذاتي متولـد، هو الآخـر، من فعل المقارنة بين الأنا والآخر. ولقد يكون أسوأ ما في هذه المقارنة أنها تركب لقضيتها مركبا مختلفا، وشديد الإيذاء للذات في بعض الأحيان، حيث تنصرف إلى وضع مواطن قـوة الآخـر في كـفة مقابل مـواطن ضعف الأنا في كفة ثانية. وإذا كان ما هو في حكم المحمود في هذا الوعي أن وعي الأنا، هنا، يتخلص من الأسباب التي تدعو إلى إبداء الشعور بالمكابـرة -من حيث هي، مثلما قلنا، آلية دفاعية ضد الاعتراف بالهزيمة والأمر الواقع- فإن المذموم فيه أنه قد يسوق نفسه، في حالات أخـر، إلى ما هو أسوأ بكثير من المكابرة: إلى جلد الذات والتحقير الذاتي المرضي المتمادي في مرضيـته إلى حدود إنكارية وانتحارية! في هذا النوع من الوعي، يتحول التماهي مع الآخـر وإعدام الأنا، أو تحقيرها في الحد الأقـل، إلى مسلك وحيد إلى تحقيق «التـوازن» وإلى الشعور بالإيجابية! وما أغنانا عن القول إن دعاة خطاب التغربـن والقطيعة الكاملة مع الموروث الثقافي والحضاري هم أشد من يتمسكون بهذا المعتقـد الأيديولوجي، وأكثر من يعبر عن هذا الضرب من الوعي الشقي بالأنا والآخـر في الثـقافة العربية اليوم.

يتولد من كل كيفية من كيفيات الوعي (بالأنا والآخـر) خطاب قائم الذات ومطابق. لا يقتصر مدار كـل خطاب منها على الأنا والآخـر، وما يقع إنتاجه حولهما من صور نمطية فحسب، بل يجاوز ذلك بحيث يتناول العالم المحيط، والماضي (التراث) والحاضر (الحداثة) أيضا، مؤديـا وظائف أيديولوجية متعددة التجليات: إنكار، اعتراف، انغلاق، انفتاح، ممانعة واستنهاض، حوار، تنوير... إلخ. وما أغنانا عن القول إن الامتـناع عن التـفكير في ما وراء المقـول -مـما يخـفيه الفعـل الأيديولوجي- لا يؤدينا إلى إحسان فهم أغراض أي من تلك الخطابات على التحقيق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الوعی

إقرأ أيضاً:

الزمالك يبدأ التفاوض لإعادة ميشالاك إلى أحد السعودي

فتحت إدارة نادي الزمالك خطوط اتصال مع نظيرتها في نادي أحد السعودي لبحث إمكانية فسخ التعاقد مع كونراد ميشالاك وعودته للأخير خلال الانتقالات الشتوية المقبلة.

مران الزمالك.. تدريبات قويه لرباعى حراس المرمى مران الزمالك.. المغربى بن تايك يبدأ المرحلة الثانية للتأهيل

وقال الإعلامي محمد شبانة خلال برنامجه "من الآخر" والمذاع عبر راديو شعبي إف إم: " ميشالاك يتقاضى ما يقارب مليون و٦٠٠ ألف دولار يتحمل نصفهم نادي الزمالك والنصف الآخر رئيس نادي أحد وهو رقم يتحمله الزمالك دون استفادة حقيقية من اللاعب ".

موعد مباراة الزمالك القادمة ضد الاتحاد السكندري

ويستعد فريق الزمالك لمواجهة نظيره الاتحاد السكندري يوم الأحد المقبل الموافق 29 ديسمبر على ملعب ستاد القاهرة الدولي، ضمن منافسات الجولة السابعة من الدوري المصري الممتاز.

ومن المقرر أن تنطلق صافرة بدء المباراة في تمام الساعة 8:00 مساءً بتوقيت القاهرة ومكة المكرمة، وستذاع عبر قناة أون سبورت الرياضية المصرية الحاصلة على حقوق بث الدوري الممتاز.

مقالات مشابهة

  • محلل سياسي: هدف المسلحين في مالي إنشاء دولة أزواد المتمتعة بالحكم الذاتي
  • شبانة: مفاجأة.. الزمالك يفاوض أحد السعودي على عودة ميشالاك
  • مرصد الأزهر ينظم فعالية بجامعة طنطا لتعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية ومفهوم الحرية
  • الزمالك يبدأ التفاوض لإعادة ميشالاك إلى أحد السعودي
  • شبانة: الزمالك يفاوض أحد السعودي على عودة ميشالاك
  • ننشر هوية الصحفيين الـ 5 .. شهداء القصف الإسرائيلي بالنصيرات.. الأسماء والصور
  • كيف احتفلت أصالة بالكريسماس؟.. بكت أمام «بابا نويل»
  • وزير الثقافة يؤكد الحرص على الارتقاء بالوعي للدفع بالأسر نحو الاكتفاء الذاتي
  • أموال وديون ضائعة
  • الآخر بيننا.. حوارات مع مستشرقين ومترجمين من العالم