لجريدة عمان:
2025-02-09@01:47:25 GMT

في معنى فساد البحر

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

حياة البشر كما أرادها الله، هي من حيث الأصل ابتلاء واختبار للإنسان من حيث كونه إنسانا؛ فالله سبحانه وتعالى هو «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» وهذا الاختبار يعني أن من مقتضيات هذه الحياة البشرية في كل مكان وزمان، أن تكون حياةً لبشر منحهم الله الإرادة والحرية من ناحية، وركب فيهم كذلك غرائز وعواطف مختلفة تنعكس عبرها أعمالهم في توظيف الخير والشر، من ناحية ثانية.

وهكذا فإن حدث خلق الإنسان الأول (آدم) كان قد جر معه حديثا عن أمرين هما من لوازم حياة البشر في هذه الأرض، وهو ما ذكر في القرآن في قول الملائكة قبل خلق آدم: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ» فالفساد وسفك الدماء هما ظاهرتان ملازمتان لطبيعة الحياة الإنسانية، وهنا يكمن اختبار الإنسان وإرادته الحرة عبر العقل الذي منحه له الخالق، فالابتلاء هدفه جعل الإنسان مختارا في فعل الخير والشر مع إمكان القدرة على فعل الخير والشر في الوقت ذاته.

وسنجد كذلك في آية أخرى من القرآن قوله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ». ولعل من الغريب في تفسير هذه الآية أن مفسري القرآن الأوائل من أمثال الطبري، خرجوا في تفسيرها بتأويلات وآراء بدت غريبةً نوعًا ما، كقول بعض المفسرين أن معنى هذه الآية يندرج فيما كان من فساد قبل بعثة النبي، فيما قال آخرون كالمفسر مجاهد «أما والله ما هو بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر».

صحيح أن كلمة بحر في اللغة العربية تشمل كذلك الأنهار، لكننا اليوم وفي ظل التطور المعرفي والعلمي الكبير للبشرية ندرك تمامًا أن ثمة علاقة مباشرة بين التغيرات المناخية كذوبان الثلوج وفيضانات المحيطات والبحار وبين الاعتداء الجائر أو الاستغلال المبالغ فيه لموارد البيئة الطبيعية.

لقد أدرك البشر اليوم بوضوح خطورة التغير المناخي وتقلباته وما ينتج عنها من كوارث بيئية لم تشهدها البشرية من قبل، كظاهرة «التسونامي» وغيرها من الظواهر، كما أدركوا تمامًا أن لتلك المتغيرات المناخية الخطيرة على حياة البشر في الأرض علاقة عضوية بما يفعله البشر وخصوصا في العالم الصناعي.

وهكذا فإن كيفية نسبة ظهور الفساد في البحر اليوم يمكن فهمها بوضوح في منطوق الآية القرآنية في كونها تدل على أن هناك علاقة مباشرة بين كسب أيدي الناس أي تدخل الإرادة الإنسانية، وبين الفساد في البحر.

إن ظهور الكوارث التي تنتج عن الاستخدام الضار لموارد البيئة الطبيعية أصبحت اليوم من هواجس البشرية المشتركة، فاليوم بات واضحًا أن اهتمام العالم الحديث بقمم المناخ وضرورة الالتزام بالنسب المعقولة في الاستخدام العادل لموارد البيئة الطبيعية، أصبح اهتمامًا يدق ناقوس الخطر؛ لأن نتاج الاستمرار في التجريف الجائر للمجمعات الصناعية على تدمير الطبيعة سينتهي بكوارث عامة للبشر جميعًا.

وما شهدناه مؤخرًا في مدينة درنه الليبية عبر (إعصار دانيال) والكارثة التي أودت بحياة الآلاف هناك نجمت عن انهيار سدين مع موجة الإعصار؛ يجسد بوضوح الكيفية التي تجمع بين الأمرين؛ أي الفساد المباشر الناتج عن الخلل في إحكام بناء السدين وصيانتهما، وكذلك الفساد غير المباشر الناتج عن التغيير المناخي وأثره.

نلاحظ في الآية القرآنية الكريمة أن كلمة الناس فيها دلالة واضحة بأن المقصود في معنى الفساد هو فساد عام وكبير يشترك فيه الناس، فهو ليس فسادًا تقوم به فئة من البشر بل هو فساد نتج لفعل كسب الناس. وهنا سنجد أنه قد يدخل في فعل هذا الفساد المكتسب؛ الأفعال غير المباشرة والتي قد لا يظن الإنسان وهو يزاولها بطريقة مباشرة أنه يفعل شيئًا فاسدًا، فيما الحقيقة التي بدت واضحة اليوم بفعل التطور العلمي والصناعي للبشرية؛ أقرت بأن للإنسان الحديث أثرًا واضحًا ومباشرًا وخطيرًا على التغيرات المناخية عبر المجمعات الصناعية للعالم الحديث.

هكذا فيما أدرك المفسرون القدامى معنى ومراد الآية من فساد البشر في البر بوضوح، استشكل عليهم معنى فساد البحر، مع أن الآية الكريمة نسبت فساد البحر أيضًا للناس، ليدركه الإنسان الحديث اليوم بوضوح في المعنى العام التي بات معروفًا اليوم في كون فساد البحر هو من نتائج الاستنزاف الجائر لموارد البيئة الطبيعية الذي ينتج الكوارث المناخية كذوبان الثلوج والفيضانات والأعاصير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حیاة البشر فساد ا

إقرأ أيضاً:

لندن.. الشوارع تصلح نفسها ذاتيا دون تدخل البشر

لندن.. الشوارع تصلح نفسها ذاتيا دون تدخل البشر

مقالات مشابهة

  • تورط مسؤولين كبار بفضيحة فساد في أوغندا
  • لندن.. الشوارع تصلح نفسها ذاتيا دون تدخل البشر
  • أبرز الأسماء التي ستفرج عنها إسرائيل اليوم ضمن صفقة التبادل مع حماس
  • سر انتشار زبد البحر على شواطئ المدن الساحلية.. «ظهر في العريش اليوم»
  • تشديد العقوبة لثلاثة محافظين عقاريين بعد متابعتهم في قضايا فساد
  • تشديد العقوبة لثلاثة محافظين عقارين بعد متابعتهم في قضايا الفساد
  • اليوم العالمي لرفض ختان الإناث.. أطباء: نرفضه تمامًا ويشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان
  • «لم نعفيها من الرسوم».. قناة «بنما» تردّ على واشنطن بوضوح!
  • تحذير عاجل من حالة الطقس اليوم الخميس 6 فبراير 2025 في مصر
  • أجواء مائلة للبرودة.. حالة الطقس اليوم الخميس 6 فبراير 2025