لجريدة عمان:
2025-01-09@00:41:34 GMT

في معنى فساد البحر

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

حياة البشر كما أرادها الله، هي من حيث الأصل ابتلاء واختبار للإنسان من حيث كونه إنسانا؛ فالله سبحانه وتعالى هو «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» وهذا الاختبار يعني أن من مقتضيات هذه الحياة البشرية في كل مكان وزمان، أن تكون حياةً لبشر منحهم الله الإرادة والحرية من ناحية، وركب فيهم كذلك غرائز وعواطف مختلفة تنعكس عبرها أعمالهم في توظيف الخير والشر، من ناحية ثانية.

وهكذا فإن حدث خلق الإنسان الأول (آدم) كان قد جر معه حديثا عن أمرين هما من لوازم حياة البشر في هذه الأرض، وهو ما ذكر في القرآن في قول الملائكة قبل خلق آدم: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ» فالفساد وسفك الدماء هما ظاهرتان ملازمتان لطبيعة الحياة الإنسانية، وهنا يكمن اختبار الإنسان وإرادته الحرة عبر العقل الذي منحه له الخالق، فالابتلاء هدفه جعل الإنسان مختارا في فعل الخير والشر مع إمكان القدرة على فعل الخير والشر في الوقت ذاته.

وسنجد كذلك في آية أخرى من القرآن قوله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ». ولعل من الغريب في تفسير هذه الآية أن مفسري القرآن الأوائل من أمثال الطبري، خرجوا في تفسيرها بتأويلات وآراء بدت غريبةً نوعًا ما، كقول بعض المفسرين أن معنى هذه الآية يندرج فيما كان من فساد قبل بعثة النبي، فيما قال آخرون كالمفسر مجاهد «أما والله ما هو بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر».

صحيح أن كلمة بحر في اللغة العربية تشمل كذلك الأنهار، لكننا اليوم وفي ظل التطور المعرفي والعلمي الكبير للبشرية ندرك تمامًا أن ثمة علاقة مباشرة بين التغيرات المناخية كذوبان الثلوج وفيضانات المحيطات والبحار وبين الاعتداء الجائر أو الاستغلال المبالغ فيه لموارد البيئة الطبيعية.

لقد أدرك البشر اليوم بوضوح خطورة التغير المناخي وتقلباته وما ينتج عنها من كوارث بيئية لم تشهدها البشرية من قبل، كظاهرة «التسونامي» وغيرها من الظواهر، كما أدركوا تمامًا أن لتلك المتغيرات المناخية الخطيرة على حياة البشر في الأرض علاقة عضوية بما يفعله البشر وخصوصا في العالم الصناعي.

وهكذا فإن كيفية نسبة ظهور الفساد في البحر اليوم يمكن فهمها بوضوح في منطوق الآية القرآنية في كونها تدل على أن هناك علاقة مباشرة بين كسب أيدي الناس أي تدخل الإرادة الإنسانية، وبين الفساد في البحر.

إن ظهور الكوارث التي تنتج عن الاستخدام الضار لموارد البيئة الطبيعية أصبحت اليوم من هواجس البشرية المشتركة، فاليوم بات واضحًا أن اهتمام العالم الحديث بقمم المناخ وضرورة الالتزام بالنسب المعقولة في الاستخدام العادل لموارد البيئة الطبيعية، أصبح اهتمامًا يدق ناقوس الخطر؛ لأن نتاج الاستمرار في التجريف الجائر للمجمعات الصناعية على تدمير الطبيعة سينتهي بكوارث عامة للبشر جميعًا.

وما شهدناه مؤخرًا في مدينة درنه الليبية عبر (إعصار دانيال) والكارثة التي أودت بحياة الآلاف هناك نجمت عن انهيار سدين مع موجة الإعصار؛ يجسد بوضوح الكيفية التي تجمع بين الأمرين؛ أي الفساد المباشر الناتج عن الخلل في إحكام بناء السدين وصيانتهما، وكذلك الفساد غير المباشر الناتج عن التغيير المناخي وأثره.

نلاحظ في الآية القرآنية الكريمة أن كلمة الناس فيها دلالة واضحة بأن المقصود في معنى الفساد هو فساد عام وكبير يشترك فيه الناس، فهو ليس فسادًا تقوم به فئة من البشر بل هو فساد نتج لفعل كسب الناس. وهنا سنجد أنه قد يدخل في فعل هذا الفساد المكتسب؛ الأفعال غير المباشرة والتي قد لا يظن الإنسان وهو يزاولها بطريقة مباشرة أنه يفعل شيئًا فاسدًا، فيما الحقيقة التي بدت واضحة اليوم بفعل التطور العلمي والصناعي للبشرية؛ أقرت بأن للإنسان الحديث أثرًا واضحًا ومباشرًا وخطيرًا على التغيرات المناخية عبر المجمعات الصناعية للعالم الحديث.

هكذا فيما أدرك المفسرون القدامى معنى ومراد الآية من فساد البشر في البر بوضوح، استشكل عليهم معنى فساد البحر، مع أن الآية الكريمة نسبت فساد البحر أيضًا للناس، ليدركه الإنسان الحديث اليوم بوضوح في المعنى العام التي بات معروفًا اليوم في كون فساد البحر هو من نتائج الاستنزاف الجائر لموارد البيئة الطبيعية الذي ينتج الكوارث المناخية كذوبان الثلوج والفيضانات والأعاصير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حیاة البشر فساد ا

إقرأ أيضاً:

وعظة القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

قال الدكتور أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر فى وعظته أثناء احتفال رئاسة الطائفة الإنجيلية بكنيسة قصر الدوبارة: الإخوة الأحباء، أود أن أحدِّثكم اليوم عن معنى ميلاد السيد المسيح للبشرية. 

 في السابق اعتدت أن أحدِّثكم عن أحداث ميلاد السيد المسيح، ولكن اليوم أريد أن أركز معكم على معنى ميلاد السيد المسيح وسط كلِّ ما يحيط بنا من أحداثٍ وتحدياتٍ. 
• السياق المعاصر:
          تشهد منطقتنا العربية أحداثًا مؤلمةً
 نحتفل بعيد الميلاد هذا العام ومازال نزيف الدم مستمرًّا. 
 خصوصًا في غزة، واستمرار الحرب المدمرة. 
 شهدنا ورأينا الأحداث في سوريا وسط مخاوف وقلق حول المستقبل. 
 في السودان مازال القتال مستمرًّا وضحاياه من الأبرياء الذين لا يرغبون إلا في حياةٍ سالمةٍ هادئةٍ.
               صعوبة الحياة أصبحت واقعًا لكثيرين
 هناك تحديات اقتصادية تواجه الجميع. 
 والإصلاح الاقتصادي يتطلب خطوات هامة. 
كيف يؤثر ميلاد المسيح في منظورنا للحياة بشكل عميق؟
 إن هذه التحديات وغيرها تضعنا في مواجهة أسئلة وجودية عميقة. 
 لماذا نحن هنا؟ 
 وهل هناك حياة لها معنى رغم كل هذه التحديات المحيطة بنا؟ 
 كيف يؤثر الميلاد في رؤيتنا للحياة؟
• المقطع الكتابي: 
أتأمل اليوم معكم في كلمات البشير يوحنا، أحد تلاميذ السيد المسيح، حول هذه الأسئلة الوجودية:
"اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا. وَهذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ."
(1يو 1: 1 – 5)
• تفسير المقطع الكتابي:
   سياق سياسي مضطرب
 يكتب البشير يوحنا هذه الكلمات قرب نهاية القرن الأول الميلادي. 
                    الإمبراطور الروماني تراجان وسياسة القمع 
 الإمبراطور الروماني تراجان -الذي حكم الإمبراطورية الرومانية بين الأعوام 98 إلى 117م- قام بممارسات سياسية قمعية، وكان المجتمع الذي يكتب له البشير يوحنا متأثرًا بشدة بهذه السياسات. 
 مارس تراجان أشرس أنواع القمع وكان يفرض سياسة الأرض المحروقة في حروبه، ولم يبالِ بالأبرياء، محققًا أطماعه السياسية.

فرض ضرائب باهظة
 لم تكن حروب تراجان هي سبب الضيق الوحيد، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط حيث فرض ضرائب باهظة تُدفع لروما كل عام. 
تابع “ زكى ”  خلال عظته: أزمات اقتصادية في المنطقة
 أدت هذه الضرائب إلى ضيق العيش وحدوث أزمات اقتصادية شاملة في المنطقة، وفقًا لما يحكيه المؤرخ يوسيفوس في كتابه "أخبار اليهود".
رسالة مزلزلة
 وسط هذا السياق السياسي والاقتصادي الصعب، يكتب يوحنا رسالةً مزلزلةً للمجتمعات الشرق الأوسطية: أن الحياة أُظهِرت! ما الذي تعنيه هذه الكلمات؟
• السيد المسيح "كلمة الحياة"
 فيحكي كيف أن تلاميذ السيد المسيح قد عاشوا بجوار السيد المسيح بصفته "كلمة الحياة" (وهو نفس المصطلح الذي يستخدمه في مقدمة انجيل يوحنا عن المسيح كونه كلمة الله). 
يركز يوحنا على تجسد السيد المسيح
 بميلاد المسيح: هذه الحياة قد أُظهِرت لأن المسيح ظهر في الجسد. 
 في العدد الأول يركز البشير يوحنا عن حقيقة تجسد السيد المسيح وأخذه لجسد حقيقي. 
 ويحكي كيف أن المسيح كان يسمعه المحيطون به، يرونه بعيونهم، وتلمسه الأيادي.
نشر الخبر السار
 عاش التلاميذ مع السيد المسيح ورأوا وشهدوا الأخبار السارة لهذا فهم يخبرون اليوم بالحياة التي كانت عند الآب. 
ميلاد المسيح يواجه الموت الذي يسود على العالم
 وأشكال الموت كثيرة، ولكن الحياة تعني أن ميلاد السيد المسيح يواجه الموت الذي يسود على العالم. 
المعنى، الهدف وسبب الوجود
 ولكن ما المعنى من كل ذلك؟ ما الهدف والغاية التي نعيش لأجلها؟ 
  يقول البشير يوحنا إن الإجابة على كل هذه الأسئلة هي الحياة التي أظهرها لنا السيد المسيح في لحظة تجسده وميلاده.
• الشركة مع الله
 هدف البشير يوحنا هو أن يخبر هذا المجتمع الصغير عن "الشركة" مع الله. 
 انظروا كلمات يوحنا: "لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا" هذا هو الهدف النهائي والغاية العظمى للحياة الإنسانية:
 أن يكون للإنسان شركة مع الله. وهذه الشركة هي التي تعطي للحياة الإنسانية معنى. 
اشتياق يشبع فقط بالعلاقة مع الله
 هناك اشتياق بداخل كل إنسان لا يشبعه منصب، أو أسرة، أو علاقة، أو مكسب، أو مال أو نفوذ مهما كان، بل تشبعه فقط العلاقة مع الله اللانهائي وغير المحدود.
الميلاد هو الباب نحو العلاقة والشركة مع الله
 بميلاد المسيح التقت الأرض بالسماء وأصبحت الشركة بين الله والإنسان ممكنة. 
 التقى المحدود بغير المحدود، التقى النسبي مع المطلق.  
 أن روعة الميلاد أنه يفتح لنا الباب نحو العلاقة القادرة أن تعطينا المعنى، علاقتنا بالله.

• الفرح الكامل 
 لكن انظروا معي ما يقوله يوحنا أيضًا: ما الذي سيحدث حينما نتمتع بهذه الشركة؟ 
 يقول يوحنا: "وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا" 
 ما هو معنى الفرح الكامل؟ أحبائي، هناك فرح غير كامل، هناك سعاداتٌ مختلفة، أشكال مختلفة من السعادة. 
الفرح الذي يشبع الفراغ الوجودي
 قد نصبح سعداء حينما نحصل على ترقية، حينما نرث ميراثًا ماديًّا ضخمًا، حينما حتى نرى أبناءنا في نجاح. 
 ولكن يوحنا يتكلم عن نوع آخر من الفرح، فرح كامل، أو بتعبير آخر: فرح مطلق! 
 هذا النوع من الفرح هو الذي يشبع الفراغ الوجودي، هو الذي يشبع البحث الإنساني الحثيث عن الهوية والذات.
• التطبيق العملي:
         رجاء الميلاد وسط الظروف
 لم تكن ظروف المجتمع الذي كتب له يوحنا سهلة، بل كانت صعبة ومعقدة 
 ومع هذا كان هناك رجاء الميلاد 
الشركة مع الله هي الرجاء
  كان لدى يوحنا رسالة مباشرة: الشركة مع الله، علاقة الإنسان بالله
 لقد خُلِقنا وصُمِّمنا على هذا النسق: أن نُشبع بعلاقتنا مع الله.

فرح رغم الواقع
 الفرح المطلق ممكن: وماذا ستكون النتيجة؟ فرح مطلق، فرح لا يتجاهل الظروف، ولا يزيف الواقع، لكنه فرح بالرغم من الواقع. 
 إنه فرح داخلي وسلام في القلب.
 لقد قال السيد المسيح: "جئت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل" وهذا هو معنى مجيء المسيح، حينما وُلِد، لكي يعطي للإنسان معنى وقيمة.
أختتم: أحبائي، أدعوكم أن تتأملوا في هذه القيم الثلاث: الحياة، الشركة، والفرح. 
ليكُن ميلاد المسيح اليوم فرصة لندرك معنى الحياة وغاية الوجود...
آمين...

مقالات مشابهة

  • فساد بلا حدود.. عندما تتحول الشرعية إلى عبء على اليمنيين
  • مراقبون: ما كشفه الجهاز المركزي للرقابة يؤكد أن فساد الحكومة اليمنية أصبح عملا ممنهج وليس تصرفات وأخطاء فردية
  • اكتشاف نوع جديد من البشر .. ماذا تعرف عن الهومو جولو؟
  • اليمن.. فضائح فساد تثير تساؤلات حول مصير موارد السلطات المحلية وكيفية صرفها
  • فى قداس عيد الميلاد.. البابا تواضروس يشرح نوعيات القلوب التي اجتمعت حول المسيح المولود
  • أغوار الحكومة اليمنية.. منظومة متكاملة من الفساد والتهريب والصفقات المشبوهة
  • أكد دعم الرئاسي للحكومة.. حديث لـ أحمد عوض بن مبارك بعد ساعات على نشر تقارير بقضايا فساد كبيرة
  • بن مبارك: مكافحة الفساد تمثل أحد المسارات الرئيسية لبرنامج الإصلاح الشامل الذي تبنيناه منذ اليوم الأول
  • سلطات مكافحة الفساد تكلف الشرطة بتنفيذ أمر اعتقال رئيس كوريا الجنوبية
  • وعظة القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر