أوهام الغرب .. لا سبيل لوقف التحوُّلات الجيوسياسية الجارية
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
منذ فترة يتخلى عدد كبير من الخبراء الغربيين عن جانب أساسي من جوانب التحليل الجيد. إنهم يتخلون عن المنطق. فمن المعلوم جدًا أن عددًا كبيرًا من هؤلاء الخبراء ليسوا مهتمين حقًا بشرح الظواهر التي نعيشها ولكن فقط بتفسيرها بما يتوافق مع أيديولوجيتهم وتوجهاتهم السياسية.
ما ظللنا نشاهده منذ فبراير 2022 هو تسارع التحول الجيوسياسي للنظام العالمي الذي بدأ في عام 1945 وتمت صياغته مرة أخرى في عام 1989 مع نهاية النزاع العقائدي بين واشنطن وموسكو.
باتت الولايات المتحدة تتراجع من موقع الصدارة منذ فترة طويلة وتسارَع تراجعُها مع نهاية الحرب الباردة بعد فترة من نوبة فرح طاغية بنهاية محتملة للتاريخ في ظل قيادتها التي لا ينازعها عليها أحد.
لكن الحقيقة كانت مختلفة جدا عما خُطِّط له في واشنطن أو حتى ما فكر فيه المنظِّرون. فخلال العقود الثلاثة الأخيرة ظهر مرة أخرى فاعلون دوليون جدد وصعد (مجددا) آخرون.
في القرن الحادي والعشرين كان ظهور مجموعة البريكس أول معلَم في عملية تجديد الديناميات (الآليات) العالمية للرأسمالية. ذلك على الرغم من التفاوتات الضخمة بين أعضائها التي يسلّط عليها النقاد الغربيون الضوء باستمرار. لقد بدأ أخيرًا المحور الأوروبي-الأطلنطي يفقد أهميته تدريجيا.
المعلم أو الحدث الثاني في مسار الديناميات الاقتصادية والسياسية المتغيرة في دورة التراكم الهيكلي الحالية (للنظام الاقتصادي العالمي) والتي تقودها الولايات المتحدة كان إيجاد بنك التنمية الجديد في عام 2014 أو ما يُسمَّى «بنك البريكس».
بنك التنمية الجديد حدث تاريخي في سياق إتاحة مصادر أخرى للموارد المالية اللازمة لتنمية الدول المسماة اليوم «البلدان الصاعدة» التي تسعى إلى تحقيق النمو على قواعد أكثر عدلا.
منذ اتفاقية بريتون وودز (يوليو 1944) حافظ الغرب على هيمنته المالية في الرأسمالية العالمية. وفرض بذلك إيقاع التنمية على ما يسمى بلدان العالم الثالث. وربطها بالحصول على الدولارات (القروض) لتعزيز التنمية.
بعد أن حلّل الأعضاء المؤسسون لمجموعة البريكس وأدركوا مدى لا منطقية تحويل عملة بلدٍ ما إلى عملة احتياط عالمية وكيف يمكن استخدامها كسلاح اقتصادي ضد بلد أو مجموعة من البلدان عكفوا منذ بعض الوقت على التخطيط للتخلص من هذه الهيمنة الاقتصادية والجيوسياسية. وسَرَّع النزاع في أوكرانيا من هذه العملية.
الحدث التاريخي الثالث في عملية بناء عالم متعدد الأقطاب بدون هيمنة المحور الأوروبي-الأطلنطي احتضنته القمة الخامسة عشرة لمجموعة البريكس في مدينة جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، إلى جانب تبيين التزامها بالتعددية القطبية زادت مجموعة بلدان البريكس من عدد عضويتها والمناطق الجغرافية لنشاطها. هذا التحوُّل من مجموعة بريكس إلى بريكس «بلَس» بإضافة المملكة العربية السعودية والأرجنتين ومصر والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا وإيران مؤشر مهم على الديناميات الجيو-اقتصادية الجديدة للرأسمالية العالمية في القرن الحادي والعشرين.
من منظور إحصائي مجموعة البريكس عملاق جيوسياسي واقتصادي. فمن بين أكبر عشرة بلدان منتجة للنفط في العالم توجد ستة منها في هذه المجموعة تساهم بحوالي 42% من تجارة النفط العالمية.
بالإضافة إلى ذلك وُجِد أن حوالي 72% من العيِّنات الجيولوجية التي جُمعت من أراضي بلدان البريكس تحتوي على معادن الأرض النادرة. ومن ناحية ديموغرافية، ارتفعت حصة هذه البلدان من سكان العالم من 41% إلى 46%. ويشكل ناتجها المحلي الإجمالي على أساس تعادُل القوة الشرائية 36% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم.
هذا إذا لم نذكر تميُّز البريكس في مجالات أخرى أيضا، فمثلًا الأرجنتين التي من المؤكد أنها ليست في أفضل أوضاعها الاقتصادية الآن تبدو لاعبا رئيسيا في استخراج معدن الليثيوم. ولدى الأمريكيين الجنوبيين 13 مشروعا تحت الإنشاء. إنهم بذلك يتفوقون كثيرا في هذا المجال على كل الآخرين. وبدخول الأرجنتين إلى البريكس أصبحت هذه المجموعة تضم مع العضوين الآخرين الصين والبرازيل ثلاثة من أكبر خمسة منتجين لمعدن الليثيوم في العالم.
وعلى الرغم من الآلة الأيديولوجية والإعلامية التي يستخدمها الأمريكيون الشماليون لمحاولة التعتيم على اللحظة التاريخية الراهنة عبر تحليلات موغلة في التشاؤم يكشف الواقع أن عملية التوحيد الحالية لبلدان البريكس لا رجعة عنها حتى مع احتمال حدوث مشاكل بين الفينة والأخرى وسط أعضاء المجموعة.
نحن نعلم أيضًا أن كلًا من واشنطن وبروكسل مترددتان في قبول سيناريوهات جيوسياسية واقتصادية جديدة. ونحن نتوقع من واشنطن كل أنواع الضغوط المباشرة وغير المباشرة لدفع مجموعة البريكس نحو الفشل أو منع توحيدها.
على بروكسل (العاصمة الفعلية للاتحاد الأوروبي) استعادة بعض الاستقلال الذاتي لسياستها الخارجية في مواجهة الولايات المتحدة التي تستخدم الاتحاد الأوروبي كأداة للحفاظ على مصالحها الجيوسياسية.
من المهم جدا في هذا الوقت أن يكون هنالك قليل من التعقُّل وسط الألمان والفرنسيين والبريطانيين، فالغرب واهم إذا اعتقد أن في مقدوره وقف التحولات الجيوسياسية الجارية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجموعة البریکس
إقرأ أيضاً:
إعلامى عن تصريحات الرئيس السيسي: كل أوهام تهجير أهل غزة تتبدد
قال الإعلامي عمرو خليل، إن كل مخططات التشريد تتهاوى وأوهام التهجير تتبدد، وذلك، تعليقا على تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي أكد فيها التمسك بالثوابت الوطنية من القضية الفلسطينية ورفض التهجير.
وأضاف "خليل"، مقدم برنامج "من مصر"، عبر قناة “القاهرة الإخبارية”بكلمات واضحة صريحة لا لبس فيها، رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي بشدة ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني".
محادثات أمريكية إسرائيلية حول خطط ترامب لترحيل سكان غزةكاميرا "على مسئوليتي" تلتقي بسائقي شاحنات مساعدات مؤسسة أبو العينين إلى غزةإبراهيم عيسى: تصريحات الرئيس السيسي عن تهجير أهل غزة اليوم ساطعة وحاسمةنعيش في خوف.. لماذا لم يعد سكان مستوطنات غلاف غزة لمنازلهم؟حل القضيةوتابع، أن الرئيس السيسي وصف ذلك بأنه ظلم لا يمكن أن تشارك مصر فيه.
واضاف، الرئيس شدد على أنّ ثوابت الموقف المصري وأكدها اليوم، فتهجير الفلسطينيين في الماضي لن يتكرر مرة أخرى، وحل القضية ليس بإخراج الفلسطينيين من أرضهم، وحل القضية يكون بالسلام القائم على حل الدولتين.