تجديد تمويل صندوق المناخ الأخضر بالكامل
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
فيرا سونجوي -
محمود محيي الدين -
عندما أُنشئ صندوق المناخ الأخضر قبل ما يزيد قليلا عن عشر سنوات، كان يُـعَـد أداة مفيدة محتملة لدعم البلدان النامية في التحول إلى مسارات التنمية منخفضة الانبعاثات والقادرة على الصمود في ظل ظروف تغير المناخ.
اليوم، أصبح أكبر صندوق مخصص لدعم العمل المناخي على مستوى العالَـم، ويمثل حصة كبيرة من الأموال المخصصة لمكافحة الانحباس الحراري الكوكبي، ويجب أن يتلقى التمويل الكافي لكي يتسنى له إحراز النجاح.
لمواصلة تمويل العمل المناخي الطموح، يحتاج صندوق المناخ الأخضر إلى زيادة التعهدات من جانب المساهمين التقليديين، كما يحتاج إلى أن يتقدم المساهمون الجدد للمساعدة أثناء جولة تجديد تمويل الصندوق الثانية، والتي تجري حاليا.
ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن حملة تجديد موارد صندوق المناخ الأخضر تُـعَـد اختبارًا لالتزام العالَـم بمكافحة تغير المناخ؛ ذلك أن التوصل إلى نتيجة ناجحة من شأنه أن يساعد البلدان المتقدمة على إعادة بناء الثقة من خلال إظهار فهمها لمدى إلحاح الأزمة وقدرتها على الوفاء بتعهداتها.
أثبت مؤتمرا الأمم المتحدة الأخيران المعنيان بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 26، ومؤتمر الأطراف 27) أن قادة العالم يدركون أهمية الحد من الزيادة في درجات الحرارة الناجمة عن الانحباس الحراري الكوكبي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، لكن تحدي التنفيذ -الذي أبرزه بوضوح مؤتمر الأطراف (COP27) في شرم الشيخ العام الماضي، وقمة ميثاق التمويل العالمي الجديد في باريس في يونيو، وقمة المناخ الإفريقية التي عُـقِـدَت هذا الشهر في نيروبي- يتمثل في تدبير مبلغ 2.4 تريليون دولار الذي ستحتاج إليه البلدان النامية سنويا بحلول عام 2030 لتحقيق هذا الهدف. يواجه العالَـم النامي رياحا معاكسة عنيفة في جهود التخفيف والتكيف مع تغير المناخ.
أثناء العام الفائت، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن إعانات دعم ضخمة لتحفيز الاستثمارات المحلية في الطاقة النظيفة. صحيح أن هذه السياسات من المرجح أن تؤدي إلى تقدم سريع في التكنولوجيا الخضراء، لكنها عندما تقترن بأسعار الفائدة وتكاليف التمويل المتزايدة الارتفاع فإنها ستزيد أيضا من الصعوبات التي تواجهها البلدان النامية التي تسعى إلى الاستفادة من هذه الإبداعات في اجتذاب رأس المال.
علاوة على ذلك، انخفض إجمالي عدد السندات الخضراء التي تصدرها البلدان النامية خلال الفترة من 2020 إلى 2022، في حين ازداد عدد السندات الصادرة في الغرب، وتأتي فجوة الطاقة المتجددة المتزايدة الاتساع بين البلدان المتقدمة والنامية إلى جانب تباطؤ الاستثمارات في الطاقة النظيفة في عام 2022.
وتعمل ارتباكات سلاسل التوريد على إلحاق مزيد من الضرر باقتصادات الأسواق الناشئة، كما تسببت الحرب الدائرة في أوكرانيا في تعقيد عملية التحول الأخضر من خلال عرقلة خطط بعض البلدان للتخلص التدريجي من طاقة الفحم والوقود الأحفوري.
واضطرت بلدان أخرى عديدة إلى تعديل جداولها الزمنية والتزاماتها الخاصة بصافي الصِـفر من الانبعاثات، في حين بادر قطاع الشركات أيضا إلى تعديل أهدافه نزولا.
لعل الأمر الأكثر أهمية أن العديد من البلدان النامية استنفدت احتياطياتها من النقد الأجنبي وأصبحت تفتقر إلى الحيز المالي اللازم لتمكينها من ملاحقة أهدافها المناخية، وذلك بسبب الزيادات غير المسبوقة في أسعار الغذاء والوقود والأسمدة (والتي كانت إلى حد كبير نتيجة ثانوية للحرب)، وارتفاع أسعار الفائدة، وأعباء الديون غير القابلة للاستدامة.
في الوقت ذاته، يتسبب تغير المناخ في اندلاع عدد متزايد من أحداث الطقس القاسية والشاذة، من الزوابع في جنوب إفريقيا وليبيا، إلى الأعاصير في شرق آسيا وموجات الجفاف في أمريكا اللاتينية.
وإذا استمرت هذه الأحداث بهذه الوتيرة السريعة، فقد يضطر ما يقدر بنحو 1.2 مليار شخص إلى النزوح بحلول عام 2050. وعلى هذا فقد أصبحت بلدان نامية عديدة معرّضة على نحو متزايد للكوارث المرتبطة بالمناخ دون أن ترتكب أي خطأ من جانبها، كما أنها بدأت بالفعل توجه مواردها المحلية إلى جهود التكيف.
الواقع أن هذه الزيادة الهائلة في حجم وتواتر أحداث الطقس القاسية، والتكاليف المتصاعدة المرتبطة بمثل هذه الأحداث، تتناقض بشكل صارخ مع تباطؤ وتيرة الاستجابة العالمية.
كان هذا التنافر، مقترنا بالافتقار الشديد إلى الأدوات المالية التي لا تولد الديون، سببا في تضاؤل ثقة البلدان النامية في البنية المالية العالمية. ففي حين يستطيع العالَـم المتقدم إنفاق المليارات على إعانات الدعم والحوافز الحكومية لتشجيع التحول الأخضر في الداخل، فإن البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل هي الأشد معاناة بسبب التأخير في التخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ والتكيف معه على مستوى العالم.
الأمر الأكثر إثارة للقلق والانزعاج هو ذلك الفيضان من الاستثمارات التي تتدفق إلى صناعة الوقود الأحفوري لتوسيع عملياتها في مختلف أنحاء العالَـم.
تصدرت شراكات تحول الطاقة العادل التي أطلقت في إطار مؤتمر الأطراف 26 عناوين الأخبار الرئيسية مع الوعد بتحويل الأموال من الدول الغنية إلى الدول الأكثر إطلاقًا للانبعاثات في العالَـم النامي. علاوة على ذلك، كان لمؤتمر الأطراف 27 تأثير مماثل مع إنشاء «صندوق الخسائر والأضرار» لصالح البلدان النامية التي تواجه التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، فضلًا عن الدعوات الرسمية التي تطالب بإصلاح المؤسسات المالية الدولية وزيادة تمويل صندوق المناخ الأخضر. ولكن لم تتحقق أي نتائج بعد، ونتيجة لهذا تستمر فجوة تمويل العمل المناخي العالمي في الاتساع.
ومع تزايد التكاليف بدرجة هائلة، يفقد العالَـم النامي الأمل. بيد أن هذا الاتجاه ليس بلا رجعة. فبوسع العالَـم المتقدم ومؤسسات مثل صندوق المناخ الأخضر أن تأخذ زمام المبادرة في ثلاثة مجالات أساسية لاستعادة ثقة البلدان النامية ودعم قدرتها على الصمود في مواجهة تغير المناخ.
بادئ ذي بدء، يتعين على البلدان المتقدمة أن تزيد بدرجة كبيرة تمويل صندوق المناخ الأخضر -المؤسسة الدولية التي تتلخص مسؤوليتها الوحيدة في مكافحة تغير المناخ. وبوسع صندوق المناخ الأخضر أن يفعل ما يتجاوز ذلك كثيرا، وخاصة من خلال المساعدة في بناء وتنفيذ برامج البلدان وخطط التكيف، وعن طريق تمكين تنفيذ مشروعات خفض الانبعاثات. لتحقيق قفزة كبرى في تكنولوجيات المناخ، على سبيل المثال، تحتاج البلدان النامية إلى التمويل لتمكينها من تبنّي استراتيجيات تكيف وتخفيف قابلة للتوسع.
علاوة على ذلك، من الممكن أن يساعد الاستثمار في عمليات نقل التكنولوجيا في تحويل قطاعات وصناعات أخرى -مثل الزراعة- فضلًا عن مكافحة المناخ.
على نحو مماثل، بالاستعانة بمزيد من رأس المال، يستطيع صندوق المناخ الأخضر أن يقدم التمويل الأرخص ويسهم في توفيره للبلدان النامية. بهذا، تصبح هذه البلدان قادرة على تعزيز جهود التخفيف من تأثيرات تغير المناخ والتكيف معها دون زيادة مستويات الديون المستحقة عليها وبالتالي اجتذاب مزيد من الاستثمار.
الآن، وقد بات من المفهوم على نطاق واسع أن تمويل العمل المناخي هو في حقيقة الأمر تمويل لجهود التنمية، يستطيع صندوق المناخ الأخضر أن يضطلع بدور مهم في زيادة عدد مقايضات «الديون مقابل الطبيعة» وتطوير أدوات مبدعة أخرى. ويشمل هذا العمل مع المؤسسات الخيرية والقوى الفاعلة في القطاع الخاص لتحديد الحلول، واختبارها بتكلفة منخفضة، وتقديم التوجيه على نطاق واسع.
أخيرا، يستطيع صندوق المناخ الأخضر، من خلال برامج التأهب، أن يساعد في تحسين عمليات جمع البيانات لأغراض صنع القرار.
وعندما يتعلق الأمر بمكافحة الانحباس الحراري الكوكبي، يتعين على البلدان المتقدمة أن تفي بمسؤولياتها تجاه بقية العالَـم. وأفضل السبل لتحقيق هذه الغاية يمر عبر إظهار التقدم المحرز في تمويل صندوق المناخ الأخضر لدعم مشروعاته وقدرته على إدارة البرامج. وكما أثبتت السنوات القليلة الأخيرة، فإن تغير المناخ لا يعرف حدودا، وتتطلب الاستجابة لهذا الخطر الذي يهدد وجودنا تعبئة جهود العالَـم أجمع. وأي شيء أقل من هذا لن يضمن إلا الهزيمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تمویل صندوق المناخ الأخضر البلدان النامیة العمل المناخی تغیر المناخ العال ـم من خلال
إقرأ أيضاً:
«البيئة» تستعرض دمج تغير المناخ بالمجتمعات الجديدة
أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، أن مصر كانت قد عملت على دمج ملف تغير المناخ فى المجتمعات العمرانية الجديدة، من خلال إعداد دراسات تقييم الأثر البيئى من منظور اجتماعى، والاعتماد عليها فى تخطيط المجتمعات العمرانية والمدن الجديدة.
واعتبرت وزيرة البيئة، خلال مشاركتها فى الحوار رفيع المستوى حول المدن وأزمة المناخ، أمس، أن الحلول القائمة على الطبيعة أحد المداخل المهمة فى مواجهة آثار تغير المناخ، وربطه بالتنوع البيولوجى.
كما عرضت وزيرة البيئة التوصيات الصادرة من تقرير مراجعة سياسات النمو الأخضر فى مصر، بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، وعلى رأسها موضوعات المدن وتغير المناخ، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص فى البناء والتخطيط، وضرورة إيجاد إطار حاكم للمدن، ومراعاة جزء التخطيط وتوفير الحوافز الخضراء، وأشارت فى هذا الصدد إلى الاستراتيجية الوطنية المصرية بشأن تغير المناخ لعام 2050، كإطار عمل شامل يسهم فى دمج الاستدامة فى التنمية الحضرية، من خلال التخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، مع تعزيز القدرة على التكيف مع الآثار المناخية، من خلال مبادرات مثل تحسين كفاءة الطاقة، والتوسع فى النقل العام، وزيادة المساحات الخضراء، كما تؤكد الاستراتيجية التعاون بين مختلف أصحاب المصلحة، لتعزيز البيئات الحضرية القابلة للتكيف، وتحقيق أهداف محددة، مثل اعتماد كود وطنى للمبانى الخضراء وتطوير أنظمة جمع مياه الأمطار لتعزيز القدرة على التكيف مع المناخ.