12 عاما في سجون الأسد.. ترشيح مذكرات جمال سعيد لجائزة ويستون الكندية
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
وصلت، اليوم الأربعاء، مذكرات الكاتب السوري جمال سعيد إلى القائمة القصيرة لجائزة هيلاري ويستون للكتابة غير الخيالية، والتي تصل قيمتها المالية إلى 75 ألف دولار، ودفع المترجم، المولود في اللاذقية عام 1959، ثمن ذلك الصعود غاليا جدا، إذ قضى 12 عاما في السجون العسكرية للنظام السوري، وروى القصة بعد خروجه.
وينتظر أن يُعلن عن الفائز بالجائزة في 12 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
واختارت لجنة تحكيم مكونة من إيف جوزيف وميشيل بورتر والفائز العام الماضي دان ويرب (وهم كتاب كنديون غير روائيين) القائمة القصيرة بعد النظر في 99 عنوانا مقدما من 55 دار نشر، ويحصل كل متأهل للتصفيات النهائية على 5 آلاف دولار أميركي، بينما يحصل الفائز على 70 ألف دولار إضافية.
النجاة والذاكرةوصل جمال سعيد كلاجئ إلى كندا في عام 2016 مهاجرا من موطنه سوريا، بعد أن فر للنجاة بما بقي من حياته بعد سجنه 3 مرات لمدة 12 عاما دون تهمة رسمية ودون إجراءات قضائية نتيجة معارضته السياسية للنظام الحاكم.
في كتابه المرشح للجائزة "طريقي من دمشق" والذي ترجمته للإنجليزية الأسكتلندية كاثرين كوبهام، لا يروي الكاتب السوري قصة السنوات القاسية التي قضاها في أسوأ السجون العسكرية في سوريا فقط، بل يروي أيضا تحولات حياته خلال التغيرات الدرامية التي شهدتها البلاد.
يكتب سعيد عن سوريا الحديثة منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى هروبه إلى كندا، ويتتبع انحدارها من مشروع دولة إلى أداة في يد قوى فاسدة، ويرسم صورة لحياة القرية، ويحكي عن مرحلة الشباب والتمرد في حياته الفكرية، وعن مراهق يعيش مختبئا لمدة 30 شهرا أثناء مطاردته من قبل الشرطة السرية، ويتذكر سنوات سجنه القاسية، وإطلاق سراحه الأخير، وهروبه مع عائلته إلى كندا.
ولعل ما دفع لجنة تحكيم الجائزة إلى ترشيح مذكرات جمال سعيد هو أنه في حين تركز العديد من مذكرات السجن على قسوة التجربة، يقدم كتاب "طريقي من دمشق" نسيجا من حياة كاملة، حيث ينظر الكاتب بشكل مباشر إلى التوحش الذي يمارس ضده، ولكنه يقبض على جمر الجمال والشعر والأمل.
حياة الأفارقة والسكان الأصليينوتتنوع موضوعات الكتب التي صعدت للقائمة القصيرة لجائزة كتاب هيلاري ويستون للكتب الواقعية، فالكتاب الثاني في القائمة هو "ملاحظات عادية" (Ordinary Notes) للباحثة الأميركية كريستينا شارب، أستاذ الدراسات السوداء في جامعة يورك بتورنتو، حيث قامت شارب بكتابة 248 ملاحظة، تتعلق بالخسارات الإنسانية في ظل العنصرية، وتدني حياة الأفارقة في الشمال الأميركي.
كتاب "ملاحظات عادية" (الجزيرة)وتنسج كريستينا شارب بمهارة نماذج أثرية من الماضي، عامة وشخصية بشكل مؤثر مع حقائق الحاضر والمستقبل المحتمل، مما يؤدي بشكل معقد إلى بناء صورة غامرة للوجود اليومي للسود. وتتعلق الموضوعات التي يتردد صداها في صفحات الكتاب باللغة والجمال والذاكرة، وللتاريخ والفن والتصوير الفوتوغرافي والأدب نصيب أيضا في حياة السود.
وفي "ملاحظات عادية" حضور واضح لوالدة المؤلفة، حيث اعتبرتها المدرسة التي تعلمت فيها ومنها وقالت عنها "لقد أهدتني أمي حب الجمال، وحب الكلمات". وباستخدام هذه الهدايا وطرق الرؤية الأخرى، تستدعي شارب الأصوات والخبرات إلى صفحات الكتاب، وتفحص بدقة مواقع الذاكرة، وتنحت شكلا أدبيا جديدا رائعا.
أما الكتاب الثالث، فهو للصحفية أنجيلا ستريت، والتي تعمل في قناة "سي بي سي بفانكوفر" عاصمة مقاطعة كولومبيا البريطانية بشمال غرب كندا، وهو المؤلف الأول للصحفية الشابة، حيث جاء في صورة مذكرات بعنوان "غير المكسورة"، وترصد فيه قضية السكان الأصليين وتأثير نمط حياة المستعمر الأبيض على انخفاض أعدادهم ومستوى معيشتهم.
وتشارك أنجيلا قصتها من التنقل في الشوارع إلى أن تصبح صحفية حائزة على جوائز. عندما كانت مراهقة، كتبت في دفتر ملاحظاتها من أجل البقاء. وهي الآن تقدم تقارير عن حالات اختفاء ومقتل نساء السكان الأصليين في كندا، موضحة كيف يخلق الاستعمار والعنصرية مجتمعا يتم فيه التقليل من قيمة السكان الأصليين.
ويأتي الكتاب الرابع المرشح لجائزة هيلاري ويستون للصحفية وعالمة الفولكلور إميلي أوركهارت التي استخدمت مهاراتها المهنية في مجموعتها" حكاية عجيبة عادية" (Ordinary Wonder Tales)، لتكشف عن السحر الكامن في تفاصيل الحياة اليومية. كتبت أوركهارت في مقدمة كتابها "أُفضِّل مصطلح الحكاية العجيبة، وهو أيرلندي الأصل، لأنه يوحي بالرهبة المقترنة بالسرد، وهذه هي معظم قصصنا".
حرائق الغاباتأما المرشح الأخير، فهو جون فايلانت المقيم في فانكوفر، عن كتاب "طقس النار" (Fire Weather)، وهو سرد لحرائق الغابات التي اجتاحت مقاطعة ألبرتا في كندا عام 2016.
كتاب "طقس النار" للكاتب جون فايلانت (الجزيرة)أدت الكارثة التي كلفت مليارات الدولارات إلى إذابة المركبات، وتحويل أحياء بأكملها إلى قنابل حارقة، ودفعت 88 ألف شخص إلى ترك منازلهم في يوم واحد.
من خلال عدسة هذا الحريق المروع -الذي يعادل حريق الهشيم لإعصار كاترينا- يحذر جون فايلانت من أن هذا لم يكن حدثا فريدا ولكنه عرض صادم لما يجب أن يتم الاستعداد له في عالم أكثر سخونة وأكثر قابلية للاشتعال.
مع نثر بارع وعين سينمائية، يخوض فايلانت رحلة مثيرة عبر التواريخ المتشابكة لصناعة النفط في أميركا الشمالية وولادة علم المناخ، ثم يتحدث عن الدمار غير المسبوق الذي أحدثته حرائق الغابات الحديثة، وإلى حياة تغيرت إلى الأبد بسبب هذه الكوارث.
جائزة هيلاري ويستون الدولية للإنجاز المهني في الأعمال الواقعية استحدثت هذا العام، ويتم تقديمها من قبل صندوق الكتاب الكندي بدعم من مؤسسة هيلاري وغالين ويستون ومقرها تورونتو.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: جمال سعید
إقرأ أيضاً:
علاقات بشار التي قضت عليه
في مقالي السَّابق تساءلتُ عن عمق علاقةِ طهرانَ ببشار الأسد، كانَ يعتبرها الجدارَ الذي يستند إليه. أنقذته عام 2014 وفشلت بعد عشر سنين.
في آخر الأسابيعِ من حياتِه قرّر حافظ الأسد في مارس (آذار) عام 2000 التَّفاوضَ مع إسرائيل، وكان في عجلةٍ من أمره يريد إنهاء ما تبقَّى من ملفات عالقة قبلَ تسليم الحكمِ لبشار. وعلى الرغم من مرضِه طارَ إلى جنيف وتفاوض مع رئيس وزراِء إسرائيل إيهود باراك عبرَ الوسيط الرئيس الأمريكي بيل كلينتون. مشروعُ الاتفاق كانَ استعادةَ الجولان المحتل من دون الحديث عن دولةٍ فلسطينية. الإسرائيليون على علمٍ بتأهيل بشار لم يكونوا واثقينَ بأنَّه سيصلُ الحكمَ في ظلّ الصّراع الخفي. تُوفي حافظ بعد عشرةِ أسابيعَ من اجتماع جنيف.لم يعد بشار للتفاوض إلَّا بعد أن اندلعت الاحتجاجات ضده في 2011. نتنياهو ظلَّ متشككاً في قدرة بشار على التَّخلص من علاقته مع طهرانَ وحزبِ الله، ورفض.
من أبرز الأسبابِ التي أطالت عمرَ نظام حافظ الأسد قدرتُه على إدارة علاقاته الخارجية مع خصومه. امتنعَ عن مواجهة إسرائيل بعد هزيمة 1973. في حين أن بشار وضع سوريا ضمنَ امبراطورية الحرس الثوري، وكان من المحتَّم أن تُستهدف بالتدمير لاحقاً.
لماذَا لم يوقع حافظ اتفاقَ سلام مع إسرائيل وهو الذي كان على علاقةٍ تنسيق سرية معها؟ ذكر أقربُ رجاله إليه، الراحل عبد الحليم خدام، أن حافظ كان يخشى أن يُقال أنَّ الأقليةَ العلوية هي من وقَّعت السلام مع العدو.
وماذا عن معاركه معها عبر لبنان؟ في الواقع لم تشن سوريا هجماتٍ على إسرائيل في ثلاثين سنةً في لبنان، بل كانت تقوم بدورِ العسكري لوقفِ نشاطات الفصائل الفلسطينية، ولاحقاً حزب الله بدرجة أقل، حتى جاء بشار الذي وسّع المخاطر. كانت استراتيجية الأسد الأب هي الاستيلاءَ على لبنان ما دامت إسرائيل تحتل الجولان. واستخدمه ورقة مع الدول العربية، ولعبَ دور الوسيط في خطفِ الرهائن الغربيين.
وبالسياسة نفسها، الاقتراب من النَّار دون الاحتراق بها، إذ منح أكراد تركيا الملجأ، وعندما هدّدته أنقره أوقفهم وسلَّم زعيمهم بشكل غير مباشر.
ولابدّ من فهم علاقة حافظ مع إيران حيث كانت معقدة، استخدمها للتوازن الجيوسياسي ضدَ نظام عدوه صدام للحؤول بينه وإسقاط نظام دمشق. واستخدم طهران لتعزيز أهميته في الرياض، ولعب أدواراً متكرّرة لتخفيف التوتر مع طهران.
بعد تفجير الخبر 1996 سلَّم بعض الهاربين السعوديين بعد أن انكشف أن الخلية قد اختبأت في دمشق، ومن جانب آخر سهّل هروبَ زعيمها إلى طهران.
في محاولة لفهم العلاقة، تحدّث خدام عن سياسة حافظ الأسد حيال إيران. عندما جاء رفسنجاني في عام 1985 يطلب دعم الأسد في حربهم ضد العراق. كبائعٍ إيراني ماهر حاول أن يقنعه بأن مكافأة تحالفهم معه عند انتصارهم على صدام سيعزّز موقف سوريا ضد تركيا وإسرائيل والعراق. يقول كان الأسد حذراً من التمادي في الحلف وسطَ رمال المنطقة المتحركة.
لا شكَّ أن من أسباب سقوط نظام بشار الأسد فشله في إدارة سياسته الخارجية، وتحديداً تحالفه مع إيران. ففي الوقت الذي أسس حافظ علاقة وطيدة بنظام الخميني مدركاً أهميته، رفض مشاركته الحرب، لكنه مثل إسرائيل وليبيا باع إيران سراً صواريخ سكود.
أمّا بشار، ففي بدايات رئاسته أوحى للجميع أنه غير البوصلة غرباً، بعيداً عن موسكو وطهران. وما لبث أن أدرك الحقيقة كلّ من تحمَّس له في البداية... السعودية وأسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
في مطلع تحالفه مع إيران خطط بشار للاستيلاء على القرار اللبناني باغتيال رفيق الحريري والعديد من القيادات، ليصبح حزب الله الحاكمَ الأوحد في لبنان بعد إخراج قوات الأسد.
ثم تجرأ بشار على فتح حدوده الجنوبية للمجاميع المسلحة لمهاجمة النظام الجديد في بغداد، الذي كان تحت حماية واشنطن. ما برّر لجيرانه، الأردن وتركيا، فتح حدودهم للثوار السوريين ضده في عام 2012 ، وأخيراً قضوا على حكمه.
من حيثُ الحقيقة يمكن تفهّم التحالفات في سياق الصراع الإقليمي بالنظر إلى علاقةِ حافظ القوية بطهران، لأنها لاعباً مهماً، وكذلك بشار، إلا أنّ الأخير انغمس في حروبها في لبنان والعراق. خدام يقول بشار اتخذ قراراً مصيرياً بالاندماج الكامل مع طهران في عام 2011، لكن رأيي، كما ذكرت سابقاً، كان تورطه في حروب طهران قبل ذلك بسنوات. فهل كانَ وصول بشار للحكم بدعم استثنائي من طهران هو ما دفعه دائماً للعب دور الوكيل مثل حرب الله؟ قلةٌ قليلة تعرف ما حدثَ بين عام 2000 و2024.