حين يبدأ شهر ربيع الأول من كل عام، نتنسم مع هلاله رحيق ذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الرحمة المهداة للجن والإنس والحيوان والطير والشجر والحجر، والدليل على ذلك كله تحتويه كتب السيرة والسنة، بسند صحيح لا يمكن لعاقل منصف إنكار شيء منها، ولا يمكن أيضا أن يتسع هذا المقال للتحدث تفصيلا عن مظهر واحد من مظاهر رحمته، ولا التطرق لأوصافه، وصفاته، وشمائله - صلى الله عليه وسلم - ولكن فقط أريد الربط بين الاحتفال بذكرى ميلاد سيد الخلق هذا العام، والذكرى الخمسين لنصر أكتوبر المجيد، الذى يأتى بعد أيام قليلة من الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف، وهذا الربط يأتى من أن الاحتفالين نوع من التذكير بأيام الله، وقد أمر الله موسى عليه السلام أن يذكر قومه بأيام الله، والأمر ينصرف إلينا كذلك.
ومن الربط بين الاحتفالين أيضا أن نصر أكتوبر لم يتحقق إلا باتباع سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأخذ بالأسباب والإعداد الجيد للمعركة، وإحكام خطة الخداع، والتوكل على الله، والاعتقاد الجازم بأن النصر ليس من عند أحد غير الله ـ عز وجل ـ فهو القائل: "وما النصر إلا من عند الله".
وبعد هذا الربط أعود ليوم ميلاد المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذى كانت فيه "مكة" المكرمة على موعد مع حدث عظيم، كان له تأثيره في مسيرة البشرية وحياة البشر طوال ما يزيد على أربعة عشر قرنًا من الزمان، وسيظل مولد خاتم الأنبياء والمرسلين يشرق بنوره على الكون، ويرشد بهداه الحائرين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكان ميلاده - صلى الله عليه وسلم - أهم حدث في تاريخ البشرية على الإطلاق منذ أن خلق الله الكون.
ولقد شاء الله سبحانه وتعالى أن ينشأ محمد - صلى الله عليه وسلم - يتيما حتى لا يقال إنه استند إلى نفوذ أبيه، أو إلى سلطان غير سلطان الله، وقد كانت الأربعون عاما التي عاشها قبل الوحي رمزاً في الاصطفاء الرباني، فقد كان طفلا يتسم سلوكه بالاتزان، ولا يعرف اللهو، وكان وهو صبي يشهد الكبار بصفاء حكمته.
ولقد كانت حياته - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يأمره الله بإبلاغ الرسالة - حياة إنسانية تمتاز عن حيوات من حوله بالنقاء والعزلة، فكانت مزيجا من الأمانة والاعتكاف عن كل نقائص الجاهلية، وكان يلقب بين قومه بالصادق الأمين.
إن كمال الإنسانية تجلى في أسمى معانيه في شخص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قبل البعثة الشريفة، وزاد الكمال كمالا، والجمال جمالا، كونه - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه بخاتمة رسالات السماء لأهل الأرض، وقد رأى منه أهل مكة قبل أن يتصل بوحى السماء صفات الكمال الإنسانى في كل مناحى الحياة، وهذه شهادة زوجه السيدة خديجة - رضي الله عنها - حين جاءها وهو يرتجف مما حدث معه في الغار حين نزول الملك عليه بأول الوحى، حيث قال لها معبرًا عن خوفه: "لقد خشيتُ على نفسي"، فقالت له: "كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
هذا إلى جانب ما حباه الله به من الوقار والهيبة مع الجلال، ومع كل ذلك كان أشد الناس تواضعا ورحمته عامة للعالمين، ويكفيه امتداح الله له فى سورة القلم: "وإنك لعلى خلق عظيم".
اللهم اجعل احتفالنا بذكرى مولد سيد الخلق، وبذكرى نصر السادس من أكتوبر، بداية خير وبركة على مصرنا الحبيبة، وسائر بلاد العالمين.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: انتصارات أكتوبر المولد النبوي 6 أكتوبر مولد النبي صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
شخصيات إسلامية.. أم المؤمنين السيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان
هي أم المؤمنين السيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان من بنات عمِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي أقرب نسائه إليه نسباً، ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها، ولا من تزوج بها وهي نائية الدار أبعد منها.. روت عدة أحاديث. حدث عنها: أخواها، الخليفة معاوية، وعنبسة، وابن أخيها، عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان، وعروة بن الزبير، وأبو صالح السمان، وصفية بنت شيبة، وزينب بنت أبي سلمة، وشتير بن شكل، وأبو المليح عامر الهذلي، وآخرون.
كانت قد تزوجت عبيد الله بن جحش وهاجر بها مع من هاجر إلى الحبشة، وقيل إنها أنجبت ابنتها حبيبة بمكة قبل الهجرة، غير أنه ارتد عن الإسلام، ثم مات بعد ذلك، فطلبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي في الحبشة، سنة 6 هـ، وكانت أكثر نسائه صلى الله عليه وسلم صداقاً، حيث أصدقها عنه النجاشي ملك الحبشة أربعمائة دينار وجهَّزها، وأقام وليمة كبيرة لأجل هذا الأمر، وكانت قد بلغت في هذا الوقت بضعاً وثلاثين سنة.
وحين نزل قوله عز وجل: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ...» «سورة الممتحنة: الآية 6»، أي لقد كان لكم في إبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء اقتداء بهم في معاداة قومهم من المشركين الذين أظهروا عداوتهم لهم، ولما رأى رب العزة سبحانه وتعالى من المؤمنين من التصلُّب في الدين، والتشديد في معاداة قومهم حتى الأقارب منهم، أنزل قوله تعالى: (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً...)، «سورة الممتحنة: الآية 7»، تطييباً لقلوبهم، ولقد أنجز وَعْدَه الكريم، فأسْلَم كثير منهم يوم فتح مكة، فتصافوا، وتوادوا، وصاروا أولياء وإخواناً، وخالَطوهم وناكَحوهم، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، فَلَانَ لهم أبو سفيان، وبلغه ذلك وهو مشرك، فلم يرد زواجه.
وكان لها موقف مع أبيها يُبيِّن ذلك، حين قَدِمَ أبو سفيان المدينة، والنبي ﷺ يريد غزو مكة، فكلَّمَه في أن يزيدَ في الهدنة، فلم يقبل عليه، فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم، طوته دونه، فقال: يا بُنَيَّة، أرَغِبْتِ بهذا الفراش عني، أم بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله، فقال: «يا بُنَيَّة، لقد أصابك بعدي شر».
وعن السيدة عائشة قالت: «دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت: غفر الله لك ذلك كله وحللك من ذلك، فقالت: سررتني سرك الله، وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك»، فكان ذلك دليلاً على سموِّ نفسها، وعظمة قدرها، فرضي الله عنها وأرضاها.