وزراء خارجية مسار دول جوار السودانيتفقون على اتخاذ تدابير عملية لوقف إطلاق نار
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
عواصم " وكالات ": في إطار مسار قمة دول جوار السودان، وتنفيذاً للبيان الصادر عن الاجتماع الوزاري الأول في بندجامينا في 7 أغسطس الماضي، عُقد الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول جوار السودان (مصر، تشاد، أفريقيا الوسطى، إثيوبيا، إريتريا، ليبيا، جنوب السودان) بمقر البعثة الدائمة لجمهورية مصر العربية لدى الأمم المتحدة بنيويورك، بالتنسيق بين مصر وتشاد امس.
وجاء ذلك وفقاً لنتائج اجتماع بندجامينا في 7 أغسطس الماضي وشارك في الاجتماع أيضاً ممثلا جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي المعتمدين لدى المنظمة الدولية.
وجاء في بيان لمكتب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، تلقت وكالة الأنباء الألمانية نسخة منه، أن الإجتماع أكد اعتماد خارطة الطريق التي تمت بلورتها خلال اجتماع بندجامينا والتوافق على تنفيذ بنودها من خلال تضافر جهود دول جوار السودان لاتخاذ إجراءات مُحددة تشمل الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية للتعامل مع الأزمة الراهنة، وضمان استقرار واحترام سيادة السودان.
واستعرض الاجتماع جهود دول جوار السودان لتسوية الأزمة، واتصالاتهم بمختلف الأطراف السودانية، والتنسيق القائم بين دول جوار والآليات الأخرى التي تتناول الأزمة في السودان، كما تم التشاور وتبادل الرؤى حول أولويات التحرك خلال المرحلة القادمة، والإتفاق على اتخاذ تدابير عملية للتوصل لوقف إطلاق نار مُستدام في السودان، وشحذ الجهود الدولية للاستجابة للوضع الإنساني، بما فى ذلك توفير الدعم المطلوب لدول الجوار التي تستضيف أعداداً كبيرةً ومتزايدة من السودانيين.
واتفق وزراء الخارجية على استمرار التنسيق والتواصل، وعقد الاجتماع الوزاري الثالث لوزراء خارجية دول جوار السودان فى القاهرة في تاريخ قريب يتم الاتفاق عليه من خلال القنوات الدبلوماسية لتقييم ما تم إنجازه في سبيل تنفيذ بنود خارطة الطريق.
في هذه الاثناء، توجه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان صباح اليوم الاربعاء إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بحسب بيان من مجلس السيادة الحاكم في البلاد.
وأفاد المجلس الذي يرأسه البرهان، في بيان عن توجه البرهان اليوم إلى مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الامريكية على رأس وفد السودان المشارك في أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة" وتابع المجلس أنه "من المقرر أن يلقي سيادته (البرهان) خطاب السودان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة.. كما سيشارك في إجتماعات رفيعة المستوى لبحث تعزيز التعاون متعدد الأطراف".
ومنذ أواخر الشهر الماضي يكثف البرهان جولاته الخارجية وسط مساع لانهاء الحرب الدائرة في البلاد بين قواته وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.
ومنذ ذلك الحين زار البرهان 6 بلدان وهم مصر وجنوب السودان وقطر وإريتريا وتركيا وأخيرا أوغندا.
وغادر البرهان من مطار مدينة بورتسودان في شرق البلاد التي انتقل إليها الشهر الماضي بعدما ظل في مقر القيادة العامة للجيش خلال الشهور الأربعة الأولى من الحرب التي اندلعت في 15 ابريل.
ومنذ اندلاع المعارك، التي تركزت في العاصمة السودانية وإقليم دارفور غرب البلاد، قُتل نحو 7500 شخص، بينهم 435 طفلًا على الأقل بحسب البيانات الرسمية، في حصيلة يرجّح أن تكون أقلّ بكثير من عدد الضحايا الفعلي للنزاع.
كما اضطر نحو خمسة ملايين شخص إلى ترك منازلهم والنزوح داخل السودان أو اللجوء إلى دول الجوار، وخصوصا مصر وتشاد، بالإضافة إلى خروج 80 في المئة من مرافق القطاع الصحي في البلاد من الخدمة.
وامس، أعلنت الأمم المتحدة وفاة نحو 1200 طفل جراء الحصبة وسوء التغذية في تسعة مخيمات للاجئين في السودان منذ مايو، وتوقعت أن يموت آلاف آخرون من حديثي الولادة بحلول نهاية العام.
وتضم هذه المخيمات بشكل رئيسي لاجئين من جنوب السودان وإثيوبيا.
وفي سياق متصل بالازمة السودانية، أكدت مصر أهمية حشد الدعم الدولي لتوفير الاحتياجات الإنسانية والتنموية للسودانيين داخل بلادهم وفي دول الجوار.
جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري بوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن جريفيث، على هامش المشاركة في اجتماعات الشق رفيع المستوى للدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة حالياً بمدينة نيويورك، وفقا لوزارة الخارجية المصرية.
واستهل شكري اللقاء بالتأكيد على تثمين مصر للدور الذي يقوم به وكيل السكرتير العام ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية "أوتشا" في تعزيز الاستجابة الإنسانية العاجلة في مختلف مناطق الأزمات، بحسب المتحدث باسم الخارجية المصرية.
وأشاد بوتيرة اللقاءات والتنسيق المستمر بين الجانبين بشأن الأزمات الإنسانية في المنطقة، وأخرها لقاؤهما في جنيف في مايو الماضي.
كما أكد شكري حرص مصر على مواصلة دعمها لجهود المكتب، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تصاعد للأزمات إقليمياً ودولياً.
ومن جانبه، أشاد جريفيث بالاستجابة الإنسانية العاجلة من قبل مصر تجاه المناطق المنكوبة في شرق ليبيا عقب الإعصار المدمر دانيال، معرباً عن تطلعه لتعزيز التعاون مع مصر لتيسير إتاحة الاحتياجات الإنسانية ونفاذها إلى مناطق الأزمات بالمنطقة.
وكشف المتحدث أن الأزمة السودانية وانعكاساتها على الوضع الإنساني في السودان ودول الجوار استحوذت على حيز كبير من المحادثات، حيث حرص وزير الخارجية على استعراض الجهود المصرية لتوفير المساعدات الإنسانية للسودانيين منذ بداية الأزمة، والترحيب باستقبالهم في مصر وتلبية احتياجاتهم الإنسانية والغذائية والصحية، منوهاً إلى استقبال مصر لأكثر من 300 ألف سوداني منذ اندلاع الأزمة، علاوة عن استضافتها أكثر من 9 مليون مهاجر ولاجئ من نحو 58 دولة.
كما حرص شكري على إطلاع جريفيث على جهود مصر للتوصل إلى حل للأزمة ونتائج اجتماعات آلية دول جوار السودان.
وأشاد جريفيث بـ "مساعي مصر الحثيثة لحل للأزمة والحفاظ على وحدة وسلامة السودان ومقدرات شعبه، فضلاً عن التزام مصر بتوفير الدعم الإنساني للشعب السوداني على الرغم من التحديات الاقتصادية المرتبطة بالوضع الاقتصادي العالمي واستقبال تلك الأعداد الكبيرة من اللاجئين".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العامة للأمم المتحدة دول جوار السودان فی السودان دول الجوار
إقرأ أيضاً:
على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (12 – 20)
لن يستطيعَ أحدٌ أنْ يركبَ على ظهرِك، ما لمْ تَكُنْ منحنياً”
مارتن لوثر كينج
النور حمد
وجدت مصر ضالتها في البرهانمنذ الغزو المصري الخديوي للسودان في الربع الأول من القرن التاسع عشر، لم تجد مصر حاكمًا سودانيًا أتاح لها نهب موارد السودان كما فعل الفريق عبد الفتاح البرهان. وسنأتي لاحقًا إلى ذكر ذلك بشيء من التفصيل. وعمومًا، إن نهب موارد السودان ظل منذ العصور الغابرة هو الهم الأكبر المسيطر على العقلية المصرية. وقد سبق أن ذكرت كيف أن للجغرافيا وفقر مصر من الموارد دورٌ في هذا الهوس المصري بالسودان وبموارده؛ من أراضٍ خصبةٍ شاسعةٍ، ومن مواردَ طبيعيةٍ ثرةٍ؛ نباتيةٍ وحيوانيةٍ ومعدنية. يُضاف إلى ما تقدَّم، أن السودان يمثل خطرًا على حصة مصر من مياه النيل، الأمر الذي يفرض على مصر التحكُّم في نموِّه بمختلف الطرق. وكما سلف القول، فإن الفريق البرهان منذ أن اعتلى قمة السلطة، رئيسًا لمجلس السيادة للفترة الانتقالية، كانت خطته ألا تكمل الفترة الانتفالية مدتها. وألا تجري انتخابات تقود إلى أن يتولى المدنيون زمام الحكم، وفقًا لنهج التبادل الديمقراطي السلمي للسلطة. وبالفعل، أطاح الفريق البرهان بالوثيقة الدستورية وبحكومة الفترة الانتقالية، بالانقلاب الذي نفذه في 25 أكتوبر 2021، التي ترأس وزارتها الدكتور عبد الله حمدوك. وقد انقلب الفريق البرهان على حكومة حمدوك، بعد أن وضع في سبيلها كل العراقيل الممكنة، كما سبق أن ذكرنا. خطة البرهان، وقد أثبتتها الأحداث التي ظلت تجري منذ وصوله إلى قمة هرم السلطة وإلى اليوم، هي أن يحكم منفردا. وهذا يجعله في مواجهة قوتين هما: قوى الثورة، من جهة، والإسلامويون من الجهة الأخرى.
للنجاح في هذه اللعبة الخطرة المركبة، اهتم الفريق البرهان، أولاً، بالحرب على قوى الثورة. وأصبح عليه أن يلعب على التناقض بين حليفيه المتمثلين في الإسلامويين، والنظام. فمن جهةٍ، وافق فتون البرهان وجنونه بالسلطة ما يريده النظام المصري وهو وجود جنرال على قمة السلطة في السودان يكون خاضعًا بالمطلق لإرادة المصرية. ومن الجهة الأخرى يحتاج البرهان العون الدبلوماسي والعسكري المصري، لكي يبقى في السلطة. ولكي يجد العون الدبلوماسي والعسكري المصري عليه أن يقدم شيئًا في مقابل ذلك، وهو فتح الباب على مصراعيه للنظام المصري، ولمجموعات المصالح الخاصة المصرية الملتفة حول النظام المصري، لنهب موارد السودان؛ بلا قيد أو شرط، وبأقل الأسعار، بل وبلا مقابل أحيانا. وكذلك، الخضوع الكامل لمصر فيما يتعلق برؤيتها حول مياه النيل. وأيضًا، أن يصبح مخلب قطٍّ لمصر في تسبيب القلاقل والمتاعب لإثيوبيا، ولغيرها من دول حوض النيل. وقد قام البرهان بكل أولئك كما أُرادت منه مصر، منذ أن أصبح رئيسًا لمجلس السيادة.
في فترة سيطرة البرهان على السلطة في السودان، ظلَّت مصر تشتري مختلف موارد السودان بالعملة السودانية المحلية. ولم نعرف أبدًا أن دولةً ما في العالم رضيت أن تبيع لدولةٍ أخرى مواردها بالعملة المحلية للبلد البائع. بل تردَّد كثيرًا أن العملة التي يشتري بها المصريون الموارد السودانية عملةٌ مزيفةٌ تجري طباعتها في القاهرة. وقد وردت في شهادات سودانيين مقيمين في القاهرة أن هناك من عرض عليهم حزمًا كبيرةً من الأوراقٍ النقدية السودانية، نظير مبالغ زهيدةٍ للغاية بالجنيه المصري. خلاصة القول، إن شراء موارد السودان بعملته المحلية، المُبرِّئة للذمة والمزيَّفة، يعني أن موارد السودان تذهب إلى مصر مجانا. أما فيما يخص ملف مياه النيل وتسبيب القلاقل لإثيوبيا فقد اصطف البرهان وراء مصر اصطفافًا كاملاً، بل ومنح مصر قاعدةً مروي الجوية في شمال السودان لتصبح منصةً عسكرية متقدمةً لتهديد الجارة إثيوبيا.
يعرف البرهان أن نظام السيسي قد سحق حركة الإخوان المسلمين في مصر، ونكَّل بهم شر تنكيل. وهو يعرف أن نظام السيسي يقف ضد الإخوان المسلمين حيثما كانوا، ولكنه استثنى إخوان السودان لخدمة هدف تكتيكي مرحلي، هو مساعدة الفريق البرهان للبقاء في السلطة حتى تثبت فيها قدماه، ثم يجري التخلص منهم عقب ذلك. أيضًا، يعرف الفريق البرهان أن مصر تعرف أنه عمل ضابطًا في الجيش السوداني في خدمة الحركة الإسلامية السودانية، وذراعهاالمؤتمر الوطني لعقود طويلة. ولذلك، لكي يجعل الفريق البرهان نظام السيسي ينخرط في دعمه سياسيًّا وعسكريًا بالطريقة التي ظهرت في هذه الحرب، لابد أن يكون الفريق البرهان قد قدَّم للنظام المصري، في لقاءاته العديدة بالفريق عبد الفتاح السيسي وجهاز مخابراته، تطميناتٍ فيما يخص حلفه مع الإسلامويين. وغالبًا ما تكون هذه التطمينات أنَّ حلفه مع الإسلامويين حلفٌ تكتيكيٌّ قصيرٌ الأمد، من أجل خدمة مرحلةٍ بعينها. فحزب المؤتمر الوطني وما تسمى الحركة الإسلامية السودانية يتشاركان مع الفريق البرهان الحرص على هزيمة الثورة. لكنهما يختلفان معه في أنهما يريدان العودة إلى الحكم من جديد. ولذلك، هم يتعاملون مع الفريق البرهان بحذر وشكٍّ كبيرين لمعرفتهم برغبته في الحكم منفردًا وبعلاقته الوطيدة بمصر. وقد بان في مراتٍ عديدةٍ أن الفريق البرهان والإسلامويين يتربصان ببعضهما. فلكل واحدٍ منهما خطته الجاهزة للانقضاض على الآخر، عندما تصل الأمور نقطة مفترق الطرق.
أيضًا، ربما توصل النظام المصري عبر اختراقه للنخب العسكرية والأمنية والسياسية التي عملت مع نظام الرئيس المخلوع عمر البشير إلى قناعةٍ مفادها أن قادة ما تسمى “الحركة الإسلامية في السودان”، ليسوا قادةً مبدئيين بقدر ما هم حارسين لمصالح تخصهم. أي، أنهم ليسوا سوى مجموعة من الأوليغارك الغارقين في حب المال والسلطة حتى أذنيهم. وأنهم في حقيقة أمرهم براغماتيون، وليسوا مبدئيين. وأن ذلك يجعل اصطحابهم في خدمة مرحلة بعينها ثم رميهم جانبًا أو تطويعهم بصورةٍ دائمةٍ خيارًا ممكنا. لكن، في تقديري، أن هذا التصور، إن وُجد، فإنه تصورٌ خاطئ. فما تسمى الحركة الإسلامية في السودان ليست بمفردها وإنما مرتبطة بمنظومة إقليمية معقدة متضاربة الأجندة تشكل تركيا وإيران وقطر. ولذلك بقيت ما تسمى الحركة الإسلامية السودانية، تلعب على عدة حبالٍ. وقد عرفت عبر ما يزيد على الخمسة والثلاثين عامًا من التجربة، كيف تتلون وتخدع، وتنافق، وتلعب على عنصر الوقت وعلى متغيرات الأحداث وعلى تضارب أجندة دول الإقليم.
العلاقة الملتبسة بين البرهان والإسلامويينمن الشواهد على العلاقة الملتبسة بين الفريق البرهان ومجموعة الإسلامويين، ما نراه بين فترةٍ وأخرى من انتقال الأبواق الإعلامية الناطقة باسم الإسلامويين في السودان، بين الإسراف في تمجيد الفريق البرهان ووضعه في مكانة البطل القومي، وبين تحولها، في أحيانٍ أخرى، إلى الهجوم عليه، بل، ومُلصقةً به أسوأ التهم. فقد قال إمام مسجد جبرة في الخرطوم، المتطرف، عبد الحي يوسف، المقيم حاليًّا في تركيا: إن الإسلاميين لا يثقون في البرهان، وأن الفضل في الانتصارات الأخيرة للجيش، حسب زعمه، يعود إلى الإسلاميين وليس إلى الجيش. وأضاف واصفًا البرهان بأنه شخصٌ: “ليس له دين ويحمل النصيب الأوفر في التسبب في هذه الأزمة. فتقوية قوات الدعم السريع عدةً وعتادًا كانت تحت سمعه وبصره”. وأضاف أيضًا: أن “البرهان أعجز من أن يقضي على الإسلاميين، فهم موجودون حتي في مكتبه”. وينطوي هذا على أن لدى “الإسلاميين” شعورًا قويٍا وربما شواهد على أن البرهان يتربص بهم. وقد حذر عبد الحي يوسف الإسلامويين قائلاً إن البرهان في آخر زيارة له إلى أميركا قبل شهرين من حديثه هذا، التقى مسؤولين أميركيين ولم يصدر بيانٌ عن تفاصيل الاجتماع. وتنطوي هذه على تهمة للبرهان بأنه ربما يخطط مع الأمريكيين للغدر بهم. وعزا عبد الحي يوسف الانتصارات التي تحققت أخيرًا إلى المقاومة الشعبية وليس إلى الجيش، قائلاً: “إن الله ساق هذه الحرب من أجل أن يُعيد للحركة الإسلامية ألقها وقوتها”. (راجع: صحيفة سودان تربيون، على الرابط: https://shorturl.at/Em5aa).
لم يقتصر الهجوم على الفريق عبد الفتاح البرهان على إمام مسجد جبرة، عبد الحي يوسف، وحده، وإنما شارك في الهجوم عليه، أيضًا، بل والسخرية منه، في بضع مراتٍ، كلٌّ من الإعلامي، الطاهر حسن التوم، ومهرِّج “السوشال ميديا” الملقب بـ “الانصرافي”. بل وتشير بعض حوادث المسيَّرات التي أسقطت قذائفها على بعض اللقاءات الجماهيرية التي حضرها الفريق البرهان، إلى أنها قد كانت رسائل تحذيرية له من دهاقنة ما تسمى “الحركة الإسلامية”، عبر جناحها الداعشي المتطرف المسمى “كتائب البراء”. وغرض تلك الرسائل التحذيرية هو ألا يجنح البرهان قط إلى أي حلٍّ تفاوضيٍّ لإيقاف الحرب، يمكن أن يقصي الحركة الإسلامية وحزبها المؤتمر الوطني من المشاركة في الحكم، وهو المطلب الرئيس لثوار ثورة ديسمبر. أو، أن يكتفي بمنحها دورًا هامشيًا في المرحلة المقبلة بناءً على ما يتوصل إليه التفاوض. فإرسال المُسيَّرات وإلقاءها قنابلها على اللقاءات الجماهيرية التي يحضرها البرهان تعني أن الحركة الإسلامية تستطيع أن تصل بهذه المُسيَّرات إلى عقر دار الفريق البرهان. فالحركة الإسلامية لا تريد حلاً تفاوضيًا تفرضه القوى الدولية أو الإقليمية. فهي أصلاً لم تشعل الحرب إلا لكي تقضي نهائيًا على قوات الدعم السريع، وهو السبيل الوحيد في نظرها الذي يمكنها من العودة إلى السلطة بمفردها. ولتتفرغ، من ثم لذبح الثوار المدنيين المطالبين بالتحول الديمقراطي. وهو، كما ذكرنا، السبب الرئيس الذي جعلها تقود الأمور عبر الفترة الانتقالية لتصل إلى نقطة إشعال الحرب الشاملة الجارية حاليا.
في 8 فبراير 2025 تحدث الفريق البرهان من عاصمة حكمه البديلة بورتسودان داعيًا المؤتمر الوطني المحلول للابتعاد عن المزايدات السياسية، مخاطبًا لهم بقوله: أنه لا فرصة لهم في الحكم، مرةً ثانية، على أشلاء السودانيين في هذه المرحلة، وإلا فلن يكون هناك فرق بينهم وبين تنسيقية “قحت”، أو “تقدم”، حسب قول البرهان. وقال إذا أراد المؤتمر الوطني أن يحكم، عليه أن يتنافس في المستقبل مع بقية القوى السياسية. فانبرى في الرد عليه وبسرعة حزب المؤتمر الوطني ببياناتٍ مقتضبةٍ جنحت إلى اللوم والعتاب. أما إعلاميو الإسلامويين والمؤتمر الوطني فقد انتقدوا ما ورد في الخطاب بلهجة بالغة الحدة. وأما قائد ميليشيا لواء البراء الذي يمثل الذراع العسكري المتطرف في المؤتمر الوطني فقد قال: لا ننتظر شكرًا أو تقييمًا من أي شخص، ونرجو من الله أن يتقبل الجهد والجهاد، وسنظل ندافع عن كل شبر في الوطن. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفريق البرهان كان قد زار قائد لواء البراء المصباح أبوزيد طلحة، عقب هروبه مباشرة من مباني القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم التي كان محاصرًا فيها لأربعة أشهر عقب اندلاع الحرب. الشاهد، فيما يتعلق بمناقضة البرهان المتكررة لنفسه أنه رجع بعد يومين من خطابه الذي حذر فيه الإسلامويين وحزبهم المؤتمر الوطني بألا يفكروا في العودة إلى السلطة ليقول: الذين حاربوا إلى جانبنا سيكون لهم مكانٌ في السلطة. ومعلومٌ أن الذين حاربوا إلى جانبه هم الإسلامويون وكتائبهم الجهادية المتطرفة.
انكشاف خضوع البرهان للمتطرفينتناقلت عديد المواقع الإلكترونية تسريباتٍ نشرتها كاتبة العمود بصحيفة الجريدة، صباح محمد الحسن، ذكرت فيها أن إجتماعًا عاصفًا جمع الأمين العام لما تسمى “الحركة الإسلامية”، علي كرتي، وقائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان. تقول التسريبات أن علي كرتي هدد الفريق البرهان في ذلك الاجتماع بأنه، في حال انصياع الفريق البرهان للضغوط الدولية والإقليمية، سوف يكشف عن الكثير من الوثائق السرية المفصلية المتعلقة بالحرب الحالية وبإنقلاب أكتوبر 2021، وبعملية فض الإعتصام. وذكرت الصحفية أن مصادر سياسية خارجية رفيعة كشفت عن ورقةٍ جديدةٍ على طاولة الحل للأزمة السودانية. وأن تلك الورقة وضعها تحالفٌ دوليٌّ ضم دول الوساطة بالتعاون مع دولٍ إقليميةٍ، من بينها دولٌ حليفةٌ للمؤسسة العسكرية. وذكرت أن تلك الورقة تتضمن خطةً عاجلةً، قد لايتجاوز مدى وضعها موضع التنفيذ شهرًا. وتهدف الخطة للقضاء على ما أسمته “المد الإسلامي الإخواني بالسودان” وأقتلاعه من جذوره، عبر عدة آليات قالت أنها متاحة. وتقول الصحفية أن تلك المصادر رجَّحت أن قناعة تلك الدول جاءت لسببين: أولهما أن قائد الجيش السوداني أخلَّ بإتفاق سبقت موافقته عليه. وهو السيطرة على القيادة العامة التي كان من المقرر أن يؤكد الفريق البرهان عقب انسحاب قوات الدعم السريع منها، ذهابه إلى التفاوض. لكن، كما هو واضحٌ الآن، فقد مر أكثر من شهر من نشر تلك التسريبات، ولم يتغير شيءٌ في المشهد السوداني.
أيضًا، أضافت الصحفية قائلةً: إن تلك المصادر ذكرت أن البرهان كان في نيته تنفيذ الاتفاق. حيث لمَّح إلى ذلك في خطابه الأخير في مباني القيادة العامة، في حين صرح به بوضوح أكثر، نائبه مالك عقار. إلا أن القيادات الإسلامية حاصرت البرهان ومنعته من تنفيذ الخطوة. وبعد الإجتماع وعدول البرهان عن رأيه خرج قائد كتيبة البراء ليعلن ألا تفاوض مطلقًا مع قوات الدعم السريع. الأمر الذي كشف لتلك الدول أن قادة الكتائب الإسلامية هم الذين يقررون بدلاً عن الفريق البرهان، وأثبتوا عمليًا أنهم الطرف الأقوى. وتخلص الصحفية إلى القول إن إزاحة البرهان الذي أصبح عقبةً، ضرورةٌ ينبغي أن تسبق التفاوض المنتظر. وتقول الكاتبة: إن الذي دفع تلك الدول لقرار إقتلاع الإسلاميين، إضافةً إلى ما تقدم، ووفقًا لتك المصادر، هو الجرائم الأخيرة التي قامت بها كتائب البراء بن مالك ومليشيا درع السودان. وزعمت الكاتبة إن تلك الجرائم قد نسفت الدعم الدولي المؤسسة العسكرية السودانية، وباعدت بينها وبين الدول التي فضلت الوقوف إلى جانبها، بإعتبارها تمثل الجهة الرسمية بالبلاد. خاصةً أن الفريق البرهان والمؤسسة العسكرية وقفوا متفرجين وعاجزين. ولم يفعلوا شيئًا أمام الجرائم الوحشية التي إرتكبتها تلك الكتائب والمليشيات بإسم الجيش. (راجع: موقع أخبار السودان، على الرابط: https://shorturl.at/kSwME).
(يتواصل)
الوسومالنور حمد