يخطئ من يظن أن فيما ذهبنا إليه-الأسبوع الماضي– بشأن التقليل من حجم المخاطر على قناة السويس من منافسة المشروعات الأخرى التى تسعى إليها بعض الدول والتكتلات الدولية، يعنى نفى مثل هذا الخطر وأن الوضع بالنسبة للقناة ينطبق عليه ليس فى الإمكان أبدع مما كان. الأمر على العكس وإن كان رأينا ينطلق من ضرورة عدم الإصابة بالهلع والفزع من أى مشروع منافس، وضرورة أن نرفض منطق البعض القائم على التصرف باعتبار أن «على راسنا بطحة» نتحسسها كلما فكرت دولة أو أخرى فى ممر أو طريق مغاير ييسر لها مصالحها الاقتصادية أو اللوجيستية المتعلقة بالتجارة العالمية.
ليس فى الأمر مبالغة أن أقول إن القناة أهم ممر ملاحى عالمى شبه طبيعى يصعب على العالم أن لم يكن مستحيلًا أن يستغنى عنه سوى فى الملمات الكبرى، على غرار ما حدث بعد 67 واستمر حتى إعادة فتح القناة منتصف السبعينيات من القرن الفائت. ولعل هذا يفسر الحالة التى تنتاب العديد من الدول الأخرى وجوهرها محاولة نزع هذه الميزة أو على الأقل منافسة مصر فيها من خلال توفير بدائل قد تكون مناسبة لها رغم أنها قد لا تناسب آخرين، ومن هنا تنبع عبقرية موقع القناة الذى يكاد أن يناسب الجميع.
وإذا كانت مناسبة هذا الحديث هو الجلبة التى أحدثتها فكرة مشروع الممر الاقتصادى الذى تحدث عنه محمد بن سلمان ولمسناه سريعا المقال الماضى، فإن الدقة ربما تقتضى أن نصف المشروع – ونأمل ألا نكون متجاوزين مع الاستعداد للاعتذار حال خطأ الرؤية التى نقدمها – بأنه ليس ممرًا بريًا أو بحريًا بالمعنى المتعارف عليه، وإنما هو مشروع سياسى فى المقام الأول، يشبه أن صح التعبير مشروع حلف بغداد فى خمسينيات القرن المنقضى، يمكن وصفه بأنه «تحالف الطامحين».
باختصار فإن فكرة مشروع الممر الاقتصادى بين الهند ودول الخليج وإسرائيل وصولًا إلى أوروبا يمثل منافسة أو مزاحمة بمعنى أصح لمشروع أو مبادرة الحزام والطريق التى أطلقتها الصين عام 2013 بهدف بناء شبكة اقتصادية وبنى تحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا لتعزيز النفوذ العالمى للصين، بمعنى آخر الفكرة كما قلنا فى عنوان المقال عبارة عن «صراع ممرات» ربما لا يكون لنا فيه – من منظور عالمي– ناقة ولا جمل، فالولايات المتحدة فى حالة حرب تكسير عظام مع الصين التى تهدد مكانة واشنطن، ووجدت فى الهند ضالتها والتى تطمح لتبوأ مكانة فى الاقتصاد العالمى اقتربت من تحقيقها بشكل أو بآخر.
لكن مشروع الممر الاقتصادى من منظور إقليمى له أبعاد– ليس لها علاقة بفكرة المرور والملاحة - لا يجب التغافل عنها، تفسر فى النهاية سر إقبال أطرافه على الانخراط فيه، فإسرائيل الطامحة إلى مزيد من التغلغل فى المنطقة وخاصة فى دول الخليج تسعى لإيجاد أى منفذ لتحقيق هدفها، وأما الدول العربية المنخرطة فى فكرة الممر فإن نظرة متأنية على سياساتها العامة، داخليا وخارجيا، ربما تفسر موقفها الذى ينطلق من حالة طموح جامح يعبر عن تعطش للمكانة والدور عالميًا وإقليميًا، وهو موقف ربما يمكن تفهمه بغض النظر عن التحفظات عليه!
ورغم ذلك – وبعيدا أيضاً عن حجم الاختلاف على مجموع السياسات المصرية داخليًا وخارجيًا وهذه قضية أخرى ليس لنا علاقة بها فى هذه السطور – فإن مصر بالتعبير الدارج «مش ساكتة».. فبالإضافة إلى مشروع قطار السخنة العلمين الذى أشرنا إليه الأسبوع الماضى، فإنها منخرطة فى مشروعات أخرى تعزز فكرة كونها نقطة مرور عالمية سواء من خلال القناة أو غير القناة.. وهذا قد يكون موضوع حديثنا المقبل إن شاء الله.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات
إقرأ أيضاً:
"هاريس - ترامب " رهان خاسر و سبات عميق
أتابع عبر الشاشات و منصات التواصل الاجتماعى نظرة تفائل هنا و تشاؤم هناك حول المرشحين فى الانتخابات الأمريكية للرئاسة التى بدأت صباح الثلاثاء ، أتابع و أنا أضحك وجود معسكرين فى المنطقة العربية الأول ينحاز لترامب و الثانى لهاريس، كلا المعسكرين يبنى آمال عريضة على مرشحه و كأننا نحمل الجنسية الأمريكية، صحيح أن الولايات المتحدة هى وحدها التى تضع سياسة العالم و هى الدولة الكبرى الوحيدة فى العالم التى لا ينافسها أحد، لكن مسألة المبالغة فى التفاؤل تجاه أحد المرشحين هو أمر مثير للدهشة منا كعرب، لأن هاريس و ترامب و جهين لعملة واحده. بالنسبة لبعض الدول العربية هناك وجه منهم مريح إلى حد ما فى بعض الأمور لكن بالنسبة للقضايا الرئيسية التى تشغل العرب مثل القضية الفلسطينية أو اعتداءات الكيان الصهيونى على بعض الأشقاء فتلك السياسات لن تتغير، سيبقى الأسطول الأمريكي فى البحر المتوسط لحماية الكيان الصهيونى، و سيظل "الفيتو" الأمريكي موجود لتعطيل و تعديل أى قرار ضد الكيان الصهينونى، و ستظل المساعدات العسكرية و المالية تصل إلى تل أبيب فى الميعاد الذى تطلبه حكومة الكيان.
أمريكا طوال تاريخها و هناك فتى واحد مدلل بالنسبة لها فى منطقة الشرق الأوسط، هذا الفتى هو الشرير الذى يحرق و يقتل و يرفع راية البلطجة على الجميع.
خلال عام قام هذا البلطجى" مصاص الدماء" بقتل أبناء فلسطين حتى وصل عدد الشهداء إلى ما يقرب من خمسين ألف،و تجاوز عدد المصابين المائة ألف بين طفل و سيدة و كبار سن، دمر هذا الطفل المدلل ما يقرب من ٧٠% من غزة و حولها إلى تلال من المبانى المنهارة، أصبحت غزة بقايا مدينة، لم تعد بها أسرة واحدة مكتملة البناء"الأبناء الأب الأم "، احدهما او كلاهما شهيد، و هناك أسر كاملة استشهدت، لم يعد لها من يحمل اسمها، نعم أسر كاملة أبيدت برعاية أمريكية، و بسلاح و مسانده و دعم أمريكى.
لذلك لا أعلم كيف و بأى وجه أجد بعض العرب يبنون آمال عريضة على نجاح مرشح أمريكى بعينه أو أجد متشائم من وصول الآخر لسدة الحكم، كلاهما مر .
أمريكا هى التى ترعى دولة الكيان و حريصة على بقائها، و بقاء هذه الدولة المحتلة مرهون ببقاء أمريكا، و نحن العرب ستظل أمريكا بالنسبة لنا هى الكابوس الذى يطاردنا فى الليل و النهار.
سياستها تجاهنا قائمة على مصلحتها، و مصلحة الكيان الصهيونى الذى يحركها كما و متى يشاء، الموضوع بينهما تخطى مرحلة المصالح إلى مرحلة الحياة و الموت ، إسرائيل تعتبر أمريكا قلبها النابض،الذى يمد جسدها بالدم المحمل بالاكسجين، و أمريكا تعتبر إسرائيل الابن المدلل.
و بالنسبة لنا كعرب أمريكا هى سفينة النفايات التى تحمل لنا السموم و الميكروبات بكافة اشكالها.
أمريكا ليست للعرب فقط مركز السموم،و وكر الافاعى، لكنها تمثل نفس الامر لدول كثيرة حول العالم تضررت منها و ذاقت من شرورها الكثير.
الغريب فى الأمر و الشئ العجيب أن كل الاقطار العربية تعى تماما حجم العلاقة بين الكيان الصهيونى و أمريكا و رغم ذلك مازلنا نبحث عن الأمان عندها، تريدون أن تعوا
قيمة الكيان الصهيونى لدى أمريكا، اقرأوا
هذا الرقم الذى يوضح حجم العلاقة بينهما،
منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948حتى عام 2022 تلقت 158 مليار دولار من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة، مما يجعلها أكبر متلق في التاريخ.
فى النهاية نجحت هاريس أم سقطت، نجح ترامب أم سقط كلاهما مر.فلا تشغلوا حالكم بمن هو الرئيس القادم، الكل ينفذ أجندة واحدة تم وضعها منذ سنوات طويلة و لم و لن تتغير .
تلك الحرب الدائرة فى كل بقاع الأرض أمريكا هى كلمة السر فيها. فلا تسرفوا فى التفاؤل تجاه أحد المرشحين كلاهما مر، كلاهما لا يهمه سوى مصلحته و مصلحة الكيان الصهيونى.
فلا تصدقوا
التعهد الذى قطعته نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، بأنها ستسعى لإنهاء الحرب في قطاع غزة في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية، معتبرة أن قتل الفلسطينيين الأبرياء في القطاع وصل إلى مستوى غير معقول، و لا تصدقوا ترامب عندما يقول نفس المفردات، خاصة ان امريكا لن تسمح بحل الدولتين مهما حدث.
على العرب يستيقظوا من السبات العميق الذى هم عليه، علينا كعرب البحث عن طرق أخرى للتعامل مع هذا الكيان "الامريكى- الصهيونى" .