جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-11@14:22:10 GMT

الأولويات الوطنية

تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT

الأولويات الوطنية

 

علي بن حبيب اللواتي

 

عندما هبت العواصف وأرعدت السماء وتحركت الأنواء المناخية لتطيح بالجسور وتغرق القرى والمدن وتحطم الشوارع وتقلع الأشجار وتطيح بالجسور، فهبت حينها كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ومؤسسات المجتمع والأفراد والجماعات لتلبي نداء الوطن لترسم أروع وأجمل لوحة من التكاتف الوطني لنجدة الناس والمدن المتضررة، وقتها كانت هي الأولوية العليا الوحيدة والقصوى لكل تلك المؤسسات فشمخت بعنفوان الرجل الواحد ليزيل كل آثار إعصار جونو المدمرة.

.. إنها اللحمة الوطنية قد تجلت بهذا الصمود تقف خلف القيادة لإنقاذ الوطن.

إنه فقه الأولويات الذي فرض نفسه على كل المشهد الوطني بكل تفاصيله.

وبعد ذلك بدأت جائحة كورونا التي أثرت على حركة المجتمع فكان من آثارها بطء الحركة الاقتصادية لتنكمش، وليتزامن ذلك مع انخفاض أسعار بيع النفط إلى ما دون الـ28 دولارًا، ليتراجع النمو الاقتصادي العالمي، وتتأثر جميع الدول المعتمدة على واردات بيع النفط والغاز.

هنا لجأت بعض الدول لمعالجة تلك الآثار بتطبيق خطط التوازن المالي لكي تعيد بناء الأولويات الوطنية بالحفاظ على كيان الدولة كتسديد الديون الخارجية وتقليل الإنفاق وضبط جودته ومنع الهدر وفرض مختلف أنواع الضرائب تحت مسميات عديدة هدفها النهائي رفع من واردات الدولة لتتمكن من تسديد ديونها السابقة وتبدأ بإعادة تحريك قطار التنمية من جديد. ودول أخرى قامت بإعادة توجيه مواردها المالية لتحفز اقتصادها بفروعه المتعددة ليكون كجرعات أوكسجين لإنعاش الجسد الاقتصادي وتحريك السوق وتحفيز النمو وتوسيع الأعمال وتوفير الوظائف من جديد للمجتمع. ودول أخرى كالصين مسكت العصاة من المنتصف فجمعت بين التوجهين، لتعود لتحقيق مستويات نمو متسارعة فتسبق العالم.

استطعنا أن ننجح في تطبيق التوازن المالي ولكننا للأسف لم نسع إلى تطبيق التوازن الاقتصادي، وبينهما فارق عظيم؛ فالتوازن المالي مكَّننا من السيطرة على الدين العام من خلال إجراءات طُبقت على فئات المجتمع، ولكن بسبب عدم تطبيق مفردات وخطط التوازن الاقتصادي لم يساعدنا على توسيع قاعدة أنشطة اقتصادية جديدة لتساهم في دوران العجلة الاقتصادية لأسباب عديدة؛ منها: عدم القدرة على تحفيز الاستثمارات المحلية بقوة ولا جلب الاستثمارات الأجنبية الحقيقه بكثافة، رغم الجهد المبذول في تغيير القوانين، لكننا وجدنا أنفسنا في دوامة عدم التكامل وتبسيط الإجراءات وعدم الشفافية الإحصائية.

وعدم توسيع القاعدة الاقتصادية جعلنا نشاهد حدوث تغيرات اجتماعية لم نعهدها من قبل منها التسريح الجماعي للقوى البشرية العمانية، ازدياد عدد الباحثين عن عمل، وبتعبير آخر انتشار البطالة بين الفئات العمرية الشابة، لتتخطى أعدادهم 150 ألفًا تقريبًا، في مجتمع لم يتجاوز تعداده السكاني الوطني 3 ملايين مواطن، لتكون بذلك شريحة عريضة مُعطَّلة قدراتها ولا تنتج لتطوير الاقتصاد.

هذا الوضع انعكس على انتشار صور العوز والفقر بين فئات المجتمع، فانتشرت مشاهد مؤلمة؛ حيث النساء والصبية يبيعون الشاي والماء ومختلف الأغذية بالشواع بحثا على لقمة كريمة.

وقد كثرت وتعددت الدعاوى القانونية ضد المُسرَّحين الذين توقف مصدر رزقهم فجأة، فلم يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم المالية (القروض)، فوجدوا أنفسهم خلف قضبان السجون وبيعت ممتلكات البعض منهم. وفي هذا السياق لا يفوتني هنا إلا أن أرفع القبعات احترامًا وإجلالًا للجمعيات والفرق الخيرية المنتشرة في ربوع الوطن التي بادرت بكل وفاء بواجب توفير نوع من المساعدات الاجتماعية لتلك الفئات المتضررة.

وأزمة الباحثين عن عمل أصبحت الآن بمرتبة الأولوية الوطنية الأولى العليا بلا منازع، حتى إنها قد سبقت وعلت على بقية الأولويات المالية الأخرى؛ فحفظ المجتمع أولى وأسمى من أي أهداف أخرى.

إن فقه الأولويات والمنطق يُعيد لنا توجيه ترتيب الأولويات والأهداف الوطنية ليقرر أن معالجة الأزمة الاجتماعية الحادة هو الواجب الحالي والتركيز عليها بفاعلية من دون تأخير ولا تردد، لما لها من إنعكاسات سلبية على المستوى الوطني، فيتم بذل كل الجهود في التوظيف والتشغيل وكذلك التمكين للشباب العاطل والمسرحين كطرف في معادلة الحاضر، والإعداد للمستقبل بزيادة البعثات الداخلية مع توفير مخصصات مالية لكل مقبول للدراسة محليًا وزيادة البعثات الخارجية، إنهم جيل المستقبل وحاملين رايات التقدم، خاصةً أن الوضع المالي في تحسن بارتفاع سعر برميل للنفط الذي تجاوز 90 دولارًا علمًا بأنَّ الموازنة بُنيت على سعر 55 دولارًا، وأن الدين العام قد انخفض والتصنيف المالي قد تحسن.

لم تعد الأولوية الآن إنشاء مبانٍ حكومية جديدة ويُوجِد لها البدائل ولا حتى إقامة مشاريع لا تتماشى مع تلبية احتياجات العسر الاجتماعي الوطني التي يمكن حصرها بدفع عجلة التوظيف والتشغيل والتمكين والتمويل لأفراد المجتمع، وبرفع رواتب المتقاعدين من كلا القطاعين: كقطار منطلق بعجلة متسارعة ليصل لأهدافه الوطنية المُقدَّسة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الإجراءات والضرائب تحد من التنويع الاقتصادي

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

الورشة التطويرية للتوجهات الاستثمارية لغرفة تجارة وصناعة عُمان التي عقدت مؤخرًا لمدة 4 أيام بالتعاون مع وحدة متابعة تنفيذ "رؤية عُمان 2040"، كان هدفها التركيز على ثلاثة محاور مهمة للاقتصاد العُماني وهي: تحسين بيئة الأعمال، والشراكة في تنمية المحافظات اقتصاديًا، إضافة إلى محور توسيع قاعدة التنويع الاقتصادي.

وجميع هذه المرتكزات هدفها تقديم حلول ابتكارية وممارسات قائمة على أفضل المعايير لتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، وجذب المزيد من الاستثمارات، بجانب استثمار الميزة النسبية للمحافظات، وتحقيق تنمية مستدامة من خلال مبادرات نوعية تعزز من دور القطاع الخاص لتعزيز التنويع الاقتصادي، وتوسيع قاعدة الاستثمارات في مجالات متعددة.

مساعي الغرفة من هذه الأنشطة واضحة مع العديد من الجهات الحكومية الأخرى خلال العقود الخمسة الماضية، والتي تهدف إلى تعزيز البرامج والمبادرات التي تتماشى مع التوجهات الاستراتيجية للدولة وسعيها لتعزيز دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.

التنويع الاقتصادي في سلطنة عُمان هو هدف رئيسي للحكومة منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عندما تم تشكيل أول مجلس للتنمية؛ حيث كان ضمن نتائج الاجتماع الأول للمجلس العمل على التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على قطاعي النفط والغاز الذين ما زالا يشكّلان المصدر الأساسي لإيرادات الحكومة.

التحديات ما زالت ماثلة أمام مؤسسات وشركات القطاع الخاص وتتمثل في جوانب التمويل، والبيروقراطية والإجراءات الإدارية والتنظيمية، والضرائب، إضافة إلى التحديات الاجتماعية والثقافية. وبالتالي فإن هذه المؤسسات ما زالت تواجه صعوبة في الحصول على قروض لجذب المستثمرين، أي أن هناك ضعفًا مبدئيًا في رأس المال. كما إن القطاع الخاص يشعر بأن البيروقراطية تتمثل في طول فترة تأسيس الشركات المساهمة المقفلة بسبب الإجراءات المتخذة للمؤسسات الحكومية في مجال التنظيم والقانون، بالإضافة إلى نقص التنسيق فيما بينها، ناهيك عن فرض الضرائب على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. أما في محور التحديات الاجتماعية والثقافية فهناك عدم ثقة المستثمرين بالمساهمة في الشركات المساهمة المقفلة، وضعف في الثقافة الريادية بالإضافة إلى مخاوف من سوء الإدارة.

وجميع هذه القضايا تحتاج إلى حلول جذرية لتشجيع المستثمرين على المساهمة في إنشاء الشركات المساهمة المقفلة، إضافة إلى تسهيل وتحسين الشراكات مع الجهات الحكومية، وتخصيص قروض ميسرة لهذ الشركات، خاصة في المحافظات وبشروط مرنة وميسرة وفوائد منخفضة، مع العمل على خفض قيمة الضرائب بشكل عام، والعمل على تأسيس صناديق استثمارية لدعم تلك الشركات، وتقديم حوافز ضريبية وكذلك الإعفاءات الضريبية.

إن رؤية "عُمان 2040" تُمثِّل بوصلةً لتنفيذ مجموعة من الخطط والمبادرات التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة عبر تعزيز قطاعات مختلفة مثل السياحة، والصناعة، والتكنولوجيا، والزراعة، والخدمات المالية؛ الأمر الذي يتطلب تسهيل المعاملات والحد من التحديات؛ حيث إن القطاعات الاقتصادية تتحرك ببطء في المسار الصحيح. وعلينا تسجيل بعض النجاحات فقط في قطاعات معينة كزيادة الاستثمار في السياحة، وفي قطاع الصناعة من خلال تشجيع مختلف المشاريع الصناعية وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ الأمر الذي يستدعي الاستمرار في دعم الشركات المحلية لتصبح أكثر وضوحًا من خلال تمويل المشاريع وتوفير بيئة أعمال ملائمة.

والجهات المعنية تعمل على توسيع القطاع المالي وتحسين البيئة المالية وتطوير البنية التحتية المصرفية، إلّا أن التنويع الاقتصادي ما زال يواجه بعض التحديات تتمثل في محدودية التنويع في عدة قطاعات، إضافة إلى عدم توفر الأعمال لتشغيل العُمانيين بصورة كبيرة، فيما تحتاج القطاعات اللوجستية إلى تعزيز المزيد من البنية التحتية لتصبح أكثر تنافسية، ما سوف يساعد على تجاوز التحديات، وإنجاح خطط جذب الاستثمارات وتطوير الموارد البشرية.

إن الحكومة تعمل اليوم على تعزيز أعمال قطاعات اقتصادية عديدة منها قطاع الطاقة المتجددة والاستثمار في استغلال الموارد الطبيعية، كما تعمل على تشجيع مزيد من الابتكار في التكنولوجيا ودعم الشركات الناشئة العاملة في هذه القطاعات، علاوة على المساعي للاستثمار في البحث والتطوير والتعليم الفني والتكنولوجي، وتحسين الخدمات.

وهناك اليوم توجّه كبير لدعم وتحفيز الاستثمارات الأجنبية من خلال تسهيل بيئة الأعمال للقطاعات غير النفطية وتحسين التشريعات، وتحفيز الشركات الأجنبية لإقامة مشاريع مشتركة مع الشركات المحلية، إضافة إلى تحسين التعليم والتدريب المهني، ورفع كفاءة القوى العاملة والتوسع في القطاع الزراعي ودعم المشاريع الصغيرة في المحافظات، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المشاريع الكبرى مع العمل على إجراء إصلاحات مالية واقتصادية في البلاد.

هذا ما يجب الاستمرار فيه مع التقليل من التوجهات بفرض مزيد من الضرائب على كاهل المواطن ومؤسساته الصغيرة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • أمير تبوك: ذكرى يوم العلم مناسبة نستلهم فيها بكل فخر واعتزاز قيمة العلم الوطني ورمزيته ودلالاته الوطنية
  • البنك الدولي يؤكد تعزيز الاستقرار المالي في العراق
  • لجنة بـ"الوطني الاتحادي" تعتمد تقرير قانون المنصة الوطنية للزكاة
  • مجلس رمضاني يناقش التوازن بين الانتماء والعطاء
  • محمود فوزي: قانون العمل الجديد يعزز حقوق العمال ويراعي التوازن بين الأطراف
  • كيف تحقق الحوافز الضريبية في الشريعة الإسلامية التوازن بين العدالة والتنمية؟
  • الإجراءات والضرائب تحد من التنويع الاقتصادي
  • ماذا بعد هذه الصراحة؟
  • وزير العدل يتفقد المراحل النهائية لتأهيل أقسام سجن بغداد المركزي
  • كردستان في معركة التوازن السياسي.. راقص بين عتمة الخلافات ونور المصالح