الأولويات الوطنية
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
علي بن حبيب اللواتي
عندما هبت العواصف وأرعدت السماء وتحركت الأنواء المناخية لتطيح بالجسور وتغرق القرى والمدن وتحطم الشوارع وتقلع الأشجار وتطيح بالجسور، فهبت حينها كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ومؤسسات المجتمع والأفراد والجماعات لتلبي نداء الوطن لترسم أروع وأجمل لوحة من التكاتف الوطني لنجدة الناس والمدن المتضررة، وقتها كانت هي الأولوية العليا الوحيدة والقصوى لكل تلك المؤسسات فشمخت بعنفوان الرجل الواحد ليزيل كل آثار إعصار جونو المدمرة.
إنه فقه الأولويات الذي فرض نفسه على كل المشهد الوطني بكل تفاصيله.
وبعد ذلك بدأت جائحة كورونا التي أثرت على حركة المجتمع فكان من آثارها بطء الحركة الاقتصادية لتنكمش، وليتزامن ذلك مع انخفاض أسعار بيع النفط إلى ما دون الـ28 دولارًا، ليتراجع النمو الاقتصادي العالمي، وتتأثر جميع الدول المعتمدة على واردات بيع النفط والغاز.
هنا لجأت بعض الدول لمعالجة تلك الآثار بتطبيق خطط التوازن المالي لكي تعيد بناء الأولويات الوطنية بالحفاظ على كيان الدولة كتسديد الديون الخارجية وتقليل الإنفاق وضبط جودته ومنع الهدر وفرض مختلف أنواع الضرائب تحت مسميات عديدة هدفها النهائي رفع من واردات الدولة لتتمكن من تسديد ديونها السابقة وتبدأ بإعادة تحريك قطار التنمية من جديد. ودول أخرى قامت بإعادة توجيه مواردها المالية لتحفز اقتصادها بفروعه المتعددة ليكون كجرعات أوكسجين لإنعاش الجسد الاقتصادي وتحريك السوق وتحفيز النمو وتوسيع الأعمال وتوفير الوظائف من جديد للمجتمع. ودول أخرى كالصين مسكت العصاة من المنتصف فجمعت بين التوجهين، لتعود لتحقيق مستويات نمو متسارعة فتسبق العالم.
استطعنا أن ننجح في تطبيق التوازن المالي ولكننا للأسف لم نسع إلى تطبيق التوازن الاقتصادي، وبينهما فارق عظيم؛ فالتوازن المالي مكَّننا من السيطرة على الدين العام من خلال إجراءات طُبقت على فئات المجتمع، ولكن بسبب عدم تطبيق مفردات وخطط التوازن الاقتصادي لم يساعدنا على توسيع قاعدة أنشطة اقتصادية جديدة لتساهم في دوران العجلة الاقتصادية لأسباب عديدة؛ منها: عدم القدرة على تحفيز الاستثمارات المحلية بقوة ولا جلب الاستثمارات الأجنبية الحقيقه بكثافة، رغم الجهد المبذول في تغيير القوانين، لكننا وجدنا أنفسنا في دوامة عدم التكامل وتبسيط الإجراءات وعدم الشفافية الإحصائية.
وعدم توسيع القاعدة الاقتصادية جعلنا نشاهد حدوث تغيرات اجتماعية لم نعهدها من قبل منها التسريح الجماعي للقوى البشرية العمانية، ازدياد عدد الباحثين عن عمل، وبتعبير آخر انتشار البطالة بين الفئات العمرية الشابة، لتتخطى أعدادهم 150 ألفًا تقريبًا، في مجتمع لم يتجاوز تعداده السكاني الوطني 3 ملايين مواطن، لتكون بذلك شريحة عريضة مُعطَّلة قدراتها ولا تنتج لتطوير الاقتصاد.
هذا الوضع انعكس على انتشار صور العوز والفقر بين فئات المجتمع، فانتشرت مشاهد مؤلمة؛ حيث النساء والصبية يبيعون الشاي والماء ومختلف الأغذية بالشواع بحثا على لقمة كريمة.
وقد كثرت وتعددت الدعاوى القانونية ضد المُسرَّحين الذين توقف مصدر رزقهم فجأة، فلم يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم المالية (القروض)، فوجدوا أنفسهم خلف قضبان السجون وبيعت ممتلكات البعض منهم. وفي هذا السياق لا يفوتني هنا إلا أن أرفع القبعات احترامًا وإجلالًا للجمعيات والفرق الخيرية المنتشرة في ربوع الوطن التي بادرت بكل وفاء بواجب توفير نوع من المساعدات الاجتماعية لتلك الفئات المتضررة.
وأزمة الباحثين عن عمل أصبحت الآن بمرتبة الأولوية الوطنية الأولى العليا بلا منازع، حتى إنها قد سبقت وعلت على بقية الأولويات المالية الأخرى؛ فحفظ المجتمع أولى وأسمى من أي أهداف أخرى.
إن فقه الأولويات والمنطق يُعيد لنا توجيه ترتيب الأولويات والأهداف الوطنية ليقرر أن معالجة الأزمة الاجتماعية الحادة هو الواجب الحالي والتركيز عليها بفاعلية من دون تأخير ولا تردد، لما لها من إنعكاسات سلبية على المستوى الوطني، فيتم بذل كل الجهود في التوظيف والتشغيل وكذلك التمكين للشباب العاطل والمسرحين كطرف في معادلة الحاضر، والإعداد للمستقبل بزيادة البعثات الداخلية مع توفير مخصصات مالية لكل مقبول للدراسة محليًا وزيادة البعثات الخارجية، إنهم جيل المستقبل وحاملين رايات التقدم، خاصةً أن الوضع المالي في تحسن بارتفاع سعر برميل للنفط الذي تجاوز 90 دولارًا علمًا بأنَّ الموازنة بُنيت على سعر 55 دولارًا، وأن الدين العام قد انخفض والتصنيف المالي قد تحسن.
لم تعد الأولوية الآن إنشاء مبانٍ حكومية جديدة ويُوجِد لها البدائل ولا حتى إقامة مشاريع لا تتماشى مع تلبية احتياجات العسر الاجتماعي الوطني التي يمكن حصرها بدفع عجلة التوظيف والتشغيل والتمكين والتمويل لأفراد المجتمع، وبرفع رواتب المتقاعدين من كلا القطاعين: كقطار منطلق بعجلة متسارعة ليصل لأهدافه الوطنية المُقدَّسة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
البورصة توقع بروتوكول تعاون مع الجامعة المصرية الروسية لتعزيز الوعي المالي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
وقع أحمد الشيخ، رئيس البورصة المصرية، والدكتور شريف فخرى محمد عبدالنبي، رئيس الجامعة المصرية الروسية، بروتوكول تعاون داخل الحرم الجامعى فى مدينة بدر بمحافظة القاهرة، وذلك بهدف تعزيز الوعي المالي بين طلاب كليات الجامعة؛ ولفتح آفاق التوعية والتثقيف المالي والإقتصادي، وتأكيد الدور الحيوي للبورصة المصرية فى الإقتصاد الوطني، وترسيخ الثقافة المالية لدى مختلف فئات المجتمع خصوصاً الشباب الجامعي.
ويأتى ذلك فى إطار السعي الدائم لتعزيز قدرات الشباب ودمجهم فى المنظومة الإقتصادية؛ بما يسهم فى تأهيلهم لتلبية احتياجات سوق العمل، وتعظيم دورهم فى بناء مجتمع قوى وفاعل.
وقد صرح أحمد الشيخ، رئيس البورصة المصرية، خلال حفل توقيع البروتوكول، بأن الاستثمار الناجح يتطلب تكامل الجوانب الأكاديمية مع التطبيق العملي؛ لذلك فإن بروتوكول التعاون المُبرم يهدف إلى تعزيز الثقافة المالية لدى طلاب الجامعة وتنمية قدراتهم على إدارة مدخراتهم واستثماراتهم، بالإضافة إلى تزويدهم بالمهارات العلمية والعملية اللازمة لهذا الغرض.
أوضح رئيس البورصة المصرية، أن رؤية البورصة، ولا سيما خلال العامين الماضيين، ترتكز على تعزيز الوعي الإستثماري بين طلاب الجامعات المصرية فى مختلف المحافظات، مشيراً إلى أهمية تضمين مقررات دراسية متخصصة فى مبادئ وأساسيات الإستثمار ضمن مناهج الجامعات؛ بما يسهم فى تشكيل ثقافة مالية قوية للخريجين، وتمكينهم من إتخاذ قرارات مستنيرة فى مجالات الإدخار والإستثمار، إلى جانب تعزيز سلوك الإستهلاك الرشيد.
أضاف الشيخ، أن هذا التعاون يهدف إلى تنمية مهارات الطلاب وإعدادهم لإدارة الموارد المالية الشخصية وإتخاذ قرارات مالية سليمة، موضحاً أن البروتوكول بين البورصة المصرية والجامعة المصرية الروسية، من شأنه أن يعزز مفهوم ريادة الأعمال القائمة على المعرفة الأكاديمية والتطبيق العملي، فضلًا عن دوره فى ترسيخ الثقافة المالية بين الطلاب.
فى ختام تصريحاته، شدَّد أحمد الشيخ، على ضرورة تحرى المستثمرين لدقة إختيار شركات السمسرة، والتأكد من حصولها على التراخيص اللازمة لمزاولة نشاطها، مؤكدًا أن ذلك يمكن التحقق منه عبر الموقع الرسمى للبورصة المصرية.
من جانبه، أعلن رئيس الجامعة المصرية الروسية، أن توقيع البروتوكول مع البورصة المصرية، يُعد خطوة هامة فى ترسيخ ثقافة الإدخار والإستثمار وريادة الأعمال لدى طلاب الجامعة؛ مما يؤهلهم لإقامة وإدارة مشروعاتهم فى المستقبل؛ نظراً لتثقيفهم بشكل جيد من خلال خبراء أسواق المال فى قطاعات البورصة المصرية المتنوعة؛ ومن خلال: "ورش العمل، الندوات، المحاضرات، الزيارات الميدانية التدريبية داخل إدارات البورصة وصالة التداول"؛ لمعرفة كيفية إدارة الأموال بشكل مهنى، والتمكن من أدوات النجاح فى الأسواق المالية والمصرفية سواء: "المحلية أو الدولية".
أشار الدكتور شريف فخرى محمد عبدالنبى، إلي أن "البورصة" تُعد من أحد أساليب الإستثمار شرط أن يكون المستثمر على قدر كاف من ثقافة التعاملات والتداول بشكل وافي، وذلك من خلال الشركات المرخص لها التعامل والتداول لحساب الغير داخل البورصة، منوهاً أنها تسمح للمستثمر بتعدد إستثماراته فى أكثر من قطاع صناعى أو تجارى؛ نظراً لتنوع أسهم الشركات المسجلة فى البورصة وإختلاف الأنشطة التى تعمل فيها تلك الشركات أو المصانع.
فى الموضوع ذاته، رحبت الدكتورة الطاهرة السيد، عميد كلية الإدارة والإقتصاد وتكنولوجيا الأعمال الجامعة الروسية، بالتعاون والشراكة مع البورصة المصرية كونها تمثل سوق الأوراق المالية الرسمية فى مصر، والجهة المنوط بها نشر الثقافة المالية بين أفراد المجتمع، لافتةً لحرص إدارة الكلية على تزويد أبنائها الطلاب بالمعرفة والمهارات اللازمة؛ للمساهمة فى إعداد خريج قادر على إقتحام سوق العمل سواء: "المحلى، الإقليمى، أو الدولى"؛ للمساهمة فى بناء إقتصاد واعد لمصرنا الحبيبة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة و"رؤية مصر 2030".
فى سياق متصل، نوهت الدكتورة نهاد حسني يوسف، المدرس بقسم المحاسبة فى كلية الإدارة والإقتصاد وتكنولوجيا الأعمال بالجامعة المصرية الروسية، أن بروتوكول التعاون خطوة إستراتيجية رائعة نحو تعزيز الوعي المالي بين طلاب الجامعة؛ بما يُساهم فى إكتساب المعرفة العملية حول أسواق المال والكيانات المصرفية، و إعداد الكوادر الشابة المؤهلة التى تدفع الإقتصاد المصري للتطور.. مشيرةً أن البورصة المصرية تلعب دوراً محورياً فى الإقتصاد لتوفيرها فرص إستثمارية متنوعة؛ مما يصب فى مصلحة الطلاب بعد تخرجهم.