كيف نجت النباتات المزهرة من المذنب الذي قضى على الديناصورات؟
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
كشف فريق بحثي دولي بقيادة علماء من جامعة باث البريطانية أن النباتات المزهرة نجت نسبيا من الانقراض الجماعي الذي قتل الديناصورات قبل 66 مليون سنة، بل ساعدها هذا الحدث المدمر على أن تصبح النوع السائد من النباتات اليوم.
وسميت هذه الحادثة بانقراض العصر الطباشيري-الباليوجيني، وفيه اختفت من على كوكب الأرض 3 أرباع الأنواع النباتية والحيوانية، بما في ذلك الديناصورات، ولكن حتى الآن لم يكن من الواضح مدى تأثيرها على النباتات المزهرة.
وكانت الدراسات الجيولوجية الأولى للصخور الخاصة بتلك الفترة قد لاحظت وجود مستويات عالية من معدن الإيريديوم، وهو نادر في القشرة الأرضية، ولكنه متوفر بكثرة في الصخور السماوية، مما دفع العلماء إلى تصور أن الانقراض كان بسبب مذنب أو كويكب ضخم بقطر 10 إلى 15 كيلومترا ضرب الأرض في فوهة تشيكسولوب، والموجودة الآن في شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك.
وبحسب الدراسة التي نشرها هذا الفريق في دورية "بيولوجي ليترز" فإن النباتات لا تحتوي على هياكل عظمية لتترك أحافير في الصخور، لكن تحليل الطفرات في تسلسل الحمض النووي الخاص بآلاف الأنواع من النباتات المزهرة، بطرق إحصائية معقدة، يمكن أن يستخدم لتقدير معدلات الانقراض عبر الزمن الجيولوجي كله، حيث تكون معدلات الطفرات أقل من المعتاد إذا كانت كمية كبيرة من أعداد الكائن الحي قد انقرضت وتبقى منها عدد قليل، والعكس صحيح.
ويرى الباحثون أنه بعد انقراض معظم الأنواع النباتية والحيوانية على الأرض استفادت النباتات المزهرة من توفر الغذاء وسيطرت على سطح الكوكب مثلما فعلت الثدييات بعد انقراض الديناصورات، حيث أصبحت المسيطرة كذلك على سطح الأرض.
وبحسب بيان صحفي أصدرته جامعة باث، فإن هذا هو السبب في أنه من بين حوالي 400 ألف نوع من النباتات التي تعيش اليوم، هناك حوالي 300 ألف منها نباتات مزهرة. ومن هذه النباتات التي قاومت الانقراض وبقيت على الأرض، السحلبية والمغنولية كبيرة الأزهار، وتستخدمان الآن نباتات زينة، والأقحوان والبطاطس والنعناع.
ويقترح الباحثون أن السبب في نجاة النباتات المزهرة رغم ضعفها الظاهر وعدم قدرتها على الحركة (كالحيوانات مثلا)، هو أنها أكثر قدرة على التكيف، فهي تستخدم مجموعة متنوعة من آليات نثر البذور والتلقيح، وقد طور بعضها طرقا ممتازة لإجراء عملية التمثيل الضوئي في عالم بلا شمس لفترة طويلة نسبيا.
حيث يعتقد العلماء أن الضربة التي تلقتها الأرض وما تلاها من حرائق واسعة تسببت في إطلاق كم هائل من الغبار والسخام في الغلاف الجوي، تسبب في حجب الغالبية العظمى من إشعاع الشمس لفترة طويلة تبدأ من أشهر وربما امتدت لسنوات، مما تسبب بدوره في انخفاض درجة الحرارة عالميا بشكل كبير.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من النباتات
إقرأ أيضاً:
يسألونك عن لبنان
استوقفني أحدهم سائلا: لوين رايحة الأمور بلبنان؟؟ تأملت هنيهة وحدّثت نفسي: وهل المسألة مرتبطة بلبنان فحسب أم بالعالم كّله؟! فالأزمة والتهديد وغياب الاستقرار يكاد أو إنّه واقعا يصيب العالم بأسره، حتّى أولئك الذين افترضوا أنّهم صاروا بعيدين عن الاهتزازات والتوترات والصراعات كدول الرفاه الليبرالية.
إنّ الأمن العالمي يمرّ حاليا بأضعف لحظاته منذ الحرب العالمية الثانية، كما تحدث رئيس جهاز المخابرات الروسية منذ أيام قليلة مضت. العالم كلّه يمور ويهتّز ويدخل في لحظة إعادة فك وتركيب أو لا تركيب، كأنّه أمام ولادة قيصرية جديدة. إذا نظرنا بالدائرة الأوسع، أي العالمية، سنجد أنّ نسبة التسلح ارتفعت بشكل مريع في العامين الأخيرين (24-25) مقارنة بسابقاتهما من الأعوام، أمّا البنك الدولي فيتوقع انخفاض النمو العالمي وتعثر النمو نتيجة استمرار عدم اليقين بحسب ما صدر عنه كما، ونلحظ تراجع الديمقراطية عالميا وتراجع السلوك الديمقراطي حتّى في أعرق الديمقراطيات. ففي آخر تقرير صادر عن مؤشر الديمقراطية، فإنّ التقرير يشير إلى أنّ أمريكا لم تعد دولة ديمقراطية إنّما سلطوية تمارس انتخابات!! هذه المؤشرات الكلية وغيرها تساعدنا أكثر في فهم اللحظة التاريخية وأبعادها.
أمّا أمريكا باعتبارها الدولة الأكثر تأثيرا، فإذا دققّنا بحالها فستجد تزايد التوّتر واللاستقرار الداخلي وكذلك مع دول الجوار، ويحذر الخبراء من ركود تضّخمي يؤدي إلى رفع كبير للأسعار ومديونية تقترب من 36 ألف مليار دولار، ويُلحظ انخفاض واضح بثقة العالم بالدولار، واستقطاب عامودي في المجتمع، ونهاية دور سلطة القضاء مقابل سلطة الرئيس التنفيذية.
وفي نظرة فاحصة في الغرب سنجد أنّه دخل لحظة الطلاق، أو بالحد الأدنى افتراق الرؤى بين ضفتيه الأوروبية منها والأمريكية. فمسار التباعد يزداد في الرؤى والتحديات والأولويات وقد يصل إلى الانفصال، وقد يتداعى حلف الناتو إذا أصر ترامب على سيره (ويرجّح أن يُكمل سيره).
أمّا فرنسا الدولة العتيدة فهي تستعد لإعلان مرحلة ما بعد الجمهورية الخامسة بعد الإعضال السياسي الذي دخلته منذ حل الرئيس البرلمان، ناهيك عن كسر العرف باختيار الرئيس للحكومة من الكتلة الأكبر حتّى كأنّها صارت نظاما رئاسيا بدل أن يكون شبه رئاسي.
وإيطاليا لم تواجه في تاريخها هذا التشكيك بقيادتها السياسية والاتهام منذ خمسينات القرن الماضي. أمّا إسبانيا فتميّزت بمواقف متقدمة في رؤيتها للصراع وموقفها منه كما في عدم مجاراتها الرئيس ترامب برفع سقف الإنفاق العسكري إلى 5 في المئة من الناتج المحلي.
أمّا منطقتنا فحدّث ولا حرج، فإسرائيل بعد عامين تدخل في إحباط شديد، حيث لم تُسفر آلة القتل والإجرام إلا عن انكشاف وجهها، وهيجان واحتقان عالمي بوجهها، وباتت إسرائيل أخرى غير التي عرفها العالم من قبل، صارت على حقيقتها وكما هي فعلا: بؤرة تطرف وعنصرية. علاقتها بأمريكا تدخل لحظة، حرجة ليس بمعنى الافتراق فهذا متعذر على إسرائيل، لكن بمعنى عدم تطابق المصالح إلى حد محو الهامش الذي طالما أخذته إسرائيل في علاقتها بأمريكا، كأنّ أمريكا اليوم صارت أكثر إدراكا لمخاطر السير الكامل في الأجندة الإسرائيلية ومخاطر ذلك على مصالحها. فالتجربة أنبأت وأكدت أنّ نتنياهو لا يقدر على تغيير منطقة ولا على نصر حاسم، ولا حتّى على تطويع مقاومة غزّة رغم كل الوقت والفرصة والظروف التي وفرّت له. فيبدو أنّ المصالح بين نتنياهو وبين ترامب لم تعد متوافقة تماما، وكما عبّر ترامب أنّه أدرى بمصلحة إسرائيل من نتنياهو، ولذلك جاء قرار إيقاف الحرب أمريكيا ومتجاوزا كل الارتدادات السيئة على نتنياهو بالذات.
أمّا الدول العربية فلا تجد واحدة منها مستقرة فعلا، فالكل إمّا قلق ومهّدد بالفعل أو بالقوّة، أي تتهددّه الرياح وتقترب منه ولو بعد حين إن كنّا نتحدث عن دول الخليج أو الشامات أو المغرب العربي.
أمّا تركيا ورغم نجاحاتها في التقدم وحاجة أمريكا لها لكنّ الحالة الاقتصادية فيها متردية (وصل سعر الدولار لحوالي 43 ليرة تركية)، والانقسام السياسي في أوجه، فممثل نصف الشعب في السجن، وغير واضحة تداعيات المسألة السورية عليها في ظل ضبابية الصورة وغياب الأفق وصعوبة احتواء مسارها، فهي أشبه بكرة لهب، وصدام النفوذ بين تركيا وإسرائيل سيفتح على تحّديات جديدة.
أمّا إيران فلا زالت تعاني من ضغوط كبيرة، ولا وضوح في أفق التفاوض ونهاية المسار النووي. وهي تسير موضوعيا إلى تعميق التقاطعات بينها وبين الصين وروسيا، بينما تترقّب بين فينة وأخرى ساعة الصدام الكبير بينها وبين أمريكا وإسرائيل.
أمّا باكستان وأفغانستان فهما في صراع مجددا. أمّا الصين فكأنّها باتت أكثر قناعة بملحاحية المقاربة الأمنية وعدم الاقتصار على المقاربة الاقتصادية، فالمقاربة الاقتصادية الصرفة لن يكون بمقدورها دفع محاولات تطويقها أمريكيا. وهي تتّجه مع روسيا وإيران لمزيد من التساند في الملفات الصراعية التي يحاول أن يفرضها الغرب، فضرورات التعاون تتخطى الهواجس والسياسات التقليدية، فضعف أي منهم سيعني ضعفا وتراجعا للآخر.
خلاصة القول أنّ العالم كلّه في تأرجح واهتزاز ولا استقرار، وأنّ داخل الدولة كما خارجها صار محلا للتوتر والافتراق، والحدود صارت رخوة أكثر منها حدودا جامدة، وإخفاق الإفراط باستخدام القوّة صار ماثلا بعد عامين من حرب فشلت في تحقيق أي من أهدافها في غزّة، وأنّ القوّة الأكبر عالميا لم تهتد إلى خطة عمل متسّقة، بل تتنقل بين الملفات دون أن تنجح أو تُقفل أي منها، وهي تشبه في ذلك إسرائيل وضرباتها في كل اتجاه خلال العامين دون أن تصل إلى نتيجة حاسمة في أي من ساحات المعركة.
أمّا لبنان، البلد الصغير نسبيا والحساس في لعبة الجيوبوليتيك والمصالح والتوازن وصناعة الفعل في الواقع العربي والمنطقة، فهو لم يغادر مساحات القلق والتوتر والانقسام واللا استقرار منذ تأسيسه، إلا أنّه لا زال يتميّز بشعب حيوي سرعان ما استعاد عافيته، ونقاط قوّة فعلية تحول دون تطويعه أو تمكن المشروع الأمريكي- الصهيوني منه، فإنّه لا زال عقبة فعلية أمام المشروع الإسرائيلي في التوّسع. الحرب العالمية (حرب الـ66 يوما) عليه لم تسقطه أو تجعله في الفلك الأمريكي، وأي حرب مستقبلية عليه غير مضمونة النتائج، وقد تنقلب على إسرائيل.
أمّا احتواء لبنان من خلال خطة "سلام ترامب" فيبقى أُمنية ورغبة أكثر منها واقعا، إذ إنّ فرص نجاح خطة السلام يكاد يكون معدوما. وممارسة سياسة الضغوط طالما تمّ تجريبها ولم تمنع لبنان من استمرار تعزيز أوراق قوّته، فلبنان اليوم رغم ما يواجهه من ضغوط وتحديات إلا أنّه شريك في صوغ معادلة إقليمية، وهو جزء من صناعتها كما غزّة، وهذا جديد مهم في حياة لبنان السياسية منذ استقلاله، حينها كان منفعلا ومنعزلا بدعوى أنّه سويسرا في الشرق، لكنّه اليوم جزء حقيقيا في صناعة مستقبل الشرق وبالتالي الغرب.
لذلك ندّعي أنّ الصمود الذي أبداه لبنان وغزّة وعموم جبهات المقاومة كان علامة حديثة وفارقة -رغم انتقادات البعض وتقليل أهمية ما حصل- في تجربة الصراع، لكنّ هذا الصمود أبقى جبهة المقاومة في الميدان وأكّد متانتها وتجّذرها وحيوية مجتمعاتها.