ما بعد بريغوجين: هل يتولى جنرال وضابط مخابرات زمام أمور فاغنر في أفريقيا؟
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
إعداد: فرانس24 تابِع إعلان اقرأ المزيد
لقد وصلا إلى العاصمة المالية باماكو يوم السبت 16 سبتمبر/أيلول. كان من المقرر أن يلتقي يونس بك إيفكوروف، نائب وزير الدفاع الروسي، وأندريه أفيريانوف، الجنرال في المخابرات العسكرية الروسية مرهوبة الجانب، بقادة سياسيين من مالي وبوركينا فاسو وحتى من النيجر، وفقا لوسائل الإعلام المحلية ومصادر مختلفة على تطبيق تلغرام.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها هذا الثنائي أفريقيا. في الواقع، يبدو أن الرجلين تقاسما العديد من الزيارات للقارة منذ وفاة يفغيني بريغوجين... بل وحتى قبل ذلك بقليل. كان يونس بك إيفكوروف، الذي يرافقه دائما أندريه أفيريانوف، في ليبيا – إحدى القواعد الأفريقية الرئيسية لمرتزقة فاغنر – في اليوم السابق على تحطم طائرة رئيس المجموعة بريغوجين ومسؤولون آخرون في المجموعة شبه العسكرية، في 23 أغسطس/آب 2023.
إيفكوروف، صانع السلامهذه الرحلة الجديدة للقاء كبار الشخصيات الأفريقية في مالي ليست مصادفة البتة. فقد كان على الرجلين أن يقابلا ممثلي هذه الدول ويتحدثا معهم حالين محل الراحل يفغيني بريغوجين. وهكذا يلعب القائدان الروسيان بورقة الاستمرارية "من أجل الإشارة إلى محاوريهما أن موسكو لا تزال ملتزمة بدعم الحكومات المحلية" كما يؤكد رايلي مويدر، المتخصص في شؤون أفريقيا في معهد نيو لاينز، وهو مركز أبحاث جيوسياسي أمريكي يبحث في الدور الذي لعبه مرتزقة فاغنر في القارة الأفريقية.
كان نائب وزير الدفاع الروسي قد زار بالفعل مالي وبوركينا فاسو في الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول الجاري لطمأنة السلطات المحلية بأن موسكو "ستفعل كل ما بوسعها لمساعدتها" حسب صحيفة "نيويورك تايمز" في تحقيق حول مستقبل "إمبراطورية فاغنر الأفريقية" نشر في 8 سبتمبر/أيلول.
وهكذا حل كلٌ من يونس بك إيفكوروف وأندريه أفيريانوف كخلفاء لرئيس فاغنر الراحل في القارة في أعين القادة الأفارقة. لا سيما وأنهم، كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، قد التقوا ببعض المرتزقة الذين ظلوا هناك. حتى إن العديد من وسائل الإعلام قدمت جنرال المخابرات العسكرية الروسية أندريه أفيريانوف على أنه "خليفة بريغوجين" في أفريقيا.
وفي الواقع، فإن السيرة الذاتية للرجلين تعد مناسبة تماما لشغل الوظيفة التي احتلها سابقا رئيس فاغنر الراحل. ويؤكد إيفان إرميشتش، المتخصص في السياسة الخارجية الروسية في المركز الدولي للدفاع والأمن في إستونيا، بأن نائب وزير الدفاع لديه أيضا العديد من الأوسمة والنياشين وهو ما يجعله "يتمتع بسمعة طيبة كخبير استراتيجي عسكري في موسكو". أي ما يكفي للسماح له ربما بفرض احترامه على مرتزقة فاغنر.
ولكن قبل كل شيء، يتمتع يونس بك إيفكوروف بسمعة راسخة كصانع سلام ومفاوض ورثها منذ وقت الحرب في إنغوشيا. فقد أدار هذه الجمهورية الروسية من عام 2008 إلى عام 2019، في وقت كانت فيه "هذه المنطقة معروفة بأنها أكثر عنفا من جمهورية الشيشان نفسها"، كما يؤكد إيفان إرميشتش الذي عمل على هذا الجزء من روسيا. وعند مغادرة منصبه "ترك إنغوشيا أكثر أمانا، دون استخدام الأساليب القمعية التي اتبعها رمضان قديروف في الشيشان".
أما بالنسبة للكرملين، فإن إيفكوروف لديه براعة دبلوماسية معينة تناسب تماما الشخص الذي يجب أن يكون "الوجه الجديد للعلاقات بين الكرملين والأنظمة الأفريقية"، كما يؤكد أندرياس هاينمان-غرودر، المتخصص في شؤون روسيا الذي عمل على تحليل المجموعات شبه العسكرية خاصة في جامعة بون الألمانية.
أفيريانوف وفرقة الاغتيال في المخابرات العسكرية الروسيةبالطبع لا تعد هذه، بداهة، نقطة قوة أندريه أفيريانوف. فقد اشتهر هذا الجنرال بقيادة الوحدة رقم 29155 سيئة السمعة التابعة للمخابرات العسكرية، والمتخصصة في التخريب والاغتيالات. وهي الوحدة التي يشتبه بأن رجالها قد حاولوا تسميم العميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال في عام 2018، وتفجير مستودع ذخيرة في جمهورية التشيك في عام 2014 ومحاولة تنظيم انقلاب موال لصربيا في جمهورية الجبل الأسود في عام 2016.
بعبارة أخرى، إن أندريه أفيريانوف المسؤول الذي نستدعيه "عندما نريد أن نجعل شخصا ما يختفي"، هكذا يلخص أندرياس هاينمان-غرودر. لكن ما هي فائدته في أفريقيا؟ يعتقد إيفان إرميشتش أن أفيريانوف "يمكن أن يسهم في ضمان شكل معين من الأمن للأنظمة القائمة، سواء من خلال توفير خدمات الحراسة الشخصية، أو أيضا تدريب الأجهزة الأمنية مبادئ عمليات الاغتيال الاستهدافي".
لكن أندريه أفيريانوف ليس مجرد قاتل بدم بارد. "فطوال حياته المهنية كعميل مخابراتي قبل توليه إدارة الوحدة 29155، قام بعمليات خاصة في أفغانستان والشيشان وحتى شبه جزيرة القرم. وهذا النوع من العملاء يفترض فيه القدرة على اتخاذ المبادرات على أرض الواقع، وتجنيد العناصر المحلية وصنع الحلفاء" حسب جيف هاون، المتخصص في الشؤون الروسية ومستشار معهد نيو لاينز.
وهي مواصفات تجعله المرشح المثالي للتفاوض مع المجموعات العسكرية المحلية والقيام بما كان يقوم به عادة مسؤولو فاغنر عند وصولهم إلى بلد جديد في أفريقيا.
لذلك يبدو يونس بيك إيفكوروف، السياسي الماهر، وأندريه أفيريانوف، عميل المخابرات الخارق، مختلفين بقدر ما هما متكاملان. لكن كلاهما يتمتع بصفة مشتركة تميزهما بوضوح عن يفغيني بريغوجين: "كلاهما جنديان مخلصان ولديهما شخصية أكثر كتمانا من رئيس فاغنر السابق"، كما يلخص جيف هاون.
المزيد من الدعم الرسميإن صفة "الولاء تمثل حاليا الأهمية القصوى في نظر فلاديمير بوتين" كما يؤكد إيفان إرميشتش. وهي الصفة التي يجب أن تتوافر في أولئك الذين قد يطمحون إلى تولي الشؤون الأفريقية محل يفغيني بريغوجين الذي، بعد محاولته الفاشلة للتمرد ضد وزارة الدفاع، بات تجسيدا للخيانة في نظر الرئيس الروسي.
لكن هل يكفي ذلك لوضع مفاتيح مجموعة فاغنر في أفريقيا بين يدي هذا الثنائي؟ من المؤكد أنهما سوف يلعبان دورا أساسيا، ولكن ليس بوصفهما القائد الوحيد والربان الأوحد، كما يعتقد عدد من الخبراء الذين حاورتهم فرانس 24. "فنحن في حالة تحول حاليا من نظام عمليات شبه سرية إلى نظام دعم أكثر رسمية بكثير للأنظمة القائمة، وهذان الرجلان [كممثلين للدولة - أسرة التحرير] يجسدان هذا التطور والتغير الإستراتيجي" كما يقول أندرياس هاينمان-غرودر.
لكن هذا لا يعني أن الهياكل التي أنشأتها فاغنر سيتم استيعابها ببساطة في وزارة الدفاع. فرايلي مويدر يؤكد أن "نموذج التنظيم والإدارة اللامركزية للغاية الذي أنشأته فاغنر في أفريقيا لا يزال مفيدا لموسكو".
فهذه المجموعة من المرتزقة تتمتع بأداء مرن للغاية "مما يسمح لها بتكييف عروض خدماتها مع الاحتياجات المحددة لكل بلد"، يقول هذا الخبير متابعا. فعلى سبيل المثال، الحالة في مالي في ظل حتمية مكافحة الإرهاب لا علاقة لها بالعمليات الجارية في جمهورية أفريقيا الوسطى حيث تسعى فاغنر قبل كل شيء إلى تأمين أنشطة التعدين المربحة للغاية.
ناهيك عن أن فاغنر تدير أيضا عمليات دعائية في العديد من البلدان... إضافة إلى إدارة مصنع جعة ومعمل تقطير فودكا في جمهورية أفريقيا الوسطى. يقول جوزيف سيغل، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية لأفريقيا في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، في مقال نشر على موقع "ذي كونفيرسيشن": فاغنر مزيج من الأنواع التي تتطلب "مستوى عال من البراعة لا يتمتع به جهاز دولة مركزي مثل البيروقراطية الروسية".
أخيرا، سيظل من المفيد السماح للمرتزقة بالتصرف بمفردهم، فذلك سيسمح لموسكو بالاستمرار في إنكار أي تورط رسمي في حالة حدوث انتهاكات في بلد ما.
وهكذا، يشارك يونس بك إيفكوروف وأندريه أفيريانوف في المرحلة الأولى من إعادة تنظيم العمليات الروسية في أفريقيا. يلخص أندرياس هاينمان-غرودر بالقول إن "موسكو تريد أن تظهر أن هناك اتجاها سياسيا محددا بوضوح، وأن المرتزقة سيستمرون في الوجود ولكن باستقلالية أقل".
وإذا كانت موسكو تتحرك ببطء في السيطرة على المجموعة؛ فذلك لأن لفاغنر في أفريقيا مصالح مالية مفهومة جيدا أيضا. فرايلي مويدر يؤكد أن "هناك شبكة كاملة من الأوليغارشية ورجال الأعمال الذين يستفيدون ماليا من أنشطة فاغنر من خلال شبكة من الشركات الوهمية والذين لديهم مصلحة أكيدة في ضمان بقاء النظام على ما هو عليه". ويجب على موسكو أن تضمن استمرار الجميع في إيجاد المكان المناسب لهم.
النص الفرنسي: سيباستيان سايبت | النص العربي: حسين عمارة
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الملك تشارلز الثالث فيضانات ليبيا زلزال المغرب ريبورتاج يفغيني بريغوجين روسيا مجموعة فاغنر الروسية أفريقيا مالي بوركينا فاسو جمهورية أفريقيا الوسطى فاغنر فی أفریقیا یفغینی بریغوجین المتخصص فی فی جمهوریة العدید من کما یؤکد
إقرأ أيضاً:
جاسوس لروسيا خطط للتحكم بممرات التهريب في ليبيا عبر جيش من المرتزقة
كشفت صحيفة التلغراف، أن المدير الهارب لشركة التكنولوجيا الألمانية "وايركارد"، يان مارسيليك، خطط لإنشاء قوة من 15 ألف مرتزق للسيطرة على حدود في طريق الهجرة الرئيسي عبر ليبيا.
وأشارت في تقرير ترجمته "عربي21" إلى أن تسليح ممرات المهاجرين، كان هدفا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأن قضية الهجرة باتت عاملا رئيسيا مؤثرا في الانتخابات بأوروبا.
وقالت الصحيفة إن مارسيليك مطلوب منذ عام 2020، عندما انهارت "واير كارد"بفضيحة مالية بلغ حجمها 1.9 مليار يورو، وتمكن من الفرار بطائرة خاصة من النمسا وهو مدرج منذ ذلك الحين على قائمة الإنتربول للمطلوبين.
ولفتت إلى أنه اشترى شركة عسكرية خاصة ونجح في نشر أول قوات روسية على الأرض في ليبيا.
واعتبرت الصحيفة أنه يمكن الآن تأكيد أن مارسيليك، كان جاسوسا يعمل لصالح الكرملين، وخطط للسيطرة على ممرات الهجرة، بمساعدة دولة حليفة لبريطانيا.
وقدم مسؤولون حكوميون نمساويون في عام 2017 تعهدا باستثمار أكثر من 120 ألف يورو لدعم خطة مارسيليك، التي ادعى أنها ستحل أزمة الهجرة في الاتحاد الأوروبي. لكن في الواقع، كان الأمن الخاص بالمشروع تحت إشراف عقيد مشتبه به في الاستخبارات العسكرية الروسية .
وبالتزامن مع محاولاته لإنشاء مليشيات للتأثير على الهجرة، اشترى مارسيليك شركة عسكرية خاصة روسية تدعى "آر أس بي جروب" والتي قدمت دعما للجنرال الليبي خليفة حفتر.
وقالت إن المجموعة انخرطت في اتفاقيات أمنية في السودان، إلى جانب مجموعة فاغنر، التي لعبت دورا كبيرا في تأجيج عدم الاستقرار في إفريقيا.
وأكدت مصادر أمنية أن المرتزقة الروس، بما في ذلك مجموعة فاغنر، يساهمون في زيادة الهجرة من خلال تصعيد عدم الاستقرار والعنف في المناطق التي يسيطرون عليها، فضلا عن دفع المهاجرين إلى الحدود ودعم المهربين.
وبعد مقتل يفغيني بريغوجين، زعيم فاغنر، في 2023، شارك مارسيليك في إعادة تنظيم مصالح المجموعة في إفريقيا.
وخلال فترة عمله في واير كارد، عقد مارسيليك اجتماعات مع كيليان كلاينشميدت، وهو خبير إنساني سابق في الأمم المتحدة، لمناقشة مشروع في ليبيا. كما حضر الاجتماعات غوستاف غوستيناو، الذي كان حينها عميدا في وزارة الدفاع النمساوية.
وبحسب وثائق وقع العميد إعلان نوايا بتقديم 20,000 يورو لدعم المشروع، فيما تم الوعد بـ 100,000 يورو أخرى من قبل وزارة النقل والابتكار والتكنولوجيا النمساوية. ومع ذلك، لم يتم دفع هذه الأموال.
كلاينشميدت قال إن فريقه كان يهدف إلى تقديم المساعدات وإعادة إعمار ليبيا، لكنه بدأ يشك في نوايا مارسيليك الحقيقية.
في اجتماع عام 2018 في فيلا مارسيليك في ميونيخ، أوضح الأخير أن هدفه الأساسي هو إغلاق الحدود من خلال قوة شرطة حدودية قوامها 15,000 جندي، مكونة من مليشيات سابقة.
وفشل المشروع في عام 2018 بسبب مخاوف فريق كلاينشميدت بشأن الأهداف الحقيقية وعدم قدرة مارسيليك على تقديم التمويل.
وفي ذلك الوقت، كان مارسيليك قد استحوذ بالفعل على المجموعة الروسية، مما سمح للمرتزقة الروس بدخول ليبيا تحت ستار "إزالة الألغام". لاحقا، فتحت هذه الخطوة الباب لدخول فاغنر إلى المنطقة.