جمال بن ماجد الكندي

تستضيف العاصمة السعودية الرياض وفدًا من جماعة أنصار الله اليمنية لإحياء عملية السلام في المنطقة، ووضع النقاط على الحروف النهائية لإنهاء حرب استمرت تسع سنوات.

وتأتي هذه المباحثات برعاية عُمانية، وهي النسخة الثانية بعد جولة صنعاء الشهيرة التي حضرها وفد سعودي، وكانت كذلك بوساطة عُمانية.

جولة الرياض ستركز على نقاط تم مناقشتها في جولة صنعاء، ولم تُنفَّذ بالشكل المُرضي للطرف اليمني، وهي صرف الرواتب للموظفين الحكوميين المدنيين والعسكريين، ووقف إطلاق النَّار الشامل، والانتقال الى الحل السياسي، ورفع الحصار الجوي والبحري الكامل عن حكومة صنعاء، والإفراج عن كافة الأسرى والمُعتقلين لدى الطرفين.

من خلال هذه النقاط التي ذكرناها يتضح لنا أنها بنود يُراد منها الخروج من هذه الحرب الطاحنة وفق معادلة "رابح رابح" بعد إدراك الجميع أن هذه الحرب لن تقدِّم رابحًا واحدًا قويًا بالمقاييس السياسية والعسكرية لأحد الفريقين. والأجندة التي يحملها أنصار الله ويحاربون من أجلها مع حلفائهم في الداخل اليمني، تُغرِّد خارج السرب الغربي، وتتقاطع مع السياسات الخارجية الإيرانية، وتتوافق مع قوى المقاومة والممانعة في المنطقة.

فهل ستحقق جولة الرياض ما أخفقت في تحقيقه الجولات السابقة في إنهاء هذه الحرب؟!

سنحاول في هذه المقالة توضيح ذلك بالمعطيات القديمة والجديدة التي دخلت في الأزمة اليمنية.

ثمّة معادلة أدركها حلفاء أمريكا في المنطقة، وهي كلما كانت أمريكا قادرة ومستعدة للمواجهة والحرب مع إيران، يُصبح التصعيد في اليمن وعدم قبول أنصار الله في المشهد السياسي اليمني هو العنوان البارز، والتصعيد والمواجهة معها يمثل الأولوية بدلًا من التفاوض، بمعنى أن لغة التصعيد والسلاح هي التي تتقدم على لغة التفاوض، بالمقابل كلما كانت أمريكا غير قادرة على التصعيد والمواجهة في المنطقة، وفاقدةً للقدرة على مجابهة إيران عسكريًا، يتغير الحال وتصبح لغة الحوار هي السائدة والمقبولة.

ومن خلال الوقائع العسكرية في الحرب اليمنية ندرك أن القدرة الأمريكية على خوض حرب شاملة مع إيران في المنطقة غير واردة في العقل السياسي العسكري الأمريكي، ومن هذه الوقائع ضرب مواقع نفطية عام 2019، والتي كانت البداية في التفكير الجدي لأخذ الطرف الثاني من المعادلة والإدراك بعدم القدرة والاستطاعة على خوض حرب شاملة في المنطقة مع من كان السبب في تطوير هذه الصواريخ والمسيّرات التي ضربت المنشأة النفطية، وهم الإيرانيون حسب الرواية الأمريكية.

ضرب هذه المنشأة من قبل أنصار الله غَيَّر المعادلة، وأصبح التفاهم والحل السياسي هو المطلب لكلا الفريقين، وطبعًا برعاية عُمانية ومحاولة تبني معادلة "رابح رابح" التي يحاول العُمانيون تقريبها لأطراف النزاع؛ بهدف تأمين الثروات النفطية، وأيضًا فك الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحُديْدة، وبعدها تبني حل سياسي شامل بدلًا عن الحل العسكري.  

هذا الحل السياسي أصبح مطلبًا دوليًا، بعدما أدرك الجميع أن سنوات الحرب في اليمن فشلت عسكريًا، وأصبح إشراك المكون اليمني المخالف لتوجهات القوى التي حاربته طوال هذه السنوات، أمرًا واقعًا لا مفر منه، والتفاوض مع "أنصار الله" يعني وجود سيناريو مثل سيناريو لبنان، فصيل داخل دولة له قوة سياسية وعسكرية معادٍ لإسرائيل وأمريكا في المنطقة وحليف لإيران. من هنا تتغير المعادلة اليمنية التي كانت قبل 2011 ذات توجه واحد وحليفةً قويةً لجارتها السعودية، بإشراك أنصار الله في إدارة البلد.

من خلال هذه المُعطيات يُدرك المُتابِع للأزمة اليمنية عدم وجود الرغبة والقدرة الأمريكية لمواجهة إيران عسكريًا في الوقت الراهن، وإعطاء الفرصة لتغيير نظامها عبر الثورات الداخلية؛ سلاح أمريكا المفضل الذي أثبت فشله حتى الآن في إيران، فكان لا بُد من اتخاذ القرار الاستراتيجي وهي عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وكان ذلك برعاية صينية عُمانية تحت العنوان الاقتصادي، من أجل ضمان أمن المنطقة، وأن هذا الأمن لا يتحقق إلّا بالمصالحة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

عودة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية ساهمت في تهدئة الأوضاع في اليمن وتسعى لإنهاء هذه الأزمة حاليًا؛ إذ خرجت جولة صنعاء بين وفد من أنصار الله، ووفد عسكري سعودي برعاية عُمانية، بعدة بنود، من بينها: فك الحصار عن مطار صنعاء، وميناء الحديدة. جولة صنعاء لم تكن مُرضية للطرف اليمني بسبب عدم الرضا الأمريكي عن الاتفاق السعودي الإيراني والذي أثّر على جولة صنعاء، لكن اليوم الولايات المتحدة مشغولة بالحرب الروسية الأوكرانية وله مشاكل اقتصادية وسياسية مع الصين، ولا يستطيع تغيير ما أفرزته حرب اليمن، من بروز تيار سياسي عسكري مُغايِر للإرادة الأمريكية في المنطقة، خاصةً مع وجود حليف قوي لأنصار الله  في المنطقة.

جولة الرياض الحالية لها معطيات خاصة، علاوة على التفاصيل التي ذكرناها وتتمثل في المباركة الأمريكية لعملية السلام- إن صح التعبير- وتبنيها الحل السياسي في اليمن، بعد أن كانت هي المحرك لهذه الحرب، وحثها أطراف النزاع على قبول الحل السياسي بعد فشل لغة السلاح، وهذا يُعطينا أملًا في نجاح هذه المفاوضات تحت الرعاية العُمانية.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جولات الجياد العربية: جولة الرياض علامة فارقة في عالم عروض الخيل العربية الأصيلة

الرياض – هاني البشر
أشادت جولات الجياد العربية (GCAT)، بالجولة النهائية التي استضافتها الرياض منذ الأربعاء الماضي والتي تختتم فعالياتها غداً السبت، والمقامة على أرض ميدان البطولة المقابل لمركز الملك عبد الله المالي “KAFD”، حيث وصفتها بالحدث المذهل بكل المقاييس، وقالت “تمثل جولة الرياض علامة فارقة في عالم عروض الخيل العربية الأصيلة”. وأضافت “تحول الموقع إلى ساحة خلابة من الألوان الأرجوانية التي عكست تمامًا عظمة الحدث، كانت الأجواء مليئة بالإثارة، حيث امتلأت المدرجات بالمشاركين والجماهير في انتظار نتائج الأشواط بفارغ الصبر”. من جهته، قال فالح النصر رئيس الجولة العالمية لأبطال الخيول العربية “نحن متحمسون لاختتام موسم 2024 في الرياض، المدينة التي تزخر بتاريخ الخيول العربية في تقاطع التقاليد والحداثة، أعجبنا بمستوى الخيول المقدمة طوال الموسم ونتطلع إلى تقديم الجوائز للفائزين المستحقين”. وأوضح النصر إن الجولة هي احتفال بالجمال المهيب للخيول العربية وتراثها الغني، وتعزيز التعاون الدولي والتبادل الثقافي، واستنادًا إلى قيمنا الأساسية المتمثلة في النزاهة والصدق والتميز، تعمل الجولة كمنصة لعرض النسيج الغني للثقافات والتقاليد من الدول المشاركة لجمهور عالمي”. وكانت جولات البطولة قد انطلقت في فبراير الماضي على أرض العاصمة القطرية الدوحة ثم أكملت محطاتها الخمسة في الإمارات، عمان، فرنسا، ثم هولندا، وإيطاليا بجوائز مالية تبلغ 27.5 مليون ريال. وشاركت في البطولة أرقى مرابط الخيل العربية الأصيلة على مستوى العالم، حيث كانت الرياض مسرحاً لمنافسة قوية لتحقيق لقب بطل جولة الرياض، وبطل جميع الجولات. الجدير ذكره أن الاتحاد السعودي للفروسية أنهى إنشاء أرينا جولة الرياض الختامية خلال 3 أسابيع.

مقالات مشابهة

  • جولات الجياد العربية: جولة الرياض علامة فارقة في عالم عروض الخيل العربية الأصيلة
  • غداً.. ختام جولات الجياد العربية (GCAT) في الرياض
  • مواجهة جديدة.. حزب الله والقوات المسلحة اليمنية يُعيدان رسم خريطة الصراع الإقليمي
  • عاجل من صنعاء.. بيان هام للمكتب السياسي لأنصار الله
  • الجياد السعودية تتألق في جولة الرياض من جولات الجياد العربية (GCAT)
  • آل شريم: الرياض أهم محطات جولات الجياد العربية
  • أكثر من 200 إعلامي في “جولة الرياض” النهائية للجياد العربية
  • الفياض: ما نشاهده في جولة الرياض يجلب الفخر
  • عاجل| أول هدية من نتنياهو إلى ترامب.. حسم ملف الحرب برعاية أوربية روسية
  • 20 حكمًا في جولة الرياض للجياد العربية