نيويورك ـ العُمانية: حصلت سلطنة عُمان ممثلة بوزارة الصحة على جائزة الأمم المتحدة للأمراض غير المعدية لعام 2022؛ نظير جهودها في مكافحة الأمراض غير السارية الناتجة عن تعاطي التبغ على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ (78) التي تُعقد أعمالها في نيويورك. تأتي الجائزة تقديرًا لجهود وزارة الصحة المتواصلة والتزامها الجلي بالعمل المتعدد القطاعات للوقاية من الأمراض غير المعدية ومكافحتها من خلال تنفيذ التغليف البسيط لمنتجات التبغ على المستوى الوطني؛ مما يُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالسيطرة على الأمراض غير المعدية في سلطنة عُمان.

تسلّم الجائزة نيابة عن وزارة الصحة، الدكتور عبدالله بن حمود الحارثي استشاري أول جراحة حوادث وعناية مركزة بوزارة الصحة عبر الاتصال المرئي. ويُعد هذا الإنجاز إضافة مهمة إلى سلسلة الإنجازات العالمية التي حصلت عليها وزارة الصحة في مختلف المجالات الصحية، وتُبرز مدى التطور الذي تشهده في ظل النهضة المتجددة، والاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة بكل مجالات التنمية لتكون في مصاف الدول المتقدمة.

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الأمراض غیر

إقرأ أيضاً:

خطاب مثير لناشطة هندية.. دافعت عن فلسطين خلال تسلمها جائزة دولية (شاهد)

قدمت الكاتبة والناشطة الهندية، أرونداتي روي، خطابا مثيرا، دفاعا عن الحقوق الفلسطينية، متهمة أمريكا والغرب بمنح "إسرائيل" الغطاء لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

جاء خطاب روي خلال بمناسبة منحها جائزة "بينتر" للقلم السنوية، والتي تقدمها  من قبل منظمة القلم منظمة القلم الإنجليزي تخليداً لذكرى الكاتب المسرحي هارولد بينتر. 

وأعلنت أرونداتي روي أن نصيبها من الجائزة المالية سوف يتم التبرع به لصندوق إغاثة الأطفال الفلسطينيين. 

يشار إلى أرونداتي روي كانت ضمن أكثر من 1000 مؤلف وكاتب محترف وقعوا على تعهد لمقاطعة المؤسسات الثقافية الإسرائيلية، أو المؤسسات أو الجهات الداعمة لها، بسبب حرب الإبادة الجماعية التي تجري في قطاع غزة.

تاليا نص الخطاب الذي ألقته بمناسبة قبولها للجائزة في داخل المكتبة البريطانية:


أشكركم، يا أعضاء منظمة القلم الإنجليزي، وأعضاء لجنة التحكيم، على تشريفكم إياي بجائزة بينتر التي تمنحها منظمة القلم. وأود أن أبدأ بالإعلان عن اسم "كاتب الشجاعة" لهذا العام، والذي اخترت أن أتقاسم معه الجائزة. 

تحياتي لك يا علاء عبد الفتاح، يا كاتب الشجاعة، ويا زميلي في الجائزة. كنا نأمل، ورجونا، أن يتم إطلاق سراحك في سبتمبر (أيلول)، ولكن قررت الحكومة المصرية أنك كاتب أجمل ومفكر أخطر من أن يتم تحريرك بعد. ولكنك موجود معنا هنا في هذه الحجرة. بل أنت أهم شخص هنا. لقد كتبت من السجن تقول "فقدت كلماتي كل القوة، ولكنها مع ذلك ظلت تنساب مني. مازال لدي صوت، حتى وإن لم يسمعه سوى حفنة من الناس." إننا نستمع لك يا علاء. وعن قرب. 

وتحياتي لك أيضاً يا حبيبتي ناعومي كلاين، الصديقة لعلاء والصديقة لي. أشكرك على وجودك هنا الليلة. وجودك بالنسبة لي يعني العالم بأسره. 

تحياتي لكم جميعاً يا من اجتمعتم هنا، وتحياتي لأولئك الذين ربما كان مخفيين عن بصر هذا الجمهور الرائع، ولكني أراهم كما أرى جميع من في هذه القاعة. أتحدث هنا عن أصدقائي ورفاقي القابعين داخل السجن في الهند – المحامين، والأكاديميين، والطلاب، والصحفيين – عمر خالد، غولفيشا فاطمة، خالد سيفي، شارجيل إمام، رونا ويلسون، سورندرا بارفيز، وماهش راوت. وأخاطبك يا صديقي خورام بارفيز، يا من هو واحد من أفضل من عرفت من الناس، وأنت تقبع في السجن منذ ثلاث سنين. وأنت أيضاً يا عرفان مهراج، ومثلك الآلاف من المحبوسين في كشمير وفي كل أرجاء البلد ممن دمرت حياتهم. 

عندما كتبت إلى في المرة الأولى روث بورثويك، رئيسة منظمة القلم الإنجليزي ورئيسة هيئة بينتر حول هذا التشريف، قالت إن جائزة بينتر تمنح لكاتب سعى لتعريف "الحقيقة الواقعية لحياتنا ولمجتمعاتنا" من خلال "تصميم فكري صارم لا يجفل ولا ينثني". هذا اقتباس من خطاب هارولد بينتر بمناسبة قبوله جائزة نوبل. 

توقفت للحظة عند عبارة "لا يجفل"، لأنني أرى في نفسي شخصاً لا يكف تقريباً عن الجفل. 
أود أن أركز قليلاً على مفهوم "الجفل" و "عدم الجفل"، والذي أفضل من يمثله هو هارولد بينتر نفسه:

"كنت حاضراً في لقاء في السفارة الأمريكية في لندن في أواخر الثمانينيات. 
"وكان الكونغرس الأمريكي على وشك اتخاذ قرار حول ما إذا كان سيقدم مزيداً من الأموال للكونترا في حملتهم ضد دولة نيكاراغوا. كنت عضواً في وفد يتحدث باسم نيكاراغوا، ولكن أهم عضو في ذلك الوفد كان الأب جون ميتكالف. كان مسؤول الفريق الأمريكي هو ريموند سيتز (حينها كان الرجل الثاني بعد السفير، ثم ما لبث بعد ذلك أن عُين هو نفسه سفيراً).


خطاب أرونداتي روي يبدأ من الدقيقة 8 حتى الدقيقة 29.20 

قال الأب ميتشيل: "سيدي، أنا مسؤول عن أبرشية في شمال نيكاراغوا. لقد شيد أعضاء أبرشيتي مدرسة ومركزاً صحياً ومركزاً زراعياً. وكنا نعيش بسلام إلى أن هاجمت قوة من الكونترا أبرشيتنا. لقد دمروا كل شيء: المدرسة، المركز الصحي، والمركز الزراعي، واغتصبوا الممرضات والمدرسات، وذبحوا الأطباء، في وحشية منقطعة النظير. لقد تصرفوا كالهمج. أرجوك طالب حكومة الولايات المتحدة بأن تسحب دعمها لهذا النشاط الإرهابي الصادم.

"كانت لريموند سيتز سمعة طيبة باعتباره رجلاً حاذقاً جداً، وعقلانياً، ولديه شعور بالمسؤولية. ولذلك كان يحظى باحترام كبير في الدوائر الدبلوماسية. استمع لمحدثيه، ثم تمهل قبل أن يتحدث بعبارات جسيمة، قائلاً: أيها الأب. دعني أخبرك بشيء. في الحرب، الأبرياء دوماً هم الذين يعانون. ساد بعد ذلك صمت رهيب، رمقناه بأنظارنا، ولكنه لم يجفل". 

تذكروا أن الرئيس ريغان كان قد وصف الكونترا بأنهم "المكافئ الأخلاقي لآبائنا المؤسسين. " ذلك أسلوب في التعبير من الواضح أنه كان محبباً لديه. فلقد استخدمه كذلك في وصف المجاهدين الأفغان المدعومين من قبل السي آي إيه، والذين تحولوا فيما بعد إلى الطالبان. والطالبان اليوم هم الذين يحكمون أفغانستان بعد أن خاضوا حرباً استمرت عشرين عاماً ضد الغزو والاحتلال الأمريكي. ولكن قبل الكونترا والمجاهدين، كانت هناك الحرب في فيتنام، والعقيدة العسكرية الأمريكية التي لا تجفل، والتي أمر الجنود بموجبها أن "اقتلوا كل شيء يتحرك".

لو قرأتم أوراق البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) وغيرها من الوثائق حول غايات الحرب الأمريكية في فيتنام، لاستمتعتم ببعض الحوارات المنعشة التي لا تجفل حول كيف ترتكب إبادة جماعية – هل من الأفضل قتل الناس ابتداءً ومرة واحدة أم تجويعهم ليموتوا ببطء؟ أيهما ستكون صورته أفضل؟ المشكلة التي واجهها الأفندية الرحماء داخل البنتاغون هي أنه على النقيض مما كان عليه الأمريكيون، طبقاً لما ذهبوا إليه، الذين يرغبون في "الحياة، والسعادة، والثروة، والنفوذ"، فإن الآسيويين "بكل رزانة يتقبلون تدمير الثروة وفقدان الأرواح" – وبذلك يفرضون على أمريكا أن "تحقق لهم الغاية من منطقهم ذاك حتى النهاية، والتي تتمثل في الإبادة الجماعية". وهو عبء رهيب لا مفر للمرء من أن يحمله على كاهله دون أن يجفل. 

وها نحن الآن، وبعد كل تلك السنين، قد مر علينا أكثر من سنة ونحن نشهد ممارسة إبادة جماعية أخرى. فالولايات المتحدة وإسرائيل، ودون أن يجفلا، ينفذان ما يتم نقله تلفزيونياً على الهواء مباشرة من إبادة جماعية في غزة، والآن في لبنان، دفاعاً عن احتلال استعماري وعن دولة أبارتايد (فصل عنصري). لقد بلغ عدد القتلى رسمياً حتى الآن 42 ألفاً، معظمهم من النساء والأطفال.

وهذا العدد لا يتضمن أولئك الذين قضوا وهم يصرخون تحت أنقاض المباني والأحياء السكنية والمدن المدمرة عن بكرة أبيها، وأولئك الذين مازالت جثثهم تنتظر من يستخرجها من تحت تلك الأنقاض. تقول دراسة نشرتها منظمة أوكسفام مؤخراً إن عدد الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل في غزة تجاوز عدد من قتلوا في نفس الفترة الزمنية من أي حرب وقعت خلال العشرين سنة الماضية. 

من باب تخفيف الإحساس بالذنب الجمعي إزاء سنواتهم الأولى من عدم المبالاة بشأن إبادة جماعية واحدة – ألا وهي الإبادة النازية لملايين اليهود الأوروبيين – مهدت الولايات المتحدة وأوروبا الأرض لارتكاب إبادة جماعية أخرى. 

مثل كل دولة مارست التطهير العرقي والإبادة الجماعية في التاريخ، بدأ صهاينة إسرائيل – الذين يعتقدون أنهم "شعب الله المختار" – بنزع الإنسانية عن الفلسطينيين قبل أن يخرجوهم من ديارهم ويقتلوهم. 

كان رئيس الوزراء مناحيم بيغن قد نعت الفلسطينيين بأنهم "وحوش تسير على قدمين". أما إسحق رابين فوصفهم بأنهم "جنادب يمكن سحقها". ومشهور عن غولدا مائير أنها قالت: "لا يوجد شيء اسمه فلسطينيون." وأما ونستون شيرشل، ذلك المحارب الشهير ضد الفاشية فقال: "لا أقر بأن الكلب في المعلف لديه الحق النهائي في المعلف، حتى وإن كان قد ربض هناك زمناً طويلاً جداً." ثم راح يعلن بأن "العرق الأسمى" هو من يملك الحق النهائي في المعلف. بمجرد أن بدأت تلك الوحوش التي تمشى على رجلين، تلك الجنادب، تلك الكلاب، وذلك الشعب الذي لا وجود له، في التعرض للقتل وللتطهير العرقي وللحبس والحصار، ولد بلد آخر، احتفل بمجيئه باعتباره "أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض".

وبذلك غدت دولة إسرائيل التي تملك الأسلحة النووية نقطة عسكرية متقدمة للغرب، ومعبراً تنفذ من خلاله الولايات المتحدة وأوروبا نحو الثراء والموارد الطبيعية التي ينعم بها الشرق الأوسط. ويا لها من مصادفة لطيفة للغايات والأهداف. 

حظيت الدولة الجديدة بالدعم بلا تردد ولا وجل، ومُدت بالسلاح وبالمال، ونالت الدلال والإشادة، بغض النظر عن الجرائم التي ترتكبها. لقد ترعرعت كطفل محمي نشأ في بيت ثري، كلما ارتكب فظاعة من الفظائع البشعة بادره والداه بالابتسام والفخر. فلا عجب أنه اليوم يشعر بالحرية في أن يتفاخر علانية بارتكابه للإبادة الجماعية. (على الأقل كانت أوراق البنتاغون سرية، ولم يفتضح أمرها إلا حينما سُرقت وسُربت). ولا عجب أن يبدو الجنود الإسرائيليون وقد فقدوا كل معاني الأدب والحشمة.

ولا عجب أن يغرقوا مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو الخسيسة لأنفسهم وهم يرتدون الملابس الداخلية لمن قتلوا من النساء أو أجلوهم عن ديارهم، وبمقاطع فيديو لأنفسهم وهم يقلدون الفلسطينيين وهم يلفظون أنفساهم، أو أطفال الفلسطينيين وهم يئنون من جراحاتهم، وبمقاطع الفيديو وهم يغتصبون ويعذبون السجناء، وبالصور لأنفسهم وهم يفجرون المباني بينما يدخنون السجائر أو يتأرجحون على أنغام الموسيقى المنبعثة من السماعات على رؤوسهم. من هم هؤلاء الناس؟ 

ما الذي يمكن أن يبرر ذلك الذي تفعله إسرائيل؟ 

الإجابة طبقاً لإسرائيل وحلفائها، وطبقاً لوسائل الإعلام الغربية كذلك، هو هجوم حماس على إسرائيل يوم السابع من أكتوبر من العام الماضي. إنه قتل المدنيين الإسرائيليين وأخذ الرهائن الإسرائيليين. بالنسبة لهم، لم يبدأ التاريخ إلا قبل سنة من الآن. 

بهذا أكون قد وصلت إلى ذلك الجزء من خطابي الذي يتوقع مني فيه أن أوارب أو أراوغ حماية لنفسي، وحفاظاً على "حياديتي" وعلى مكانتي الفكرية والثقافية. هذا هو الجزء الذي يراد فيه مني أن أسقط في التماثل الأخلاقي وأندد بحماس وبالجماعات المسلحة الأخرى في غزة وبحليفها في لبنان، حزب الله، لما يمارسونه من قتل للمدنيين وأخذ للرهائن. وأن أندد بالناس في غزة الذين احتفلوا بهجوم حماس. بعد الانتهاء من ذلك، يصبح كل شيء يسيراً، أليس كذلك؟ آه، حسناً. الجميع سيئون، ما الذي يمكن للمرء أن يفعله؟ دعونا نذهب للتسوق بدلاً من ذلك.

لكنني أرفض الانخراط في لعبة التنديد. ودعوني أبين لكم موقفي بكل وضوح. ليس من مهمتي أن أقول للمقهورين كيف يقاومون القهر أو من الذين ينبغي أن يكونوا حلفاء لهم. 

عندما التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبحكومة الحرب الإسرائيلية أثناء زيارته لإسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قال: "لا أعتقد أنه يتوجب عليك أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً، فأنا صهيوني".

على النقيض من الرئيس جو بايدن، الذي وصف نفسه بالصهيوني غير اليهودي، والذي يقوم دون أن يوجل أو يجفل بتمويل وتسليح إسرائيل بينما تمضي هي في ارتكاب جرائمها، لن أعلن عن نفسي أو أعرف نفسي بأي شكل أضيق مما أعبر عنه في كتابتي، فأنا ما أكتب. 

أدرك فعلياً بأنني حينما أكون الكاتبة التي هي أنا، غير المسلمة التي هي أنا، والمرأة التي هي أنا، فإن من الصعوبة بمكان، ولعله من المستحيل، أن أصمد طويلاً في ظل حكم حماس أو حزب الله أو النظام الإيراني. ولكن ليست تلك هي النقطة هنا. وإنما النقطة هي أن نثقف أنفسنا حول التاريخ والظروف التي أوجدتهم. والنقطة هي أنهم في هذه اللحظة يقاتلون ضد إبادة جماعية ترتكب. والنقطة هي أن نسأل أنفسنا ما إذا كان بإمكان قوة ليبرالية علمانية أن تقف في وجه آلة حرب تمارس الإبادة الجماعية. لأنه عندما تكون كل قوى العالم ضدهم، فإلى من يتوجهون سوى الله؟ أدرك أن حزب الله والنظام الإيراني لديهم خصوم ومنتقدون داخل بلدانهم، وبعض هؤلاء يقبعون في السجون أو آلت أمورهم إلى ما هو أفظع من ذلك. 
وأدرك أن بعض أفعالهم – قتل المدنيين وأخذ الرهائن من قبل حماس يوم السابع من أكتوبر – تعتبر جرائم حرب. ولكن، لا يمكن أن يكون هناك تماثل أو تكافؤ بين هذا الفعل وبين ما تفعله إسرائيل والولايات المتحدة حالياً في غزة وفي الضفة الغربية وفي لبنان. إن أصل كل العنف، بما في ذلك العنف الذي مورس يوم السابع من أكتوبر، هو الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية واسترقاق الشعب الفلسطيني. فالتاريخ لم يبدأ يوم السابع من أكتوبر 2023. 

أسألكم، من منا نحن الجالسون في هذه القاعة يمكن أن يخضع للذل الذي يخضع له الفلسطينيون في غزة وفي الضفة الغربية منذ عقود؟ ما هي الوسائل السلمية التي لم يجربها الشعب الفلسطيني؟ ما هي التسوية التي لم يقبلوا بها – فيما عدا تلك التي تتطلب منهم أن يزحفوا على ركبهم ويأكلوا التراب؟ 

إن إسرائيل لا تخوض حرباً للدفاع عن النفس، بل تشن حرباً عدوانية، حرباً الغاية منها احتلال مزيد من الأرض، وتعزيز نظامها القائم على الفصل العنصري، وتشديد سيطرتها على الشعب الفلسطيني وعلى المنطقة. 

منذ السابع من أكتوبر 2023، وفيما عدا عشرات الآلاف من الناس الذين قتلوا، لقد شردت إسرائيل معظم سكان قطاع غزة، وعدة مرات متتالية. وقصفت المستشفيات، واستهدفت عن عمد وسابق إصرار الأطباء، وعمال الإغاثة، والصحفيين، وقتلهم. كما يتم الآن تجويع سكان القطاع بأسرهم – وهم الذين يراد لتاريخهم بأسره أن يُمحى. وكل هذا يحظى بالدعم المعنوي والمادي من قبل الحكومات الأغنى والأقوى في العالم، ومن قبل وسائل إعلامها. (وهنا أضم إليهم حكومة بلادي، الهند، والتي تزود إسرائيل بالأسلحة، وتزودها كذلك بآلاف المؤلفة من الأيدي العاملة).

لا يجمع ضياء النهار بين هذه البلدان وإسرائيل، ومع ذلك أنفقت الولايات المتحدة في العام الماضي فقط 17.9 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل. إذن، دعونا وبشكل نهائي نتخلص من الكذبة التي تصور الولايات المتحدة على أنها وسيط، وعلى أنها تمارس نفوذها لضابط السلوك الإسرائيلي، أو كما عبرت عنه ألكسندريا أوكازيو كورتيز (والتي تعتبر في أقصى اليسار من للتيار السياسي السائد في الولايات المتحدة) بالقول إن الولايات المتحدة "تعمل بلا كلل أو ملل" من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. إن الطرف الذي يشارك في الإبادة الجماعية لا يمكنه أن يمارس دور الوسيط. 

لا كل النفوذ والمال، ولا كل الأسلحة والدعاية على وجه الأرض، بإمكانها من الآن فصاعداً أن تخفي الجرح الذي اسمه فلسطين، الجرح الذي ينزف من خلاله العالم بأسره، بما في ذلك إسرائيل. 

تظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية مواطني البلدان التي تمكن حكوماتها لإسرائيل من ارتكاب الإبادة الجماعية أكدوا بكل وضوح أنهم لا يتفقون مع هذا الأمر. ولقد شاهدنا المسيرات التي شارك فيها مئات الآلاف من الناس – بما في ذلك الجيل الجديد من أبناء اليهود الذين سئموا أن يتم استغلالهم وسئموا أن يُكذب عليهم. من كان يتصور أننا سوف نعيش لنرى اليوم الذي تلقي فيه الشرطة الألمانية القبض على مواطنين يهود يحتجون ضد إسرائيل والصهيونية وتتهمهم بمعاداة السامية؟ من كان يظن أن حكومة الولايات المتحدة يمكن أن تقوم، خدمة للدولة الإسرائيلية، بتقويض مبدئها الأهم، ألا وهو حرية التعبير، من خلال حظر الشعارات المؤيدة لفلسطين؟ لقد غدا ما يسمى بالبنيان الأخلاقي للديمقراطيات الغربية – فيما عدا القليل من الاستثناءات المشرفة – محل سخرية في بقية العالم. 

عندما يرفع بنيامين نتنياهو خارطة للشرق الأوسط وقد محيت منها تماماً فلسطين، بينما تمتد فيها حدود إسرائيل من النهر إلى البحر، فإنه يحظى بالإشادة باعتباره صاحب رؤية يسعى من أجل تحقيق حلم الوطن اليهودي. 

ولكن عندما يهتف الفلسطينيون وأنصارهم "من النهر إلى البحر، سوف تكون فلسطين حرة"، فإنهم يُتهمون بالدعوة صراحة إلى ارتكاب إبادة جماعية بحق اليهود. 

هل هم كذلك بالفعل؟ أم أن ذلك تصور مريض يسقط سوداويته هو على الآخرين؟ تصور لا قبل له بمساندة أو استحسان التنوع، لا يمكنه تقبل فكرة العيش في بلد يجاوره شعب آخر مساو له في الكرامة وفي الحقوق، تماماً كما هو حال الناس في بقية العالم. إنه تصور لا قبل له بتحمل الإقرار بأن الفلسطينيين يرغبون في الحرية، مثلهم مثل جنوب أفريقيا، مثلهم مثل الهند، مثلهم مثل جميع البلدان التي تخلصت من نير الاستعمار، البلدان ذات التنوع، البلدان التي رغم ما قد يكون فيها من مشاكل عميقة، وربما قاتلة، إلا أنها حرة. عندما كان الناس في جنوب أفريقيا يهتفون بصيحتهم الشعبية التي يجمعون عليها الجمهور، أماندلا، أي السلطة للشعب، هل كانوا ينادون بالإبادة الجماعية لأصحاب البشرة البيضاء؟ لا، لم يكن ذلك حالهم. لقد كانوا يدعون إلى تفكيك دولة الفصل العنصري (الأبارتايد). تماماً كما يفعل الفلسطينيون. 

إن الحرب التي بدأت الآن ستكون مريعة، ولكنها في نهاية المطاف سوف تفضي إلى تفكيك الأبارتايد الإسرائيلي. وحينها سوف يكون العالم أكثر أمناً للجميع – بما في ذلك الشعب اليهوي – ولسوف يكون أكثر عدلاً. سوف يكون ذلك بمثابة سحب سهم كان مغروساً في قلبنا الجريح. 

فيما لو سحبت حكومة الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل، فإن الحرب سوف تتوقف اليوم. يمكن للقتال أن يتوقف مباشرة في هذه اللحظة. ويمكن للرهائن الإسرائيليين أن يتحرروا، وللسجناء الفلسطينيين أن يطلق سراحهم. ويمكن للمفاوضات مع حماس ومع الأطراف الفلسطينية المعنية الأخرى، والتي لا مفر من أن تعقب الحرب، أن تجري الآن وأن تضع حداً لمعاناة ملايين الناس. كم هو محزن أن يعتبر معظم الناس مثل هذا المقترح ساذجاً ومثيراً للسخرية. 

وحيث أنني أقترب من الخاتمة، دعني يا علاء عبد الفتاح أتحول إلى كلماتك، من كتابك الذي جمعت فيه كتاباتك داخل السجن وصدر بعنوان "أنت لم تهزم بعد". يندر أن أكون قد قرأت مثل هذه الكلمات الجميلة حول معنى الانتصار والهزيمة – وحول الضرورة السياسية لتحدي اليأس والقنوط بكل نزاهة وأمانة. يندر أن أكون قد رأيت كتابة يفصل فيها المواطن نفسه عن الدولة، وعن الجنرالات، بل وحتى عن شعارات الميدان، بمثل هذا الوضوح. 

"المركز خيانة لأن فيه غرفة خاصة بالجنرال ... المركز خيانة وأنا لم أكن يوماً خائناً. يظنون أنهم دفعوا بنا إلى الخلف، إلى الهوامش. لا يدركون أننا لم نغادره بتاتاً، فقط ضعنا لفترة وجيزة. لا صناديق الاقتراع، ولا القصور، ولا الوزارات، ولا السجون، ولا حتى القبور، كبيرة بما يكفي أحلامنا. لم نسع أبداً إلى المركز لأنه لا يوجد فيها مكان سوى لمن تخلوا عن الحلم. حتى الميدان لم يكن كبيراً بما يكفي لنا، ولذلك وقعت معظم معارك الثورة خارجه، ومعظم الأبطال بقوا خارج الإطار".

بينما يتصاعد سريعاً الرعب الذي نشهده في غزة، والآن في لبنان، ليتحول إلى حرب إقليمية، فإن أبطاله الحقيقيين يبقون خارج الإطار. ولكنهم ماضون في القتال لأنهم يعلمون أنه في يوم من الأيام.

من النهر إلى البحر
سوف تغدو فلسطين حرة
نعم سوف تكون حرة
أبقوا عيونكم مركزة على التقويم، وليس على ساعاتكم. 
فهكذا الشعب – وليس الجنرالات – هكذا الشعب الذي يقاتل من أجل حريته يقيس الزمن. 

مقالات مشابهة

  • التنمية المحلية تكشف تفاصيل فعاليات المنتدى الحضري العالمي بالقاهرة (فيديو)
  • تعريف المربين بأهمية الأمراض التي تصيب الماشية بالخفجي
  • سرقة جائزة لاعبة مصرية في المطار
  • 7700 مرشح لـ«جائزة الإمارات للريادة في سوق العمل»
  • وفد طلابي من جامعة الأقصر يشارك في فعالية لوزارة الخارجية.. صور
  • خطاب مثير لناشطة هندية.. دافعت عن فلسطين خلال تسلمها جائزة دولية (شاهد)
  • وعد بتعويض فينيسيوس عن الكرة الذهبية
  • للأطباء.. الصحة تنشر إرشادات للتعامل مع حالات الأنفلونزا
  • صحة الشرقية تكثف جهودها في مكافحة الذباب والبعوض وناقلات الأمراض
  • إيكروم الشارقة يعلن عن لجنة تحكيم جائزة التراث الثقافي العربية لليافعين لعام 2024