السِّيرة البارونيّة في القصائد الطائيّة (2- 3)
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
ناصر أبوعون
يقينًا أنّ كل إنسان يحمل صخرة إيمانه فوق كتفيه، ويصعد بها جبل أقداره؛ فالطريق إلى الله واحدة، يسير عليها- بلا تَنَكُّب- من قبض على جمر صراطه المستقيم، ولا يحيد عنها إلا من زلّ وأتبع نفسه هواها؛ فمنذ بدء الخليقة إلى يوم أن أَهْبطَ اللهُ آدمَ من الجنّة فوق (عرفة)، كان شرط العبور موصول بالغاية الأسمى {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.
لقد كان هذا التمهيد العقائدي مدخلَ صدقٍ إلى سيرة عَلَمَين من رجالات الدين والعلم والأدب؛ فالممدوح هو الشاعر والفقيه والصحفيّ والمناضل الليبيّ سليمان باشا البارونيّ "ربُّ السيف والقلم"، والمادح هو الشيخ الفقيه والشاعر القاضي ومستشار السلاطين عيسى بن صالح الطائي قاضي قضاة مسقط. ومن هذا المدخل نواصل استكمال موضوع "السِّيرة البارونيّة في القصائد الطائيّة" في حلقته الثانية، والتأريخ الأدبيّ لسيرة "الممدوح" المناضل الليبيّ سليمان باشا الباروني الذي كانت سلطنة عُمان آخر محطة في مسيرة حياته، قبل يجف مداد عمره، ويتسجّى للقاء ربّه في شبه القارة الهندية التي وصل إليها طلبا للعلاج من الملاريا، ثم في الحلقة الثالثة نشتغل على تحليل القصيدة الشعرية التي ألقاها الشيخ القاضي عيسى الطائي بين الأعيان وكبار رجال الدولة في ميناء مسقط ترحيبا بمقدم البارونيّ إلى عُمان.
ألسنة الناس.. أقلام الحق
ومن سلامة إيمان المرء ألا يُزكّي على الله أحدًا، فالله أعلم بالجوهر، وما خفي من بواطن الأمور، وليس لنا إلّا ما ظهر وما تواتر ذكره في الصحائف والكتب، وتوارد من الأخبار والسِّيَر وجرى العُرف بأنّ "ألسنة الناس أقلام الحق"، وثبتت صحته بما وافق السنّة وصحيح الأثر، كما جاء في مسند بن ماجة [3419] قول سيد البشر صلى الله عليه وسلم "يُوشِكُ أن تعرفوا أهلَ الجنةِ من أهلِ النارِ. قالوا: بِمَ ذاك يا رسولَ اللهِ؟ قال: بالثناءِ الحسنِ والثناءِ السيِّئِ. أنتم شهداءُ اللهِ بعضُكم على بعضٍ". وهذا ما صحّ في سيرة وتاريخ الشيخ القاضي عيسى بن صالح الطائي فقد كان يُشار له بالبَنان، ونال قسطًا وافرًا من الثناء، وشهد له معاصروه بالإيمان، وبياض صفحته، وعُلُّو هِمَّته، ونورِ حكمتِه.
مصادر السيرة الأدبية
قديمًا وفي عصور الصراعات السياسية، والتناحرات العسكرية التي عصفت بالعديد من الأقطار العربية تراجعت حركة التدوين، وانزوت جهود التحقيق العلمي، ونامت الكراريس المنسوخة ومتون الكتب في بطون الخزائن المنزلية،ول ولا الجهود الفرديّة التي يقوم بها حُرَّاس العقيدة، وسدنة التاريخ العُماني لضاعت كل المخطوطات سدى. أما لمن يرغب في الكتابة والدراسة وإعداد أطروحات أكاديمية عن سيرة الشيخ القاضي عيسى بن صالح الطائي ونتاجه الأدبيّ والفقهيّ فيمكنه العثور على سيرته وتراثه الفكريّ متناثرا في مطبوعات وصحف ومجلات عربية وعُمانية شتى نذكر منها: (المنهاج والأهرام المصرية)، و(الأسد الإسلامي الليبية)، و(وادي ميزاب الجزائرية)، ومجلة (كاظمة الكويتية)، و(جريدة الرؤية العمانية). أمّا الكتب التي وردت فيه سيرته، فمجموعها حتى كتابة هذه السطور تسعة هي: [شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان (جـ3)] - وزارة التراث القومي والثقافة - مسقط 1984م لمؤلفه: محمد بن راشد الخصيبي، وكتاب: [صدق المشاعر في رسالة الشاعر(مختارات شعرية)- المطابع العالمية - روي (سلطنة عمان) 1990م لمؤلف: عبد الله بن أحمد الحارثي، وترجم له الشاعر سعيد الصقلاوي في كتابه: (شعراء عمانيون - مطابع النهضة - مسقط1992م)، وذكر سيرته حسين الريامي في كتابه [تحقيق وتصحيح ديوان أبي الفضل الحارثي] الصادر عن مكتبة الضامري للنشر والتوزيع- السيب (سلطنة عمان) 1995م، وورد ذكر سيرته في كتاب: [الموجز المفيد، نبذ من تاريخ آل بوسعيد]- مطبعة عمان ومكتبتها (ط2)- مسقط 1995للكاتب:حمد بن سيف البوسعيدي، وأشار إليه المحققان علي محمد إسماعيل ود.إبراهيم الهدهد لكتاب:[البلبل الصــداح والمنهل الطفاح في مختارات الشعراء الملاح] الصادر عن مطبعة النهضة الحديثة - المنصورة (مصر) 2002م. وترجم له سعيد بن محمد الهاشمي في كتابه [غاية السلوان في زيارة الباشا الباروني لعمان] الصادر عن مطابع النهضة (ط1)- مسقط 2007م، وأخيرا ورد ذكره في كتاب:[نهضة الأعيان بحرية عمان] الصادر عن دار الجيل لمؤلفه: محمد بن عبد الله السالمي. وآخر ما صدر عنه في طبعةَ رقميةَ في الأول من شهر محرم 1443هـ/ أغسطس) آب عام َ2021مَ عن دار محبوب للنشر الرقمي كتاب: المتفرق من أشعار الشيخ عيسى بن صالح الطيواني للباحث سلطان بن مبارك بن حمد الشيباني، و(ديوان عيسى بن صالح الطائي)، تحقيق: حارث بن جمعة الحارثي، منشورات مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر، ومطبعة العنان 2023م.
وبالبحث وراء شخصيته وآثاره عثرنا على مقطع من السيرة الأدبية للقاضي عيسى الطائي في مجلة كاظمة الكويتية كتبه الشاعر الكويتي عبدالله الصانع على مساحة خمس صفحات تحت عنوان: "كم في الزوايا من نفائس الخبايا"، وأشار إلى قصة المقالة الأديب الوزير عبدالله الطائي في كتابه: "الأدب المعاصر في الخليج العربي"، وقد طبعه معهد البحوث والدراسات التابع للجامعة العربية عام 1974 كتب الشاعر عبدالله الصانع يقول: "وقد اجتمعت بالشيخين عيسى بن صالح قاضي القضاة وأخيه الشيخ محمد بن صالح الطائيين – تغمدهما الله برحمته وأسكنهما مع الأبرار غرفات جنته - وقد كان التعارف بيني وبينهما بالمراسلة قبل سبق المقابلة، فحصل الأنس وانزاحت الغمة ورأيت من فيض فضلهما ما هما به زعيمان، وفوق ما كنت أتصوره؛ فتذكرت بعد رؤيتهما قول ابن هانيء الأندلسي في جعفر ابن فلاح الكتاميّ قائد المعزّ أبي تميم العبيدي: [(كانت مسائلة الركبان تخبرني//عن جعفر ابن فلاح أطيب الخَبَرِ)،(حتى التقينا فلا والله ما سمعت//أذني بأحسن مما قد رأى بصري)].
السيرة الأدبية للقاضي عيسى الطائي
الشيخ القاضي عيسى بن صالح بن عامر بن سعيد بن عامر بن خلف الطائيّ من مواليد الربع الأخير من القرن التاسع عشر 1880- والمتوفى في نهاية النصف الأول من القرن العشرين 19 من مايو 1943]، فقيه وقاض وشاعر؛ زهت بمولده ولاية سمائل الفيحاء عام 1306هـ/ 1889م، وكان أبوه قاضيا وفقيها ثم ترحّل بصحبته إلى (مسقط) واستقرّ في ولاية (بوشر) المسماة نسبةً إلى (أبُو بِشْرٍ الطَّائيّ السمائليّ). وفي مطلع صباه جلس الشيخ القاضي عيسى الطائي إلى أساطين العلم في عصره، واستحلب مصاصة فكرهم، وتربّى على الدر المكنون في صدورهم، واستظهر الفيض المتدفق من معين الفقه الإسلامي في حضرتهم، واستوقد الكوكب الدريّ من ذُبالة أسرجهم التي لا تخبو نارها، ولا يزوي نورها مادامت الدنيا مستنيرة بعلومهم.
وقد وقع عليه الاختيار من قِبَل السلطان السيد تيمور بن فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان بن أحمد بن سعيد البوسعيدي (1886- 1965) ليخلف الشيخ راشد بن عزيز الخصيبي في منصب (قاضي قضاة مسقط)، بعد أنْ أَشْرَبَ روحه الحَييّة من بحر الأحكام الشرعية للشيوخ والأقطاب، فاستبصر على أيديهم فنون الأحكام، وعلوم السياسة والدهاء، وتمثّل بهم في قضايا الشريعة والإفتاء؛ فجمع في شخصيته بين الفقه والشعر وعلم القضاء، واستوقد ذُبالة المجاهدة من جذوة الانتصارات العُمانية في ذبِّ الأجنبيّ وطرده فاستعرت روحه الوطنية التواقة إلى الريادة والعطاء، فكان جديرًا بأن يكون الساعد الأيمن لكبار القضاة والفقهاء، ثم قاضيا للقضاة.
الأغراض الشعرية في القصائد الطائية
انتسب شعر المناسبات العُمانيّ في جلاله وعظمته، وحسن لفظه، وجمال سبكه إلى الشيخ القاضي عيسى بن صالح الطائي، ودارت معظم قصائده على أغرض ثلاثة هي: الاستنهاض القومي للأمة من رقدتها واستثارة الحمية في عروق أبنائها، والرثاء الفني من غير أثرة أو مفاخرة، وفرائد شعرية في التهاني في غير ابتذال أو منادمة، ولأنّه كان رجل دولة واشتغل بالسياسة، وقرّبه أصحاب الدواوين والرئاسة فقد مدح العلماء والأئمة والسلاطين بلاء رياء أو مجاملة، وكانت جُلّ أفكار قصائده المدحية، تبعث التاريخ العربيّ والعماني من رقدته، وتحيي القدوات في قلوب سامعيه.
السمات الشعرية للقصيدة الطائية
ومن السمات البادية بجلاء في شعر القاضي عيسى الطائي؛ التزامه عمود الشعر الخليلي، وجزالة اللفظ العربي، وبلاغة المعنى البياني، ورصانة الصورة الشعرية، والتدفق الشعوري ممثلا لمدرسة البعث والإحياء في الخليج العربي وأطراف المحيط الهندي، كان التراثي العربيّ في بعده التاريخي والجغرافي حاضرا، ومستحضرا للتراث العمانيّ بخصوصيته وتفرده في قصائده، طبعت السلاسة والجزالة وجهها على أسلوبه الشعري، وكان يؤثر المحسنات اللفظية، ويحتفي بفنون البديع القولية، ويستظهر عناصر الموسيقى الخارجية في البناء المعماري لسائر منظوماته، فلما غلبته النزعة القومية وطبعت شعره الروح الوطنية جاءت قصائده محملة بشحنات عالية من الحنين للوطن، والاحتفاء بالعروبة لغةً وأصولا، والإحياء للوحدة الإسلامية منهاجا وتطبيقا، فنراه في جُل قصائده بلا استثناء يُذكر يرفع راية (سليمان باشا الباروني) السياسية، ويستظل تحت شجرة (محمود سامي البارودي) الشعرية وتتبدى هذه السماء بجلاء أكثر في قصائده: (للحق نور) و(بشرى) و(أبو اليقظان) و(للعليا رجال) و (برق أو هديل).
الآثار الأدبية القاضي عيسى الطائي
قرابة نصف قرن من الزمان عاشها الشيخ القاضي عيسى بن صالح الطائي منذ عام 1306هـ / 1889م وحتى وفاته 1362هـ/1943نجده عاصر ثلاثة سلاطين في تاريخ عُمان هم: السيد فيصل بن تركي بن سعيد الذي وقع مع الإنجليز الاتفاقية العُمانية البريطانية للصداقة والملاحة والتجارة، و(السيد تيمور بن فيصل بن تركي 1913–1932) الذي تنازل عن الحكم لابنه السيد (سعيد بن تيمور-1932 1970) والد السلطان قابوس (1970– 2020)– طيّب الله ثراه - مؤسس نهضة عمان الحديثة في سبعينيات القرن العشرين. وقد أشرنا من قبل إلى مصادر سيرة الشيخ القاضي عيسى بن صالح الطائيّ، وهي تحوي الكثير من متفرقات من شعره وتمثلات واستشهادات بلاغية، وآخر ما وقعنا عليه من بديع آدابه: (ديوان عيسى الطائي) حققه حارث بن جمعة الحارثيّ، وقدّم له حفيده الشاعر سماء عيسى، وطبعته مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر المملوكة لحفيده حاتم بن حمد الطائي 2023م، ومن آثاره الأدبية الزاهية كتاب: (القصائد العُمانية في الرحلة البارونية)، حققه وراجعه "سلطان بن مبارك بن حمد الشيباني"، وصدر في طبعة منقحة عام 2013 عن مؤسسة "الرؤيا للصحافة والنشر" بالتعاون مع "مؤسسة ذاكرة عُمان"، ويعود تاريخ هذه القصائد زمن تكليف السلطان سعيد بن تيمور للشيخ القاضي عيسى بن صالح الطائي باستقبال المناضل القوميّ (سليمان باشا الباروني الليبيّ النشأة والعُمانيّ القبيلة والإباضيّ المذهب) والطوافُ به في سائر ولايات عمان، وتقديمه للمشايخ والعلماء والأعيان.
العلاقة بين القاضي الطائي والباروني
عندما طبقت شهرة سليمان باشا الباروني الآفاق وذاع صيته وأصبح واليا على طرابلس بمرسوم من الباب العالي، وعلا نجمه بعد تأسيسه (جريدة الأسد الإسلاميّ) وإنشائه (مطبعة الأزهار البارونية) بالقاهرة، وتأسيسه (الجيش الطرابلسي الإسلاميّ) لمقاومة الاستعمار الإيطاليّ، وانتشرت موسوعته (الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الإباضية)؛ فصار عَلَمًا وقدوةً، وشغل عقول الكثير من شباب الأمتين العربية والإسلامية؛ ارتأى الشيخ القاضي عيسى القاضي في شبابه أن يلحق به إلى (اسطنبول) عاصمة الخلافة العثمانية؛ ليكون رفيقه في رحلة كفاحه، فكتب رسالة للسلطان العثماني عام 1338 هجرية يطلب فيها بعثة دراسية، لكن الأقدار لم توافق آماله؛ فاكتفى بمراسلة جريدة البارونيّ والاتصال به لينهل من مصباح حكمته، الذي استضاء به كثيرٌ من مريديه.
لقد جمع سليمان باشا البارونيّ الذي استحوذ على عقول الشباب التواقين إلى حرية أوطانهم في أزمة نفسه بين القلم (شاعرا وصحفيا، وفقيهًا وخطيبا ورجل سياسة)؛ فصار له ربّا، وبين (البندقية والمدفع)؛ فقضى الشطر الأكبر من عمره مناضلا للاحتلال الإيطاليّ، ومقاومًا له في الصفوف المتقدمة من الجبهات، وانتهى به المآل مطاردًا ومطلوبا على امتداد جغرافية الوطن العربيّ وسائر ولايات الدولة العثمانية التي نهشتها سلطات الاحتلال لأوربيّ بعد أفول شمس الخلافة وجلوس كمال أتاتورك وطغمته العلمانية على كرسي الباب العالي في اسطنبول.
سليمان باشا الباروني في عُمان
وفد سليمان باشا البارونيّ إلى مسقط قادًما من مكة بعد أداء فريضة الحج، على إثر طلب قدّمه للسلطات السعودية راغبا وساطتهم لدى الإنجليز بالسماح له بالعبور إلى مسقط؛ ليقضي بين ظهرانيها بقية حياته، فغضوا الطرف عنه، وأبرقوا للسلطان السيد تيمور بن فيصل بن تركي (15أكتوبر 1913حتى 10 فبراير 1932م)، برغبة الباروني بالوفود عليه، فرّحبَ به وكلّف وفدا عُمانيا رسميا باستقباله ومرافقته في زياراته في سائر الولايات برئاسة الشيخ الشاعر عيسى بن صالح الطائي قاضي قضاة مسقط، وأصدر مرسوما بتفويضه في تنظيم (سياسات السلطنة وشؤنها المالية والعسكرية).
فلما إن رست الباخرة التي تُقلّ سليمان البارونيّ على ميناء مسقط حتى وجد سائر والوزراء والأعيان ورجال السلطان، وجماهير غفيرة في استقباله. وكان ذلك في بدايات العقد الثالث من القرن العشرين، إذ كانت عُمان يومها تتنازعها (إمامة) في الداخل تسعى لإعادة استنبات (الخلافة الراشدة) بعد أن تجاوزها الزمن، و(سلطان) في الساحل يأمل في لمّ الشمل العُمانيّ، ورتق اللحمة الوطنية التي مزقتها الخلافات القبليّة، وتوحيد الخارطة الجغرافية التي نقضت غزلها الصراعات السياسية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الشيخ كمال الخطيب يكتب .. فإنه الركن إن خانتك أركان
#سواليف
فإنه الركن إن خانتك أركان
#الشيخ_كمال_الخطيب
إنه الطفل إذا خاف أو جزع فإنه يمسك بتلابيب ثوب أمه فيشعر بالأنس والطمأنينة، وإذا كان خوفه أعظم فإنه يلقي بنفسه في حضنها ليكون أقرب إلى صدرها ودفقات قلبها فتغمره بالسكينة وتنزع عنه كل معاني ومظاهر #الخوف.
مقالات ذات صلة صحيفة ألمانية: ترامب سيسلم “أم القنابل” لإسرائيل 2025/02/07ومثل الإمساك بتلابيب الأم والارتماء في حضنها فإنه يكون #الإمساك بحبل #الله المتين والارتماء على أعتاب وعند باب الله والفرار إليه، سببًا في نزع #الخوف بل استشعار كل معاني المعية الربانية والقوة العظمى التي لا تجاريها قوة.
وإن الذي لا بد للمسلم أن يتذكّره ولا ينساه أبدًا، أن هذا الكون بكل ما فيه، أرضه وسمائه وإنسه وجانّه هو من خلق الله سبحانه، وهو وحده المتصرف فيه، وأنه لا يكون في هذا الكون أمر ولا يسكن ساكن ولا يتحرك متحرك إلا بإذنه، ولا تسقط من ورقه إلا يعلمها سبحانه. وإذا كان اعتقادنا صحيحًا وسليمًا وصادقًا بأن الله سبحانه هو القويّ وهو الغنيّ وهو الضارّ والنافع وهو الذي يحيي ويميت، فإن هذا الاعتقاد سيجعل صاحبه يعيش في قناعة وثقة أنه في كنف الله صاحب القوة العظمى والذي إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، فيفوّض الأمر إليه ويتوكل عليه، فلا يقف إلا على بابه ولا يمسك إلا بحبله ولا يسأل أحدًا غيره سبحانه.
فإذا لفّك الهمّ ونزل بك البلاء وتاقت نفسك للفرج فتوكل عليه سبحانه {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} آية 160 آل عمران.
وإذا كثر الأعداء وكشّروا عن أنيابهم، أمسك بتلابيب ربك وأحسن #التوكل عليه {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آية 173 سورة آل عمران.
وإذا أصابك البلاء ونزلت بك المصائب فاستبقها وداوها بالتوكل {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} آية 51 سورة التوبة.
وإذا خشيت أعداء الله من شياطين الإنس والجن فلا تلجأ إلا إلى بابه سبحانه {إِنَّهُۥ لَيْسَ لَهُۥ سُلْطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} آية 99 سورة النحل.
وإذا أردت أن يكون الله وكيلك وكفيلك على كل حال وفي كل حين، فتمسّك بحبل التوكل كما يتمسك الطفل بتلابيب أمه {وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} آية 3 سورة الأحزاب.
وإذا أردت أن يكون الله لك ومعك، فما عليك إلا أن تكون أنت كلّك لله سبحانه {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} آية 3 سوره الطلاق. {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} آية 79 سورة النمل.
أن يقول له كن فيكون
في هذا الزمان الذي فيه يظنّ البعض أن من أراد القوة والمنعة والحماية فما عليه إلا أن يمسك بتلابيب ترامب، وأن يرتمي في حضن أمريكا وكأن أمريكا وحكامها أصبحوا آلهة هذا الكون المتفردين فيه، وكأنهم إذا أرادوا شيئًا فإنه حتمًا سيكون. ففي هذا الزمان فما أحوجنا إلى حسن التوكل على الله سبحانه، وحسن التوكل يكون مع الرجاء والدعاء ليكون هو الحبل الذي يربطنا بمصدر القوة العظمى الله سبحانه وليس بأحد من خلقه.
لما رأى موسى أن فرعون يوشك أن يلحق به وبقومه فإنه لجأ إليه سبحانه الذي قال له: {اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} آية 63 سورة الشعراء، وكان إيمان قومه ضعيفًا وقد نظروا إلى الخلف فرأوا فرعون وقد لحق بهم في الطريق اليبس في البحر {فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ*قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} آية 61-62 سورة الشعراء.
إنه الله سبحانه الذي لما أحسن إبراهيم التوكل عليه بعد سماع تهديد قومه له {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} آية 68 سورة الأنبياء، وإذا بالله الذي خلق النار وجعل فيها خاصية الإحراق، يأمرها فتطيع أمره ولا تخالف إرادته {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ} آية 69 سورة الأنبياء، فتحولت النار بردًا وسلامًا بعد أن كانت عذابًا وجحيمًا. هكذا كانت النتيجة لما سلّم موسى وإبراهيم الأمر لله وأحسنا التوكل عليه.
فوحقه لأسلّمن لأمره في كلّ نازلة وضيق خناق
موسى وإبراهيم لما سلّما سلِما من الإغراق والإحراق
إنه الله سبحانه الذي لما خرج يونس وركب البحر غضبًا على عصيان قومه لله تعالى، ثم ما كان من إلقائه في البحر لما أوشكت السفينة أن تغرق، وإذا بالله الذي خرج يونس من أجله وانتصارًا له، فإنه لم ينسَه ولم يتخلَّ عنه. فحين انعدمت الأسباب لإنقاذ يونس ونجاته، وإذا برب الأسباب ومسببها سبحانه يرسل الحوت العظيم ليبتلع يونس ويودعه في بطنه في ظلمات بعضها فوق بعض {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} آية 42 سورة الصافات، ثم لا يلبث أن يلفظه من بطنه كأنه كان في بطن أمه حيث السلامة والحنان، قال سبحانه: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ* ( وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} آية 145-146 سورة الصافات.
وإنه الله سبحانه الذي لما سمع عبده نوحًا يستجير به ويستنصره من عداء وتكذيب قومه له ويرفع يديه إلى السماء يائسًا من حوله وقومه مؤمّلًا بحول وقوة الله رب العالمين {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} آية 10 سورة القمر، فكان أمر الله للسماء أن تنزل ما فيها من قطر ومطر، وأمر الأرض أن تُخرج ما فيها من مياه الينابيع {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ*وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} آية 11-12 سورة القمر.
وإنه الله سبحانه الذي لما استنصره حبيبه محمد ﷺ لما خرج من مكة مهاجرًا فلجأ إلى الغار وقد أوشك كفار قريش أن يمسكوا به وبصاحبه أبي بكر رضي الله عنه لولا أن الله سبحانه قد أعمى أبصارهم عن رؤيتهما {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} آية 40 سورة التوبة.
نعم إنها معية الله تعالى حين تكون مع عباده فإنها تعطل الأسباب ولا يكون مكان للقوانين والنواميس. فالنار التي تحرق تصبح بردًا وسلامًا، والماء الذي يجري يصبح كالصخر، ومن ابتلعه الحوت كان حتمًا سيموت لولا أن الله أراد غير ذلك، وإن العين كانت سترى من في الغار لولا أن الله ألقى بستره على رسوله وصاحبه وقد قال أبو بكر: “يا رسول الله والذي بعثك بالحق لو أن أحدهم نظر إلى موطئ قدمه لرآنا. فقال له ﷺ: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟”.
إرادة الله فوق النواميس والقوانين والطبيعة
هناك من يظن أن معية الله تعالى وإرادته وتهيئته للأسباب من حيث لا يحتسب العبد أو تعطيله للأسباب ولقوانين الطبيعة، فإنها كانت للأنبياء وللصالحين في أزمنة مضت، وأنها لم تعد في هذه الأيام موجودة. إنها مغالطة وجهل بل ونقص في يقين العبد بربه، فلأن الله سبحانه يعلم أن من عباده من يتسلّكوا طريق أنبيائه في تبليغ دعوته، فإنه سبحانه لن يتخلى عنهم وسينصرهم {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} آية 51 سورة غافر.
وما أكثرها من قصص وقعت في زماننا كأن أصحابها يعيشون في زمن الأنبياء.
إنها قصة الطبيب والجراح الباكستاني الشهير “الدكتور عيشان” الذي خرج على عجل إلى المطار للمشاركة في مؤتمر علمي دولي سيعقد في العاصمة وفيه سيتم تكريمه على إنجازاته الكبيرة في عالم الطب، وفجأة وبعد ساعة من الطيران أعلن قائد الطائرة أن عطلًا أصابها بسبب صاعقة ضربتها وأنه سيهبط هبوطًا اضطراريًا في أقرب مطار. حال نزوله توجه إلى مكتب استعلامات المطار ليتبين أن موعد الطائرة التي ستقلع إلى حيث يريد سيكون فقط بعد ست عشرة ساعة. اندهش الطبيب وحار في أمره لأنه بذلك سيفوته المؤتمر، فقال له الموظف: أقترح عليك لأني أراك في عجلة من أمرك، أن تستأجر سيارة فالرحلة لا تزيد على ثلاث ساعات في السيارة بدل الانتظار ست عشرة ساعة.
قبل الطبيب الجراح الفكرة على مضض ولكنها الضرورة، وما أن بدأ مشوار سيره حتى بدأ نزول أمطار غزيرة وانتشر الضباب وانعدمت الرؤية، فما وجد نفسه إلا وقد ضلّ الطريق وقد دخل في طريق فرعية، وفجأة وإذا به يرى كوخًا صغيرًا على جانب الطريق فنزل ليسأل أصحاب البيت عن الطريق الموصل إلى هدفه. طرق الباب فسمع صوت امرأة عجوز تقول له من الداخل: تفضل فالباب مفتوح. دخل الطبيب فسلّم واستأذن من المرأة أن يستعمل الهاتف، فابتسمت وهي تقول له: يا ولدي نحن في منطقة لا يوجد فيها هواتف ولا كهرباء، لكن تفضل واسترح وسأصنع لك الشاي لتشربه وهذا بعض طعام لتأكله. شكر الطبيب المرأة وأخذ يأكل. بينما كانت العجوز تصلي وتدعو الله، التفت الطبيب فإذا به يرى طفلًا صغيرًا ينام على سرير متواضع والعجوز تهز به السرير بين مرة ومرة.
استمرت العجوز في صلاتها ودعائها حتى إذا انتهت قال لها الطبيب: والله لقد أخجلتني يا أماه بكرمك ونبل أخلاقك، وأسال الله أن يستجيب دعاءك، فقالت العجوز: يا بني أما أنت فعابر سبيل أوصى الله بك، وأما دعواتي فقد استجابها الله لي كلها إلا واحدة. سألها الطبيب عيشان: وما هي تلك الدعوة؟ قالت: هذا الطفل الذي تراه فإنه حفيدي وهو يتيم الأبوين وقد أصابه مرض عضال عجز عنه الأطباء في منطقتنا، وكلهم قالوا إن الوحيد القادر على علاجه طبيب في العاصمة اسمه الدكتور عيشان، ولكن المسافة إلى هناك بعيدة ولا طاقة لي للسفر إلى هناك ولا مال لدي لأعالجه به، وأخشى أن يسوء حال الطفل فأنا أدعو الله كل صلاة أن يسهّل أمري للوصول إلى الطبيب عيشان لعلاج الطفل.
بكى الدكتور عيشان وقال لها: يا أماه، إن الله قد استجاب دعاءك فضرب الصواعق وأمطر السماء وعطّل الطائرات لكي يسوقني إليك سوقًا. يا أماه أنا الطبيب عيشان، وبكى الطبيب وبكت العجوز ثم أجرى ترتيباته ونقل الطفل والعجوز إلى المستشفى الذي يعمل به وعالجه وشفي بإذن الله.
ومثل قصة الدكتور عيشان في باكستان فإنها قصة ذلك الداعية المصري المظلوم والمفترى عليه. مصر التي لمّا حكمها الظالمون أدعياء القومية العربية، فإنهم أعلنوا الحرب السافرة على الأبرار والأطهار والشرفاء والعلماء، وما يزال حال مصر كما كان. ففي إحدى جلسات محاكمة ذلك الداعية وكان القاضي في صدد الاستماع لتسجيلات صوتية مفتراة ومفبركة تزعم النيابة والمخابرات أنها الدليل القطعي بها تدين ذلك الداعية الفاضل الذي خلال تلك اللحظات كان لسانه لا يفتر عن قول: “حسبي الله ونعم الوكيل”.
ولحرص النيابة والمخابرات على هذه التسجيلات المفبركة والتي عملوا عليها كثيرًا، فإنهم طلبوا من القاضي أن يقوم بتشغيل الجهاز على شريط كاسيت آخر خشية أن يفسد الشريط الذي أعدّوه. بحثوا فلم يجدوا في الدواليب إلا شريط كاسيت عليه تلاوة من القرآن الكريم، وما أن شغّلوا الجهاز وإذا بأول آية تُسمع هي قول الله تعالى من سوره التوبة {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} آية 107 سورة التوبة.
هذه الآية وهذه المفاجأة جعلت القاضي يرتعش ويوقف جلسة المحكمة ليبدأ سماع ملف هذه المحاكمة من جديد وقد أدرك أنها رسالة من الله عبر هذه الآية أن ما في أدلة المخابرات هو الكذب والافتراء.
ما أكثرها المواقف والمشاهد في الماضي والحاضر تؤكد أن الله لا يتخلى عن أوليائه، وأن حسابات الله غير حسابات البشر، وأن إرادة الله فوق القوانين والنواميس البشرية، {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} آية 42 سورة الأنفال، وقال سبحانه: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ} آية 154 سورة آل عمران، وقال سبحانه {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} آية 249 سورة البقرة، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} آية 123 سورة آل عمران، وقال سبحانه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ} آية 17 سورة الأنفال. هذه وغيرها من الآيات للتي تؤكد معية الله تعالى أنه هو مسبب الأسباب وصاحب الإرادة التي إذا أراد أن يقول للشيء كن فيكون. فما على المسلم إلا أن يظلّ في معية الله تعالى مطمئنًا واثقًا بوعد الله لأوليائه، وقد قال في ذلك الشهيد سيد قطب رحمه الله: “لا تشغل نفسك بموعد الفرج إنه والله فوق الرؤوس، ولكن أشغل نفسك أين أنت وأين موقعك بين الحق والباطل”.
اعملوا وتفاءلوا
إن صدق التوكل على الله سبحانه لا يعني عدم الأخذ بالأسباب ولا يعني إهمال الإعداد الكامل في كل شيء {وَأَعِدِّوْا} من أجل تجاوز المرحلة. وقد قال في ذلك المرحوم محمد إقبال: “المسلم الضعيف هو الذي يعتذر بالقضاء والقدر، أما المؤمن القوي فهو قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يُرد”. ولقد قال في ذلك الشاعر المسلم:
تفاءل تفاءل ولا تيأسنّ ولا تعتذر بالقضاء والقدر
إذا المرء يومًا أراد العلا فلا بد أن يستحث السيّرَ
فالمسلم لا يجلس ينتظر الطير الأبابيل ولا المعجزات والخوارق، ولكنه إذا أخذ بالأسباب وكان شعاره {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} آية 62 سورة الشعراء {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} آية 40 سورة التوبة، وإذا كان هذا هو منهج وبناء أبناء شعبنا وأمتنا، فإننا على يقين أن أمتنا ستخرج من هذه المحنة وستنفي عنها الزيف كما تنفي النار زيف الذهب ليكون خالصًا صافيًا أصيلًا لا خَبَث فيه ولا زيف.
فما علينا إلا الثقة بالله تعالى وحسن التوكل عليه والركون إلى قوته والاعتصام بحبله، وسنرى من عظيم لطف الله ما يدهشنا ويجبر خاطرنا
واشدد يديك بحبل الله معتصمًا فإنه الركن إن خانتك أركان
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.