لما كان موضوع علم الأخلاق هو أحكام قِيَمِيَّة تتعلق بالأعمال التي توصَف بالحسن، والقبح، وبيان ما ينبغي أن تكون عليه معاملة الناس بعضِهم بعضًا فسوف تكون ـ بعون الله ومشيئته ـ هذه السلسلة من المقالات تدور حول الارتقاء بالأخلاق، والسلوك، بما يتوافق مع المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، نبيِّن فيها للقارئ الكريم المبادئ العامة، والمشكلات التي تواجه مكوِّنات المجتمع من الرجال، والنساء، والشباب، والأطفال، وتقدِّم العلاج لهذه المشكلات؛ حتى تعم الفائدة فى ضوء، وضوابط، ومقاصد الشريعة الإسلامية، ولما كان الفقه الإسلامي هو العلم بالأحكام العملية المستمدة من الأدلة التفصيلية، فإننا سنبيِّن كيف نستفيد من أبواب الفقه الإسلامي فى العبادات، والمعاملات، وأحكام الأسرة، وكافة مباحثه لبيان الجانب الخلقي؛ حتى تعمَّ الفائدة ـ إن شاء الله ـ فالفقه الإسلامي يبيِّن لنا علاقةَ المسلم بالخالق، وعلاقته بالخلائق، والله من وراء القصد، وهو وحده الهادي إلى سواء السبيل.


إن الخُلُق هو الدين والطبع والسجية والمروءة، وهو هيئة الروح، وحال النفس، فالأخلاق هي مجموعة من المبادئ، والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني، تلك التى تنظم حياة الإنسان، وتحدد علاقته بغيره، وما يحيط به، فموضوع الأخلاق هو كلُّ ما يتصل بعمل المسلم، ونشاطه، وكل ما يتعلق بعلاقته بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته مع الناس.
كما إنّالنهضة الحقيقية للأمم، وأساس بقائهاإنما يقاس بمدى سموِّ الشعوب أخلاقيًّا، وسلوكيًّا، وهو من أهم مقوِّمات الحضارة الإنسانية، وتماسك المجتمع، ولا شك أن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية هو حسنُ الخلق، والسلوك القويم، وأن المسلمين يتقربون إلى الله بمحاسن الأخلاق، وأن الله قد أثنى على رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وهو قدوة المسلمين، وأسوتهم، ومثلهم الأعلى بقوله تعالى:(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم ـ 4)، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إِنَّ من أَحَبِكُم إِلىَّ، وأقْرَبَكُم مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُم أَخْلاقًا) (رواه الترمذي)، فاذا ساد الخلق القويم، والسلوك المعتدل المستقيمفى المجتمع قلَّتْ النـزاعاتُ، وكادت تنمحي الصراعاتُ، وعمَّ السلمُ بين عناصر المجتمع، وتوطدت أركانُه، وقوي بنيانُه.
ولقد جاءت الدعوة الإسلامية لتعليَ راية الأخلاق المستمدة من العقيدة التي أمرتْ بطاعة الله ورسوله، وأولى الأمر،ورغَّبَتْ فى الأمانة، والصدق، والعدل، والرحمة، ومراعاة العهد، وحرمة الجوار، وحثتْ على النظافة، وإزالة النجاسة:(المعنوية والحسية)، وعدم التـزاحم فى المناسبات، وحُسْن اللباس، والزينة، وعفة اللسان، والفراش، ومراعاة أحكام الشريعة الإسلامية فى التصرفات المالية، ونهتْ عن الظلم، والخداع، والغش، والغبن فى البيوع، وأكل أموال الناس بالباطل،والتعدي على الحرمات، والأعراض، وشيوع الفاحشة.

د. أحمد طلعت حامد سعد
كلية الآداب ـ جامعة بورسعيد بجمهورية مصر العربية
AHMEDTHALAT468@GMAIL.COM

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الشریعة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

المفتي من جامعة الصالحية الجديدة: إحياء القيم الأخلاقية ضرورة دينية

أكد د .نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، خلال كلمته بندوة "إحياء القيم الإسلامية" التي احتضنتها جامعة الصالحية الجديدة، أن الحديث عن القيم الأخلاقية ليس ترفًا فكريًّا ولا تزيينًا للخطاب، بل هو عودة إلى أصلٍ من أصول الشرائع السماوية، ذلك الأصل الذي يقوم عليه بنيان الدين، إلى جانب العقيدة والتشريع، موضحًا أن عالمنا المعاصر، بما فيه من سرعة في الإيقاع، وحدة في الأحكام، وقسوة في النتائج، يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى بثّ روح القيم في جسده المرهق، وغرس منظومة الأخلاق في تربة الواقع التي جفّت من معين الرحمة والتراحم.

وأوضح فضيلة المفتي، أن الأخلاق هي الغاية النبوية والمقصد الأعظم من البعثة المحمدية، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق" مشيرا إلى أن الأزمات التي نعيشها اليوم، في شتى صورها، هي في جوهرها أزمات أخلاقية قبل أن تكون سياسية أو اقتصادية، وأن غياب الوازع الداخلي أدى إلى فساد العلاقة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان وبني جنسه. فالرقابة الذاتية لا تولد إلا من عقيدة صحيحة وقلب حيٍّ يأنف القبح، ويتشبث بالحق، ويرتقي بالخلق.

مفتي الجمهورية: القيم الإنسانية المشتركة بين الأديان مصدر لبناء الحضاراتمفتي الجمهورية يبحث الحفاظ على هوية المسلمين في البلدان متعددة الثقافاتمفتي الجمهورية: برامج خاصة لتدريب الأئمة والمفتين في جيبوتي.. صورمفتي الجمهورية ينعى البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية

وأضاف فضيلة المفتي، أن سيطرة المادة وضمور الضمير وغياب القانون الأخلاقي هي أمراض العصر الكبرى، مشيرًا إلى ما يحدث في غزة بوصفه شاهدًا صارخًا على ما تؤول إليه الإنسانية حين تنفصل عن منظومة القيم.ومبينًا أن الشرائع السماوية، بل وحتى الفلسفات الوضعية، اتفقت على أصول الأخلاق، وأننا علينا أن نعيد بناء هذه المنظومة عبر القدوة الطيبة، والعلاقات الأسرية السليمة، والحوار الهادف. وختم فضيلته بتوجيه رسالته إلى الطلاب والطالبات قائلًا: "أنتم الثمرة المرتقبة، وأنتم دواء هذا الوطن، أنتم بناة الغد وروح النهضة، فكونوا بأخلاقكم رسلًا إلى العالم، فالأمم تُخاطب بأخلاق أبنائها قبل أقوالهم."

من جانبه، ثمَّن الدكتور محيي الدين مندور، رئيس جامعة الصالحية الجديدة، حضور فضيلة المفتي ومشاركته الرفيعة في هذه الندوة التي تمس جوهر رسالة الجامعة في بناء الإنسان علمًا وخُلقًا، مؤكدًا أن الجامعة وهي تسعى إلى تنشئة أجيال واعية وفاعلة، تدرك أن العلم بلا خلقٍ سيفٌ بلا غمد، وأن القيم هي الحصن الحقيقي أمام الانجراف وراء التيارات الهدامة. وأضاف أن اللقاء مع فضيلة المفتي يمثل جسراً مباركًا بين منارة العلم ومنبر الفتوى، ويجسد الشراكة الفكرية والروحية في ترسيخ الهوية وبناء الوعي.

وفي ختام اللقاء، تمَّ تكريم الفائزين في مسابقة حفظ القرآن الكريم التي نظَّمتها جامعة الصالحية الجديدة، في لفتةٍ تؤكد عناية الجامعة بالقرآن الكريم واحتفائها بأهله، إيمانًا منها بأن كتاب الله هو النبع الأصفى لتزكية النفس وتقويم السلوك وبناء الوجدان، وأن الحافظين لآياته هم الحملة الحقيقيون لميراث النبوة وراية الإصلاح، وقد أعرب فضيلة المفتي عن سعادته برؤية هذه النماذج المشرفة من الطلاب والطالبات، مؤكدًا أن اجتماع الأخلاق بالعلم، والنور بالقرآن، هو السبيل الأمثل لصناعة أجيال تعيد للأمة مجدها وكرامتها.

مقالات مشابهة

  • بعد فتواه عن الميراث.. سعد الدين الهلالي يدعو لتغيير اسم علم الشريعة
  • الأخلاق الرقميه
  • كيف تحمي أبناءك من التـ.ــحرش الإلكتروني؟.. الأوقاف توضح
  • الجهاد الإسلامي لعباس: استخدمت عبارات غير لائقة وتبنيت رواية الاحتلال
  • مستهدفة مليون زائر.. "الشؤون الإسلامية" تفتتح معرض "جسور" الإسلامي الخامس بإندونيسيا
  • سلاح الجو النوعي الذي أرعب الحركة الإسلامية
  • كبار المواطنين: «بركتنا» تعكس حرص القيادة على جودة حياتنا
  • المفتي من جامعة الصالحية الجديدة: إحياء القيم الأخلاقية ضرورة دينية
  • قتيلان من الجماعة الإسلامية وحزب الله بغارتين اسرائيليتين على لبنان
  • حزب اللّه يدين بشدة اغتيال القيادي بالجماعة الإسلامية حسين عطوي